بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله جمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
اعلم أخي القارئ أنه قد جاءت الأحاديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الخوارج متواترة متظافرة ، في وصفهم والتحذير منهم وتوعدهم وبيان خطرهم على الأمة ، فهم أصل الشر في هذه الأمة ، فكلما خمد لهم قرن ظهر قرن آخر على مر التاريخ ، يقتلون المسلمين ويدعون المشركين والكافرين ، وقد كانوا في القديم يعتزون بالانتساب إلى منهجهم التكفيري ويظهرونه ، أما في عصرنا فهم ينتسبون للسنة ويظهرونها ، وينفون عن أنفسهم التهمة قولا في الظاهر مستعملين في ذلك التقية ، أما في حقيقة واقعهم فإن أفعالهم وأفكارهم تكذبهم وجرائمهم في أهل الإسلام تؤكد خارجيتهم ،
وقد مرت الجزائر بلادي بمرحلة دموية وعشرية سوداء تولاها كلاب النار وشر الخلق والخليقة فاعملوا سيوفهم ورصاصهم في الشعب الجزائري المسلم ولم يفرقوا بين مدني ولا عسكري ولا كبير وصغير ولا بين رجل أو امرأة ولا بين شيخ كبير طاعن في السن ولا بين مولود أو صبي ذكر كان أو أنثى بل كانوا يفجرون بطن المرأة الحامل أمام أهل القرية كلهم ويرمونه في مقلاة الزيت على النار ، بل يقطعون الرؤوس ويجعلونها أثافي يضعون عليها القدر لطبخ طعامهم عليها ، ويقتلون الابن أمام عيني والديه أو أحدهما كما يقتلون ذبحا الوالد أما أبنائه أو بعضهم ، والزوج أما زوجته ، ويقتلون من يصلي ويصوم ويتشهد بالشهادتين بل من أعجب ما حدث منهم أن يطلبوا من أرادوا ذبحه أن ينطق بالشهادتين ثم يذبحونه ، وينتهكون الأعراض فكم من امرأة غصبوها أمام زوجها وأبنائها وكم من فتاة اختطفوها وكم من رجل اغتصب أمام عيني أولاد أو زوجته ثم يقتلونه ؛ فلا رحمة لديهم ولا شفقة وإذا دخلوا قرية أبادوا أهلها إلا من توارى واختفى واستطاع أن يهرب ، فقد مرجت عهودهم وذهبت عقولهم حتى أصبح دم المسلم عندهم أرخص من دم البعوض والذباب ، وأصبحنا نصبح ونمسي على كثير من الفجائع والدماء حيث تقطع الرؤوس وتعلق في الشوارع
وهناك أشخاص من الرجال والنساء ذبحوهم ثم تركوهم ولم يكن ذبحهم جيدا متقنا تاما فأسعفوا وعاشوا وهم اليوم أحياء يشهدون على تلك المجازر والجرائم للعبرة والتاريخ ..
وقد التقيت بأحد التائبين الراجعين عن ذلك المسلك فسألته عن بعض أحوالهم ومرجعيتهم فذكر لي بعض شبههم وقص علي بعض قصصهم
وما سأذكره من الحال التي كان عليها الجماعة الإسلامية المسلحة في بلادنا الجزائر أيام العشرية الدموية السوداء سمعتها مباشرة منه ومن غيره بل أصبحت مستفيضة يتحدث بها في كثير من المجالس كما يتحدث اليوم الإعلام عما تفعله عصابة داعش الإجرامية التكفيرية ، والتاريخ يعيد نفسه وما أشبه الليلة بالبارحة ، وهذه الشبه والحال التي بين يديك أخي سمعتها من الأخ المذكور وقرأت بعضا منها من رسالة تائب آخر بدائرة أولاد يعيش ولاية البليدة ، في آخر سنة 1999 يومها كنت في زيارة لأحد إخواننا الذين كانوا يدسون في دار الحديث بمكة ، ولما كنت في ضيافته قدم لي أحد التائبين من جماعة زوابري التكفيري الدموي والمقربين منه ، ليظهر لك جليا خطر هذه الشبهات على الفرد والمجتمع المسلم الذي نعيش فيه ، ويظهر وجه الموافقة والمطابقة بين ما تفعلوه الجماعات الخارجية في ليبيا ومصر وتونس ، والعراق وسورية وما يسمى بداعش ، فإليكم تلك الشبه والوقائع مجملة يرويها من عاشها بنفسه ، وهذا فيض من غيض وإلا لو جئت لأجمع القصص والوقائع الإجرامية الدموية من قتل واغتصاب وحرق وتدمير وأخذ للأموال ، والتي تخالف شرع الله تعالى ، وتحدث جرحا عميقا في القلوب عند سماعها ،وتألم النفوس المؤمنة آلاما بالغة لها لما وسعني مجلدات ، ولعل الله سبحانه يمد في العمر وأجمع ما استطعت وبعض أخواني منها للتاريخ وعبرة لمن في قلبه مثقال ذرة من خوف من الله تعالى أن يلقاه وهو متند بدم حرام .
إن فكرة الخروج على الدولة الجزائرية ليست وليدة الانفتاح الحزبي الذي كان في الجزائر سنة 1989م بل هو امتداد للخروج الأول الذي كان سنة 1985م بقيادة مصطفى بو يعلي وجماعته ، ولما تكونت الجبهة الإسلامية للإنقاذ انضم إليها ما بقي من فلول تلك الجماعة ، فبدءوا نشاطهم من داخل التنظيم ووجدوا أرضية خصبة لما يحمله قادة التنظيم وكثير ممن ينتسبون إليه من فكر تكفيري فبدءوا بتدريبات عسكرية سرية ، ويوم انقلب النظام عليهم وحظر حزبهم يومها لجئوا إلى الجبال وحملوا السلاح ، (( ولم يصبروا على ذلك ))وهناك تكونت الجماعة الإسلامية المسلحة ثم حصلت عنها انشقاقات تقاتلت فيما بينها وتناحرت ، حتى أن الدماء التي جرت بينهم كانت أكثر من الدماء التي سالت بينهم وبين الجيش النظامي ، وكانت الجماعة الإسلامية المسلحة كثيرا ما تغدر بالآخرين وتنصب لهم الكمائن لذلك تغلبت على الكثير من الجماعات وأفرادها وصفتها تصفية كاملة ..
قال التائب : بدأت عقيدة التكفير تنتشر وتعشعش عند الخوارج بعد صدور فتوى من قبل أحد الأمراء المغرورين ، عنوانها الردة : ومفادها : أن الحكام مرتدين لعدم تطبيقهم شرع الله تعالى والتحاكم إلى القوانين الوضعية الجائرة .

ومادام الحكام مرتدون ، فالبلاد التي يحكمونها تعد دار كفر ، وردة وحرب .وعلى هذا استوجب على كل مسلم الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وبحكم أن دار الإسلام لا توجد لم يبق إلا الهجرة والالتحاق بالجبال للجهاد في سبيل الله – زعموا -.
وكل من تقاعس عن الهجرة إليهم أو الجهاد - كما يدعون - وبقي يراوح مكانه بين أحضان الحكام المرتدين فهو مرتد كافر حلال الدم والعرض والمال سيما إذا كان يشتغل في مؤسسات الدولة أو يُدرس ويَدرس في معاهدها ومدارسها وجامعاتها أو نحو ذلك ..إلا أن هذا الكفر والردة عامة وليست خاصة ، ومعنى هذا الكلام عندهم . أننا لا نستطيع أن نحكم على شخص معين بالردة ، إذا لم يكن عسكري وكان مدنيا ، ولكن الحكم بالردة عامة يتنزل على الشعب ، وعلى هذا جاز لأي مقاتل منهم أن يرمي الرصاص على أفراد الشعب إذا كانوا متجمعين ، من غير أن يعين فردا بعينه أما العسكري أو المشتغل مع النظام فهذا لا يشك في ردته وتكفيره بعينه .
وهذا ما برر في أول الأمر المجازر الجماعية عن طريق التفجير في الأماكن العمومية ، كالأسواق والمقاهي ، والمدارس ، والملاعب وحتى المساجد فقد قتلوا أئمة وحفاظ معلمين للقرآن الكريم .
وبعد هذه الفترة تطورت الأحداث ، وتطورت معها الفتوى لتصبح الردة يحكم بها على كل فرد بعينه بعد أن كانت عامة في الجملة .
ويقولون في العامة أن من مات فيها يبعث على نيته أما الآن فمن مات فيها فموته مرتدا كافرا ، وهذا هو الفرق عندهم بين الردة العامة والخاصة .
فقد حكموا على كل فرد من أفراد الشعب بالردة ، مادام أنه لا يقاتل في صفوفهم وتحت رايتهم ، ولا يتعاون معهم بشتى الطرق من إمداد بالمال ورصد الأخبار ، أما أبناء الرجال من الشعب ونسائهم ، فهم تبع لهم ، ويستدلوا على ذلك بقول الله تعالى إخبارا عن نوح لما دعا ربه : {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا }. وهكذا هم الخوارج يستدلون بالآيات القرآنية في غير محلها ويتبعون المتشابه منها.
الشبهة الثانية : تكفير القعدة عن الجهاد الذين لم يهاجروا غليهم ولم يكونوا في مساعدتهم ومعاونتهم بالإمداد ورصد الأخبار وتنقلات رجال المن والدرك والجيش ..اعتقد الخوارج كفر المؤمنين وخروجهم عن الإسلام ، بسبب تقاعسهم عن الجهاد في سبيل الله – زعموا – وعن الهجرة إليهم ، فقالوا :أن الله تعالى حكم على القعدة عن الجهاد بالكفر ، وهذا في قوله تعالى من سورة التوبة :{ فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ، ولا تصل على أحد منهم مات أبدا وتقم على قبره ، إنهم كفروا بالله ورسوله ، وماتوا وهم فاسقون }، فقوله :{ إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } دليل على كفر القاعد عن الجهاد ، لأن الضمير عائد عليهم .فانظر يا رعاك الله كيف يستدلون بآية في المنافقين على عموم الشعب الذي لم يوافقهم في قتالهم وخروجهم ، أليس هذا هو منهج الخوارج بعينه ؟؟؟
الشبهة الثالثة : تكفير الشعب بسبب الانتخابات .وذلك لأن الانتخابات نظام ديمقراطي ، والديمقراطية كفر ، لأنها تعطي حق الحكم والتشريع لأغلبية الشعب من دون الله تعالى ، والنظام الديمقراطي يقر ويعترف بمبدأ التداول على السلطة للأحزاب والتنظيمات والتكتلات الشعبية على اختلاف مناهجها وعقائدها ومبادئها ، فهو بذلك يسوي بين النظام الإسلامي وغيره من الأنظمة الباطلة الكافرة ؛ أو يقدم الأنظمة الكافرة على النظام الإسلامي في حالة التصويت لصالحها ، وعليه فكل من سعى إلى تحقيق الديمقراطية كنظام سائد في المجتمع ، أو اعترف بها وأقرها كمبدأ من مبادئ الحكم ، أو استغلها للوصول إلى السلطة فهو كافر مرتد لأنه فعل ما هو كفر ، واتّبع سبيل الكافرين ومنهاج الظالمين .ولأن الله تعالى تعبدنا بالوسائل والمناهج والطرائق كما تعبدنا بالمقاصد والغايات فكل من سعى لإقامة المشروع الإسلامي عن طريق الديمقراطية يكون قد فعل كفرا ، وفاعل الكفر كافر ، لا ينفعه عذر من الأعذار ، كالتأويل والخطأ والجهل ، والمصلحة ، إلا الإكراه بالقتل فصاحبه معذور عندهم لأن الله تعالى يقول :[[ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ]] الآية .. وعلى هذا فكل من صوت في الانتخابات لصالح حزب من الأحزاب أو مشروع من المشاريع سواء كان إسلاميا أو غير ذلك ، فهو كافر مرتد حلال الدم ، والمال والعرض.وقد أصدروا بيانات يعلنون من خلالها حكم التكفير ، والتوعد بالقتل للمنتخبين من الشعب .
الشبهة الرابعة : قاعدة << من لم ينته شره إلا بالقتل قتل >> لقد عول الخوارج كثيرا على هذه القاعدة التي أخذوها من بعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - من غير مراعاة لقيودها وضوابطها ، وهي قاعدة لا ينبغي أن يأخذ أي فرد أو أي جماعة بل هي قاعدة لولي الأمر العام (أي الحاكم العام )) فالأخذ بها بإطلاق فتح لباب شر عظيم جدا .ولكن الخوارج يأخذون مثل هذه القواعد أو المتشبه من أقوال العلماء ويطبقونه حسب أهوائهم وتفسيراتهم ومعتقداتهم . فهذه القاعدة هي عمدتهم الأساسية في تصفية خصومهم ومخالفيهم ، وقد سموا هذا القتل بالقتل السياسي ، أو القتل مصلحة .فيقولون فلان قتلناه سياسة أو مصلحة ،والقتل السياسي هذا مس جل أتباعهم ممن رفضوا أوامر الأمير وأحكامه أو أنهم لم يظهروا الولاء له ، وكذلك يُقتل سياسة كل من ارتكب معصية صغيرة كانت أو كبيرة ، ويقتل المتهم بالبدعة ، أو المتهم بالانتماءات الفكرية والحركية المباينة لأفكارهم ومناهجهم .ويقتل المتهم بالجوسسة أو العمالة أو نحو ذلك .. ويقتل المتدمر من المخالفات الشرعية ، والانحرافات العقدية والمنهجية ، التي يقعون فيها ، ونحو ذلك مما يطول ذكره واستقصاؤه ..وكذلك يقتل شارب الدخان وبائعه وكذا شارب الخمر وشارب الحشيشة وبائعها، ويُقتل سياسة المرأة السافرة المتبرجة إذا لم يتمكن من سبيها .ويقتل سياسة عمال الشركات الاقتصادية الكبرى ، كشركة سوناطراك البترولية بحجة أنها العمود الفقري لاقتصاد البلاد ، ولا يمكن إضعاف قوة السلطة إلا بهذه الطريقة المتمثلة في قتل عمال هذه الشركة وحرقها .ويقتل سياسة كل شاب يتراوح سنه مابين تسعة عشر واثنين وعشرون سنة ، لأن هذه الفترة من السن خاصة بشباب الخدمة الوطنية العسكرية ، ولما استحال التمييز بين من انخرط في صفوف الجيش وغيرهم من الشباب ممن بلغوا هذه المرحلة من العمر ، اقتضى الحال قتل كل من بلغ هذه السن ولم لم يثبت في حقه أنه انخرط في الجيش ، بل ولو ثبت بالأدلة القطعية أنه غير معني بالخدمة العسكرية سيما إذا أوقف في حاجز مزيف وهو متنقل من ولاية إلى أخرى .وقد نفذوا هذا الحكم في كثير من الشباب الأبرياء العزل والمكرهين على الخدمة الوطنية ولم يراعوا في حقهم الإكراه كما رعوه في حق أبتاعهم ..
الشبهة الخامسة :استدلالهم بقصة موسى والخضر عليهما السلام في قتل الصبيان . اعتقد هؤلاء الخوارج جماعة زوابري ومن كان على شاكلته ، أنه بإمكانه الخروج عن شريعة رب العالمين ، والعمل بمقتضى المصلحة المؤسسة على العلم اللدني ، كما وسع الخضر عليه السلام الخروج على شريعة موسى عليه السلام ، وقتل الغلام لمصلحة خفيت على موسى عليه السلام . فادعى كثير من الأمراء وأعوانهم أصحاب الفتاوى الجائرة امتلاكهم للعلم اللدني الذي يسمونه البصيرة ، والوحي عن طريق الإلهام والمنامات .ولهذا قتلوا كثيرا من أتباعهم بحجة اطلاعهم على أسرارهم الخبيثة ، وتمكنهم من معرفة خباياهم الدسيسة – زعموا –وأيضا فقد ادعوا في أول الأمر أن قتل الصبيان من الرضع وغيرهم مؤسس على محض المصلحة المبنية على العلم اللدني أو البصيرة ، وذلك أن الصبي الذي قتل والده على يد الخوارج قد يكبر وينتقم لوالديه ، أو يترعرع وينشأ في أحضان النظام الكافر فيصير كافرا مرتدا . ولهذا اقتضى الحال أن يحسم أمره ابتداء قبل فوات الأوان واستفحال أمره ، وهذا الحكم هو عين ما نصت عليه الآية الكريمة من سورة نوح عليه السلام :{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ، إنك أن تذرهم يضلوا عباد ولا يلدوا إلا فاجرا كفار}الآية .
الشبهة السادسة : الحكم على الناس بمقتضى رؤيا المنام .اعتبر الخوارج أن الرؤيا الصالحة مصدر من مصادر التشريع والحكم ، فعولوا عليها في إصدار الأحكام على الناس ، خاصة أتباعهم الذين أثخنوا فيهم قتلا ، فكل من رئي في المنام خائن أو عدو ، أو جاسوس ، أو يستعد للفرار من صفوفهم ، أو أنه يبغض الأمير ، أو يحب الأمراء المنشقين ، أو هو متدمر من أفعالهم وأحكامهم ، أو كان هو المتسبب في فشل العمليات العسكرية لاقترافه بعض مخالفات الخطة المبيتة للعملية ونحو ذلك من التهم كان جزاؤه القتل . وذلك بحجة أن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة ، سيما إذا كان المخبر في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قد قال :<< من رآني في المنام فقد رآني حقا ، فإن الشيطان لا يتمثل بي >> رواه البخاري ومسلم .وعلى هذا فإخباره في النوم كإخباره في اليقظة .
الشبهة السابعة : الاستدلال بحديث النيات في قتل النساء والذراري والوالدان والقتل الجماعي .أخرج البخاري عن أبي جثامة رضي الله عنه ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء ، أو بودان ، فسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم ، قال :<< هم منهم >> فهذا دليل عندهم على جواز قتل نساء وصبيان العساكر المرتدين ، وقال تعالى :{ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فأهدوهم إلى صراط الجحيم } لآية . قالوا : فهذا دليل على أن المرأة لها حكم زوجها الكافر أو المرتد ، أي حكم القتل كذلك ، ثم عمموا هذه الأحكام في نساء وصبيان كافة الشعب سواء كانوا عسكريين أم مدنيين بحجة أن الشعب أصبح كله مرتدا ، سيما بعد الانتخابات الرئاسية لعام 1996 . وبناء على هذه الفتوى الجائرة ، اقترفت المجازر الجماعية والفردية في القرى والمداشر ، فراح ضحيتها الألوف المؤلفة من الرجال والنساء والصبيان والشيوخ ، من أفراد هذا الشعب المسلم ، وسبيت الفتيات العفيفات ، وسلبت الأموال المعصومة ، وانتهكت الأعراض المحرمة ، مما يعجز والله اللسان عن وصفه ، ومع ذلك لا زالت هذه الجماعة إلى الآن (( سنة 1999م))تفتك بالأبرياء العزل ، نسأل الله تعالى أن يكفي هذه الأمة شرها .آمين .
الشبهة الثامنة : طريقة التعذيب والاستنطاق لإرغام المتهم عندهم بالاعتراف والإقرار بالتهمة .وعندهم طرق وحشية ما عرفتها حتى الحيوانات المفترسة ، في تعذيب واستنطاق المتهم فهم يعذبون بالريبة والظِنّة والتخمين لاستخراج خبايا قلوبهم ومكنونات بواطنهم ، واضطرارهم للإدلاء باعترافات وشهادات باطلة تخدم أغراض جماعتهم ، وتبرر عند العامة سوء عملهم وقبيح فعلهم .وكل من يستنطق لابد أن يقتل ، سواء أقر بالتهمة الموجهة إليه أم لا ؟ وسواء كانت قامت في حقه الشواهد والبينة أم لا؟ إلا أنهم يفرقون في طبيعة القتل بين من قامت عليه البينة أو اعترف بالتهمة ، وبين من لم تثبت في حقه التهمة . فمن قامت عليه البينة أو اعترف بالتهمة يقتل حدا ، بغض النظر عن طبيعة التهمة وحكمها الشرعي ، أما من لم تثبت ضده التهمة ولم يعترف تحت مدة التعذيب التي تختلف من شخص لآخر ، فهذا كذلك يقتل إلا أنه لا يقتل حدا ، وإنما يقتل سياسة أو مصلحة .وعمدتهم في مشروعية العذاب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بضرب وتعذيب بعض المتهمين ، مثل بريرة جارية عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك ، حيث قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :<< شأنك بالجارية >> فسألها علي وتوعدها ، فلم تخبره إلا بخير ، ثم ضربها وسألها ، فقالت : والله ما علمت على عائشة سوءا . وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه أن يعذب كنانة بن الربيع بن عم حيي ابن أخطب اليهودي لما كتمه الكنز الذي جاء به حيي من النضير . وما أشبه ذلك مما يدل عندهم على مشروعية الضرب في التهم .على أن ضرب الخوارج لخصومهم فظيع وشنيع جدا بحيث يعجز القلم عن وصفه وينزه العقل عن ذكره ، واستحضاره .ولكن نشير إشارة خاطفة إلى ذلك .
الشبهة التاسعة : التنكيل بالمسلمين والتمثيل بهم وتشويه خلقتهم .لقد بالغ الخوارج في تعذيب المؤمنين والتمثيل بهم ، إذ دفعتهم غطرستهم وحقدهم الدفين على المسلمين إلى ارتكاب أبشع الجرائم في تاريخ البشرية ، حتى إنهم بلغوا حد التفنن في التعذيب والتمثيل وتشويه صورة الآدمي المسلم وهو على قيد الحياة ، فمثلا يزيلون عن وجهه جميع أعضاء حواسه ، حتى يصير وجه بلا عينين ، ولا أذنين ، ولا أنف ، ولا فم ، وهو مع هذا لا يزال حيا ، ثم يقطعونه إربا ؛ إربا ، أو يقطعون رأسه ، أو يلقونه حيا في النار ، أو يفعلون به أشياء مخلة بالحياء يستحي المرء من ذكرها منها على سبيل المثال لا الحصر قطع عضوه الذكري ووضعه في فمه بعد قتله وتركه هكذا ممتدا على قارعة الطريق .وأثناء هذا التعذيب الوحشي والشنيع – الذي يسمونه << التنكيل >> - غالبا ما يصيح المُعذب بالتكبير والتهليل ، وشهادة التوحيد ، وقد يستلطفهم ويترجاهم طالبا منهم التعجيل بقتله ليرتاح مما هو فيه ، لكن الزنادقة المعتادون لا يعبئون بتألمه ورجائه ، ولا يكترثون لطلباته واستعطافه ، بل يتعمدون استبطاء موته ، ليسخروا منه ويتلذذون بتألمه ، وحجتهم في هذا التنكيل والتعذيب الوحشي والتشويه ، قوله تعالى :{ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورنك فيها إلا قليلا ، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا } يعتقدون أن هذا دليل في جواز المبالغة في التقتيل ، ومن المبالغة في التقتيل التنكيل ، والتعذيب البشع والتمثيل الفظيع .
الشبهة العاشرة : إطلاق العنان لألسنتهم بالشتم والسب الفاحش ، والكلام البذيء بل والكفر كسب الله أو سب الدين أو لعن دين المتهم والمقتول، وإذا رجعوا في ذلك يقولون نحن لا نسب الله إنما نسب رب المقتول ودينه ..وقد استدلوا على جواز شتم المسلمين وسبهم ووصفهم بأقبح الأوصاف وأفحشها ، بما روي عن أبي بكر رضي الله عنه حين قال لعمرو بن سهيل رضي الله عنه في صلح الحديبية :<< أمصص بضع أبيك >> .قالوا : لقد فعل هذا أبو بكر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه ، وأيضا فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لماعز بن مالك رضي الله عنه حين ألح عليه بأن يقيم عليه الحد ويطهره .قال له : << أنكتها ؟ >> لا يكني .وأيضا فقد وردت في كتب أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ألفاظ مستقبحة ومستنكرة لدى عامة الناس مثل : قوادة ، قحباء ، ونحو ذلك . فلو كانت مثل هذه الألفاظ محرمة شرعا لما ذكرها أهل العلم في كتبهم ، ولأنكرها غيرهم من العلماء .أما سب رب المتهم ودينه ولعنه فغنهم يعتقدون أنه كافر ودينه باطل ليس هو الدين الذي يجب إتباعه لذلك جاز سبه ولعنه .وهذا مما يندى له الجبين ويتحير له الحليم ، ويتعجب منه المؤمن كل العجب حين يسمعهم وهم يسبون الله تعالى ، ويصفونه بأقبح الأوصاف وأشنعها مما تقشعر منه الأبدان وتشمئز منه النفوس ، وتكاد السموات يتفطرن منه ، وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، وإذا قيل لهم في ذلك يقولون نحن لسنا نسب الله ربنا ، وإنما نسب الله رب الطواغيت والمرتدين . ولا حول ولا قوة إلا بالله .ولم يعلموا أن الله نهى عن سب آلهة المشركين الباطلة فيسبوا الله عدوا بغير علم ، كما أنا المعذب والمتهم في قبضتهم الذي يسبون إلهه ويلعنوه يكبر ويهلل ويصرخ بكلمة التوحيد ومع ذلك يسبونه سبحانه ليظهر جليا أنهم خوارج شر الخلق والخليقة يقتلون المسلمين ويدعون المشركين . وإلا أين هم من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على حبه وابن حبه أسامة بن زيد رضي الله عنه لما قتل الرجل الذي نطق بالشهادتين ؟؟؟؟وبناء على هذه الفتاوى صار جل كلام الخوارج سبا فاحشا ، وكلاما بذيئا قبيحا، وألفاظ قبيحة جدا ، ووصفا للخصوم بأحط الأوصاف وأقبحها مما يستحي العاقل من سماعها فضلا عن التلفظ بها .والغريب في الأمر أنهم عدوا مثل هذا الهذيان سنة متبعة ، وكل من أمسك لسانه عن مثل هذا الفحش القبيح والساقط عُد مفرطا ومقصرا في اتباع السنة ، واتباع شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله -.والتاريخ يعيد نفسه فها هو قرن الخوارج في الجزائر قد خمد والحمد لله وغن كان بقي بعض دخانه ، ولكن هاهو قرنه يظهر في العراق وسورية ومصر وتونس ، وقال الذين لا يعلمون حقيقتهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم وبان ضلالهم ؛ فإن ما يعرضه الإعلام المرئي والمسموع والمقروء مما يتحدث به المسلمون في بلدانهم كالعراق وسورية عن جرائم داعش الوحشية وما يفعله الخوارج في ليبيا الجريحة بالشعب الليبي المسلم وفي مصر وغيرها من البلاد الإسلامية لهو أكبر دليل على خارجية هؤلاء وضلالهم كفى الله المسلمين شرهم ووقاهم كيدهم ومكرهم ورده في نحورهم عاجل غير آجل . اللهم آمين .