بسم الله الرحمن الرحيم

مِنْ أَدَبِ الْمُفْتِي أَلَّا يَنْسِبَ الْحُكْمَ إلَى اللَّهِ إلَّا بِنَصٍّ

لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَنَّهُ أَحَلَّ كَذَا أَوْ حَرَّمَهُ أَوْ أَوْجَبَهُ أَوْ كَرِهَهُ إلَّا لِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ كَذَلِكَ مِمَّا نَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى إبَاحَتِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ أَوْ إيجَابِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ.
وَأَمَّا مَا وَجَدَهُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي تَلَقَّاهُ عَمَّنْ قَلَّدَهُ دِينَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِهِ، وَيَغُرَّ النَّاسَ بِذَلِكَ، وَلَا عِلْمَ لَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ: لِيَحْذَرْ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ: أَحَلَّ اللَّهُ كَذَا، أَوْ حَرَّمَ اللَّهُ كَذَا، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْت، لَمْ أُحِلَّ كَذَا، وَلَمْ أُحَرِّمْهُ.

وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَإِذَا حَاصَرْت حِصْنًا فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك".

وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ يَقُولُ: حَضَرْت مَجْلِسًا فِيهِ الْقُضَاةُ وَغَيْرُهُمْ، فَجَرَتْ حُكُومَةٌ حَكَمَ فِيهَا أَحَدُهُمْ بِقَوْلِ زُفَرَ، فَقُلْت لَهُ: مَا هَذِهِ الْحُكُومَةُ؟ فَقَالَ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، فَقُلْت لَهُ: صَارَ قَوْلُ زُفَرَ هُوَ حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ وَأَلْزَمَ بِهِ الْأُمَّةَ؟ ، قُلْ: هَذَا حُكْمُ زُفَرَ، وَلَا تَقُلْ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، أَوْ نَحْوُ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ.


إعلام الموقعين عن رب العالمين
ابن القيم الجوزية