وكونوا عباد الله إخوانا




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن المؤمنين الموحدين لله رب العالمين هم إخوة في دين الله عز وجل وإن اختلفت ألوانهم وألسنتهم وبلدانهم، وإن تباعدت أوقاتهم وأزمانهم، كما قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة) وهذه الأخوة ليست كلمة تلاك باللسان دون أن يكون لها أثر على القلب أو على اللسان أو على الجوارح، بل هي أخوة حقيقية لها حقوقها وواجباتها. وحقوق الأخوة الإيمانية كثيرة يضيق المقام عن استيعابها لذا سأقتصر على
شيء منها فمن حقوقها:


1- المحبة:
وهذه المحبة محبة دينية الباعث عليها أن هذا العبد عبد مؤمن مسلم من أهل التوحيد فأنا أحبه لذلك لا لشيء من الدنيا ومطامعها، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: (أي عرى الإيمان أظنه قال أوثق؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله) رواه الحاكم وغيره .

والناس من حيث المحبة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

قسم يحب محبة خالصة لا بغض فيها

وهم أهل الإيمان التام كالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

وقسم يبغض بغضاً تاماً لا محبة فيه


وهم الكفار والمشركون والمنافقون والملاحدة لقوله تعالى (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) سورة المجادلة [22] ولكن لا يعني تحريم محبتهم إباحة ظلمهم والعدوان عليهم، وكذلك وجوب بغضهم لا يمنع من برهم والإحسان إليهم ما لم يكن منهم بغي علينا بسبب الدين.


وقسم ثالث يحبون ويبغضون

وهم عصاة المسلمين وأهل البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم من الدين فهؤلاء يحبون لما عندهم من الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ويبغضون لما عندهم من المعاصي والفجور والبدع.

وقد استبدل كثير من الناس هذه المحبة النافعة بمحبة لا تغني شيئا بل تضر ولا تنفع كالمحبة للجاه وللمال وللشهوة وكل مودة لا تبنى على الحب في الله ستنقلب عداوة يوم القيامة ولا بد قال تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)



2- التعاون على البر والتقوى:

ومن حقوق الأخوة الدينية التناصر على الحق والتعاون على البر والتقوى كما قال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) الآية سورة التوبة [71] وقال تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) الآية سورة المائدة [55] والولاية بالفتح لها معاني منها المحبة والنصرة والقرب.

فإذا رأيت في أخيك نشاطاً في الخير شجعته وثبته وأعنته، وفرحت لما هو عليه من الخير، وإذا رأيت فيه بعض ما لا يليق به نصحته فيما بينك وبينه وبذلت من الأسباب والوسائل التي تعينه على نفسه وعلى شيطانه، قال تعالى في صفات المؤمنين الرابحين يوم القيامة يوم يخسر الناس خسرانا مبيناً (بسم الله الرحمن الرحيم والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). وبعض الناس إذا رأى أخاه على خير غاظه ذلك واشتعلت نيران الحسد في قلبه والعياذ بالله وإذا رأى أخاه على زلة أو هفوة فرح بذلك وكأنه عثر على كنز ثمين . ومما يندرج تحت هذا الحق نصرة أخيك ظالماً أو مظلوماً إن كان مظلوماً تنصره بما تقدر عليه، وإن كان ظالماً تحجزه عن الظلم وتمنعه عنه وهذا نصره كما ثبت بذلك الحديث.


3- التزاور:


ومن حقوقها التزاور بين أهل الإيمان تزاوراً في الله عز وجل فعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله أنه قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله! فقال: آلله . فقلت: آلله. فقال: آلله. فقلت: آلله. فقال: آلله. فقلت: آلله. قال فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في) .

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلا زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا غير أنى أحببته في الله عز وجل. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) رواه مسلم .

وللتزاور آداب كثيرة ومنها على سبيل المثال أن تكون خالصة لوجه الله، وأن تكون في الوقت المناسب لمن تزوره.
ومنها أنك إذا زرت أخاك فاعتذر عن استقبالك لعذر أن تقبل عذره وأن ترجع من عنده طيب الخاطر لأن الله يقول (وإذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم) سورة النور [28].

ومنها أن تستغل مجالس الزيارة في مذاكرة العلم فإن حياة العلم مذاكرته والمجالس إذا لم تشغل بالحق شغلت بالباطل، ولا بأس بالسؤال عن حال الأهل ونحو ذلك من الأحاديث التي اعتادها الناس والتي تدل على عنايتك بشأن أخيك، ولا بأس بالأحاديث الدنيوية التي تترتب عليها مصلحة من مصالح الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول الخير كل ما ترتبت عليه مصلحة دينية أو مصلحة دنيوية مباحة.

وقد صار تزاور كثير من الناس فيما بينهم من باب المجاملات لا نية صالحة فيها أو يكون التزاور للاجتماع على الباطل كالغيبة والنميمة أو سماع المعازف والنظر إلى ما حرم الله وهذه المجالس الغافلة اللاغية ستنقلب على أصحابها حسرة وندامة يوم القيامة كما ثبت الحديث بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم.



4- أن تحب له ما تحب لنفسك:

ومن حقوقها أن تحب لأخيك المؤمن ما تحبه لنفسك من الخير كما قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه من حديث أنس رضي الله تعالى عنه . وهذه درجة عالية سامية حرمها كثير من الناس بسبب ما انطووا عليه من الحسد والغش ونحوهما من الصفات الذميمة. وانظر مثلاً إلى التنافس التجاري اليوم الواقع عند كثير من الباعة حيث يحرص كل واحد منهم على جذب المشتري إليه وتجده يبذل الجهد في ابتكار الأساليب والحيل التي يجرهم بها إليه عن غيره من زملائه وجيرانه، بينما كان الناس قبل عقود من السنين على غير هذا الحال فإذا جاء المشتري قال له البائع أنا اليوم قد بعت لمشتر قبلك وجاري لم يبع لأحد فاذهب إليه فاشتر منه!! فأين هؤلاء من هؤلاء؟!.


فينبغي للمسلم أن يؤدب نفسه بهذا الأدب ويروضها عليه فإذا تعلمت مسألة نافعة وودت أن إخوانك من المسلمين علموها وانتفعوا بها، وإذا نزلت بأخيك نعمة فرحت لذلك لأنها تسره وأن تحب له من الخير ما تحب لنفسك، وقد جاء عن ابن عباس أن كان يفرح بالخير يصيب المسلمين ولا يناله منه شيء لكمال نصحه ومحبته لإخوانه من الخير ما يحب لنفسه عن عبد الله بن بريدة قال شتم رجل ابن عباس فقال أما إنك تشتمني وفي ثلاث خلال إني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل فأفرح وعلي ألا أقاضي إليه أبداً وإني لأسمع بالغيث يصيب البلد من بلدان المسلمين فأفرح به ومالي به من سائمة وإني لآتي على الآية من كتاب الله تبارك وتعالى فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم .

وقال النووي: (روى الحاكم بإسناده أن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن كان أكثر دعائه للمسلمين والمؤمنين والمؤمنات) .


5- النصح وبذل المعروف:

ومن حقوقها نصيحته بما ينفعه سواء طلبها أو لم يطلبها، وإعانته إذا احتاج إلى معونة بمال أو جاه أو بدن، والسلام عليه والتبسم في وجهه وتعاهده بالزيارة وإجابة دعوته ومشاركته في فرحه والوقوف معه بتسليته وتعزيته عند مصابه وعيادته إذا مرض وتشييعه إذا مات.


أخي المسلم:

أختي المسلمة:



هذه بعض حقوق الأخوة الدينية فجاهد نفسك على التخلق بها، والتخلص من أضدادها ففيها خير كثير ومنافع عاجلة وآجلة ومصالح تعود عليك وعلى المجتمع.

هذا وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والهداية إلى سبل الرشاد وأن يجعلنا من المتحابين في جلاله القائمين بحقوق الأخوة الدينية على الوجه الذي يرضيه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.