السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أحسن الله إليكم وبارك ياشيخ يوسف لعويسي ونفع بكم .

ـ كما لا يخفى ياشيخ الكريم دقة مسألة الهجر المخالف والمبتدع والعاصي وبين المصلحة والمفسدة والقوة والضعف...مما يتحير فيه بعض إخواننا من خلط في الفهم والخوض فيها وعدم ضبطها وهناك من يستدل بكلام الشيخ عبد المالك رمضاني الجزائري المنشور.
فنود من الشيخ الفاضل بيان هذه المسألة وما مدى صحة جواب الشيخ عبد المالك رمضاني ...؟

وجزاكم الله خيرا ....

تفضل :

سئل :
نريد منكم توضيحًا حول مسألة هجر المبتدع ، وهل أنكم تقولون بهجره مطلقًا ، أو أن هناك تفصيلاً عندكم ؟


أجاب :
الهجر - أي هجر المبتدع - بل وأدمى من المبتدع هجر العاصي ، من دين الله عزَّ وجلَّ ، لأنه الذي نزل فيه قوله تعالى ) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ

إِلَّا إِلَيْهِ ( ، [التوبة : 118] ، فهذه الآية نزلت في الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد ، لما كان التخلف عن الجهاد غير سائغ ، فلما تخلفوا ، اللهُ عزَّ وجلَّ أمر نبيه r أن يأمر أصحابه بأن يهجروهم ، فجاء المنافقون واعتذروا باعتذارات باردة كاذبة ، وأما هؤلاء الثلاثة ، فكانوا صادقين ، واعترفوا للنبي r بأنهم تخلفوا عن الجهاد بلا عذر ، بل كانوا أقوى ما يكونون ، فتخلفوا عن غير عذر ، مع ذلك لما نزلت توبتهم ، كان ما كان من أجل صدقهم ، الشاهد من هذا قال القرطبي - رحمه الله – : ” إذا جاز أن يُهجر العاصي ، فمن باب أولى أن يهجر المبتدع ، لأن المبتدع شر من العاصي ” هذا من حيث التشريع الهجر ، وفي السيرة النبوية شيءٌ كثير لا داعي لذكره حتى نأتي على السؤال
إن شاء الله .


أما الهجر وهل هو حكم كما يُقال اليوم جامد ؟ كلما ابتدع مبتدع هجر ؟
الجواب : لا ، ذكر هذا بن تيمية - رحمه الله – بجلاء وتجدون تفاصيل كلامه منقولة في كتاب ” موقف أهل السنة والجماعة من أصحاب البدع والأهواء ، أو من أهل البدع والأهواء ” للشيخ الدكتور إبراهيم الرحيلي - - وهو كتاب نفيس ، وبابه هنا باب عظيم ، فأرجوا الرجوع إليه ، بل لا أعرف من العلماء الذين درسنا عليهم أحدًا خالف في أن هجر المبتدع منوط بالمصلحة والمفسدة ، فلذلك نحن على دربهم نسير ، كل ما عرفت من أهل العلم يقولون الهجر هجر المبتدع كهجر العاصي منوط بالمصلحة والمفسدة ، فإذا غلبت المفسدة المصلحة عومل بالهجر ، وإذا كان العكس ترك الهجر ، والذي عليه كل من عرفناه من أهل العلم في هذا العصر ، طبعًا تطبيقًا على واقع العصر اليوم أن هجر المبتدع اليوم ينبغي أن يضيق ، ينبغي أن يضيق ، وذلك لضعف أهل السنة ضعف شوكتهم في أكثر بقاع الأرض ، فهجرهم المبتدعة في هذا العصر يساوي هجرهم لأنفسهم ، أهل السنة اليوم مهجورون ، منبوذون ، مشردون ، مطرودون ، فإذا جلسوا يهجرون أهل البدع ، سيبقون أشد هجرًا وتشريدًا فما يحصل القرض ، لأن القرض من الهجر أولاً : أن يرتدع المبتدع فيرجع .


ثانيًا : أن نعصم أنفسنا من بدعتهم ، كونك تهجر اليوم المبتدع فيرجع ؛ هذا بعيد ، لأنه يجد كهوفًا مثله يأوي إليها ، فالمجتمعات تَعُجُّ من أهل البدع مع الأسف ، وكونك تحفظ نفسك من بدعته ، لا يحتاج إلى هجره هجرًا كاملاً ؛ بل يكفيك في ذلك الهجر الوقائي ، وهو أن لا تجعله صاحبًا لك ، ولا خليلاً ، ولا خديمًا ، ولا ولا … الخ ، ولكن لا بأس إذا لقيته أن تسلم عليه ، فضلاً عن رد السلام عليه ؛ بل أنا أنصح بأن يكون حالك كذلك ، لن تكون أغير من أبي الدرداء الذي ذكر عنه البخاري في صحيحه أنه كان يقول : ” إنا لنكشر في وجوه قوم ، وإن قلوبنا لتلعنهم ” ، نكشر أي – نبتسم - معنى القلوب لا تحبهم تأملوا ؛ بل أكثر من ذلك الرسول r في الصحيحين حديث عائشة ، أن النبي r لما رأى رجل قادم قال : ( بأس أخو العشيرة ) ، أنتقده ، لكن لما وصل إليه ، هش وبش له ، ورحب به ، فاستغربت عائشة ، فسألت النبي r قال : ( يا عائشة متى عهدتيني فحاشًا ، إن شر الناس من تركه الناس ابتغاء فحشه ) ، فالنبي r ماذا فعل مع هذا الرجل ، حذر منه ، مع ذلك لم يبين له ذلك ، ولم يأمر بهجرة ، لكن حذر منه ؛ بل لما جاء داراه أستعمل معه المداراة التي هي غير المداهنة .

إذاً لن نكون أغير على الحق من رسول الله r ؛ وإنما القضية قضية مصلحة ومفسدة ، لو ذهب الرسول r يهجر هذا الرجل ، وأمر بهجره وهو صاحب عشيرة ، صاحب قبيلة ، مسموع الكلمة ، لذهب هنالك يشوش على النبي r على دعوته حتى لا تصل إلى قبيلته ، وهو مسموع الكلمة ، ولذلك صرح بذلك النبي r في بعض الأحاديث الصحيحة أنه قال : ( إنا لنداري سيد القوم ) ، سيد قوم يدارى ، وذلك هذه قوة شوكته في مجتمعه .

إذًا الخلاصة ، إذا كان أهل السنة أقوياء ، وجب عليهم أن يهجروا أهل البدع ، وأن يشردوهم ، وأن ينكلوا بهم ، وأن يصيبوهم بكل ما يمكن أن يصاب به عدوّ ، والنبي r يقول : ( المرء على دين من يخالل ) ، لأن مخالطة أهل البدع ، تنقل العدوى ، عدوى ما أُصيبوا به إلى المجتمع ، ولكن يمكن أن لا نخالطهم مع عدم هجرهم إذا كُنا ضعفاء ، أما مع القوة فكما سمعتم .

هذا خلاصة ، وأنصح إخواننا أن لا يكونوا ، أن لا يشتدوا وهم يظنون أنهم ينتصرون للسنة ، وهم ينتصرون لأنفسهم ، لما يدخلون في جدال مع بعض أهل البدع ، فيخرجون مبغضينهم أشد البغض أشد مما كانوا ، والكثير منهم لا ينضبطون بهذه الضوابط ، هاجر أحمد ، وهاجر إسحاق بن رهاويه ، وهاجر الصحابة … الخ ، لكن هذا عند قوة السنة في المجتمع ، وعند حصول المصلحة ، وتحقيق الحكمة التي من أجلها شرع الهجر ، أما عندما يخفى ذلك ، فيجب إخفاء الهجر إلى أجل ما . والله تعالى أعلم

.من أجوبة فضيلة الشيخ عبد المالك رمضاني حفظه الله على أسئلة أعضاء منتديات المحجة السلفية.