القول المبين
في نقد أصول الجمعويين
في ردهم على إخوانهم السلفيين



الجزء الأول

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف النبيين، والترضي المبين على خير اتباع المرسلين.
وبعد:
وكما يعلم الجميع عن فتنة الزمان، بما فيها من محاربة للحق وأهله من أهله، ومخالفة للوحي وأتباعه، ومن تفريق للصف، وتشتيت للكلمة، وتنفير للناس، وتوقيع للعداوة بين من هم على عقد واحد ومنهج واحد. إنها فتنة الجمعيات التي تركت المسلم السلفي في أمره حيرانا. إنه زمن الحالقة التي تحلق الدين.
ونظرا لأهمية الموضوع، وتفاديا للسقوط في كثرة الكلام، ومحبة للنصح وتحقيق الحق، فقد حملني النصح إلى بيان بعض أصول الإخوة الجمعويين التي يعتمدونها في ردهم على من خالفهم في أمر تكوين الجمعيات بعدما اتضح للجميع عدم جوازها والمشاركة فيها ولو كانت على سبيل تعليم العقيدة والمنهج والسلوك، لأن الأصل فيها تشبه باليهود والنصارى، فهي بدعة محدثة وطريقة في الدعوة مبتكرة ولا تجوز بحال.
وهذا المقال ليس إلا جزء من رسالة سنقوم بنشرها إن شاء الله تعالى بالتفصيل في المسألة وإزالة الغموض عن بدعية تكوين الجمعيات، وهذا المقال سأجزئه إلى جزأين حتى لا يكون ثقيلا على من يقرأه.
ولقد قام بعض الإخوة السلفيين الأقحاح بجمع بعض أصول الرد التي يعتمدها الإخوة الجمعويون في ردهم على من خالفهم من إخوانهم السلفيين، وكما اضفت إليها أصولا أخرى أخذتها من الواقع المعاش، وسأقوم بعرضها على الكتاب والسنة قصد نقدها علميا لعل الله يهدي إخواننا الجمعويين إلى الحق وجادة الصواب:
وهذه مجموعة اصولهم في الرد على من خالفهم:

1- اعتقادهم أن الدين لا ينشر الا عن طريق الجمعيات
2-الدعوة إلى إقامة الجمعيات سرا بعدما كانت علنا.
3- تتبع رخص العلماء وتأويل كلامهم حسب مصلحة أصحاب الجمعيات.
4- التحالف بين الجمعويين ضد من ليسوا في الجمعيات
5- الولاء والبراء على الجمعيات.
6- الدفاع عن أصحابهم بالباطل.
7- كتم الأخطاء الصادرة من أخدانهم.
8- رمي من خالفهم بأنه من أهل الفتن وتفريق الصف.
9- تبديع من خالفهم ورميه بالحدادية.
10- التشنيع والافتراء على من خالفهم.
11- حثهم لإتباعهم على التنفير ممن خالفهم وهجره.
12- التنقيب عن أخطاء الذين خالفوهم للتشنيع عليهم.
13- التجسس بالهواتف لإيقاعهم في الأخطاء فتنشر عليهم.
14- الأيمان المغلظة لإسقاط من شدد عليهم.
15- إلصاق التهم بالسلفيين وان لم يفعلوها أو تابوا منها.
16- الطعن في أعراضهم بعدما يئسوا من النيل منهم عقيدة أو منهجا

وعند مناقشة هذه الأصول سأقوم بدمج بعضها في بعض إن كان فيها تشابه في المقصد تفاديا لكثرة الكلام وتضييعا للوقت،

الأصل الأول: الدين لا ينشر إلا عن طريق الجمعيات.



ودليلهم أن الدعوة لا تنشر إلا بطريقة نظامية، وهي بمثابة المدارس التي كانت على عهد الصحابة.
هذا الكلام باطل لا يصح من وجوه شتى، أول الوجوه أن كلامهم هذا ليس عليه دليل.
الوجه الثاني: لم يقل بهذا أحد من آهل العلم قديما وحديثا.
الوجه الثالث: أن هذا الكلام انتقده أهل العلم الكبار، أمثال الشيخ ابن العثيمين والشيخ مقبل والشيخ الألباني ومن قبلهم الشيخ السعدي- رحم الله الجميع-، كما انتقده الإمام ربيع بن هادي والعلامة ابن هادي المدخلي – حفظهما الله- وبعض الدعاة السلفيين الأقحاح.
قال الشيخ الإمام ربيع بن هادي- حفظه الله- جوابا عن سؤال طرح عليه بعد كلمة ألقاها إلى الإخوة السلفيين بليبيا:" اتقوا الله وألزموا السّنّة، وإيّاكم والبدع، الجمعيات هذه من البدع والضلالات- والله-، ومن شرّ الفتن ومن أسباب الانحراف- بارك الله فيك-"اهـ.

الأصل الثاني: الدعوة السرية إلى إقامة جمعيات سرية.

ودليلهم في ذلك: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.{ الحديث صححه الألباني في السلسلة، وضعفه من سبقه كالإمام احمد وابن معين وغيرهما}.
هذا الأصل باطل من وجوه شتى أولها: أنه من أصول الخوارج وقواعد الحزبيين.
الوجه الثاني: لم يجزه أحد من أهل العلم ولا أشار إليه أبدا.
الوجه الثالث: وإن صح الحديث جدلا فليس في مثل هذه المسائل الدعوية التي يجوز فيه كتمان الفعل عن الغير، فالإسلام يأمر بالوضوح والبيان بشفافية تامة، لأنه لا يستحيي من أحد، وهو نور يستضاء به فكيف يكتم بعضه؟! وفعل الشيء إن كان تعبديا لا يحل حتى يقوم بحجة الفهم على دليل النص. وإن قام به أحد سرا فاعلم أن في الأمر ما يحيك في الصدر خشية أن يطلع عليه الناس. والله تعالى لا يجمع أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- على الضلالة أبدا.
قال الشيخ الوالد العلامة ربيع بن هادي- حفظه الله- في نصيحة للإخوة السلفيين بليبيا:" أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
لابُد أنْ تُؤسَسَ الدعوة على تقوى الله- عزّ وجلّ-، والإخلاص لله- تبارك وتعالى- ما تُؤسَس على الباطل، هؤلاء عندهم أهواء، وعندهم مطامع دنيوية وعندهم طموحات إلى المناصب وعندهم وعندهم..، يُخفونها، ويضحكون على الناس..."اهـ

الأصل الثالث: تتبعهم لرخص العلماء وتأويل أقوالهم حسب المصلحة .

أولا: تتبع الرخص تبعا للهوى لا يجوز لأنه لا ينبني على الدليل، وفيه مخالفة شرعية واضحة، لقوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {الشورى/10}
. وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء/59}
ثانيا: يمنع تتبع الرخص مطلقاً،.وإليه ذهب ابن حزم، والنووي، والسبكي، وابن القيم، والشاطبي، كما جاء في: قواطع الأدلة (5/134)، المستصفى (2/391)، جمع الجوامع (2/400)، الموافقات (5/82)، البحر المحيط (8/382)، التحبير (8/4090)،إعلام الموقعين (4/162)، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام (ص208).
ونقل ابن حزم وابن عبد البر الإجماع على ذلك: انظر: مراتب الإجماع (ص58)، جامع بيان العلم (2/927).
وقد قال تعالى محذرا من اتباع الهوى في اختيار الرخص والسعي وراء المصلحة بذلك: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) - {النور}-

الأصل الرابع: التحالف ضد من ليسوا في الجمعيات ولو على الباطل.

قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ -{الأنعام/112}-.
هؤلاء الجمعويون فيهم شبه من هؤلاء الذين عناهم الله بقوله هذا، بحيث تراهم يدافع بعضهم عن بعض- وإن كان لا يعرفه- إما باللسان وإما بالخطاب المكتوب على النت محاولة منهم في تحقيق شيئين:
الأول: تضعيف حجة من خالفهم في أمر الجمعيات لتمريرها بين الناس وكأنه خلاف مستساغ. والثاني: الرفع من القول الباطل الذي يقوي حجتهم عند عوام الناس- زعموا-، لذلك تراهم يستعملون كل أنواع الأسلحة من تنقيص في الأخلاق والعلم، وطعن في الأعراض والسلوك، وهذا يدل على ضعف حجتهم وذهاب حلمهم وعلمهم. المهم أن تكون الثمرة من ذلك إسقاط السلفي الذي يحارب الجمعيات ويدعو إلى نبذها وتركها، وترك الجمعيات قد نصح به أهل العلم منهم الإمام الوالد ربيع بن هادي- حفظه الله تعالى- حين قال: " الجمعية هذه ناسٌ مَكَرة ضَحِكوا على السلفيين، أنا أرى السلفيين ينسَحِبون منها، ويروحون كل واحد يمسك له مسجدا إذا عنده علم، ويدعو إلى اللهِ فيهِ، هذه طريقة السلف، وبقي الإسلام وحُفِظَ وانتشرَ مِن هذه الطرق لا مِن طريق الجمعيات"اهـ
وكذلك قال عنها العلامة الوالد محمد بن هادي- حفظه الله-:" هذه الجمعيات تصطاد ببعض المشايخ، وأنا لا أرى لكم أن تذهبوا إليها، وبعض المشايخ قد يغفل عن صيد هذه الجمعيات بهم، فلا تذهبوا إليها."اهـ

الأصل الخامس: الولاء والبراء على الجمعيات.

هذا الركن العظيم في أصول الاعتقاد يكاد يكون معدوما إذا صُرف إلى جهة اليهود والنصارى والروافض وأهل التحزب، ولكن إن أمعنا النظر والدقة بالتحليل العلمي نجد أنه على مرتبة عالية بين الإخوة السلفيين؛ الجمعويون يوالون من كان منتميا إلى جمعية أيا كانت، ويعادون من تبرأ من الجمعيات أيا كان- عالما أو طالب علم أو من العوام-، هم يعادون كل من خالفهم الرأي، وهذا محرم شرعا، والمصيبة أننا نرى إخلاصا شديدا في هذا النوع الباطل من الولاء والبراء ولا نكاد نجده حيث وجب وجوده.
وجهل هؤلاء بماهية الولاء والبراء كان بسبب خمس مسائل:
المسألة الأولى: جهلهم بحكم الموالاة في الله والمعاداة فيه، لذلك تجد فيهم من يوالي الحزبيين ويحبونهم ويوالي المبتدعة والمخالفين في سبيل هذه الجمعيات ويقول بالاضطرار إذا انتقد بعلم.
الثانية: انحراف كثير ممن ينتسب إلى السلفية عن تطبيق الدلالة الحقيقية الشرعية لمفهوم الولاء والبراء، فيقعون في التحريف والتغيير ليناسب ما ذهبوا إليه من أفكار مخالفة للحق ومباينة للصواب.
الثالثة: تغليب الأهواء الشخصية والمطامع الدنيوية المتعارضة مع الأحكام الشرعية في قضية الولاء والبراء وما يتفرع عنه من هجر بدعي ومقاطعة محدثة.
الرابعة: استغناؤهم عن ملازمة أقوال أهل العلم الكبار- الذين حرموا الجمعيات لذاتها- وتشبثهم بالدعاة الذين احلوها بشروط خيالية، وهذا نراه عيانا في الساحة، تركوا أقوال الأئمة كأمثال العلامة السعدي والعلامة الألباني والعلامة مقبل الوادعي والعلامة ربيع بن هادي والعلامة محمد بن هادي والعلامة صالح البكري اليافعي- حفظ الله الجميع من النار- واتبعوا أقوال بعض الدعاة المنكرين لفضائل أشياخهم العلمية والعملية.
الخامسة: عدم استشعارهم بخطورة ما هم عليه من مخالفة للحق، وعدم انتباههم لهذه الفرقة التي حرم الشارع أسبابها فضلا عن الوقوع فيها، فهي الحالقة التي تحلق الدين.
وهذا الفهم الخاطئ لمعنى الولاء والبراء دفع بهؤلاء الجمعويين إلى كتم الأخطاء الصادرة عن أخدانهم ومن هم على شاكلتهم، والدفاع عنهم بالباطل، ثم التشنيع على من خالفهم إن أخطأوا ولو في أمور دنيوية أو ذنوب مقترفة، وإن لم يجدوا لهم ما يحط من قدرهم عند الغير أوسعوا عليهم الافتراء بهتانا وزورا.

الأصل السادس: رمي من خالفهم بأنه من أهل الفتن وتفريق الصف.

لا يستغرب المسلم الذكي هذا الإفتراء أن يصدر من السلفيين الجمعويين أنفسهم، لأن المسألة إن كان فيها مصلحة خرَّقوا لها طرقا تستساغ بها الفكرة، وهذه بدعة المخالفين المتحزبين كأمثال الإخوان المسلمين الذي لا يدعون إلى التوحيد والمنهج الحق بدعوى أن ذلك يفرق المسلمين، وهذه الفكرة الباطلة تسربت إلى الإخوة الجمعويين وعملوا على ترسيخها في عقول الإخوة المغرر بهم وفي عقول عوام المسلمين، كل ذلك من أجل إبعاد الناس عن السلفيين الأقحاح، ومن ثم جلب الناس إلى الجمعيات التي تجمع ولا تفرق في نظرهم، فإن كان اعتقادهم هذا مقصودا به تشتيت السلفيين فحكم الله معلوم وعيده فيه وعليه، وإن كانوا يرون ذلك حقا ومعتقدا متمكنا منهم فهم في ضلال مبين، وقد قال الأمام الألباني- رحمه الله- كلاما عجيبا في ذلك، حيث قال رحمه الله: "وأنا أقول كلمة صريحة: إن دعوتنا هي دعوة الحق، تفرق بين المحق والمبطل، وهكذا فعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين جاء بدعوته،-كما يخبرنا التاريخ بأن الأب حارب ابنه، والاِبن حارب أباه-، كل ذلك في سبيل التمسك بالإسلام الحق، فإذن لا غرابة بأن تكون دعوة الحق في زماننا هذا، كما كانت في الزمن الأول، وفي الأزمان كلها، مفرقة بين الحق والباطل، وبين المحق والمبطل".اهـ

وقال الإمام صالح الفوزان- حفظه الله تعالى-:
" لا يمكن الاجتماع مع اختلاف المنهج والعقيدة، وخير شاهد لذلك: واقع العرب قبل بعثة الرسول- صلى الله عليه وسلم- حيث كانوا متفرقين متناحرين، فلما دخلوا في الإسلام، وتحت راية التوحيد، وصارت عقيدتهم واحدة، ومنهجهم واحدا، اجتمعت كلمتهم، وقامت دولتهم، وقد ذكرهم الله بذلك في قوله- تعالى-: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا-{آل عمران.103}-".اهـ


يتبع ...

قاله الفقير الى عفو ربه: عمر أبو العصماء المغربي