بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وتقبل الله منا ومنكم


الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد .
أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه ، واذكروا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم والصراط المستقيم وبالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام أن جعلنا له أتباعاً ومن أهل هديه والمتمسكين بسنته ؛ فلله الحمد على مننه العظيمة وآلائه الجسيمة .

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون عباد الله : إن المؤمن في هذه الحياة سائر في طريق ، وطريقه الذي يسير فيه له مقصود وغاية ، والمقصود والغاية هو طاعة ذي الجلال ورضا الكبير المتعال ، غاية المسلم في سيره في هذا الطريق أن يرضى عنه ربه ومولاه متحققاً ومتيقناً بأنه عبدٌ لله تبارك وتعالى وأنَّ واجبه في هذه الحياة تحقيق العبودية لله عز وجل ، فهو يسير في هذه الحياة ليعرف ربه ومولاه ، وليتعرف عليه جل وعلا بما تعرف به على عباده من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ودلائل جلاله وكماله وعظمته وكبريائه وأنه الرب العظيم الخالق الجليل الذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السماوات والأرض ، ثم يُتبِع المؤمن السائر هذه المعرفة بتحقيق العبودية لله فيخلص دينه كله لله { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-172] .

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون عباد الله : وطريق المؤمن السائر له مبدأ ونهاية ؛ أما مبدأه - عباد الله- فهو هذه الحياة ، لا يزال المؤمن سائراً في حياته إلى الله عز وجل من منزلةٍ إلى منزلة ومن عبوديةٍ إلى عبودية ومن طاعةٍ إلى طاعة إلى أن يتوفاه الأجل وتحضر المنية { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] . أما منتهى السير فهو جنة {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[آل عمران :133] ، ففي الجنة - عباد الله- محط الرحال ومرتع الآمال، وفي الجنة - عباد الله- هناءة السائرين ولذتهم أجمعين في نعيمٍ مقيم فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وإذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله جل وعلا لهم - كما جاء في صحيح مسلم - : (( تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ )) اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة .

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون : وهذا السير لابد فيه من محركات ليسير المؤمن وليقوى سَيْره إلى الله عز وجل ، وقد بيَّن العلماء رحمهم الله تعالى أن لهذا السير محركات ثلاث؛ وهي في قلب المؤمن الصادق ألا وهي : المحبة ، والرجاء ، والخوف. فهذه الأمور الثلاث محركات للقلوب ؛ أما المحبة - عباد الله- فهي التي تجعل المسلم يتجه إلى الصراط المستقيم ويعزم على السير فيه وتكون قوة سيره بحسب هذه المحبة قوةً وضعفا ، وأما الرجاء فهو القائد للمؤمن في سيره ، وأما الخوف فهو الزاجر . وقد جمع الله جل وعلا هذه الأمور الثلاث في قوله سبحانه:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء:57]
أيها المؤمنون عباد الله : وللسير أعمال لابد منها ولابد من تحقيقها ولابد من عناية من السائرين بها وهي : فرائض الإسلام وواجبات الدين والقيام بأنواع العبودية لله جل وعلا مع التجنب للآثام والبعد عن الحرام خوفاً من عقاب الملك العلام سبحانه .
عباد الله : ولم يتقرب متقرب إلى الله بشيء أحب إلى الله عز وجل من فرائض الدين وواجباته
، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ؛ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ))


الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون عباد الله : وفي طريق السائرين عقبات لابد من تخطيها ، ومن لم يتخطَّ تلك العقبات أصبحت عائقاً له في سيره إلى الله جل وعلا ، ولهذا كان متأكداً على كل سائرٍ يرجو رحمة الله تبارك وتعالى ويخاف عقابه أن يحذر ويحاذر من عقبات الطريق ومعوقات الطريق التي تغشى الإنسان في سيره وطريقه ، وهي تتلخص - عباد الله - في عقبات ثلاث ألا وهي :
- الشرك بالله ؛ ويتخلص المسلم من هذه العقبة بإخلاص الدين لله جل وعلا .
- والعقبة الثانية : البدعة ؛ ويكون التخلص منها بتجريد المتابعة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .
- والعقبة الثالثة : المعاصي بأنواعها ؛ ويكون التخلص منها بالتوبة مما وقع فيه من الذنوب وبالعزم على البعد عنها والمحاذرة من الوقوع فيها .

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله : وهذا الطريق لا يصلح فيه التباطؤ والتماوت والكسل بل الواجب فيه المسارعة للخيرات واغتنام الأوقات والمنافسة في الطاعات ليفوز السائر فوزاً عظيما ويغتنم المواسم الفاضلة والأوقات الفاضلة ليجدَّ ويجتهد في طاعة الله وعبادة الله تبارك وتعالى لتكون له هذه الحياة مغنماً وإلى الخيرات مرتقىً وسلَّما .

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله : ولكل عبد سائر في هذه الحياة أمدٌ لا يتعداه ووقت لا يتجاوزه ؛ فإذا جاء الأجل لا يتقدم عنه العبد ساعة ولا يتأخر ، والسعيد من عباد الله من يُعِدّ لذلك اليوم عدته ويهيئ له جهازه بالطاعة والعبودية لله تبارك وتعالى .

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون عباد الله : تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، وبلَّغنا جميعاً جزيل المواهب وخير الآمال ، ووفقنا جميعاً لنيل رضاه ، وبلغنا جميعا طاعته جل وعلا على ما يحبه ويرضاه ، وهدانا إليه صراطاً مستقيما .

مقتطف من
خطبة عيد الفطر لعام 1432هـ لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر وفقه الله