الخطبة الأولى:
بعنوان لا يرفع البلاء إلا الدعاء

الحمد لله، الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهرِه، العليم بحال العبد في سرِّه وجهره، يسمعُ أنينَ المظلوم عند ضعف صبره، ويجُودُ عليه بإعانته ونصره، أحمدُه على القدر خيرِه وشرِّه، وأشكره على القضاء حُلوه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم: 25]، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جادَ السَّحابُ بقطره، وطلَّ الربيعُ بزهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أقوى ظهيرٍ، وأوفَى نصيرٍ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون) [آل عمران: 102]. أيها المسلمون: الزمانُ صُروفٌ تجُول، ومصائِبُ تصُول، ومن نابَته نوبةٌ، وعرَته نكبَةٌ، وغشِيَته بلِيَّةٌ، وحلَّت بساحته مِحنةٌ أو فِتنة، أو تسلَّط عليه ظالمٌ، أو نالَه عدوٌّ مُناوِئ، فليلُذْ بالله تعالى، وليتوكَّل عليه، وليثق بمولاه، وليتحلَّ بعِصمة الصبر، وصريمة الجلَد، وعزيمةِ الاحتِساب، وليتضرَّع بالفألِ الحسَن، والتوبةِ والإنابة، والرجوع إلى الله تعالى. ومن لاذَ بالله تعالى هدأَ توجُّعه، وسكَنَ تفجُّعُه، والهلَعُ والجَزعُ لا ينشُران مطويًّا، ولا يرُدَّان حتمًا مقضيًّا، ولا عزاءَ إلا التسليمُ والرِّضا، والصبرُ على ما قدَّر الله وقضَى وكتبَ وأوجبَ وأمضَى. أيها المسلمون: أحسنُ الكلام في الشكوَى سُؤال المولَى فبه تزول البَلوى، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرمُ على الله -عز وجل- من الدعاء، وأعجزُ الناسِ من عجِزَ عن الدعاء، ولا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاءُ، فأكثِروا من الدعاء والمُناجاة؛ فإن الله يسمعُ دعاءَ من دعاه، ويُبصِرُ تضرُّع من تضرَّع إليه وناداه، ومن سألَ اللهَ بصدقٍ وضراعةٍ كشفَ عنه بَلواه، وحماه ووقاه وكفاه، وحقَّقَ له سُؤلَه ومُناه. وما على الأرضِ مُسلمٌ يدعُو اللهَ بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها، أو صرفَ عنه من السوءِ مثلَها، أو ادَّخَر له من الأجرِ مثلَها ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحِمٍ. أيها المسلمون: وأنتم ترَون ما حلَّ ببعضِ بلادنا من الأحداث والاضطرابات، والصِّداماتِ والنِّزاعات والمواجهات، والفتن والحُروب، والبلاء العظيمِ والشرِّ المُستطير، لا تغفُلُوا عن التوجُّه إلى الله بصدقٍ وإنابة، والدعاء لبلادنا بالحفظِ والرعايةِ والصيانة والسلامة من تلك الفتن والشُّرور. وليس لنا إذا أحاطَت الحُتوف، ونزلَ الأمرُ المَخوفُ، واشتدَّ الكَربُ، وعظُمَ الخَطبُ إلا اللهُ -جل في عُلاه-، وقد كان سيدُ الخلقِ نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- يدعُو عند الكَربِ بهذه الدعوات: "لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم". وحسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، قالَها إبراهيمُ -عليه السلام- حين أُلقِيَ في النار، وقال نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل) [آل عمران: 173]. فارفَعوا أكُفَّ الضراعة، وتوسَّلوا إلى الله بألوان الطاعة أن يحفظ أمن بلادنا وأن يحقن دماءنا ويصون أعراضنا وأن يجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ادعُوا دعاءَ الغريقِ في الدُّجَى، ادعُوا وأنتم صادقون في الرَّجَا، أن يجعل الله للمُسلمين من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا. اللهم اجعل للمُسلمين من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا. أيها المسلمون: لا مخرجَ من أزماتنا إلا صِدقُ اللجوء إلى الله تعالى؛ فهو العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، والكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، والقادِرُ الذي لا أقدرَ منه، والقويُّ الذي لا أقوى منه، العظيمُ أبدًا، حقًّا وصِدقًا، لا يُعصَى كرهًا، ولا يُخالَفُ أمرُه قهرًا، ومن كان الله معه فمعه الجُند الذي لا يُغلَب، والقوةُ التي لا تُرهَب، والعزيمةُ التي لا تذهَب، والعِزُّ الذي لا يُسلَب. ومن كان مع الله في السرَّاء والضرَّاء، والشدَّة والرخاء، والعلانية والخفاء، كان مُؤيَّدًا منصورًا، وعادَ عدوُّه مهينًا مدحورًا، صاغِرًا مقهورًا، مُصفَّدًا مأسورًا، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]. بارك الله ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيِّنات والآيات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
:الحمد لله، الحمد لله واهِب العطايا، ودافع البلايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أوجبَ المُواساة في زمن الكوارِث والمجاعاتِ والرَّزايا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه أشرفُ الخلق والبرايا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ الذين ارتفَعوا عن الدنايا، وأخلَصُوا المقاصِد والنوايا، صلاةً تبقَى وسلامًا يترَى إلى يوم الدين.أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا المولى؛ فبالتقوى تندفِعُ البلوَى، (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61].أيها المسلمون: المسلم يُشاطرُ أخاه أساه، ويُواسِيه في بلوَاه، ويتوجَّعُ لعثرَته وشكوَاه، ومن شِيَم الكرام وأهل الإسلام: أنهم إذا سمِعوا صارِخةَ قومٍ أو صوتَ استِغاثةٍ أنجَدُوا وأسعَدُوا.وقد تعلمون ما أصاب بعض مدن بلادنا من البلاء الشديد، ، والحروب المدمرة التي إجتاحت مُدنهم وبلغَت منهم مبلغًا أليمًا، ونزلَت بهم كُربتُها، وأحاطَت بهم شِدَّتُها، ولازَمَتهم مِحنتُها، حتى انقطَعَت المُهَج، وذابَت الأكباد، وصارت البيوت خالية، والأجساد بالِية، ، والنفوسٌ شاكِية، والأصواتٌ باكِية، تُفزِعُ القلبَ شكواهم، وتُدمعُ العينَ بلوَاهم.
أناسٌ يُدفعُون إلى هاوِية الخوف والجُوع والمرض، وحياة التشرُّد والضياع فيا أهل الشَّفقة والإحسان وأهل التقوى والإيمان:! تفقدوا إخوانكم وتصدَّقُوا بما قلَّ وبما جلَّ، (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) [يوسف: 88].و يا أهل النَّجدة والغوث: أنقِذوا إخوانَكم من مهاوِي الذلِّ والانكِسار؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المُسلم أخو المسلم لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مُسلمٍ كُربةً فرَّج الله عنه كُربةً من كُرُبات يوم القيامة، ومن ستَرَ مُسلمًا ستَرَه الله يوم القيامة". متفق عليه.أيها المسلم، أيها المؤمن: أخاك أخاك، اكشِف عنه كَرْبًا، ، اطرُد عنه جُوعًا، خفِّف عنه ألمًا، قدِّم له نفعًا.يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: "والمُواساة في العُسرة وترميقُ المُهجَة من الجائِع واجبٌ على الكِفايَة بالإجماع".قوموا إتجاه إخوانكم بهذا الواجبِ الكِفائيِّ؟!ويقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وعلى قدر الإيمان تكون هذه المُواساة، فكلما ضعُف الإيمان ضعُفَت المُواساة، وكلما قوِيَ قوِيَت".فهل كانت المُواساة على قدر الكارِثةِ والمأساة؟!فواساوا إخوانكم عباد الله واصنَعوا المعروف، وأدرِكوا الملهوف، ، وواسُوا المظلوم، وأغِيثُوا المهضُوم، وارحَموا المكرُوب، وأعطُوا المنكُوب.فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عزّ وجل- يقول يوم القيامة: يا ابن آدم: مرِضتُ فلم تعُدني. قال: يا ربِّ: كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمين؟! قال: أما علِمتَ أن عبدِي فُلانًا مرِضَ فلم تعُده، أما علِمتَ أنك لو عُدتَّه لوجَدتَّني عندَه؟! يا ابن آدم: استطعَمتُك فلم تُطعِمني. قال: يا ربِّ: وكيف أُطعِمُك وأنت ربُّ العالمين؟! قال: أما علِمتَ أنه استطعَمك عبدي فُلانٌ فلم تُطعِمه، أما علِمتَ أنك لو أطعَمتَه لوجدتَّ ذلك عندي؟! يا ابن آدم: استسقيتُك فلم تسقِني. قال: يا ربِّ: وكيف أسقِيكَ وأنت ربُّ العالمين؟! قال: استسقَاكَ عبدِي فلانٌ فلم تسْقِه، أما إنك لو أسقيتَه وجدتَّ ذلك عندي؟!". أخرجه مسلم. فاللهم كُن للضعفاء وأهل البلاء، اللهم كُن للضعفاء وأهل البلاء، اللهم كُن للضعفاء وأهل البلاء، اللهم أغنِهم بعطائِك عن سُؤال عبادِك، اللهم اكفِهم بالنَّوال عن ذُلِّ التعرُّض والسُّؤال اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا سوءً فاجعل تدميره في تدبيره يارب العالمين .اللهم أعد لبلادنا أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها.يا أرحم الراحمين .
عباد الله أذكروا الله الجليل الكريم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .