بسم الله الرحمن الرحيم

والمذهب الراجح : اشتراط قيام الحجة ـــ لفضيلة الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله

السؤال :
سؤال حول العذر بالجهل ؟



الجواب :
هذه المسألة ؛ مسألة العذر بالجهل أو عدم العذر يركض من ورائها أهل الفتنة ويريدون تفريق السلفيين وضرب بعضهم ببعض !

وأنا كنت في المدينة اتصل بي رياض السعيد وهو معروف وموجود في الرياض الآن قال لي : إن هنا في الطائف خمسين شابا كلهم يكفرون الألباني !! لماذا ؟ لأنه لا يكفر القبوريين ويعذرهم بالجهل !!
طيب ، هؤلاء يكفرون ابن تيمية وابن القيم وكثير من السلف ؛ لأنهم يعذرون بالجهل وعندهم أدلة منها : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) [ الإسراء : 15 ] ، ونصوص أخرى فيها الدلالة الواضحة .
ومنها : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا )) [ النساء : 115 ] .
(( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون )) [ التوبة : 115 ] .
ونصوص أخرى تدل على أن المسلم لا يكفر بشيء من الكفر وقع فيه ، نقول : وقع في الكفر ؛ هذا كفر وقع فيه عن جهل مثلا فلا نكفره حتى نبين له الحجة ونقيم عليه الحجة ، فإذا عاند كفرناه .
وهذا القول عليه عدد من أئمة العلماء في نجد ، وبعضهم قد يختلف كلامه ، مرة يشترط إقامة الحجة ومرة يقول : لا يعذر بالجهل فيتعلق أناس بأقوال من لا يعذر بالجهل ؛ ويهمل النصوص الواضحة في اشتراط قيام الحجة ، وأنه لا يكفر المسلم الذي وقع في مكفر حتى تقام عليه الحجة .
ومنه ما ذكرته لكم عن الإمام الشافعي رحمه الله والنصوص التي ذكرتها لكم .
كنت أعرف شيخا فاضلا لا يعذر بالجهل ، ونحن ندرس في سامطة ، وزارنا هذا الشيخ ويحمل هذه الفكرة ! لكنه ما كان يثير الفتن ولا يناقش ولا يجادل ولا يضلل من يعذر بالجهل ، وعشنا نحن وإياه أصدقاء قرابة أربعين سنة وقد مات من عهد قريب رحمه الله .
وجلست مرة في أحد المجالس وواحد يقرر عدم العذر بالجهل ، فذكرت له هذه الأدلة وذكرت له : أن علماء في نجد يعرف بعضهم بعضا ، بعضهم يعذر بالجهل وبعضهم لا يعذر ، وهم متآخون ليس هناك خلافات ولا خصومات ولا إشاعات ولا ، ولا ، ...، فسكت ولم يجادل ؛ لأنه لا يريد الفتن .

فنحن نعرف أن الخلاف هذا واقع في نجد بين بعض المشايخ وغيرهم ، لكن لا خصومة ولا تضليل ولا حرب ولا فتن ، وإنما هذه طريقة الحدادية يا إخوان !

الفئة الحدادية الماكرة الضالة أنشئت لإثارة الفتن بين أهل السنة ، وضرب بعضهم ببعض ! وهم تكفيريون متسترون ، وعندهم بلايا أخرى يمكن غير التكفير ، ويستخدمون أخبث أنواع التقية سترا على منهجهم الخبيث وأغراضهم الفاسدة
!
وأنا رأيت شابا تأثر بهذا المنهج وكان يحمل كتابا فيه أقوال منتقاة في عدم العذر بالجهل ، ويتنقل ما بين الرياض والطائف ومكة والمدينة وإلى آخره ، كان عندنا ويدرس عندنا ، ثم ما شعرنا إلا وهو يحمل هذا الفكر بهذه الطريقة .
فناقشته مرارا وبينت له منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومنهج السلف والأدلة ، وهو يجادل قلت له : من إمامك ؟ قال : فلان وفلان ، بحثت ، فوجدت ـ والله ـ عندهم أقوالا متضاربة ، مرة يعذر بالجهل ومرة لا يعذر بالجهل . قال لي : معي فلان ، قلت له : فلان هذا كلامه ـ قد أعددته له ـ هذا فلان هنا يعذر بالجهل ويشترط إقامة الحجة ، قال : لا ، أنا مع ابن القيم . قلت له : ابن القيم من زمان رفضته أنت ! ابن القيم يشترط إقامة الحجة فبُهت ، لكنه مصر على ضلاله !
فعاند وطرد من هذه البلاد ثم رجع ، وفي مناقشاتي له قلت له : قوم كفار في جزيرة من الجزر في إحدى جزر بريطانيا ، أو جزر المحيط الهادي أو غيرها ، ما أتاهم أحد من السلفيين ، وجاءهم جماعة التبليغ وعلموهم وقالوا : هذا الإسلام فيه خرافات ، فيه بدع ، فيه شركيات فيه ضلالات وفيه وفيه ... ، قالوا لهم : هذا الإسلام ، فقبلوه ، وتقربوا إلى الله ، ويعبدون الله على هذا الدين الذي يسمى الإسلام ، تكفرهم أنت ، أو تبين لهم وتقيم عليهم الحجة ؟
قال : هم كفار ولا يشترط إقامة الحجة !
قلت له : اذهب إلى الجزائر فأنت أشد من هؤلاء الثوار الآن ، أنت أشد تكفيرا منهم ، اذهب عندهم ليس لك مجال في هذه البلاد .
مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في هذا قائم على الحجج والبراهين ، وهو مذهب السلف ـ إن شاء الله ـ ومن تبنى واقتنع بغير هذا وسكت مالنا شغل فيه ، لكن يذهب يثير الفتن ويضلل ويكفر فلا ، لا والله لا يسكت عنه .

وأنصح الشباب أن يتركوا هذه القضية ؛ لأنها وسيلة من وسائل أهل الشر والفتن يبثونها بين المسلمين .

طيب ، مر عليكم دهور من عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى وقتنا هذا ليس هناك صراعات بينهم في القضية هذه أبدا ، الذي اجتهد ورأى هذا المذهب سكت ومشى ، قرره في كتابه ونشره فقط ومشى ، والذي يخالفه مشى ، كلهم إخوة ليس بينهم خلافات ولا خصومات ولا أحد يضلل أحدا ولا يكفره ، أما هؤلاء يكفرون
انظروا توصلوا به إلى تكفير أئمة الإسلام ، مما يدلك على خبث طواياهم وسوء مقاصدهم .
فأنا أنصح الشباب السلفي ألا يخوضوا في هذا الأمر .

والمذهب الراجح : اشتراط قيام الحجة ، وإذا ما ترجح له فعليه أن يسكت ويحترم إخوانه الآخرين فلا يضللهم ؛ لأنهم عندهم حق ، وعندهم كتاب الله ، وعندهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندهم منهج السلف .
والذي يريد أن يكفر ، يكفر السلف ! يكفر ابن تيمية وابن عبد الوهاب أيضا ! الإمام محمد بن عبد الوهاب قال : نحن لا نكفر الذين يطوفون حول القبور ويعبدونها حتى نقيم عليهم الحجة ؛ لأنهم لم يجدوا من يبين لهم .



المصدر :
فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله [ ج 1 ـ ص 309 ] .