الحمد لله حمدا يليق بجلاله وكماله ، وأسمائه وصفاته ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على سيد الخلق ، ومن أتانا مرسلا بالحق رحمة للخلق وعلى آله وصحبه أهل البر والصدق ، ومن تبعهم بإحسان إلى دار اللقاء في دار الحق .أما بعد :إن مـسألـة اشتراط الـشـفــاء ( بمنى البرء) على الراقي المُعالج ، وقبوله ذلك الشرط لأخذ الجعل ؛ فهي مسألة خطيرة تمس بعقيدة القائل وتخل بها ، لأن الشفاء لا يملكه أحد ولا يعلم متى يكون ، وبأي سبب يكون ، ولذلك لم يقل به أحد من العلماء في حدود علمي ، بل شنع ابن حزم الأندلسي – رحمه الله - على من يقول بذلك .وإنما قال من قال من العلماء بمشارطة الطبيب ، وليس من شك أن هناك فرق بين مشارطته ومشارطة الراقي كما سيأتي في موضعه .والدليل من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز مشارطة الراقي على البرء لأنه لا يعلمه ولا يملكه ، ففي كتاب الله ؛ قوله تعالى على لسان نبيه إبراهيم : ) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ( (80) سورة الشعراء.فأسند الشفاء إلى الله لأنه هو المؤثر الحقيقي وهو الشافي سبحانه ، وهو الذي أنزل الداء وأنزل له الدواء كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى ، وأسند المرض إلى نفسه تأدبا مع ربه. قال تعالى عن يعقوب - عليه السلام -: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }(86) سورة يوسف . أي يشتكي إلى ربه مرض عينيه .وقال النبي- r - في غير ما حديث :<<.. أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا >>. البخاري(5675)ومسلم (2191)وأبو داود (3883).
فهذا النبي - r - يسند الشفاء إلى الله ، وينفي أن يكون هناك شفاء غير شفائه سبحانه ، فالشفاء بيد الله ؛ وقد يأتي في الحين قبل انتهاء الرقية ، أو مع انتهاء الرقية أو بعد انتهاء الرقية بقليل ، أو بعد الانتهاء من تعاطي الدواء الموصوف ، وقد يتأخر الشفاء ولا يبرأ المريض إلا بعد إعادة الرقية مرتين أو ثلاث ، أو أيام ، وقد يتخلف الشفـاء لحكمة يعلمهـا الله سـبحانه ، أو لخلل في الأسـباب ، أو في الراقي والمرقي ، وعليه فلا يمكن اشتراط الشفـاء لأنه اشتراط لشيء مجهول . واشتراط لشيء لا يملكه .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - r- أنه قال: << من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال سبع مرات :<< أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض >>(1).فقوله : << أسال الله العظيم >> فيه دليل أن الشفاء بيد الله ويطلب منه .وقال صلى الله عليه وسلم لسعدٍ : << اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً >>ثلاث مرار. البخاري (5659) ومسلم (1628)وهذا لفظ مسلم .وقد كان - r - يرقي بعض أصحابه ويطلب الشفاء من الله الشافي : ((بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يُشفى سقيمنا بإذن ربنا )) البخاري (5745- 5746) ومسلم (2194).فهذا تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أن يعتمدوا على ربهم مع الأخذ بالأسباب المشروعة فإنَّ الله عز وجل هو الشافي لا شفاء إلا شفاءه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بالشفاء، لأنه هو الذي يملك الشفاء والشفاء بيده تبارك وتعالىوقد أوضح صلى الله عليه وسلم أن الله هو الذي أنزل الدواء وهو الشافي فقال صلى الله عليه وسلم : ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)). البخاري (5678)وأحمد (3578)وابن ماجة (3439).وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (( لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عزَّ وجل)) مسلم (2204)وأبو داود (3874)والنسائي في الكبرى (7514)وأحمد (14597).وفي رواية في مسلم ( 5744) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - r - كَانَ يَرْقِي يَقُولُ : << امْسَحِ الْبَأسَ رَبَّ النَّاسِ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ لاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ أَنْتَ >>.ومن شروط الرقية أن يعتقد كل من الراقي والمرقي أن الشفاء بيد الله لا بيد الطبيب ولا ببد أحد، وأنه هو الضار والنافع سبحانه وتعالى ، وأن الرقية سبب؛ فلا يعتقد أنها تشفي بذاتها، فيعتمد عليها ويعلق قلبه بها فإذا اعتقد ذلك كان شركا أكبر، وإن اعتقد مقارنتها للشفاء - لا يحصل الشفاء إلا بوجودها- كان شركا أصغر.فمن عقيدة السلف الصالح أن الاعتماد على الأسباب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد، فلو مرض أحدنا ثم ذهب إلى الطبيب، واعتقد أن هذا العلاج هو يبرؤه ، او أن الطبيب هو الذي يبرؤه فهذا شرك مع الله عز وجل، إذ إن العلاج بالقرية وغيرها سبب لحصول الشفاء وليس هو الشفاء، أو ليس هو الشافي، لأن الشافي هو الله عز وجل وحده تعالى .فأين من يدعي أنه لابد من شرط الشفاء بمعنى البرء حتى يشارط عليه ، وهو شيء مجهول لا يعلمه ولا يعلم هل يأتي أو لا يأتي لأنه بيد الله تعالى يعطيه من يشاء من عباده تفضلا واختبارا ممن توفرت فيهم شروط الإجابة .قال أبو محمد ابن حزم -رحمه الله – في المحلى (ج 9 / ص 22 ) . مسألة 1310 : ولا تجوز مشارطة الطبيب على البرء أصلا لأنه بيد الله تعالى لا بيد أحد ، وإنما الطبيب معالج ومقو للطبيعة بما يقابل الداء ، ولا يعرف كمية قوة الدواء من كمية قوة الداء ، فالبرء لا يقدر عليه إلا الله تعالى .انتهى كلامه . فإذا كانت مشارطة الطبيب لا تجوز فمن باب أولى مشارطة الراقي على البرء ، وغنما تجوز مشارطة الطبيب على عدم الإتلاف وضمان ما أتلف كما سيأتي .وقال في المسألة التي بعدها 1311 : وجائز أن يستأجر الطبيب لخدمة أيام معلومة لأنه عمل محدود فإن أُعطي شيء عند البرء بغير شرط فحلال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم (( بأخذ ما أعطى المرء من غير مسألة )).انتهى كلامه . فأنظر قوله : إن أُعطي شيء عند البرء بغير شرط ، أي شرط البرء فإن شرطه فلا يجوز له أخذ تلك الأجرة لأنه قال في المسألة التي قبلها ، أن البرء لا يقدر عليه إلا الله .أما قوله : عند البرء ... يعني بغير شرط مسبق عليه ، وهذا صحيح ، فهذا قال به بعض أهل العلم على أن المعالج لا يؤخذ الجعل إلا عند انتهاء العمل وحصول المنفعة (أي البرء) دون اشـتـراطـه ، وعلى هذا تفهم عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية التي استدل بها العيد شريفي – هداه الله – على اشتراط البرء لأخذ الجعل ( الأجرة ) .قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وقد ثبت في الصحيحين حديث الذين رقوا بالفاتحة وقال النبي صلى الله عليه وسلم : << وما يدريك أنها رقية >> وأذن لهم في أخذ الجعل على شـفـاء اللذيغ بالرقية ) .وهذا كلام تسمك به العيد شريفي في مشارطته الشفاء على الراقي .وبيانه من وجوه .1 - فهذا الكلام ليس فيه التصريح باشتراط الشفـاء لا من قريب ولا من بعيد ، غاية ما فيه الإذن بجواز أخذ الجعل الشفاء بمعنى العلاج ، لأن كلمة شفـاء لا يقصد منها البرء في لغة العرب ؛ وإنما يقصد منها العلاج والدواء ، وعليه فالمعنى الصحيح لعبارة شيخ الإسلام في قوله : (( على شفاء اللذيغ )) هو ما يوافق تماما المعنى اللغوي ويخالف المعنى الشرعي إذ لا يجوز لأحد أن يأخذ جعلا (( أجرة ))على شيء لا يملكه .يؤكده قوله الراوي في الحديث : << فشفوا له بكل شيء >> أي طلبوا علاجه بكل ما يشفى به ، فوضع الشفاء موضع العلاج والمداواة .قال ابن منظور في لسان العرب (4/2294): الشفاء دواء معروف وهو ما يبرئ من السقم، وقال : واستشفى فلان ، طلب الشفاء ، وأشفيت فلانا إذا وهبت له شفاء من الدواء ، ويقال أشفى زيد عمرا إذا وصف له دواء يكون شفاؤه فيه، واستشفى طلب الشفاء .قال صاحب القاموس المحيط ( ج 2 / ص 734 ): مادة ش ف ي ( الشّفاء ) الدواء، وشفاه يشفيه ، بَرَأَه وطلب له الشفاء . ا هـ وهذا غير برّأه بالتشديد الذي يعني أنه أذهب عنه الداء . قال صاحب المعجم الوسيط ( ج1/488): أشفى المريض ، طلب له الشفاء ، أي وصف له الدواء الشافي ، واستشفى المريض من علته طلب الشفاء وبه تداوى، والمستشفى المكان يستشفى فيه ، أي يعالج فيه ، ويجمع المكان والأطباء والممرضين والأدوية ، أما البرء فيقال : اشتفى من علته أي برء منها . وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار (2/257)والشفاء الدَّوَاء ، وَقَوله الله يشفيك اللَّهُمَّ اشف أَنْت الشافي لَا شِفَاء إِلَّا شفاؤك مَمْدُود مِنْهُ أَي اكشف الْمَرَض وأرح مِنْهُ يُقَال شفى الله الْمَرِيض وأشفيته طلبت لَهُ شِفَاء .وبهذا التوجيه هو الذي يتوافق مع كلام شيخ ابن تيمية – رحمه الله – وبذلك يتفق كلامه مع جمهور أهل العلم الذين يقولون أن الشفاء بيد الله وأنه لا يجوز المشارطة عليه ، ومما يؤكد هذا أن شيخ الإسلام نفسه ما أراد البرء وإنما أراد أخذ الجعل بعد البرء قوله –رحمه الله في مجموع الفتاوى (ج20/507): ولو استأجر طبيبا إجارة لازمة على الشفاء لم يجز ؛ لأن الشفاء غير مقدور له فقد يشفيه الله وقد لا يشفيه . انتهى كلامه .وهذا الكلام في غاية الوضوح على عدم جواز اشتراط الشفاء على المعالج بالقرآن والتعاويذ النبوية حتى تعطى له الأجرة ( الجعل ). 2 – البرء لا يباع ولا يشترى لأنه بيد الله ، ومعناه أن الراقي لا يملكه كما يملك الدواء الذي يباع ويشترى ، فكيف يجوز الشرط على شيء لا يباع ولا يشترى ؟؟ وإنما يهبه الله من شاء من عباده .. 3 – الشفاء بمعنى البرء ، مجهول ، وحصول مظنون غير متيقن ، فقد يشفيه الله ، وقد لا يشفيه كما قال شيخ الإسلام آنفا ، فكيف تجوزون الشرط على شيء مجهول ومظنون حصوله ؟؟4 - قول شيخ الإسلام ابن تيمية : أذن لهم في أخذ الجعل ، يدل على جواز أخذ الجعل ، والأجرة فالآذن هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن بعد حصول المنفعة والانتهاء من العمل ، وليس معناه مشارطةً على البرء .5 - أما قوله- رحمه الله - : على شفاء اللذيغ بالرقية ، فمعناه على علاج اللذيع بالرقية ، فالرقية بالقرآن الكريم والتعاويذ سبب للبرء وليس ذلك هو البرء نفسه .قال ابن القيم إعلام الموقعين (2/212)النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْأَسْبَابِ شَرْعًا وَقَدْرًا كَقَوْلِهِ فِي الْعَسَلِ: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] .وَقَوْلِهِ فِي الْقُرْآنِ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] إلَى أَضْعَافِ ؛ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُثْبِتَةِ لِلسَّبَبِيَّةِ..انتهى كلامه .فالقرآن سبب من أعظم أسباب البرء ، وليس هو البرء ، وإنما هو دواء وعلاج لجميع الأمراض والأدواء الحسية والمعنوية .وقال في إغاثة اللهفان (1/44)الباب السابع: في أن القرآن متضمن لأدوية القلب، وعلاجه من جميع أمراضه .وقال في الجواب الكافي (1/8): [الْقُرْآنُ شِفَاءٌ]:وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ شِفَاءٌ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 44] وَقَالَ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 82] .وَ ( مِنْ ) هُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ شِفَاءٌ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَهُوَ شِفَاءٌ لِلْقُلُوبِ مِنْ دَاءِ الْجَهْلِ وَالشَّكِّ وَالرَّيْبِ، فَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ السَّمَاءِ شِفَاءً قَطُّ أَعَمَّ وَلَا أَنْفَعَ وَلَا أَعْظَمَ وَلَا أَشْجَعَ فِي إِزَالَةِ الدَّاءِ مِنَ الْقُرْآنِ.وأما حديث (البخاري: 5277) عن أبي سعيد قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي استطلق بطنه .فقال :<< اسقه عسلا >> فسقاه فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال:<< صدق الله وكذب بطن أخيك>>. وفي رواية (البخاري: 5252) و (مسلم: 4107): فسقاه فبرأ. أي أن شُرب العسل كان سببا في برأه وليس هو البرء نفسه .وهذا الحديث دليل على أن العسل علاج لهذا النوع من المرض، وليس دليلا على أنه علاج لكل مرض.إذن فالعسل دواء للناس، أي لبعض أمراضهم، وفيه سبب برئهم .وعِلّة كَوْن العسل فيه شفاء للناس ( أي دواء ) لأنه يأكل من كُلِّ الثمرات ؛ ذلك لأن تنوُّع الثمرات يجعل العسل غنيّاً بالعناصر النافعة والمضادات الحيوية ، فإذا ما تناوله الإنسان ينصرف كل عنصر منه إلى شيء في الجسم يناسبه ، فيكون فيه الشفاء ( البرء )بإذن الله.وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَغْذِيَةِ وَأَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ، وَقَلِيلًا مَا يَجْتَمِعُ هَذَانِ الْأَمْرَانِ فِي غَيْرِهِ.6 – وقوله - رحمه الله - : على شفاء اللذيغ بالرقية ؛ فهذا لأن ذلك اللذيغ حصل له الشفاء ( بمعنى البرء ) بإذن الله سبحانه في الحين لحكمة أرادها الله، وهي: أن أبا سعيد وأصحابه – رضي الله عنهم - كانوا في أشد الحاجة إلى الطعام ، وقد استضافوهم فمنعوهم حق الضيافة ، فعاقب الله سيد ذلك الحي حتى يلجئهم إليهم ويضطرهم إلى أن يرضخوا لحكمه فيما يطلب من الجعل ،كل ذلك فهمه الصحابي ورفقاؤه، ولأن الصحابي لم يكن يعلم أن في ذلك شفاء المريض ، ولم يكن يرقي ، كما جاء صريحا في بعض طرق الحديث .. أفاده حامد الفقي .(2 ).7- : إن أهل ذلك الحي لم يشترطوا على الصحابي الشفاء ، وإنما سألوهم : ولأنهم شـَـفـَوا له بكل شيء لا ينفعه ، فقالوا هل معكم من دواء أو راق ؟فقال الصحابي لقد استضفناكم فمنعتمونا الضيافة فلا نرقيكم حتى تجعلوا لنا جعلا ، وهذا الكلام من الصحابي فيه الشرط على الرقية واضح فقد امتنع عن الرقية حتى يجعلوا لهم جعلا ، فما كان من أهل الحي إلا أن يقبلوا ذلك فصالحوهم على قطيع من الغنم ..ولم يشترطوا عليهم البرء على ذلك.وأما قوله في الحديث : ( فبرأ ) وهي جملة تمسك بها العيد شريفي في اشتراط الشفاء على المعلاج بالرقية أثناء المكالمة التي جرت بيني وبينه ، فليس فيها دليل اشتراط الشفاء ، لأن حرف الفاء لا يفيد الشرطية ، إلا إذا كان رابطا لجواب الشرط ، حيث لا يتسنى وجود فعل يكون جوابا للشرط . والفاء هنا ليس كذلك ؛ وإنما هو حرف تعقيب، والتعقيب هو أن يتلو حدث الفعل الأول حدث الفعل الثاني ، والحدث الذي حصل هنا الأول هو الرقية ، فتلاه البرء بسببها ، ولذا يقال أيضا أن حرف الفاء عطف للترتيب من غير مهلة ".(3) .ويرده أيضا أن الصحابة لما تحصلوا على الجعل قالوا للراقي منهم أخذت أجرا على كتاب الله . فتورعوا أن يأكلوا من الجعل إنما تركوه خوفا أن يكونوا أكلوا بكتاب لله ، فلم يقربوه حتى قدموا المدينة فقالوا : يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا ، فلما سألوا النبي e عن ذلك بين لهم أنه أخذه بحق ، فقال لهم << إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله>> فلم يفهموا قط أنهم أخذوا ما أخذوا من الجعل على البرء، أو شرط البرء وإنما فهموا أنهم أخذوه على كتاب الله .. ولو فهموا ذلك ما كانوا ليتورعوا أن يقتسموه لأنه شرط على العلاج ، وأخذ بحق على العلاج وقد حصلت المنفعة للجاعل ، وهذا حلال خالص لا شبهة فيه .فإذا كان رسول الله - r -يقول بين هذا غاية البيان وأضح أن البرء بيد الله وأنه لا يملك الشفاء أحد ولا يكشف الضر والداء إلا الله ويخبر أن ذلك كله بيد الله فكيف يجوز لأحد أن يشترطه على من لا يمكله ؟؟ وأن يقبل به من لا يملكه .فهذا مخالف لأن الشفاء من الجن والجنون مظنون ، ومن السحر مجهول ، وقد عجز عنه الطب الحديث بوسائله المتطورة ، وعولج بالرقية الشرعية ، ومعلوم أن من شروطها المجمع عليها ، الاعتقاد بأنها لا تؤثر بذاتها ، وكذلك لا تؤثر بذات الراقي، فكيف يشترط عليه هذا الشرط ويقبله وهو لا تأثير له فيه إلا بإذن الله تعالى .ولعل لقائل أن يقول كما قال لي بعضهم ، ألم يقل النبي -r- :<< المسلمون عند شروطهم >> ؟ أقول نعم قال ذلك ، ولكن في الشروط التي توافق كتاب الله وسنة رسوله ولا تخالفها ، وإلا فأي شرط خالف الكتاب والسنة فهو باطل ولو كان مائة شرط وفي البخاري قال : قَالَ ابْنُ عُمَرَ ، أَوْ عُمَرُ كُلُّ شَرْطٍ خَالَفَ كِتَابَ اللهِ فَهْوَ بَاطِلٌ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِئَةَ شَرْطٍ. ثم ساق بسنده إلى أم المؤمنين عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ - r- ذَكَّرْتُهُ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - r - ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - r -عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : << مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ ؛ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِئَةَ شَرْطٍ>>. البخاري (ح 2735).فكل شرط جائز إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً )، فكل شرط أحل حراماً فليس في كتاب الله، وكل شرط حرم حلالاً فليس في كتاب الله؛ فهو باطل.وهذا الشرط من قبيل ذلك لأنه يستحل شيئا ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله .أما مسألة وقت استحقاق الجعل :فيكاد أهل العلم يجمعون على أن المجعول له لا يستحق الجعل إلا بتمام العمل ، وبعضهم يزيد واستفاء الجاعل المنفعة إن كانت جعالة على شيء معلوم .قال النووي في المجموع : (4) ولا يستحق العامل الجعل إلا بالفراغ من العمل .وقال القرافي (4 ): للجعالة أربعة شروط : منها : أن يكون الجعل معلوما غير منقود ، وليس فيها منفعة للمجعول إلا بتمام العمل ، ولا يضرب للعمل أجل .قلت : فقوله : معلوما : أن المعلومية تكون شاملة للعين كما ووصفا .ومفهوم قوله : أن المجعول له لا يستحق الجعل إلا بتمام العمل ، وكذلك استيفاء المنفعة للجاعل ، هذا إذا كانت الجعالة على شيء معلوم ، أما على شيء مجهول فهو بحسب الشرط بينهما ، والمسلمون عند شروطهم ما لم تخالف كتاب أو سنة . وقال النبي e: << أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه >> (6 ).وفي البخاري (2227- 2270 ) باب إثم من منع الأجير أجره ، ثم ساق بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - t- عَنِ النَّبِيِّ - r -

قَالَ : قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى

مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ. وأخرجه أحمد في المسند (2/358)وابن ماجة (2442)وغيرهم .
قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (14/594) الأول:(ويقصد به حديث ): قال الله تعالى : ( ثلاثة أنا خصمهم ) فيه الأمر بدلالة المفهوم على إعطاء الأجير أجره كاملاً وافياً غير منقوص. والآخر: (ويقصد به حديث الأجير قبل أن يجف عرقه ) فيه الأمر الصريح بالتعجيل بدفع الأجر ؛ كما هو ظاهر لكل بصير. انتهى كلامه .وعليه فإن الجعل (( الأجرة )) تعطى عند انتهاء العمل وحصول المنفعة ، وتعطى على العمل من علاج ونفث وصف دواء ، ولا تعطى على الشفاء بمعنى البرء لم ذكرت سابقا أن البرء مجهول وحصوله مظنون ، ولا يملكه أحد ، والوقت فيه غير مقدر .الهوامش:---------------------1- أخرجه أبو داود (3/187) والترمذي (2/410) وأحمد (1/293) وانظر صحيح الترمذي( 2/ 210 ) وصحيح الجامع (5/180).2- في تحقيقه لكتاب معالم السنن للخطابي ، ومعه التهذيب لابن القيم (ج 5 / 71 ). 3 - انظر المنجد في الحروف وإعرابها (ص 59 / 60 ) وكتاب النموذج للزمخشري.4 - المجموع للنووي (ج 15 / 114 ) .5- كتاب الدخيرة (ج 6 / 8 ).6- قال الألباني في صحيح ابن ماجة(1980)( صحيح) والإرواء ( 1498 ) ، والمشكاة ( 2987) ، الروض النضير (193) ، التعليق الرغيب ( 3 / 58 ).