الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم وسلم تسليما كثيرا .
س 2 : هذا سائلاً يسأل . يقول ما هي قواعد أهل السنة مع الولاة ؟
ج 2 / قواعد أهل السنة مع الولاة سواء كانوا وصلوا إلى الولاية عن الطريق الشرعي لانعقادها أو عن طريق غير شرعي كالانتخاب وغيرها فإن ذلك يعتبر في حكم المتغلب ، وإن كان لا يرون جواز الانتخابات ويقولون أن هذا ليس من الطرق الشرعية ؛ ولكن إذا حصل فهو في حكم المتغلب تجب طاعتهم في المعروف ومعصيتهم في معصية الله ؛ والتعاون معهم على البر والتقوى وإعطائهم حقهم ، ومنع الخروج عليهم ديانة ، والنصيحة لهم في السر دون العلن ، فلا يجوز ذكر مثالبهم وظلمهم ومعايبهم فوق المنابر وعلى الإعلام المقروء والمسموع ، ويحثون على الصبر عليهم وعلى جورهم من أجل استتباب الأمن وحقن الدماء واستكان الدهماء إلا أن يروا كفرا بواحا لهم من الله عليه برهان كالشمس في رائعة النهار ليس دونها سحاب ، فجاز الخروج عليه وتنحيته ولكن بشروط وضوابط أخرى تكاد تكون تعجيزية ، وهي بعد الكفر البواح والدليل عليه من الله ، المقدرة على تنحيته دون منكر ولا فتنة ولا ضرر من إراقة الدماء وانتهاك الحرمات وأن يقرر الخروج أهل الحل والعقد فليس لأحد من الرعية أن يقرر ذلك لأن هذا يدفع كل من لم يعجبه الحاكم إلى الخروج عليه وهكذا وتصبح دنيا المسلمين فوضى من الدماء والخراب والدمار .
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح أنهم لا يرون الخروج على ولاة الأمور المسلمين الظلمة الجائرين مهما كان جورهم ما لم يكفروا بالله تعالى كفرا يبيحون به يخرجهم من الإسلام قولا أو عملا ...
أما إذا كفر ولي الأمر أي الحاكم فيجوز للمسلمين الخروج عليه ولكن بشروط دقيقة صعب تحقيقها وخاصة في العصر الحاضر مما يجعل النتيجة عدم جواز الخروج حتى لو كفر بعضهم لانتفاء الشروط وثبوت الموانع وإليكم تلك الشروط وكل شرط يقابله مانع .
1- أن يكفر كفرا بواحا ، أي يبوح به ويظهره ، ويعلنه ، قولا وعملا مع كونه مختارا عالما بذلك .قال ابن منظور في لسان العرب (2/416). ( بوح ) البَوْحُ ظهر الشيء وباحَ الشيءُ ظهر وباحَ به بَوْحاً وبُؤُوحاَ وبُؤُوحَةً أَظهره وباحَ ما كَتَمْتُ وباحَ به صاحبُه وباحَ بِسِرِّه أَظهره ورجل بَؤُوحٌ بما في صدره وبَيْحانُ وبَيِّحانُ بما في صدره معاقبة وأَصلها الواو وفي الحديث إِلاَّ أَن يكون كُفْراً بَواحاً أَي جِهاراً ويروى بالراء .
أما الذي يكفر في السر أو في الاعتقاد وينفي ذلك في العلن فلا سبيل لنا إليه ، وإنما ينبغي معاملته حسب ما يظهر .
وقد بيَّن فضيلة الشيخ ابن عثيمين هذه الشروط في (( الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات : 286 )) فقال : (( فليعلم أنَّ الخروج على السلطة لا يجوز إلا بشروط :الشرط الأول : (( أن تروا )) بمعنى أن تعلموا علماً يقينياً بأنَّ السلطة ارتكبت كفراً .
الشرط الثاني : أن يكون الذي ارتكبته السلطة كفراً (( أي ذاته بمعنى يكون مخرجا بذاته من الملة )) فأما الفسق فلا يجوز الخروج عليهم بسببه مهما عظم .
الشرط الثالث : (( بواحاً )) أي معلناً صريحاً لا يحتمل التأويل .
الشرط الرابع : (( عندكم فيه من الله برهان )) أي مبني على برهان قاطع من دلالة الكتاب والسنة أو إجماع الأمة .
فهذه شروط أربعة .
والشرط الخامس : يؤخذ من الأصول العامة للدين الإسلامي وهو قدرة هؤلاء المعارضين على إسقاط السلطة الحاكمة ، لأنه إذا لم يكن لديهم القدرة أنقلب الأمر عليهم لا لهم ، فصار الضرر أكبر بكثير من الضرر المترتب على السكوت على هذه الولاية ... أ . هـ
وقال الإمام الألباني : فالذي أريد أن أقوله : الخروج على الحاكم من الناحية الشرعية هو أمر جائز ، وقد يجب ، لكن بشرط أن نرى الكفرَ الصريح البواحَ .
الشرط الثاني : أن يكون بإمكان الشعب أن يخرج على هذا الحاكم ويُسيطر عليه ، ويحلَّ محلَّه دون إراقة دماء ( قليلة أو)كثيرة وكثيرة جدًّا ، فضلاً عمَّا إذا كان الشعب ـ كما هو الواقع اليوم في كلِّ البلاد الإسلامية ـ لا يستطيع الخروج على الحكام ؛ ذلك لأنَّ الحكام قد أحاطوا أنفسهم بأنواع من القوة والسلاح ( الفتاك المدمر ) ، وجعلوا ذلك حائطاً وسياجاً يدفعون به شرَّ من قد يخرج عليهم من شعوبهم وأُمَّتهم )).ثم لو حصل (( أن الإمام كفر واتفقنا على كفره كيف يكون الخروج عليه ؟ يقول أبو المعالي الجويني : ولا يكون ذلك لآحاد الرعية بل لأهل الحل والعقد )) .ا هـ من كتاب فتاوى العلماء الأكابر في ما أُهدر من الدماء في الجزائر( 140 ).
فإذا كفر الحاكم وأعلن كفره وباح به وأظهره علانية قام أهل الحل والعقد بعزله وإبداله بغيره ، ولكن بشرط أن لا يترتب على ذلك سفك دماء ، وحصول فتنة ، وتجاوز للحرمات والحدود التي حدها الله تعالى فقتل مسلم واحد أهون عند الله من زوال الدنيا ، وفتنة خطر الدهماء فتنة عظيمة يصعب تسكينها .وهذا ما قرَّرَه وأراده الإمام أحمد عندما كان خلفاء بني العباس يقولون بخلق القرآن ، ويُلزمون الناس بالقول به ، وضربوا الإمام أحمد وغيره من العلماء على أن يقولوا بخلق القرآن وهو كفر ، والإمام أحمد يُكفِّر من يقول بخلق القرآن ، لكن لَمَّا جاءه بعضهم وقال : نريد الخروج على أولئك ، فالفتنة عَظُمَت .منعهم وقال لهم لا أُحِلّ لكم ذلك ، إذا وقع السيف وقت الفتنة ، تسفك الدماء وتنتهك الحرمات وتنقطع السبل ، اصبروا حتى يستريح برٌّ ويُستراح من فاجر .
هذا هو المبدأ الذي فهمه أئمة المسلمين وأئمة السلف أهل السنة والجماعة في التعامل مع الولاة ينهون عن الخروج عليهم بإجماعهم ويأمرون بالصبر ولو حصل أن كفر الحاكم ؛ فإنه إنما يجوز لأهل الحل والعقد أن يعزلوه بشروط التي ذكرها العلماء وليس لآحاد الناس أو جماعات من الحزبيات والطائفيات تقرير الخروج عليه ، وليعلموا أن من خرج على إمام وتغلب عليه فلينتظر الخروج عليه بنفس الطريق الذي اسقط به الإمام الذي قبله والجزاء من جنس العمل، فمن تغلب بالانتخاب فإنه سيسقط بالانتخاب ومن تغلب بالقوة والسلاح فغنه سيتغلب عليه كذلك ..
وكتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي
الجزائر : 14/11/ 1434هـ الموافق 20/09/2013م