النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1

    افتراضي خطر اختلاط الرجال بالنساء / لأبي عمار علي الحذيفي الحلقة الأولى والثانية

    خـطــر اختــــلاط

    الرجال بالنساء




    كتبه:

    أبو عمار علي الحذيفي

    الحلقة الأولى

    يقول محمد طلعت حرب باشا في كتاب له بعنوان "المرأة والحجاب":

    (إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي).




    مقدمة:
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فهذا رسالة مختصرة حول الاختلاط وأضراره على القلوب والمجتمعات، أحببت أن أكتب فيه متأسيا بعلمائنا الكرام، لا مزاحما لهم في كتاباتهم، ولاسيما بعد أن أخرج شيخنا الوالد العلامة ربيع بن هادي المدخلي بحثا كبيرا في الموضوع، فجزاه الله خيرا عن جهاده في نصرة الدين والسنة، فالبحث الذي كتبه في هذا الموضوع هو كما قيل: (لا هجرة بعد الفتح) وقد قالها الشوكاني لما قيل له: ألا تشرح "صحيح البخاري"، ونحن أولا وأخيرا عالة عليهم، وإنما دفعني إلى هذا أن مشايخنا يفرحون بمثل هذه الردود لأن كثرة الردود على الباطل تزيد النفوس قناعة ببطلانه.
    فلمشايخنا منا جزيل الشكر وخالص الدعاء، فأسأل الله أن يحفظهم في دينهم ودنياهم وأن يبارك في أعمارهم وذريتهم وأهليهم، وأن يحسن خاتمتهم وأن يجعل لهم لسان صدق في الآخرين.
    وهذه محاضرة حاضرت بها في "مسجد التقوى" في منطقة البساتين، في محافظة عدن فكتبتها وزدت فيها أشياء، لعل الله ينفعني بها أولا ثم من تبلغه من إخواني.



    نعمة الشريعة:

    لقد أكرمنا الله تعالى وشرع لنا بفضله ورحمته ورأفته شريعة عظيمة اشتملت على جميع المصالح والمحاسن سواء كانت خالصة أو راجحة، وجعلها سالمة من المساوئ كلها سواء كانت خالصة أو راجحة، جعلها الله روحا من أمره لأن فيها حياة القلوب كما تعالى: (وكذلك جعلناك روحا من أمرنا).
    قال الطاهر بن عاشور في "تفسيره":
    (وأطلق الروح هنا ... على الشريعة التي بها اهتداء النفوس إلى ما يعود عليهم بالخير في حياتهم الأولى وحياتهم الثانية، شبهت هداية عقولهم بعد الضلالة بحلول الروح في الجسد فيصير حيا بعد أن كان جثة) أ.هـ
    فالمجتمعات لا حياة لها إلا بهذه الشريعة وهي شريعة الإسلام، والناس أموات بدون الاستقامة على هذه الشريعة كما قال تعالى: (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) وقال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) وقال تعالى: (يا أيها الذي آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
    فهذه النصوص وغيرها تدل على أن الناس لا غنى لهم عن الشريعة طرفة عين، لأنهم بدونها أموات وإن كانوا يأكلون ويشربون ويتحركون لأنه موت آخر هو أضر عليهم من موت الأبدان لأن موت الأبدان لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب ولا ذم.


    تنظيم الشريعة للعلاقة بين الجنسين:
    ومن هذه الأمور التي اهتمت بها الشريعة غاية الاهتمام تنظيم العلاقة بين الجنسين الرجال والنساء، ذلك لأن ميل الرجال إلى النساء وميل النساء إلى الرجال أمر غريزي في بني آدم، قد جعله الله في بني آدم وغرزه فيهم حتى سمى الناس هذا الميل بالغرائز، وهذا أمر معلوم بالجبلة والفطرة ولذلك لم تأت نصوص كثيرة تشهد له أو تدل عليه لظهوره واشتهاره، ولا ينكره أحد له عقل وإنصاف، ومن هنا جاءت الشريعة ببيان خطر هذا الغريزة والتحذير من عواقبها إذا أطلق لها العنان، وأبانت لنا عن السبل التي نتقي بها غوائل هذه الشهوات والطرق التي نجتنب بها هذا المحذور، فابن آدم إذا هاجت به الشهوة هاج وماج أشد من هيجان البحر، لا يهدأ له بال حتى تسكن هذه الغريزة عنه إلا من رحم الله، ولذلك حرمت الشريعة الاختلاط المقصود والمنتظم بين الرجال والنساء، فهو حرام بالإجماع لما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، سواء كان في التعليم أو العمل أو الاجتماعات العامة والخاصة وغيرها، لما يترتب على ذلك من مفاسد كثيرة وشرور مستطيرة: من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخنوثة الرجال واسترجال النساء وزوال الحياء، وذهاب العفة والحشمة، وانعدام الغيرة ونزول العقوبات العامة.
    قال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء...).
    قال ابن كثير في "تفسيره": (يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد).
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء ولا فتنة أضر على النساء من الرجال) رواه الشيخان عن أسامة بن زيد، وخرجه مسلم في "صحيحه" عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بين نفيل رضي الله عنهما جميعا.
    قال ابن حجر في "فتح الباري": (وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قول الله تعالى: زين للناس حب الشهوات من النساء، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع، إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك) أ.هـ
    وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه البخاري عن أبي سعيد، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن أول فتنة...) ما يشعر بأن فتنة النساء في بني إسرائيل فتحت عليهم فتنا أخرى من الدماء والأموال كانت فتنة النساء هي السبب في ذلك.
    ومن المؤسف أن أمر الاختلاط بعد ظهور فساده وبيان أضراره ومخاطره على المجتمعات ومعاناة المجتمعات الغربية من ويلاته، من المؤسف بعد هذا أن يظهر لنا من أبناء جلدتنا من يسوغه ويجيزه معرضا عن النصوص الظاهرة ومستخفا بالسامعين !!.
    يقضى على المرء أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
    ونحن اليوم في زمن العجائب، فلقد كنا قديما نسمع من ينادي بخروج المرأة من بيتها، واليوم نسمع من يجيز دخول الرجال على النساء في بيوتهن، بل وفي غرفهن وعلى فرشهن فإنا لله وإنا إليه راجعون.


    أدلة تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء:
    1- منها قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن):
    وهذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خاطبوا زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهن من النساء لحاجة، فعليهم أن يسألوهن بغير مقابلة ولا تواجه في الوجوه، لأن هذا يؤدي إلى مفاسد عظيمة كما قال تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
    وهذا في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وغيرهن من المؤمنات، وإذا تصورنا المسألة فنقول: إن مثل عمر - الذي إذا سلك فجاً سلك الشيطان فجاً آخر - إذا أراد أن يخاطب عائشة أم المؤمنين لأمر طارئ وعاجل فعليه أن يسألها من وراء الباب ويخاطبها من وراء حجاب، وإذا كان هذا في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بنا نحن الضعفاء ؟!
    وقد ذهب بعض العلماء بأن هذا خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم لأن سياق الآية يدل عليه، وهذا قول ضعيف، بل هو عام لكل مؤمنة، لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرن بالحجاب مع طهرهن وعفتهن فغيرهن من باب أولى، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يختصصن بهذه العلة، فإن ملازمة أسباب العفة والطهارة واجب على كل مؤمن ومؤمنة، وهذا كنهيه سبحانه وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يخضعن بالقول كما قال: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا) فالخضوع بالقول هو تليين القول وتكسيره، ولا يشك أحد أن هذا عام لأمهات المؤمنين وغيرهن من النساء.
    قال الطبري في تفسيره:
    ("وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب" يقول: وإذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً (فاسألوهن من وراء حجاب) يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن).
    قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب):
    (في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة).
    وقال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان":
    (فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن"، قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين، إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.... إلى أن قال رحمه الله: وبما ذكرنا تعلم أن هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه) أ.هـ
    2- قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن):
    وهذا أمر بالقرار في البيوت وهو مأخوذ من الاستقرار والسكون وملازمة البيوت، لأن عالم المرأة غير عالم الرجل وبيئتها غير بيئته، والمرأة الخراجة الولاجة لم تحقق هذا الوصف، فما هي الحكمة من هذه المفاصلة بين الرجال والنساء سوى أن في فصل الرجال عن النساء سلامة للمجتمع من التهتك والانحلال الذي قد ينشأ بين الناس المحافظين ولو مع مرور الأيام والليالي فكيف بما ينشأ بين غير المحافظين ؟!
    ونسبة البيوت للنساء هو من باب إضافة الشيء إلى مكانه وموضعه لا من باب إضافة الشيء إلى مالكه.
    3- وقوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم):
    فكيف يمكن أن يكون هناك اختلاط بين الرجال والنساء في موضع واحد دون نظر مستمر مقصود من الرجال للنساء والعكس ؟! فهل يمكن أن يمتثل المؤمن لهذه الآية ويقف عند حدودها، وهو يخالط النساء في الوظائف ساعات طويلة باختياره وإراداته ؟!
    ولما رأى بعض المتعالمين من أن دعوى مشروعية الاختلاط لا تتوافق مع ظاهر الآية ذهب يقول: " إن (من) هنا تبعيضية"، وهذا القول غير صحيح من أوجه:
    الأول: أن السنة تبين المعنى المراد من القرآن، فقد روى مسلم في "صحيحه" عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير عن جده جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة قال: (إصرف بصرك).
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وسنده صحيح.
    الثاني: أن (من) هنا بيانية وليست تبعيضية، فحرف (من) يأتي على وجوه كثيرة كما ذكر ابن هشام في "مغني اللبيب"، والفرق بينهما أن (من) التبعيضية يصلح أن يحل محلها (بعض) مع استقامة المعنى كما ذكر ابن هشام، وهذا ما لا يمكن أن ينزل هنا، لأن (من) التبعيضية إنما تكون في شيء يتبعض وإلا فلا يستقيم المعنى، فالغض هو هنا كف البصر، قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار": (وأصل الغض الكف والرد، وقوله "فإنه أغض للبصر" وغضوا أبصاركم هو كفها عن النظر وحبسها عنه).
    فهل يمكن أن يقال: (كف بعض بصرك) وكيف يكون ذلك إلا بغمض عين واحدة وفتح الأخرى !! أو إغماض نصف العينين معا وفتح مثلهما !!.
    ثم إن هذا أمر لا ينضبط أيضا، و الأمر الذي لا ينضبط لا يعلق الشرع عليه أمورا في غاية الخطورة على مثل هذا الجهالة وهذا الإجمال فعلم أن المراد (من) البيانية.
    4- قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن):
    وإذا كان الضرب بالأرجل ممنوع لما فيه من صرف الأبصار إلى وجوه النساء ورؤية ما يحملنه من الزينة، فكيف بالاختلاط الذي فيه مباشرة وجوه النساء بدون دواعي ؟!
    فالاختلاط بين الرجال والنساء ولاسيما المنتظم والمقصود والمستمر فيه من المفاسد أشد من الضرب بالأرجل وخروج المرأة بريحها وخضوعها بقولها، أفلا يكون هذا ممنوعا من باب أولى ؟!
    5- قوله تعالى: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال: ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير):
    فقوله تعالى: (ووجد من دونهم امرأتين) فيه أنهما كانتا منزويتين، قال الطاهر بن عاشور في "تفسيره":
    (في مكان غير المكان الذي حول الماء، أي في جانب مباعد).
    يسأل موسى عليه الصلاة والسلام عن سر وجود المرأتين في هذه الزحمة فتعتذران بأن سبب خروجهما هو أن أباهما شيخ كبير لذلك هما خرجتا من البيت، وأن سبب بقائهما هو أن أنهما لا يريدان مزاحمة الرجال في السقيا مادام الرجال موجودين حتى ينصرفوا حذرا من الاختلاط بالرجال.
    قال ابن كثير في "تفسيره": ("وأبونا شيخ كبير" أي: فهذا الحال الملجئ لنا إلى ما ترى) أ.هـ
    وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله: (كرهتا أن تسقيا في حين اكتظاظ المكان بالرعاء وأنهما تستمران على عدم السقي كما اقتضاه التعبير بالمضارع إلى أن ينصرف الرعاء.
    و"الرعاء": جمع راع، والإصدار: الإرجاع عن السقي، أي حتى يسقي الرعاء ويصدروا مواشيهم، فالإصدار جعل الغير صادرا، أي حتى يذهب رعاء الإبل بأنعامهم فلا يبقى الزحام، وصدهما عن المزاحمة عادتهما كانتا ذواتي مروءة وتربية زكية).
    وقال رحمه الله: (وكان قولهما: "وأبونا شيخ كبير" اعتذارا عن حضورهما للسقي مع الرجال لعدم وجدانهما رجلا يستقي لهما لأن الرجل الوحيد لهما هو أبوهما وهو شيخ كبير لا يستطيع ورود الماء لضعفه عن المزاحمة).
    فخروج المرأتين كان له سبب وهو أن الأب شيخ كبير في السن، فخروج المرأتين إذاً لم يكن للمزاحمة على الماء، ولكن دفعتهن الضرورة إلى ذلك ولولاها لما خرجوا، ثم إنهما انتظرتا إلى أن يسقي الرعاة وبقيتا بعيدتين، فجاء موسى عليه السلام بعد ذلك ليقوم بهذه المهمة التي هي في الأصل للرجل.
    وفي هذه الآية إشارة إلى أن المرأة إذا خرجت ثم وجدت من يكفيها الخروج من المنزل فإنها ترجع إلى الاستقرار، وعلى ولي المرأة أن يستعمل كل وسيلة لمنع المرأة من الخروج، ولذلك قالت المرأة: (يا أبت استأجره) أي: ليكفيها الخروج من المنزل.
    وفي هذه الآية إشارة إلى أن المرأة أيضا يشرع لها التوظف بشروط منها: أن يدفعها إلى ذلك حاجتها أو حاجة المجتمع إليها، وأن تعمل في عمل مباح، وأن لا تختلط بالرجال، وكل ذلك دلت عليه الآية.
    وإذا كان هناك تكسب تقوم بها المرأة وهي في بيتها فهذا حسن كأن تكون مرضعة أو تخيط الثياب أو تطبخ الطعام وترسل ولدها الصغير لتبيع ما تطبخه ونحو ذلك.
    6- ومما يدل على أن المرأة لا تشارك الرجل في ميدان عمله قوله تعالى: (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى):
    فخص آدم بالشقاء دون المرأة.
    قال ابن جزي في "تفسيره":
    (أي: لا تطيعاه فيخرجكما من الجنة، فجعل المسبب موضع السبب وخص آدم بقوله فتشقى لأنه كان المخاطب أولا، والمقصود بالكلام، وقيل: لأن الشقاء في معيشة الدنيا مختص بالرجال).



    وأما الأدلة من السنة النبوية فهي كثيرة:
    1- فقد فصل الشرع بين الرجال والنساء في أشرف بقعة وهي المساجد، وأطهر وضع وهو الصلاة، فإذا صلت النساء مع الرجال في المسجد فعليهن أن يتأدبن بالأدب الإسلامي العظيم فتدخل من باب النساء الخاص بهن ولا تزاحم الرجال من أبوابهم الخاصة بهم، وتصف في صف النساء الخاص بهن، وكلما كان الصف أبعد من الرجال كان أفضل وأعظم في الأجر، لأن خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وإذا حدث للإمام شيء وتنبهت له المرأة دون الرجال فعليها أن تصفق دون أن تنطق بكلمة واحدة، وإذا انتهت الصلاة فلا ينبغي للرجال أن يلتفتوا حتى تنتهي النساء من صلاتهن، ومع هذا التحرز البالغ فإن الشرع يقول لها: إن صلاتها في بيتها أفضل لها من صلاتها في المسجد ولو كانت الصلاة في المساجد التي أجورها مضاعفة.
    ويلاحظ القارئ أنه ليس هناك مواجهة في الوجوه بين الرجال والنساء في مثل هذه الأوضاع إلا على سبيل النادر والصادر عن الخطأ.
    ثبت في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء). قال نافع: "فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات".
    وهذا الباب خاص بالنساء لمنع اختلاطهن بالرجال.
    قال صاحب "عون المعبود" في شرح الحديث: "باب اعتزال النساء في المساجد عن الرجال":
    ("لو تركنا هذا الباب": أي باب المسجد الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم "للنساء": لكان خيرا وأحسن؛ لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد.
    والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال بل يعتزلن في جانب المسجد ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام، فكان عبد الله بن عمر أشد اتباعا للسنة، فلم يدخل من الباب الذي جعل للنساء حتى مات) أ.هـ
    ويأتي بعضهم فيقول: إن هذه الكيفية في الصلاة من تأخر النساء خلف الرجال إنما هو توقيفي بدليل أن الرجل إذا صلى بامرأة من المحارم فتصلي هي وراءه، وهذا التعليل غير صحيح وإنما خاص بموقف المرأة فقط، ولكن هناك أمور أخرى كثيرة علتها معلومة، فما هو السبب في إفراد النساء بباب لوحدهن ؟! وما هو السبب في أن يأمر صلى الله عليه وسلم أن يتريث الرجال في الانصراف من المسجد حتى تخرج النساء ؟! وما هو السبب في أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها ؟! وما هو السبب في أن شر صفوف الرجال هو أولها وخيرها آخرها، والنساء على العكس ؟
    روى البخاري في "صحيحه" عن أم سلمة قالت: (أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم).
    قال ابن شهاب الزهري: (فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم).
    فالنساء ينصرفن إلى بيوتهن التسليم مع الإمام، فيبقى الإمام في مكانه ومن وراءه من الرجال حتى يخرجن من المسجد من أجل أن لا يختلطن بالرجال.
    قال الحافظ في "فتح الباري":
    (وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضى إلى المحذور وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط أن لا يستحب هذا المكث).
    قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": (وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم ثم رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم).
    وقال الشوكاني في "نيل الأوطار":
    (قوله: "وخير صفوف النساء آخرها" إنما كان خيرها لما في الوقوف فيه من البعد عن مخالطة الرجال بخلاف الوقوف في الصف الأول من صفوفهن فإنه مظنة المخالطة لهم وتعلق القلب بهم المتسبب عن رؤيتهم وسماع كلامهم ولهذا كان شرها).
    2- روى البخاري في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار فقالت امرأة واثنتين فقال واثنتين).
    فقولهن رضي الله عنهن: (غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك) دليل على أنهن لم يكن يعرفن الاختلاط مع الرجال في حلقات العلم ولا في المجالس الخاصة، سوى ما كان يحصل في المسجد عفويا من مواعظ أو غيرها غير منتظمة ولا مقصودة، وإن لم يكن يعرفن الاختلاط مع الرجال في حلقات العلم وهن أعظم الأجيال عفة، فنحن من باب أولى.
    قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في التعليق على حديث أبي سعيد المتقدم:
    (وهو ظاهر في إفراد النساء للتعليم في مكان خاص إذ لم يقل لهن ألا تحضرن مع الرجال ؟).
    3- روى أبو داود والبيهقي في "شعب الإيمان" وغيرهما أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: "استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق"، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به).
    وفي سنده مقال لكن تقويه طرق أخرى، وقد قال الألباني عن الحديث في "الصحيحة" برقم: (856): (وبالجملة فالحديث حسن بمجموع الطريقين والله أعلم).
    "تحققن": أي: تمشين فى وسط الطريق.
    وله شاهد رواه البيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ليس للنساء وسط الطريق) وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وحديثه في الشواهد.
    4- ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود، وصححه الشيخ الألباني وشيخنا مقبل رحمهما الله.
    فإذا كان بمجرد خروجها يفرح بها الشيطان ليستخدمها في الفتنة فكيف بالاقتراب من الرجال والجلوس بالقرب منهم ؟!
    5- ومن هذه الأحاديث التي تحذر من الاختلاط أحاديث التحذير من فتنة النساء، وهي كثيرة منها: قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء ولا فتنة أضر على النساء من الرجال) رواه الشيخان عن أسامة بن زيد، وخرجه مسلم في "صحيحه" عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بين نفيل رضي الله عنهما جميعا.
    قال ابن حجر في "فتح الباري": (وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قول الله تعالى: زين للناس حب الشهوات من النساء، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع، إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك) أ.هـ
    فكيف يجمع بين الرجال والنساء وكل جنس فتنة للآخر ؟!
    وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه البخاري عن أبي سعيد، وإذا اختلط الجنسان فكيف تتقى فتنة النساء ؟!
    والأدلة على منع الاختلاط والرد على مثل هذا القول كثيرة في هذا الباب.


    إجماع العلماء:
    أجمع العلماء على حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء، وكلامهم يؤيد فيه اللاحق السابق، والمتأخر المتقدم، ولا نعرف قولا لأحد قال به غير شذوذ العصريين ممن يبيح ذلك دون مراعاة لأصول الشريعة.


    الاختلاط اليوم:
    قارن بين تلك النصوص وما تدل عليه من الآداب العالية وبين واقعنا المرير اليوم من اختلاط الرجال والنساء، ومن نظر في الآونة الأخيرة إلى الكليات والمدارس ومرافق الأعمال والمنتزهات والسواحل والأندية يرى نقيض وضع الأجيال السابقة تماماً، ففتيات في قمة المراهقة يتحدثن مع الشباب وهن في كامل زينتهن ثم يقال: القلوب صافية وطاهرة !! ولو كانت طاهرة لانفصل الرجال عن النساء قال تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
    والعجيب أن هناك من أصحاب الفقه العجيب من يقيس الانحراف على الاستقامة، ويلحق الخطأ بالصواب كالشاعر الحداثي اليمني عبد العزيز المقالح الذي أجاز الاختلاط في جامعة صنعاء – وهو من أسوأ أنواع الاختلاط وأقدمه – أجازه واستدل بأن النساء كن يصلين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال !!.


    شروط خروج المرأة من بيتها:
    الأول: الخروج لحاجة.
    والثاني: أن لا تخرج إلا بإذن زوجها.
    الثالث: أن تخرج بالحجاب الشرعي، وعندما نقول الحجاب الشرعي فنعني به الحجاب التي توفرت فيه جميع الشروط وهي ثمانية شروط وهي: أن يستر جميع البدن بدون استثناء، أن يكون فضفاضاً غير ضيق، وأن يكون كثيفاً غير شفاف، وأن لا يكون مبخراً ولا معطراً، وأن لا يكون مزيناً في نفسه، وأن لا يكون فيه تشبه بالرجال، وأن لا يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، وأن لا يكون ثوب شهرة.
    الرابع: أن تسير في جوانب الطريق فلا تزاحم الرجال لحديث أبي أسيد السابق.
    وإذا كان الخروج إلى سفر فلابد لها من محرم، فقد رويت في ذلك أحاديث كثيرة منها:
    1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم) رواه الشيخان عن أبي هريرة.
    2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها) رواه مسلم في "صحيحه" عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه.
    3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم) رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عمر.


    الوظيفة الحقيقية للمرأة هي ما تقوم به في بيتها،

    وقعودها في البيت كرامة لها بشهادة الأعداء:
    وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بمسئولية البيت من خدمة الزوج وتربية الأطفال وتهيئة الجو المناسب لجميع الأسرة، فقد خلق الله المرأة لهذه المهنة وزودها بكثير من الحنان والعطف والرحمة واللين بما يناسب وظيفتها، وخلق فيها مقومات هذه المهنة التي يعجز عنها مجموعة من الرجال، فهي تحمل الجنين وتلده وترضعه وترعاه وتقوم بحضانته وتربيته عدة سنوات، وترعى الزوج وتطبخ له الطعام وتغسل له الثياب وتعينه في إكرام الضيف وتدبير شؤون المنزل، وهي في الفراش زوجة يجد الزوج فيها السكنى، ويجد عندها المودة والرحمة كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
    ويجد فيها الولد الأم الحنون التي امتلأت رحمة ورأفة على ولدها، فهي تسهر لينام أولادها وتجوع ليأكلوا وتعرى ليلبسوا، فمن قال بعد هذا كله إن المرأة معطلة ؟!.
    1- قالت الراهبة "كارين أرمسترونغ": (حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديرا لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حرماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق) أ.هـ
    2- ويقول غورباتشوف عن "البيروسترويكا": (ولكن في غمرة مشكلاتنا اليومية الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميزة المختلفة بدورها أماً وربة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربية للأطفال) أ.هـ
    ويتابع فيقول: (وقد تبين أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوية وحتى إنتاجية، إنما يتعلق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية).
    3- ونقل مصطفى الغلاييني في "الإسلام روح المدنية" عن الكاتبة الإنجليزية "آني رود" أنها قالت: (إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد.
    أياليت بلادنا كبلاد المسلمين حيث فيها الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق، اللذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة أولاد رب البيت ولا يمس عرضهما بسوء، نعم إنه عار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطتهن للرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية كما قضت بذلك الديانة السماوية، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها).
    4- ونقل مصطفى الغلاييني عن الكاتبة "اللادي كوك" أيضاً أنها قالت: (إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، ولا يخفى ما في هذا من البلاء العظيم على المرأة، فيا أيها الآباء لا يغرنكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل ونحوها، ومصيرهن إلى ما ذكرنا فعلموهن الابتعاد عن الرجال، إذ دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج من الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء، ألم تروا أن أكثر أولاد الزنا أمهاتهن من المشتغلات في المعامل ومن الخادمات في البيوت ومن أكثر السيدات المعرضات للأنظار، ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف ما نرى الآن، ولقد أدت بنا الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصوره في الإمكان حتى أصبح رجال مقاطعات من بلادنا لا يقبلون البنت ما لم تكن مجربة، أعني عندها أولاد من الزنا، فينتفع بشغلهم وهذا غاية الهبوط في المدنية، فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياة حتى قدرت على كفالتهم والذي اتخذته زوجاً لها لا ينظر لهؤلاء الأطفال ولا يتعهدهم بشيء يكون ويلاه من هذه الحالة التعيسة، ترى من كان معينا لهاً في الوحم ودواره والحمل وأثقاله والفصال ومرارته).
    5- نشرت مجلة "ماري كير" الفرنسية نتيجة استفتاء للفتيات الفرنسيات شمل 2.5 مليون امرأة وكان عنوان هذا الاستفتاء "وداعا عصر الحرية وأهلا بعصر الحريم"، وكان الاستفتاء عن قبول الزواج من العرب ولزوم البيت فأجابت 90% من النساء بنعم، وأوضحن أن أسباب ذلك هو أن المرأة الغربية ملت المساواة الكاذبة، وملت الاستيقاظ عند الفجر للركض وراء القطار، وسئمت الحياة العائلية التي لا ترى فيها الأولاد إلا على مائدة الطعام، وضاقت ذرعاً بالحياة الزوجية التي لا ترى الزوج إلا عند النوم.
    وقد شهدت كاتبة أمريكية وهي واحدة ممن نصبوا أنفسهم للدفاع عن المرأة واسمها (فيليس ماكجنلي)، فقد قالت في مقال لها بعنوان: "البيت مملكة المرأة بدون منازع": (وهل نعد نحن النساء بعد أن نلنا حريتنا أخيراً، خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت).
    وتجيب على هذا السؤال بقولها: (إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة، فإنني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا، وأهميتها في الحقل البشري، إلى حد أدنى أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).
    هذا تقرير امرأة غربية مثقفة، لكنها لم تجهل دور المرأة الحقيقي، لقد عرفت منزلة المرأة في بيتها.
    6- يقول الإنجليزي "صامويل سمايلس" وهو من أركان النهضة عند الإنجليز: (إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية، فإنه بسلبه الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتبرية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية، ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير منازل، وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال، وطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة القرينة المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق).
    7- وهذه الصحفية الأمريكية "هيلسيان ستاسنبري" بعد أن قضت في إحدى العواصم العربية عدداً من الأسابيع عادت إلى بلادها، ولم يكن ذلك ليمنعها من أن تدلي بشهادتها حيث تقول:
    (إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تُقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا, امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا) أ.هـ
    هذه الصحفية رأت بعينها العفة التي تنعم بها مجتمعات المسلمين في الوقت الذي تدهور فيه حال المرأة في الغرب بسبب الاختلاط الحاصل بين الرجال والنساء فقالت ما قالت- والحق ما شهدت به الأعداء- فهذه المرأة الصحفية هي أصدق من كثير من الكتاب والمفكرين الذين هم من أبناء جلدتنا الذين ما فتئوا من الدعوة المسعورة إلى الاختلاط بين الرجال والنساء.
    لقد رأت هذه المرأة بعينها الكرامة التي تعيشها المرأة المسلمة إذ أنها تعيش كالملكة في بيتها، بينما زوجها مكلف بالنفقة عليها وصيانتها.
    8- وقال الفيلسوف الألماني شوبنهور في بدايات القرن العشرين الميلادي: (اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة دون رقيب، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة، ولا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة والعفة والأدب، وإذا متّ فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة).



    دعاة تحرير المرأة يعنون تحريرها من الدين:
    وقد نشرت مجلات تركية مؤخراً صوراً لاحتفالات تركيا بذكرى مصطفى كمال أتاتورك - وهو من سقطت الخلافة العثمانية على يديه - نشرت صوراً لفتيات المدارس الصغيرات وهن يطفن المدن وإحداهن مسلسلة بالقيد والحديد وعليها الحجاب ثم يتقدم منها أحد الفتيان فينـزع عنها حجابها ويفك عنها أسرها ويصفق الجميع.
    وسيأتي معنا تصريح لأحد محرري الصحف أنه يطالب بتحرر المرأة من الدين والأخلاق.
    ويقول آخر: (لا تستقيم حالة الشرق الإسلامي لنا – أي: لا يسيرون على الطريق الذي نريده - حتى يُرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن)، أي: تخرج المرأة من العزلة ويكون القرآن هو المعزول.
    ويقول آخر: (لابد أنْ نجعل المرأة رسولاً لمبادئنا ونخلصها من قيود الدين).
    ويقول محمد طلعت حرب باشا في كتاب له بعنوان "المرأة والحجاب": (إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي).



    حرص أعداء الإسلام على إخراج المرأة المسلمة من البيت:

    ودعاة تحرير المرأة هم أعداؤها الحقيقيون:
    هؤلاء الذين ينادون بتحرير المرأة هم أعداؤها الحقيقيون، وهم على قسمين أحدهما: من يخفي أهدافه الخبيثة تحت شعارات التقدم والحرية، والثاني: ومن يكشف أهدافه دون حياء ولا مراعاة للتدين الذي لا زال في نفوس المسلمين، ومنهم محرر "جريدة النهار اللبنانية" الذي كتب مقالاً تحت عنوان: (امرأة بلادي والعشق والجنس) قال فيه: (لنتحدث عن حرية المرأة، دعوني أعترف لكم فوراً إن حرية المرأة ليس لها غير معنى واحد إنه المعنى الجنسي، والمرأة في نظري هي مصعب الأشواق والشهوات، هي مخلوقة غرامية لا معنى لها خارج الوجد والعشق والجنس.
    ما هي حرية المرأة ؟! حريتها الحقيقية هي حرية العلاقة الجنسية مع الجنس الآخر أو حتى مع بنات جنسها أو مع الجنسين معاً.
    والرجل ما هو دوره ؟ عليه أن يحرض المرأة على الحرية.
    إنني أطلب لامرأة بلادي الحق بأن تصادق رجلاً فجأة فإذا اشتهته حققت شهوتها، إنني أطلب لامرأة بلادي كسر طوق الاضطهاد العائلي والديني والأخلاقي، وحريتها في أن تكون حرة بلا حدود، حرة في إقامة علاقة جنسية قبل الزواج، حرة في تغيير حبيـبها متى ضجرت منه، حرة في التصرف بجسدها دون قيد ولا شرط) أ.هـ
    أقول: إذن هذه هي الحرية التي يرجوها دعاة تحرير المرأة للمرأة، ولقد حصلت المرأة في الغرب على حريتها الجنسية المزعومة فماذا كانت النتيجة ؟! دمار المجتمعات وسقوط الأخلاق وضياع القيم وانهدام الأسر، أرقام مذهلة في عدد الحبالى في المدارس من الفتيات وفي الاغتصاب والإجهاض وفي أطفال السفاح وفي غير ذلك، كل هذا رغم انتشار وسائل منع الحمل، وتلقين هذه الوسائل في الجامعات والمدارس من الثانوية إلى الابتدائية.


    حرص أعداء الإسلام على إخراج المرأة المسلمة من البيت:
    تقول الصليبية "آنا مليجان": (ليس هناك لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة).
    ويقول صاحب كتاب "تربية المرأة والحجاب": (إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق - لا في مصر وحدها - إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل).
    ويقول د.مدرو بيرغر: (إن المرأة المسلمة هي أقدر فئات المجتمع الإسلامي على جره إلى التحلل والفساد أو إلى حظيرة الدين من جديد).
    ويقول لاسي: (إن التربية المسيحية أو تربية الراهبات لبنات المسلمين توجد للإسلام داخل حصنه المنيع - الأسرة - عدواً لدوداً وخصماً قوياً لا يقوى الرجل على قهره، لأن المسلمة التي تربيها يد مسيحية تعرف كيف تتغلب على الرجل، ومتى تغلبت عليه أصبح من السهل عليها أن تؤثر على عقيدة زوجها وحسه الإسلامي وتربي أولادها على غير دين أبيهم، في هذه الحالة نكون قد نجحنا في غايتنا من أن تكون المرأة المسلمة نفسها هي هادمة للإسلام).
    ويقول جان بوكارو في كتابه "الإسلام في الغرب": (إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات، ويقلب رأسا على عقب المجتمع الإسلامي، لا يبدو في جلاء مثل ما يبدو في تحرير المرأة).
    ويقول زعماء صهيون في "بروتوكولاتهم" وهم منظرو اليهود: (علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية).



    حقائق مخيفة عن خروج المرأة في الغرب:
    1- وهذه "مارلين مونرو" الممثلة الأمريكية المشهورة التي ماتت منتحرة قبل أكثر من أربعين سنة، كتبت قبل انتحارها ترد على فتاة سألتها عن كيفية الوصول إلى الشهرة والمجد فردت عليها قائلة: (إحذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء، إني أتعس امرأة في هذه الأرض لأني لم أستطع أن أكون أماً.
    إني امرأة أفضل البيت، أفضل الحياة العائلية الشريفة على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية هي في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية الشريفة لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية، إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة) أ.هـ
    ولم تلبث هذه المرأة بعد أن كتبت هذه الرسالة إلا قليلاً حتى أقدمت على الانتحار لفرط ما عانته وقاسته من تعاسة وألم بسبب فقدانها لدور المرأة الطبيعي، دور الأم وربة البيت والحياة العائلية النظيفة الشريفة الطاهرة.
    2- وقد أجريت استفتاءات في فرنسا وفي بريطانيا وفي أمريكا للنساء العاملات فوجد أن أغلبهن يفضلن العودة إلى المنزل والقيام بدور الأم وربة الأسرة، ولكنهن مضطرات إلى البقاء في العمل لأنهن لا يجدن من يعولهن.
    3- ويقول المؤرخ المشهور توينبي تحت عنوان "درس من التاريخ للإنسان المعاصر": (لقد فشلت جميع جهودنا لحل مشكلاتنا بوسائل مادية بحتة، وأصبحت مشروعاتنا الجزئية موضع سخرية !! أننا ندعي إننا خطونا خطوات كبيرة في استخدام الآلات وتوفير الأيدي العاملة ولكن أحدى النتائج الغربية لهذا التقدم تحميل المرأة فوق طاقتها من العمل، وهذا ما لم نشهده من قبل فالزوجات في أمريكا لا يستطعن أن ينصرفن إلى أعمال البيت كما يجب.
    إن امرأة اليوم لها عملان: العمل الأول من حيث هي أم وزوجة والثاني من حيث هي عاملة في الإدارات والمصانع، وقد كانت المرأة الإنجليزية تقوم بهذا العمل الثنائي فلم تر الخير من وراء عملها المرهق، إذ أثبت التاريخ أن عصور الانحطاط هي تلك العصور التي تركت فيها المرأة بيتها).
    4- ويتحدث الأطباء في الغرب عن الطوابير الطويلة من النساء اللائي يذهبن إلى العيادات ويشكون من صداع وغثيان وآلام وأوجاع في الجسم، مع أرق في كثير من الأحيان، وبفحص هذه الحالات فحصاً جيداً تبين أنهن يعانين من الإرهاق الجسدي والنفسي نتيجة لخروجها إلى العمل.
    5- نشرت جريدة "لاسترن ميل" الإنكليزية ما يلي: (لأن تشتغل بناتنا في البيوت كخوادم، خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف رداء.
    إنه عار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها) أ.هـ
    6- يقول علي عزت بيجوفتش الذي عرف الغرب عن قرب: (إن الحضارة الغربية قد أحالت المرأة إلى موضع إعجاب أو استغلال، ولكنها حرمت من شخصيتها وهو – أي: شخصيتها - الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير والاحترام، وهذا الموضوع مشهود بشكل مطرد وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال أو في مهن نسائية معينة مثل "الموديلات" وفي هذه الحالة لم تعد المرأة شخصية ولا حتى كائنا إنسانياً، وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل) أ.هـ
    7- وهناك كتاب "أرض النساء" لكاتب فرنسي أشار فيه إلى أن إحدى رائدات حركة "تحرير المرأة في أمريكا" في الستينيات، ترى التراجع عن هذه الحركة عندما أعلنت عام 1982 أنه كان هناك إفراط في تحرير المرأة وهو المسؤول عن أزمة القيم الأخلاقية التي تزلزل أمريكا".
    8- وقد ذكرت بعض الدراسات أن نسبة الحوامل من جراء هذا الاختلاط بين الجنسين، قد زاد زيادة سريعة في المجتمعات المتحضرة!! فيقولون: (إن نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الأمريكية قد بلغت 48 % ثمان وأربعون بالمائة).
    9- ونقل عن جريدة "الأحد" اللبنانية في عددها (650): (أن الفضائح الجنسية في الجامعات والمعاهد الأمريكية بين الطلاب والطالبات تتجدد وتزداد عاما بعد عام، وأن الطلاب يقومون بمظاهرة في بعض جامعات أمريكا، ويهتفون فيها قائلين: "نريد فتيات، نريد أن نرفه عن أنفسنا" وذكرت أن هجوماً ليلياً وقع من الطلاب على غرف نوم الطالبات وسرقن ثيابهن الداخلية).
    10- وقال عميد الجامعة معقباً على ذلك الحدث: (إن معظم الطلاب والطالبات يعانون جوعاً جنسياً رهيباً، ولا شك أن الحياة العصرية الراهنة لها أكثر الأثر في تصرفات الطلاب الشاذة).
    11- وقد أشارت الإحصائيات في الأعوام المتأخرة على أن (120) ألف طفل أنجبتهم فتيات بصورة غير شرعية، لا تزيد أعمارهن على العشرين، وأن كثيراً منهن من طالبات الجامعات، وذكرت أن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها، وبالوسائل المتجاوبة مع العاطفة، وأن أكثر من 60 % ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات، وتعود أسباب فشلهن إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن ومستقبلهن، وأن 10% عشرة بالمائة فقط ما زلن محافظات.
    انظر ما نقل من جريدة "الأحد" اللبنانية عدد (650).
    ولا ندري لماذا لا تعالج صحفنا مثل هذه الظواهر السيئة التي منيت بها مجتمعات الغرب عموماً ؟!
    12- إن الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن سابقاً أخرج بعض النساء من بيوتهن، تارة بالقوة في بعض المناطق وتارة أخرى بالإغراء، وكان ذلك في بعض الأرياف والمدن، فنتج من ذلك ضرر كبير وشر مستطير، حتى عم البلاء في كل مكان وعرف الناس شيئاً لم يكونوا يعرفونه من قبل، فكثرت حالات الحمل غير الشرعي وكثر إلقاء الأولاد غير الشرعيين في مزارع الأرياف، وفي قمامات المدن.
    وهناك أدلة كثيرة ودامغة تدل على أن من ينادي بخروج المرأة لتعمل ليس إلا استدراجاً لها إلى الفراش لأنهم لا يرون المرأة إلا فرجاً لابد أن يشبع غرائزهم وشهواتهم.
    وأخيراً نقول لدعاة التقدم ودعاة حرية المرأة إلى أي مستنقع قذر تريدون أن نصل وإلى أي هاوية ليس لها قرار تريدون أن تدفعونا يا من تدعون المرأة للخروج للعمل ؟


    أضرار مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله:
    في مشاركة المرأة للرجل عدة أضرار كثيرة يكفي منها أنها خالفت أمر الله في البقاء في البيت فإنه الأصل حيث قال الله تعالى: (وقرن في بيوتكن).
    وهناك أضرار ومفاسد أخرى نذكر منها:
    1- الوقوع في الفاحشة والانحراف الأخلاقي الناشئ من كثرة الاختلاط والاحتكاك، ومن ذلك كثرة المخادنة والمصادقة والخيانة الزوجية، ولاسيما وأكثر الوظائف النسوية هي من الوظائف التي يحتاجون فيها إلى جمال المرأة كأن تكون سكرتيرة أو مضيفة أو مقدمة برامج في التلفاز أو على كرسي الاستعلامات في الفندق أو نحو هذا، وهذا يدفع بعجلة التبرج والسفور إلى الأمام نسأل الله السلامة والعافية.
    تقول الباحثة الأمريكية "هيلين فيشر": (إن الاختلاط يؤدي إلى إيجاد محيط يسبب نوعاً من التهيج) أي: التهيج الجنسي.
    يقول أحد العاملين بـ"معهد العلاقات بين الجنسين" في مدينة سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا:
    (إننا لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل).
    وللاختلاط آثاره الخطيرة حتى على التعليم، فقد نشرت "مجلة المصور" بتاريخ 30مارس 1956 استفتاء أجرته بين طلبة الجامعات المصرية وطالباتها، جاءت نتيجته أن خمسة وستين % منهم قرروا أن تفكيرهم في الجنس الآخر أثناء الاختلاط يؤثر على دراستهم، إذ أن ثلاثة أرباع وقت فراغهم يضيع بحثاً عن الحب واللهو، لذلك يرون إنشاء جامعات خاصة بالبنات).
    وتقول "أسماء فهمي" وهي فتاة من مصر رجعت من أمريكا: (إن الأمريكيين يرون الآن أن الاختلاط يشغل الفتيات عن الجد والنشاط العلمي بالملابس والزينة وما إلى ذلك، مما لا يفكرون فيه عندما يفتقدون الفتيان).
    ولقد حدثني أكثر من شخص من الموظفين أنه يدخل على بعض المكاتب في مكان وظيفته فيجد رجلاً وامرأة في حالة عري فاضح.
    ولم تكتف المجتمعات الغربية بتعريض المرأة للتحرش الجنسي فإنها تعرضت وما تزال تتعرض للاغتصاب.
    ومن الإحصائيات الدالة على عظم مصيبة الاغتصاب في الدول الغربية ما أوردته إحدى الدراسات الصادرة في واشنطن أعدها "مركز الضحايا الوطني" و"مركز الأبحاث ومعالجة ضحايا الاغتصاب" أن ثمان وسبعين امرأة يتعرضن للاغتصاب كل ساعة، أي بمعدل ستمائة وثلاثة وثمانين امرأة في السنة، وتضيف الدراسة أن 13% من النساء في أمريكا تعرضن للاغتصاب على الأقل مرة واحدة في حياتهن، وأن 61 في المائة منهن كن أقل من 18 سنة و29% منهن كن دون الحادية عشرة من العمر كما أن 32% كن بين سن الحادية عشر والسابعة عشر.
    2- فساد مروءة وأخلاق كثير من الرجال الذين اختلطوا بالنساء في الوظائف والأعمال فساءت طباعهم وأصبح فيهم شيء من التكسر والميوعة.
    يقول "جورج رائيلي": (والسبب الآخر الخطير الذي عمت لأجله الفوضى الجنسية في المجتمع أن النساء لا يزلن يتهافتن على الأشغال التجارية ووظائف المكاتب والحرف المختلفة، حيث تسنح لهن فرص الاختلاط بالرجال صباح مساء، وقد حط ذلك من المستوى الخلقي في الرجال والنساء).
    3- فساد أخلاق كثير من النساء لأن الحياء يقل مع كثرة خروجهن واحتكاكهن بالرجال، وهذا شيء ملاحظ على الكثير من الموظفات إلا من رحم الله منهن.
    وجاء في تقارير "اليوم العالمي لحقوق المرأة" ما يدل على أنها تندد بالمرأة الإنجليزية والأمريكية لمزاحمتها الرجال، وتشيد هذه التقارير بالمرأة السويسرية لعودتها إلى المنزل، وقد تضمن التقرير أنه أقيم حفل في سويسرا - معقل المنظمات المنافحة عن حقوق المرأة - لتكريم المرأة السويسرية لتفانيها في أداء واجباتها المنزلية.
    4- الاختلاط بين الجنسين سبب في الأولاد وجود غير الشرعيين ولا أقول في كثرتهم، فإن الزنى سببه أول مرة التساهل في الاختلاط، وقد حذرت الكاتبة الإنجليزية " الليدي كوك " من أخطاره وأضراره، حيث كتبت محذرة في "جريدة ألايكو": (على قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنى، وهاهنا البلاء العظيم على المرأة .. لقد دلنا الإحصاء على البلاء الناتج من حمل الزنى يتعاظم ويتفاقم حيث يكثر اختلاط النساء بالرجال).
    5- ضياع الواجبات المنزلية للمرأة، ويقول الدكتور "سوليفان" هذا بقوله: (إن السبب الحقيقي في جميع مفاسد أوروبا وفي انحلالها بهذه السرعة هو إهمال النساء للشؤون العائلية المنزلية، ومزاولتهن الوظائف والأعمال اللائقة بالرجال في المصانع والمعامل والمكاتب جنبا إلى جنب).



    ماذا نستفيد من القول بأن الاختلاط بين الرجال والنساء حرام:
    أولا: على ولاة الأمور أن يمنعوا من الاختلاط بين الرجال والنساء لأن هذا من دورهم وواجبهم.
    قال ابن القيم في "الطرق الحكمية":
    (ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال...
    فالإمام مسئول عن ذلك، ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك، وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة إذا تجملت وتزينت وخرجت ثيابها بحبر ونحوه فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب وهذا من أدنى عقوبتهن المالية.
    وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها ولاسيما إذا خرجت متجملة بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية والله سائل ولي الأمر عن ذلك، وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال والاختلاط بهم في الطريق، فعلى ولي الأمر أن يقتدى به في ذلك.
    ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
    فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك) أ.هـ باختصار.
    ومن ذلك أنه يجب على ولي الأمر أن يفصل بين النساء والرجال في التعليم ولو كان الرجال من المدرسين أو الطلبة، ونقول: ليس الذنب ذنب أهل العلم إذا أفتوا بتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء في التعليم وغيره.
    وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز:
    (إن فتنة الاختلاط يمكن القضاء عليها بصدق النية والعزيمة الأكيدة على الإصلاح وذلك بإنشاء مدارس ومعاهد وكليات وجامعات تختص بالنساء ولا يشاركن فيها الرجال.
    وإذا كان النساء شقائق الرجال فلهن الحق في تعليم ما ينفعهن كما للرجال لكن لهن علينا أن يكون حقل تعليمهن في منأى عن حقل تعليم الرجال).
    ثانيا: يحرم على المرأة أن تشارك الرجل في ميدان عمله، فعلى المرأة أن تتقي الله في نفسها وأن تثق بالله عز وجل، وعلى الآباء أن يتقوا الله فلا يعرضوا بناتهم للخطر من أجل بعض الدراهم الحقيرة، لا بارك بعد العرض الله في المال.



    إلى دعاة الاختلاط:
    من يرى جواز الاختلاط صراحة من على القنوات بقسميهم: أصحاب المنظور العلماني، ومن زعم أنه يتكلم بمنظور شرعي، فكلاكما من دعاة الاختلاط يدعو إلى الاختلاط، وإن زعم من زعم منكما أنه مجتهد في النظر إلى الأدلة.
    ولو سلمنا فرضا أن الاختلاط بين الرجال والنساء مباح في الأصل لكان منعه اليوم هو الصواب لما ترتب عليه من الكوارث العظيمة التي حلت بمجتمعاتنا، كمسألة خروج المرأة لصلاة الجماعة وصلاة الجمعة فقد قالت عائشة: (لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثته النساء لمنعهن من الخروج) كما في "الصحيحين"، ونقل ابن عبد البر كلام العلماء في ذلك وصوب رأي من يرى منع النساء اليوم لتغير النساء في الأزمنة الأخيرة.
    وهذا والخروج إلى المساجد في الأصل مباح للنساء يا عباد الله فكيف وقد تواردت النصوص كثرة ووضوحا على منع الاختلاط في سائر المجامع ؟ فأين عقل من يفتح الباب على مصراعيه هكذا، ثم يقول: أنا لا أعني ما عليه الناس اليوم !! سبحان الله، لو علم ابن حزم بما يفعله اليوم الناس من الغناء وما فيه من كلمات ماجنة ولو علم بما ترتب على القول بإباحته لما تردد عن الرجوع عن القول بإباحته وهذا من حسن الظن به رحمه الله.



    انتهت الحلقة الأولى

    ويليها الحلقة الثانية والأخيرة وهي
    (شبهات حول الاختلاط).

  2. #2

    افتراضي

    خــطــــر

    اختــــــــلاط الرجال بالنساء



    كتبه:

    أبو عمار علي الحذيفي

    الحلقة الثانية
    يقول محمد طلعت حرب باشا في كتاب له بعنوان "المرأة والحجاب":

    (إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي).



    مقدمة:
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فهذه هي الحلقة الثانية من (خطر اختلاط الرجال بالنساء) خصصتها للرد على شبهات من أجاز الاختلاط، وهي استدلالات خاطئة استدل بها بعض الناس ولم يسبقه إلى فهمها أحد، ومن هولاء عبد الله بن يوسف الجديع الذي أثلج صدور أهل السنة بكتابه السلفي: "العقيدة السلفية في كلام رب البرية"، ثم صدمهم وأحزنهم بما صدر منه من شذوذ في إثبات أن لله عينا واحدة في كتابه الذي ألفه في "أصول الفقه"، والشذوذ في جواز إتيان المرأة في الدبر، وجواز حلق اللحى، وجواز الغناء، وجواز الاختلاط بين الرجال والنساء، وقد تبعه على الرأي الأخير هذا أحمد الغامدي، ولم يسبقهما أحد إلى هذا القول الشنيع في تجويز الاختلاط بين الرجال والنساء في المجالس الخاصة والمجامع العامة، فقولهما شاذ مخالف لإجماع علماء المسلمين، بل لعموم المسلمين علماء وغيرهم.
    وما اعتمدوا عليه من الأدلة فهو إما أنه صحيح غير صريح في جواز الاختلاط، أو صريح في ذلك لكنه غير صحيح من حيث السند أو أنه منسوخ لأنه كان قبل نزول آية الحجاب أو أنه يحتمل الخصوصية كما هو مذهب جماعة من العلماء مثل ابن عبد البر والقرطبي وغيرهما، كما سيرى المسلم في هذا البحث المتواضع إن شاء الله والذي بذلت فيه طاقة طويلب العلم وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم.
    والحق أن الطريقة التي سلكها أحمد الغامدي فتح بها الباب على مصراعيه لكل من يريد أن يحتج بشيء من الأدلة على صحة انحرافاته، فلا نستغرب إذا وجدنا في المستقبل من يخرج من بين المسلمين وينادي بمشروعية شرب الخمر أو الغناء أو تبرج النساء أو ما شابه ذلك لأن المذكور سن للناس سنة سيئة.
    بل لا نستغرب إذا ظهر لنا من يترك النصوص المتفق عليها بين أفراد الأمة ويأخذ بعض الأدلة فيقرر بها شيئا غريبا من شاذ الأقوال وغريب الآراء، فمثلا لن نستغرب إذا ظهر لنا من يجيز الحركة في الصلاة مطلقا ولو بدون حاجة، ويجيز أن يكتب الإنسان في الصلاة وأن يتصفح الكتب وأن يمشط لحيته ويرتب عمامته وينفض الغبار عن قميصه وأن يضبط الساعة إذا كانت متقدمة أو متأخرة، فإذا سئل عن ذلك قال: "ورد ما يدل على أن الحركة في الصلاة مشروعة" !! ويعني ما جاء من قتل الحية أو العقرب أو الإشارة بالسلام أو فتح الباب أو نحو ذلك، فهذا وأمثاله أهملوا النظر إلى ملابسات هذه النصوص وإلى قيودها، وإلى ما جرى عليه العمل بين المسلمين !! فهذا هو فقه دعاة الاختلاط اليوم - أصلحنا الله وإياهم-.


    اتباع المتشابه صنيع أهل الزيغ:
    قال الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله).
    قال ابن كثير في "تفسيره":
    (ولهذا قال تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ" أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل"فيتبعون ما تشابه منه" أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه، لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال:"ابتغاء الفتنة" أي: الإضلال لأتباعهم، إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه" وبقوله: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد، ورسول من رسل الله) أ.هـ



    شبهات حول الاختلاط:
    قال دعاة الاختلاط: أصل كلمة الاختلاط لم ترد بعينها في النصوص.
    والجواب: أن أصل كلمة الاختلاط تعني الجمع بين شيئين، وقد قال الراغب في "المفردات": (الخلط: هو الجمع بين أجزاء الشيئين فصاعدا).
    ومن ذلك قوله تعالى: (فاختلط به نبات الأرض) وقوله تعالى: (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض) وقوله تعالى: (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا).
    وأما من الناحية الاصطلاحية فهو كما قال سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعريف الاختلاط: (هو اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد، بحكم العمل، أو البيع، أو الشراء، أو النزهة، أو السفر، أو نحو ذلك).
    وهذا المعنى قد حرمته الشريعة ومنعت منه النصوص المتكاثرة، فهو محرم سواء ذكرناه بلفظ الاختلاط أو الامتزاج أو الاجتماع أو غيرها إذ الأحكام تترتب على الحقائق لا على الألفاظ، ولذلك لو اصطلح قوم على أن يسموا اللبن خمرا لم يكن هذا ليغير من الحكم، والعكس صحيح فلو اصطلح قوم على أن يسموا الخمر لبنا لم بكن هذا ليغير من الحكم.
    ومن هنا فإن تسمية الخمور بالمشروبات الروحية والربا بالفوائد والزنا بالجنس ونحو ذلك لا يغير من هذه الأحكام، لأن الأحكام لا تتعلق بالأسماء وإنما بالمسميات كما هو معلوم عند أهل العلم.
    ثم إن كثيرا من الأمور الشرعية تعتبر من الأمور المتفق عليها عند العوام والخواص ومع هذا لم تأت الأدلة تنص على اسمها وإنما يبني أهل العلم أحكامهم على معانيها وحقائقها ككثير من صور الشرك وصور الربا والبيوع المحرمة، ونحو ذلك.
    وقد جاء لفظ الاختلاط صريحا في السنة فقد روى أبو داود وغيره أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: "استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق"، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به).
    وفي سنده مقال، وله شاهد رواه البيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ليس للنساء وسط الطريق) وفيه مسلم بن خالد الزنجي وحديثه في الشواهد، فالحديث يرتقي إلى الحسن بهذين الطريقين وإن كانت لفظ الاختلاط الواردة في الطريق الأولى ليس في الطريق الثانية ما يشهد لها، لكن هذا لا يضر فإنه يكفينا سبب ورود الحديث فإنه كان من أجل الاختلاط، وأيضا الأمر كما تقدم فإن الأحكام لا تترتب على الأسماء وإنما على الحقائق.
    وهناك شبهات كثيرة احتج بها دعاة الاختلاط نذكر منها:



    1- الاستدلال بحديث أسماء:
    روى الشيخان في "صحيحهما" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:
    (تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن ولم أكن أحسن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني).
    وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف أسماء أو أراد إردافها على الإبل.
    والجواب عن ذلك من أوجه:
    الأول: هناك من حمل هذا على إرداف المرأة المعروفة للحاجة الماسة مع الرجال الصالحين الذين يعرفونها، كأن تكون قد أعياها التعب والإرهاق ونحو ذلك، فليس هذا مباحا مع كل امرأة.
    قال النووي في "شرح مسلم":
    (وفيه جواز إرداف المرأة التي ليست محرما إذا وجدت في طريق قد أعيت, لاسيما مع جماعة رجال صالحين, ولا شك في جواز مثل هذا).
    الثاني: وهناك من حمل هذا على خصوصية له صلى الله عليه وسلم مع أسماء، فقد قال النووي في "شرح مسلم":
    (وقال القاضي عياض: هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره فقد أمرنا بالمباعدة من أنفاس الرجال والنساء، وكانت عادته صلى الله عليه و سلم مباعدتهن ليقتدى به أمته قال: وإنما كانت هذه خصوصية له لكونها بنت أبي بكر وأخت عائشة وامرأة الزبير فكانت كإحدى أهله ونسائه مع ما خص به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه وأما إرداف المحارم فجائز بلا خلاف).
    يريد رحمه الله أن أسماء لها وضعها الخاص مع النبي لمكانة أبيها وأختها وزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم فهو خاص بأسماء.
    الثالث: وهناك من يقول بخصوصية النبي صلى الله عليه وسلم عموما معها ومع غيرها، وهذا المذهب هو رأي جماعة من الفقهاء، فهناك من ذهب إلى أن الخلوة بالأجنبيات والنظر إليهن ونحو ذلك تعتبر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتج هذا الفريق بأن هذه الأعمال ليس لأحد أن يأتسي به فيها لأنه صلى الله عليه وسلم أملك الناس لإربه، ويؤيد هذا القول أن العمل لم يجر بعده على الطريقة التي جرت في عهده.
    قال ابن عبد البر كما في "شرح الزرقاني على موطأ مالك": (على أنه معصوم ليس كغيره ولا يقاس به سواه).
    وقال القرطبي كما في "تحفة الأحوذي": (يمكن أن يقال إنه كان لا يستتر منه النساء لأنه كان معصوما بخلاف غيره).
    وهذا مذهب جماعة آخرين مثل ابن العربي والحافظ ابن حجر والسيوطي وغيرهم.
    الرابع: وهناك من حمل هذا على أنه قبل الحجاب، فقد قال الحافظ في "فتح الباري": (والذي يظهر أن القصة كانت قبل نزول الحجاب ومشروعيته).
    والخلاصة أنه لم يستنبط أحد من الحديث أن فيه جواز الاختلاط.



    2- الاستدلال بحديث الجاريتين:
    روى الشيخان عن عروة عن عائشة قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا).
    والجواب أن الجاريتين هنا في هذا الحديث صغيرتان وليستا كبيرتين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يغسل من بول الجارية, ويرش من بول الغلام). أخرجه أبو داود والنسائي, وصححه الحاكم عن أبي السمح رضي الله عنه.



    3- الاستدلال بحديث الاجتماع على الوضوء:
    روى البخاري في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر أنه قال: (كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا).
    الجواب عن ذلك أن يقال: إن ابن عمر لم يسق هذا ليستدل به على جواز الاختلاط كما فهم من ذلك من فهمه من دعاة الاختلاط، وإنما ليبين أن النهي عن التطهر بفضل المرأة للكراهة وليس للتحريم، ولذلك أورده البخاري في هذا الباب، وذكر الحافظ في "فتح الباري" بعض الأقوال في الجمع بين هذه المذاهب فقال:
    (ومن أحاديث الجواز ما أخرجه "أصحاب السنن" والدارقطني وصححه الترمذي وبن خزيمة وغيرهما من حديث بن عباس عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنه ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت له فقال الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه لفظ الدارقطني وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم وقول أحمد أن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي أو يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة والله أعلم).
    وهو محمول على ما بعد الحجاب على المحارم دون غيرهن من النساء، فقد قال الحافظ في "فتح الباري": (وحكى ابن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضئون جميعا في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة والزيادة المتقدمة في قوله من إناء واحد ترد عليه وكأن هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب، وقد أجاب بن التين عنه بما حكاه عن سحنون أن معناه كان الرجال يتوضؤون ويذهبون ثم تأتي النساء فيتوضأن، وهو خلاف الظاهر من قوله: "جميعا" قال أهل اللغة: الجميع ضد المفترق، وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في "صحيح ابن خزيمة" في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه).
    ثم قال الحافظ:
    (والأولى في الجواب أن يقال لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم).



    4- الاستدلال بخلوته بامرأة من الأنصار:
    قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال: والله إنكن لأحب الناس إلي) متفق عليه.
    وقوله: (أحب الناس إلي) أي: الأنصار، ولذلك أورده مسلم في "صحيحه" وبوب عليه النووي: (من فضائل الأنصار رضي الله تعالى عنهم).
    والجواب عن ذلك أن هذه لم تكن من الخلوة المحرمة والتي هي حجب أشخاصهما عن أنظار الناس، وإنما الخلوة هنا خلوة لغوية أي: انفرد بها لتتمكن من أن تسأله كما تريد وهذا إذا كان للاستفتاء فليس فيه شيء لأنه لحاجة ماسة لا يستغنى عنها كما هو معلوم.
    قال النووي: (خلا معها في بعض الطرق: أي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها لأن مسألتها مما لا يظهره، والله أعلم).



    5- الاستدلال بحديث زوجة أبي أسيد الساعدي:
    عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: "لمَّا عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلّت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلمَّا فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له، فسقته تتحفه بذلك" متفق عليه.
    قالوا: فالحديث يدل على أنَّه يسوغ للمسلم أن يدع زوجته تستقبل ضيوفه وأن تشرف بنفسها على تكريمهم، وأن هذا ليس مما يأباه الإسلام.
    الجواب: أنه ليس فيه أنها اختلطت بهم وجالستهم، وإنما فيه أنها خدمتهم وقربت لهم ولو من بعيد كما في قول سهل بن سعد: (فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد)، وإنما ساقه سهل تعجبا منها حيث إن العادة أن العروس تقعد ليلة عرسها وغيرها يخدمها، لكن لفرحتها برسول الله صلى الله عليه وسلم قامت هي لتخدمهم.
    قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري":
    (وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أنَّ محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر).
    قلت: وتأمل في قوله رحمه الله: (من الستر) تعرف أنه ليس في الحديث أنها تكشفت أو خرجت عليهم.
    وقال البغا في تعليقه على الحديث في "صحيح البخاري": (تقوم بخدمتهم وتقدم لهم الضيافة وكان ذلك قبل أن يفرض الحجاب، على أنه ليس في مجموع طرق الحديث ما يدل على أنها جلست معهم، أو أظهرت لهم الزينة أو مواضعها وعليه فلا إشكال ولا ممسك لذوي النفوس الضعيفة والقلوب المريضة في مثل هذه الحوادث إذ لا يمتنع دخول المرأة مجالس الرجال وخدمتهم إذا كانت هناك حاجة وكانت محتجبة بالحجاب الذي افترضه الله عز وجل).
    وهناك وجه آخر وهو أنه على فرض أن فيه ما يدل على الاختلاط، فهناك من يجيب بأن هذا كان قبل نزول آية الحجاب، فقد قال النووي في "شرح مسلم": (هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب). وقال العيني في "شرح صحيح البخاري": (وكان ذلك قبل نزول الحجاب). وهذا صحيح فقد ذكروا أن زواج أبي أسيد كان قديما، وقد بحثت عما يؤكد هذا فلم أصل إلى شيء.
    وأما قول ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" مستدلا بحديث أبي أسيد: (وفيه: أن الحجاب ليس بفرض على نساء المؤمنين، وإنما هو خاص لأزواج النبي، كذلك ذكره الله فى كتابه بقوله: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب).
    فهذا جمع ضعيف بين الآية والحديث كما قدمناه في "الحلقة الأولى" لأن العفة والطهارة ليست خاصة بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو عام لكل مؤمنة.




    6- الاستدلال بخروج النساء في الغزو:
    عن ثابت عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى) متفق عليه.
    قالوا: لقد ظهر الكثير من نساء الصحابة في صفوف القتال يضمدن الجرحى ويسقين العطاش ومنهن أم سليم رضي الله عنها ففيه دليل على جواز الاختلاط.
    فيقال:
    أولا: إن الشارع قد أسقط عليهن الجهاد في سبيل الله، وقد قالت عائشة: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد ؟ فقال: (لكن أفضل الجهاد حج مبرور) رواه البخاري، وفي رواية للبخاري في "صحيحه" عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال : "جهادكن الحج").
    وفي رواية لابن خزيمة: (عليكن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة).
    وقد نقل الحافظ ابن حجر عن ابن بطال قوله: (دل الحديث على أن الجهاد غير واجب على النساء، وإنما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال).
    أقول: فإسقاط الشارع وجوب الجهاد على النساء حجة على من زعم أن في خروج النساء دليلا على الاختلاط.
    والجواب عن استدلالهم أن يقال:
    الأول: إن هناك من يقول بأن هذا منسوخ، ولعل الحافظ ابن حجر يميل إلى هذا حيث أورد ترجمة أم كبشة القضاعية في "الإصابة" ثم قال: (ذكرها بن أبي عاصم في "الوحدان" وأخرج حديثها أبو بكر بن أبي شيبة ومطين والطبراني وغيرهم من طريق الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو القرشي أن أم كبشة امرأة من قضاعة قالت: "يا رسول الله ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا" قال: لا قالت: يا رسول الله إني لست أريد أن أقاتل إنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى وأسقي الماء" قال لولا أن تكون سنة ويقال فلانة خرجت لأذنت لك ولكن اجلسي" وأخرجه بن سعد عن بن أبي شيبة وفي آخره: "اجلسي لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة").
    ثم قال رحمه الله: (ويمكن الجمع بين هذا وبين ما تقدم في ترجمة أم سنان الأسلمي أن هذا ناسخ لذاك لأن ذلك كان بخيبر وقد وقع قبله بأحد كما في "الصحيح" من حديث البراء بن عازب وكان هذا بعد الفتح) أ.هـ
    الثاني: على فرض أنه غير منسوخ فإن هؤلاء النساء خرجن في حالات خاصة إذ هذا من باب علاج المرضى ومداواة الجرحى ولا يخفى أنه من باب الضرورات إذا لم يكن هناك من يقوم من الرجال بدلا عنهن، فالحروب لها وضعها الخاص الذي يجبر المسلمين على التوسع في بعض المحظورات، فكيف يقاس الأمن على الحرب ؟! ومع هذا الوضع فإن العلماء يشترطون لخروج النساء قيودا ضيقة مثل خروجهن مع محارمهن من الأزواج أو الإخوة وبشرط أن يكن كبيرات ولسن صغيرات، وأن يكون المسلمون قد أمنوا تسلط العدو عليهم، وهذا ما يذكره العلماء في كتب "المغازي" و"السير".
    قال الحافظ في "فتح الباري" عند حديث أنس المتقدم:
    (وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة، قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات (أي: العجائز) منهن لأن موضع الجرح لا يُلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس، ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم، وقال الأوزاعي: تدفن كما هي قال ابن المنير الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات).
    وقال ابن عبد البر في "التمهيد": (وفيه من الفقه خروج النساء مع الرجال في الأسفار، وخروجهن مع الرجال في الغزوات وغير الغزوات مباح إذا كان العسكر كبيرا يؤمن عليه الغلبة).
    فإن اضطرت النساء لمباشرة قتال الكفار لظروف خاصة كأن ينهزم المسلمون أو نحو ذلك من الحالات، فلا حرج في مشاركتهن ويقاتلن دفاعا عن أنفسهن أو غير ذلك، وعلى مثل هذا يحمل ما روي عن بعض الصحابيات.



    7- الاستدلال بحديث الأنصاري:
    الحديث الذي جاء فيه أن رجلا من الأنصار ضيف ضيفا لرسول صلى الله عليه وسلم وأدخلت المرأة الطعام عليهما وقال لها: "تعالي فأطفئي السراج". وقد رواه مسلم.
    قالوا: فيفهم من الحديث أن المرأة دخلت على الضيف وجلست معه وأكلت وهذا هو الاختلاط ولو كان حراما لنزل الوحي على رسول صلى الله عليه وسلم وأخبره بما جرى كما أخبره عن إيثارهما وكرمهما.
    والجواب: أن هذه القصة حدثت قبل نزول الحجاب و تحريم الاختلاط، وذلك أن هذه القصة كانت سببا لنزول قوله تعالى "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" وهي آية من سورة الحشر، وسورة الحشر نزلت في بني النضير، وقد أجلاهم صلى الله عليه وسلم على أكثر الأقوال في سنة أربع، وآيات الحجاب نزلت في السنة الخامسة، فيكون أمر هذه القصة كله قبل نزول حكم الحجاب، وعليه فلا دليل لهم فيها.




    8- الاستدلال بحديث أم حرام:
    استدلالهم بحديث أم حرام وهو أقوى حججهم، فقد استدلوا بحديث رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته وجلست تفلي رأسه فنام رسول الله ثم أستيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة يشك إسحاق قالت فقلت يا رسول الله ادع الله يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ يضحك قال فقلت يا رسول الله ما يضحكك قال ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة كما قال في الأول قالت: فقلت يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني الله منهم قال أنت من الأولين قال فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت).
    والجواب: أن هناك من قال: إنها محرم من محارمه صلى الله عليه وسلم، وهو ما قاله جماعة كبيرة من العلماء منهم ابن عبد البر في "التمهيد" حيث قال: (وأم حرام هذه خالة أنس بن مالك أخت أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك وقد ذكرناهما ونسبناهما وذكرنا أشياء من أخبارهما في كتابنا كتاب الصحابة فأغنى عن ذكره ها هنا وأظنها أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أم سليم أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصلت أم حرام خالة له من الرضاعة فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها وكذلك كان ينام عند أم سليم وتنال منه ما يجوز لذي المحرم أن يناله من محارمه ولا يشك مسلم أن أم حرام كانت من رسول الله لمحرم فلذلك كان منها ما ذكر في هذا الحديث والله أعلم.
    وقد أخبرنا غير واحد من شيوخنا عن أبي محمد الباجي عبد الله بن محمد بن علي أن محمد بن فطيس أخبره عن يحيى بن إبراهيم بن مزين قال إنما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي أم حرام رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لأن أم عبد المطلب بن هاشم كانت من بني النجار.
    وقال يونس بن عبد الأعلى قال لنا ابن وهب: أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلهذا كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه).
    قال أبو عمر ابن عبد البر:
    (أي ذلك كان فأم حرام محرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك ما حدثنا... وهذه آثار ثابتة بالنهي عن ذلك ومحال أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينهى عنه).
    قال النووي:
    (اتفق العلماء على أنها كانت محرما له صلى الله عليه وسلم, واختلفوا في كيفية ذلك فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة, وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده ; لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار).
    وقال أيضا: (وكانت أم سليم هذه هي وأختها خالتين لرسول الله من جهة الرضاع).
    وقال ابن حجر: (وجزم أبو القاسم بن الجوهري والداودي والمهلب فيما حكاه ابن بطال عنه بما قال ابن وهب قال: وقال غيره إنما كانت خالة لأبيه أو جده عبد المطلب, وقال ابن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة).
    قال العيني: (قال الكرماني: كيف صار قتل الأخ سببا للدخول على الأجنبية؟ قلت: لم تكن أجنبية كانت خالة لرسول الله ? من الرضاع، وقيل: من النسب فالمحرمية كانت سببا لجواز الدخول).
    ومن لم يقل بأنها من محارمه قال بأن هذا من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الكلام على حديث أسماء.
    وقال آخرون: هذا خاص بهاتين المرأتين، فقد قال ابن الملقن معترضا على النووي:
    (وما ذكره من الاتفاق على أنها كانت محرما له فيه نظر، ومن أحاط علما بنسب النبي ونسب أم حرام علم أن لا محرمية بينهما، وقد بين ذلك الحافظ شرف الدين الدمياطي في جزء مفرد، وقال: وهذا خاص بأم حرام وأختها أم سليم، وقد ذكرت ذلك عنه في كتابي المسمى "العدة في معرفة رجال العمدة").
    قلت:
    هذا هو شرف الدين الدمياطي رحمه الله وهذا هو قوله لم يرتض القول بأنه من محارمها لكنه قال بالخصوصية، فالعلماء اختلفوا في التوجيه واتفقوا على أنه لا دليل لأحد فيه على الاختلاط بالنساء، فهل بعد هذا يجوز للغامدي أن يحتج بكلام الدمياطي وأنه خرق الإجماع، والدمياطي يرى أن هذا خاص بهاتين المرأتين من دون النساء ؟!.




    9- الاحتجاج بالاختلاط الموجود في الطواف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
    قالوا لو كان الاختلاط ممنوعا لما سمح صلى الله عليه وسلم بالاختلاط بالطواف بالبيت الحرام.
    والجواب: من قال إن الاختلاط في الطواف جائز أصلا حتى تحتجون به، إن فعل الناس اليوم غير صحيح، ولذا كانت عائشة رضي الله عنها تطوف في ناحية بعيدة من الرجال لا تخالطهم كما في "صحيح البخاري" وكانت النساء تطوف بالليل وقبل الطواف يخرج الرجال ثم يبدأن الطواف.
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: "فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة") أ.هـ بكسر الدال المهملة.
    والإسلام لم يبح الاختلاط بين الرجال والنساء لا في الطواف ولا في غيره لما يترتب عليه من المفاسد المحققة، كالنظر المحرم وما يتبعه من منكرات، فقد روى البخاري في "صحيحه"، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ: والطور وكتاب مسطور.
    قال ابن حجر: (أمرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها).
    وقال الباجي في شرحه على الموطأ: (وأما المرأة فمن سنتها أن تطوف وراء الرجال، لأنها عبادة لها تعلق بالبيت، فكان من سنة النساء أن يكن وراء الرجال كالصلاة).
    وفي "صحيح البخاري" قال ابن جريج أخبرنا قال أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال قلت أبعد الحجاب أو قبل قال إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب قلت كيف يخالطن الرجال قال: لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة – أي: معتزلة - من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت: "انطلقي عنك وأبت"، يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير قلت: وما حجابها قال: هي في قبة تركية لها غشاء وما بيننا وبينها غير ذلك ورأيت عليها درعا موردا).
    أما ما يحصل الآن حول الكعبة شرفها الله من اختلاط بصورة مذمومة، مخالفة لما أمر به الشرع فليس دليلا على الجواز كما ذهب إليه بعض من تصدر للفتوى عندنا، لأننا نأخذ ديننا من الوحيين لا من واقع الناس.




    10- قصة عمر مع أم كلثوم:
    وهي قصة منقولة من "تاريخ ابن جرير" الطبري رحمه الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال ما نصه:
    (فاتبعته فدخل دارا ثم دخل حجرة فاستأذنت وسلمت فأذن لي فدخلت عليه فإذا هو جالس على مسح (بساط) متكئ على وسادتين من أدم محشوتين ليفا, فنبذ إلي بإحداهما فجلست عليها وإذا بهو في صفة فيها بيت عليه ستير فقال: "يا أم كلثوم غداءنا", فأخرجت إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يدق, فقال: يا أم كلثوم ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا.قالت: إني أسمع عندك حس رجل قال: نعم ولا أراه من أهل البلد, قالت: لو أردت أن أخرج إلى الرجال لكسوتني كما كسا ابن جعفر امرأته, وكما كسا الزبير امرأته, وكما كسا طلحة امرأته, قال: أو ما يكفيك أن يقال: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وامرأة أمير المؤمنين عمر. فقال: كل فلو كانت راضية لأطعمتك أطيب من هذا) أ.هـ
    قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (وهذه القصة باطلة لا تثبت رواية ولا دراية:
    أما الرواية: فلأن مدارها على جماعة من الضعفاء وبعضهم متهم بالكذب وتنتهي القصة إلى مبهم لا يعرف من هو ولا تعرف حاله وهو الذي رواها عن عمر وبذلك يعلم بطلانها من حيث الرواية.
    وأما من حيث الدراية فمن وجوه:
    1 - شذوذها ومخالفتها لما هو معلوم من سيرة عمر رضي الله عنه وشدته في الحجاب وغيرته العظيمة وحرصه على أن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم نساءه حتى أنزل الله آية الحجاب.
    2 - مخالفتها لأحكام الإسلام التي لا تخفى على عمر ولا غيره من أهل العلم, وقد دل القرآن والسنة النبوية على وجوب الاحتجاب وتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه يسبب الفتنة ودواعيها.
    3 - ما في متنها من النكارة الشديدة التي تتضح لكل من تأملها. وبكل حال فالقصة موضوعة على عمر بلا شك للتشويه من سمعته أو للدعوة إلى الفساد بسفور النساء للرجال الأجانب واختلاطهن بهم, أو لمقاصد أخرى سيئة. نسأل الله العافية).



    11- الاستدلال بحديث الربيع بنت معوذ
    حديث خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت: دخل علي النبي غداة بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي: ("لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين").
    رواه البخاري في "صحيحه".
    والشاهد قولها: (فجلس على فراشي كمجلسك مني).
    قال ابن حجر:(قوله: "كمجلسك" - بكسر اللام - أي مكانك, قال الكرماني: هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب, أو كان قبل نزول آية الحجاب, أو جاز النظر للحاجة أو عند الأمن من الفتنة. أ.هـ والأخير هو المعتمد, والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها, وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية).
    قال القارئ في "مرقاة المفاتيح" معترضا على كلام الحافظ:
    (هذا غريب فإن الحديث لا دلالة فيه على كشف وجهها، ولا على الخلوة بها، بل ينافيها مقام الزفاف، وكذا قولها: فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف).
    أي: لا حاجة إلى القول بأن هذا من الخصوصيات لأنه لا خلوة أصلاً.

    درس عظيم:

    هذه بعض النصوص التي احتج بها بعض الناس على جواز الاختلاط، ونسأل الله أن ييسر لنا ذكر بقية النصوص مع كلام أهل العلم فيها في وقت لاحق.
    وقد رأينا طريقة أهل العلم في حمل وتوجيه النصوص التي احتج بظاهرها بعض الناس على جواز اختلاط الرجال بالنساء، ونستفيد من توجيهاتهم للنصوص أن أصل المفاصلة بين الرجال والنساء متقرر بين أهل العلم ولا خلاف بينهم في ذلك، ولذلك قاموا بتوجيه ما رأوه مشكلا من النصوص حتى تأتلف فيما بينها ولم يضربوا بعضها ببعض، وهذه طريقة الراسخين من أهل العلم الذين يحملون المتشابه على موافقة المحكم لا طريقة أهل الزيغ الذين يجدون في المتشابه منفذا يتسللون به على النصوص.
    نسأل الله أن يوفقنا إلى العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.

    كتبه: أبو عمار علي الحذيفي.

    جمادي الآخرة / 1431 هـ


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. [رسالة] اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات..اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-May-2014, 03:13 PM
  2. دفاع عن الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى / لأبي عمار علي الحذيفي حفظه الله
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23-Aug-2013, 11:45 PM
  3. خـطــر اختــــلاط الرجال بالنساء للشيخ الفاضل أبي عمار علي الحذيفي حفظه الله / الحلقة الأولى
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 23-Apr-2013, 05:40 AM
  4. حكم اختلاط الرجال بالنساء
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-Sep-2012, 02:51 PM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-Sep-2011, 06:11 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •