أما مجاهدة الغير فإنها تنقسم إلى قسمين :
أما مجاهدة الغير فإنها تنقسم إلى قسمين : قسم بالعلم والبيان ، وقسم بالسلاح .
أما من مجاهدته بالعلم والبيان فهو الذي يتسمى بالإسلام وليس من المسلمين ؛ مثل المنافقين وأهل البدع المكفرة وما أشبه ذلك ، فإن هؤلاء لا يمكن أن نجاهدهم بالسلاح ؛ لأنهم يتظاهرون بالإسلام وأنهم معنا ، ولكننا نجاهدهم بالعلم والبيان ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة:73) ، فجاهد الكفار يكون بالسلاح ، وجهاد المنافقين يكون بالعلم والبيان .
ولهذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام ـ يعلم بأن في أصحابه منافقين ، ويعلمهم بأعيانهم ، ولكنه لا يقتلهم ، واستؤذن في قتلهم فقال : ( لا يتحدث الناس بأن محمداً يقتل أصحابه )(49) ، فكذلك الذين ينضوون تحت لواء الإسلام من أهل البدع لا نقاتلهم بالسلاح ، لكننا نقاتلهم بالعلم والبيان .
ولهذا كان واجباً على شباب الأمة الإسلامية أن يتعلموا العلم على وجه راسخ ثابت ، لا على وجه سطحي كما يوجد في كثير من بيوت العلم ، حيث يتعلمون علماً سطحياً لا يرسخ بالذهن ، علماً يقصد به الإنسان أن يحصل على بطاقة أو شهادة فقط ، ولكن العلم الحقيقي هو العلم الذي يرسخ في القلب ، ويكون كالملكة للإنسان ، حتى إن الإنسان الذي يوفق لهذا النوع من العلم ؛ تجده لا تكاد تأتيه مسألة من المسائل إلا عرف كيف يخرجها على الأدلة من الكتاب والسنة والقياس الصحيح ، فلابد من علم راسخ .
والناس اليوم في عصرنا محتاجون إلى هذا النوع من العلم ؛ لأن البدع بدأ يفشو ظلامها في بلدنا هذه ؛ بعد أن كانت نزيهة منها ، لكن نظراً لانفتاحنا على الناس ، وانفتاح الناس علينا ، وذهاب بعضنا إلى بلاد أخرى ، ومجيء آخرين إلى بلادنا ليسوا على عقيدة سليمة ؛ بدأت البدع تظهر ويفشو ظلامها . وهذه البدع تحتاج إلى نور من العلم يضيء الطريق حتى لا يصيب بلادنا ما أصاب غيرها من البدع المنكرة العظيمة التي قد تصل إلى الكفر ـ والعياذ بالله ـ . فلابد من مجاهدة أهل البدع وأهل النفاق بالعلم والبيان ، وبيان بطلان ما هم عليه ؛ بالأدلة المقنعة من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وأئمة الهدى من بعدهم .

أما النوع الثاني من جهاد الغير : فهو الجهاد بالسلاح ، وهذا في جهاد الأعداء الذين يظهرون العداوة للإسلام ويصرحون بذلك ؛ مثل اليهود والنصارى الذين يسمون بالمسيحيين ، والمسيح منهم بريء عليه الصلاة والسلام ، المسيح لو أنه خرج لقاتلهم وهم ينتسبون إليه ، يقول الله عز وجل : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ( المائدة :116 ) ، فماذا كان جواب عيسى ؟ : ( قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة:116،117) .
فعيسى بن مريم قال لهم ما أمرهم الله به : اعبدوا الله ربي وربكم ، ولكنهم كانوا يعبدون عيسى ، ويعبدون مريم ، ويعبدون الله ويقولون إن الله ثالث ثلاثة ، إذن ؛ كيف يصح أن ينتسب هؤلاء إلى عيسى وهو يتبرأ منهم أمام الله عز وجل .
فاليهود والنصارى والمشركين من البوذيين وغيرهم ، والشيوعيين ، كل هؤلاء أعداء للمسلمين ؛ يجب على المسلمين أن يقاتلوهم حتى تكون كلمة الله هي العليا ، ولكن مع الأسف ، فالمسلمون اليوم في ضعف شديد ، وفي هوان وذل ، يقاتل بعضهم بعضاً أكثر مما يقاتلون أعداءهم ، هم فيما بينهم يتقاتلون أكثر مما يتقاتلون مع أعدائهم ، ولهذا سلط الأعداء علينا ، وصرنا كالكرة بأيديهم ؛ يتقاذفونها حيث يشاءون .


باب المجاهدة
الشيخ صالح العثيمين