خاطرة ..... فقه الواقع الجديد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
من المعلوم ان الرجوع الى العلماء الراسخين والموثوقين المعروفين بالعلم والديانة خصوصا في اوقات النوازل والفتن من اهم اصول المنهج السلفي الذي يتقاطع فيه مع مناهج المبتدعة كما قال تعالى ( وإذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول و الى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ) ، وكما فعل ابي موسى الاشعري عندما رجع الى ابن مسعود رضي الله عنهما عندما رأى المتحلقين بالمسجد .
إلا ان المبتدعة يرجعون تارة الى الصغار و المجاهيل وتارة الى الكبار متى وافق قولهم هوى المبتدعة او وجدوا فيه محملا لمذهبهم ، و لتأخذ لذلك مثالين
: الاول استدلال المبتدعة بقول للشيخ ابن عثيمين وابن باز في مسالة الانتخابات ، لا لأنهم علماء عندهم بل لان كلامهم وافق هواهم ومذهبهم الذي يرون فيه جواز الانتخابات وما يلحقه من احزاب و ديمقراطية وغيرها ويتركون قولهم في غيرها بل وقد يرمونهم بما هم منه براء اذا لم يوافقوا هواهم كما في المثال الثاني
الثاني اتهام المبتدعة نفسهم العلماء الكبار كابن عثيمين وابن بازرحمهم الله بعدم فقه الواقع و معرفة ملابسات الواقعة كما ظهر ذلك جليا في ازمة الخليج وبالتالي عدم قبول قولهم في النوازل ليسوا لأنهم غير راسخين في العلم بل لأنهم لا يعلمون الواقعة زعموا وبالتالي يفتح المجال لتصدر طلبة العلم والمجهولين
فالغريب ان هؤلاء العلماء وأمثالهم فقهوا الواقع عندهم في المثال الاول وهو نازلة فيؤخذ بقولهم ويشنع على المخالف اما في المثال الثاني فقد جهلوا الواقع فيترك قولهم وهم هم .
قال ابن قتيبة رحمه الله : لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث لان الشيخ قد زالت عنه ميعة الشباب وحدته وعجلته وسفهه و استصحبالتجربة والخبرة فلا يدخل عليه في علمه الشبهة ولا يغلب عليه الهوى ومع السن والوقار والجلالة والهيبة والحدث قد يدخل عليه هذه الامور التي امنت على الشيبه فإذا دخلت عليه وأفتى هلك واهلك ( الفقيه والمتفقه 2/156)

واليوم مع ما يحصل في العالم الاسلامي من فتن ملمة ونوازل مدلهمة ودماء وأشلاء و امور عظمى لو عرضت احداها على عمر رضي الله عنه لجمع لها اهل بدر . في هذا الخضم تصدر طلبة العلم لإفتاء الناس في هذه النوازل بما يوافق كلام اهل العلم تارة وما يخالفه تارات ، و اذا استدللت بكلام العلماء الراسخين في النازلة قالوا ان العالم على جلالة قدره وعلمه لم يفهم النازلة ولم يلم بملابساتها اى لم يفهم الواقع وبالتالي لا يؤخذ بقوله ! فهل هؤلاء أسلاف اولئك ؟

هذا الامر ادى الى تصدر طلبة العلم والمجهولين بدعوى انهم على علم بالواقع وبالتفاصيل حيث انهم يعلمون من الدقائق ما لا يعلمه العالم وقد ارهقوا انفسهم في تفاصيل قد لا يكونوا في حاجة الى كثير منها لإصدار الفتوى بل ليس الناس بحاجة الى فتاواهم فقد قيل قديما لا يفتى ومالك في المدينة

وفي نازلة احدى الدول تحديدا تصدر بعض طلبة العلم من داخل تلك الدولة وخارجها ليتقدموا بين يدي العلماء بدعوى العلم بواقع لا يعلمه العلماء ، مع العلم بان هؤلاء العلماء الكبار قد تجاوزا الثمانين من العمر وقد افتوا في نوازل اعظم من هذه مما جرى في افغانستان والبوسنة والعراق وسوريا والجزائر وفلسطين وغيرها وعلموا واقعها او علموا ما يلزم ان يعلموه ليتأهلوا للفتوى قبل ان يدرك بعض هؤلاء الطلبة المتصدرين سن البلوغ .

ومع ذلك فقد جاؤوا ببدعة ليست بجديدة لرد كلام اهل العلم مما يؤدي كما ذكرنا الى تصدرهم للإفتاء بدعوى فقه الواقع

لقد نسى هؤلاء الطلبة او غم عليهم قاعدة مهمة جدا وهي ان معرفة الواقع لا يعني العلم بالحكم ومن ثم الافتاء فقد تكون ايها الطالب فعلا لديك علم بالواقعة اكثر من العالم إلا ان ذلك لا يعني انك قادر على الافتاء فيها لأنك غير مؤهل لذلك فبدلا من التصدر للفتوى انقل هذا الواقع الذي علمته الى اهل العلم الكبار ليفتواالناس وخذ انت جانب السلامة .

وقد قال الشيخ العلامة الالباني رحمه الله في ذلك :
فمن العجيب أن يُبرر فتاواهم القائمة علىالجهل بالكتاب والسنة ، بأنهم أعرف من فلان بالواقع بارك الله لكم بمعرفتكم بهذا الواقع ، لكن هذه المعرفة لا تعطيكم حكم هذا الواقع فلا بد لكم من أن تسألوا أهل الذكر كما هو نص القرآن الكريم أي مسألة يسأل عنها العالم ليس من الضروري أن يكون عارفاً بها كواقع هذا أمر طبيعي جداً .على الحقيقة إنو هذه الكلمة وحدها تكفي لبيان أن هؤلاء الناس مغرر بهم، يعني يغررون انحرافاتهم العلمية بأنهم يعرفون الواقع أكثر من أهل العلم .يا أخي كل من وقعت له مشكلة - وهي لا تعد ولا تحصى - هو أعرف بها من المستفتىمن العالم لكن هو لا يستطيع أن يعطي الحكم إلا بسؤال العالم ، ولذلك نحن نستدل بالآية السابقة عليهم أن يسألوا أهل العلم .
وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله : المرجع في النوازل إلى أهل العلم ولا يرجع إلى غيرهم ممن يدعون العلم وهم ليسوا من أهل العلم ولو كانوا طيبون في سيرتهم وفي عملهم لكن ما داموا أنهم ليسوا من أهل العلم فلا يؤخذ بقولهم وإنما يؤخذ بقول أهل العلم الراسخين فعليكم ان ترجعوا الى اهل العلم الراسخين في العلم . وهم معروفون ولله الحمد ، العلماء معروفون يعرفهم الناس ولا يجهلونهم وإنما إذا كثر من يفتي بغير علم وكثر من يقول ويقول ضاع الناس لا سيما في وقت الفتن .
وقد نبه الى ذلك الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله بكلام تأصيلي مهم لامزيد عليه لمن يعقل ولم يشرب قلبه بالهوى عندما سئل عن هذه المسالة بعينها وعن واقع بلد بعينه عندما زعم احد طلبة العلم انه يعرف الواقعة أكثر من احد الراسخين فكان السؤال والجواب كالأتي :
السائل : ذكرتم شيخنا ان طلاب العلم الذين هم دون الراسخين في العلم لا يرجع اليهم في النوازل .
الشيخ : نعم نعم ، النوازل لا يرجع فيها الا الى المجتهدين .
السائل : لقول الله تعالى – شيخنا وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِن الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَه مِنْهُمْ " الآية.
الشيخ : نعم

السائل : شيخنا الان اذا كان مثل هذا الطالب ، هذا الشيخ الطالب الذي لا شك انه دون العالم الراسخ في نازلة من النوازل عنده فيها زيادة علم ! هل في هذه الحالة يرجع اليه ؟

الشيخ : كيف عنده زيادة علم ؟

السائل : مثلا . في واقعة من الوقائع هو مطلع على هذه الفتنة اكثر من الراسخ في العلم .

الشيخ : شوف بارك الله فيك ، المسالة ليست ان يعرف الواقع ، المسالة ان يعلم ، العلم شجرة كبيرة ما تاتي الى غصن منها وتقول : هذا اوراق . النوازل لا يجوز لاحد ان يتكلم فيها الا اهل الاجتهاد ، اما كل من هب ودب من طلاب العلم ، سواء حتى عنده فضل او ما عنده فضل يتكلمون ؟ ........ ثم تكلم الشيخ عن نازلة بلد معين ثم قال : العلماء يقولون لا يجوز للانسان ان يفتي في مسالة وفي البلد من هو اعلم منه فكيف بنوازل المسلمين الكبرى ؟ ياتي طلاب العلم وكل واحد يفتي ، وايضا من المصائب انه يسمع ان اهل العلم افتوا ، ويذهب ويفتي ! لا يجوز ،لا يجوز لطلاب العلم ان يستفتوا في نوازل المسلمين العامة الا اهل المكنة العلماء الذين شهد لهم بالعلم ، ولا يجوز لطالب العلم ان يفتي في هذه النوازل ، بل اذا جاءه الطلاب ما يفرح ، والذي يظهر يقول لهم : اذهبوا الى العلماء ، اذهبوا الى هيئة كبار العلماء ، اذهبوا الى المشايخ ، اذهبوا الى كذا هذا الذي ينبغي ، والا اضعنا المسلمين ، واصبح الناس يقولون : والله في المسألة خلاف ! امام المسجد قال ، وطالب في الكلية يحضر الدكتوراة قال ، ولست ادري من ؟
السائل : بعضهم يقول ان العبرة بالاطلاع
الشيخ : لا ، العبرة بالعلم ، العبرة بالعلم هذا فقهٌ لقوله تعالى:"لعَلِمه الَّذين يستنبطُونه مِنهم"، وهذا اصل ، هذا ما كان عليه السلفيين ، السلفيون كانوا يعيبون على الحزبيين انهم يقولون العلماء لا يستفتون في النوازل ، لانهم لا يعرفون الواقع ! وانما هؤلاء ، سفر وسلمان هؤلاء الذين يعرفون الواقع ، ويعرفون وقائع الامور ، فهم اعلم من هؤلاء العلماء ! نرجع الان ، ونكررهذه القضية ونتهم علماؤنا بانهم لا يعرفون الواقع ، وان فلانا من طلاب العلم اعلم بالواقع من المشايخ !
وقد حذر ايضا الشيخ عايد الشمري حفظه الله من فتوى هذا الطالب وقال :وادعوا الاخوة السلفيين للتواصل في هذا الامر وغيره مع العلماء امثال الشيخ ربيع والشيخ صالح الفوزان والشيخ عبيد الجابري والشيخ صالح السحيمي والشيخ محمد بن هادي حفظهم الله وغيرهم من مشايخ الدعوة السلفية

وخلاصة القول :
اولا .. ان الفتوى في النوازل هي من شأن كبار العلماء الراسخين المعروفين بالتصدر للنوازل العالمين بأصول المنهج وذوي البصيرة بالمصالح والمفاسد والخبرة بما تؤول اليه الامور وغير ذلك من الصفات المعروفة وعلى رأسهم من ذكرهم الشيخ عايد الشمري حفظه الله
ثانيا
.. ان العلم بالواقعة وتفاصيلها لا يعني العلم بالحكم والتأهل للفتوى فكم من عالم بالواقعة علما دقيقا لا يملك أدوات الاجتهاد لإنزال الحكم على الواقعة والإفتاء فيها . فتنبه !
ثالثا ..الواجب على من عنده زيادة علم بالواقعة من طلاب العلم ان يعرض ذلك على الراسخين اهل الاجتهاد ليصدروا فتواهم ويسلم هو من الاثم لا ان يتصدر هو بدعوى انه يعلم ما لايعلمه العالم ، فتنبه !رابعا .. هذه الكلمة تاصيلية للموقف السلفي عند حلول النوازل في ان يلزم غرز العلماء وليست هذه الكلمة للبحث في مسألة بعينها ونصر قول على اخر .
والله الموفق
وكتبه ابو حمزة احمد بن يونس .