قال العلامة ناصر السعدي رحمه الله :
العلم لابد فيه من إقرار القلب ، بمعنى ما طلب منه علمه ، وتمامه ، أن يعمل بمقتضاه . وهذا العلم ، الذي أمر الله به – وهو العلم بتوحيد الله – فرض عين على كل مسلم ، لا يسقط عن أحد ، كائنا من كان ، بل كل مضطر إلى ذلك. والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا الله ، أمور :
أحــدهــما : بل أعظمهما :- تدبير أسمائه وصفاته ، وأفعاله الدالة على كماله ، وعظمته ، وجلاله ، فإنها توجب بذل الجهد في التأله له ، والتعبد للرب الكامل ، الذي له كل حمد ومجد ، وجلال وجمال .
الـثـانـي : العلم بأنه تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية .
الـثـالث : العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية . فإن ذلك ، يوجب تعلق القلب به ، ومحبته ، والتأله له وحده لا شريك له.
الـرابــع : ما نراه ونسمعه ، من الثواب لأولوية القائمين بتوحيده ، من النصر ، والنعم العاجلة ، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به ، فإن هذا ، داع إلى العلم ، بأنه تعالى وحده ، المستحق للعبادة كلها .
الخامس : معرفة أوصاف الأوثان والأنداد ، التي عبدت مع الله ، واتخذت آلهة ، وأنها ناقصة من جميع الوجوه ، فقيرة بالذات ، لا تملك لنفسها ولا لعابدها ، نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ، ولا حياةً ، ولا نشوراً ، ولا ينصرون من عبدهم ، ولا ينفعونهم بمثـقال ذرة ، من جلب خير ، أو دفع شر ، فإن العلم بذلك ، يوجب العلم ، بأنه لا إله إلا الله ،وبطلان إلهية ما سواه.
الـسـادس : اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه .
الـسـابــع : أن خواص الخلق ، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقاً وعقولاً ، ورأيا ، وصواباً ، وعلما – وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون – قــد شهدوا لله بذلك.
الـثـامـن : ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية ، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة ، تنادي عليه بلسان حالها ، بما أودعها من لطف صنعته ، وبديع حكمته ، وغرائب خلقه ، فهذه الطرق ، التي أكثر الله من دعوة الخلق بها ، إلى أنه لا إله إلا الله ، وأبداها في كتاب ، وأعادها ، عند تأمل العبد في بعضها ، لابد أن يكون عنده يقين ، وعلم بذلك ، فكيف ، إذا اجتمعت وتواطأت ، واتفقت ، وفامت أدلة للتوحيد من كل جانب .

فهناك يرسخ الإيمان والعلم بذلك ، في قلب العبد ، بحيث يكون كالجبال الرواسي لا تزلزله الشبه والخيالات ، ولا يزداد – على تكرار الباطل والشبه – إلا نموا وكمالاً.
هــذا ، وان نظرت إلى الدليل العظيم ، والأمر الكبير – وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في آياته فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصـــــــــل في غيره " . أهـ
تفسير ناصر السعدي عند قوله تعالى :فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
سورة [محمد] الآية [19].