فليحذر الذين يخالفون عن أمره

۝۝۝۝۝

عن سَعِيدَ بن الْمُسَيَّبِ قال: سمعت أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النبي صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
" من كان له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فإذا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فلا يَأْخُذَنَّ من شَعْرِهِ ولا من أَظْفَارِهِ شيئا حتى يُضَحِّيَ ".
مسلم (1977)، وأبو داود (2791).
وفي لفظ لأحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه:
" إذا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أحدكم أَنْ يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شيئا ".

في هذا الحديث باختلاف ألفاظه؛ نهى النبي صلى الله عليه وسلم ـ المبلغ عن ربه ـ أن يأخذ المسلم ـ الذي يريد أن يضحي ودخل شهر ذو الحجة ـ من شعر جسمه سواء بالنتف أو الحلق أو القص بأي طريقة وبأي أداةٍ وعن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره حتى يذبح أضحيته، والنهي هنا يفيد المنع من ارتكاب هذا الفعل ما لم يصرفه نص شرعي صحيح صريح أو فعل متأخر منه ناسخ للصحيح.

۝۝۝۝۝

يقول قائل: اختلف العلماء في حكم هذا النهي على أربعة: التحريم ـ والكراهية للتنزيه ـ عدم الكراهية ـ يحرم فى التطوع دون الواجب ـ.
فعلى هذا يجوز لنا أن نحلق ونقصر ونزيل من شعر الجسم ما نشاء ونقلم الأظفار متى شئنا في أيام الأضحية قبل أدائها ولا يؤثر في الأضحية وأنها ـ سارية المفعول ـ.

۝۝۝۝۝

نقول لهؤلاء: إن جميع العلماء يجعلون الكتاب والسنة مرجعهم عند الإختلاف، أخذاً بقوله تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ }.

فإن حصل الخلاف عند العلماء بحسب اجتهادهم ـ رحمهم الله تعالى ـ؛ فلا بد من أمرين اثنين لهذا الاختلاف:

الأول: أن بعضهم أصاب الحكم بعد اجتهاده.

الثاني: أن بعضهم أخطأ ولم يحالفه الصواب بعد اجتهاده.

وكلا الفريقين مأجورين غير مأزورين مع اختلاف أجورهما.

فالأول له أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الصواب.

والثاني له أجر واحد: وهو أجر الاجتهاد.

قال صلى الله عليه وسلم:
( إذا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ).
متفق عليه.

۝۝۝۝۝

وعلى المسلم أن يتنبه لأمرين مهمين في حال نظره في اختلاف العلماء في مسألة ما من مسائل الشريعة الإسلامية:

الأمر الأول: أن لا يتخير من كلام العلماء أسهله وما وافق هواه من غير تمعن وتمحيص.

الأمر الثاني ـ وهو الأهم والمهم ـ: أن يحذر المسلم من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتساهل في ذلك وأن لا يستصغر المسألة، لأن في مخالفته عليه الصلاة والسلام عقوبة شديدة في الدنيا والآخرة، ونحن لا نتحمل العقوبة، قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

وقد استشهد بهذه الآية الإمام مالك رحمه الله في مسألة لم يرد فيها نص بالنهي عن فعلها إنما جاء السنة بها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بها ـ وكفى بذلك اتباعا ـ، وهي الإحرام من الميقات وليس من البيت، فقد سأله رجل أن يحرم من بيته في المدينة فقال له مالك: " لا تفعل ". فقال الرجل: إنما هي بضعة أميال. فقال له مالك: إني أخاف عليك الفتنة، فإن الله يقول: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ..}.

قلت: هذا الرجل الذي سأل الإمام مالك؛ لم يكن قد تعمد مخالفة السنة، بل قد كان قصد زيادة الأميال وهو في عبادة متلبساً بالإحرام.

فكيف بمن قصد المخالفة وتعمدها مع سبق الإصرار؛ مع وجود نص شرعي صحيح صريح بالنهي ؟؟!!!

فتأمل أيها المسلم المتّبِع هذا الموقف وقس عليه أي مخالفة شرعية ـ تهَِمُّ بها ـ وانتهِ عنها.

۝۝۝۝۝

كتبت هذا نصحاً للمسلمين من الوقوع في الزلل أو الهوى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

۝۝۝۝۝

كتبه
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
بعد فجر يوم السبت
8 / 11 / 1434هـ
الموافق: 14 ـ 9 ـ 2013م.