النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1
    أبو فريحان غير متواجد حالياً فضيلة الشيخ / أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي - حفظه الله -
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    79

    افتراضي تفسير وسبب نزول آيات )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ( الآية . وأنها في الكفار .

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين .




    أما بعد :


    فهذه مسألة تفسير وسبب نزول آيات )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ( الآية . وأنها في الكفار .



    قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

    ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [وَ ]أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [وَ ]أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ .
    قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ ، وَكَانَتْ إِحْدَاهُمَا قَدْ قَهَرَتِ الأُخْرَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى ارْتَضَوْا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَتْهُ "الْعَزِيزَةُ" مِنَ "الذَّلِيلَةِ" فَدِيَتُهُ خَمْسُونَ وَسْقاً ، وَكُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَتْهُ "الذَّلِيلَةُ" مِنَ "الْعَزِيزَةِ" فَدِيَتُهُ مِائَةُ وَسْقٍ ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، فَذَلَّتِ الطَّائِفَتَانِ كِلْتَاهُمَا لِمَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَوْمَئِذٍ لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يُوطِئْهُمَا عَلَيْهِ وَهُوَ فِى الصُّلْحِ ، فَقَتَلَتِ الذَّلِيلَةُ مِنَ الْعَزِيزَةِ قَتِيلاً ، فَأَرْسَلَتِ الْعَزِيزَةُ إِلَى الذَّلِيلَةِ أَنِ ابْعَثُوا إِلَيْنَا بِمَائَةِ وَسْقٍ ، فَقَالَتِ الذَّلِيلَةُ : وَهَلْ كَانَ هَذَا فِي حَيَّيْنِ قَطُّ دِينُهُمَا وَاحِدٌ ، وَنَسَبُهُمَا وَاحِدٌ وَبَلَدُهُمَا وَاحِدٌ ، دِيَةُ بَعْضِهِمْ نِصْفُ دِيَةِ بَعْضٍ ؟ إِنَّا إِنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ هَذَا ضَيْماً مِنْكُمْ لَنَا ، وَفَرَقاً مِنْكُمْ ، فَأَمَّا إِذْ قَدِمَ مُحَمَّدٌ فَلاَ نُعْطِيكُمْ ذَلِكَ ، فَكَادَتِ الْحَرْبُ تَهِيجُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ ارْتَضَوْا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ . ثُمَّ ذَكَرَتِ "الْعَزِيزَةُ" ، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا مُحَمَّدٌ بِمُعْطِيكُمْ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْكُمْ ، وَلَقَدْ صَدَقُوا ، مَا أَعْطَوْنَا هَذَا إِلاَّ ضَيْماً مِنَّا ، وَقَهْراً لَهُمْ ، فَدُسُّوا إِلَى مُحَمَّدٍ مَنْ يَخْبُرُ لَكُمْ رَأْيَهُ ، إِنْ أَعْطَاكُمْ مَا تُرِيدُونَ حَكَّمْتُمُوهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ ؛ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ ، فَدَسُّوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاساً مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِيَخْبُرُوا لَهُمْ رَأْىَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَمْرِهِمْ كُلِّهِ وَمَا أَرَادُوا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ]يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا[ إِلَى قَوْلِهِ ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ ، ثُمَّ قَالَ : فِيهِمَا وَاللَّهِ نَزَلَتْ ، وَإِيَّاهُمَا عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) . "الصحيحة" (2552) .



    { قَالَ شيخُنا الألباني في "الصحيحة" (6/الأول/111-116) } :


    ( فائدة هامـة ):


    إذا علمت أن الآيات الثلاث : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ ، ]فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ ، ]فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ نزلت في اليهود وقولهم في حكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنْ أَعْطَاكُمْ مَا تُرِيدُونَ حَكَّمْتُمُوهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ ؛ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ) ، وقد أشار القرآن إلى قولهم هذا قبل هذه الآيات فقال : ]يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا[ ، إذا عرفت هذا ، فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين وقضاتهم الذين يحكُمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية ، أقول : لا يجوز تكفيرهم بذلك ، وإخراجهم من الملة ، إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله ، وإن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ما أنزل الله ، لا يجوز ذلك ، لأنهم وإن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور ، فهم مخالفون لهم من جهة أخرى ، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل الله ، بخلاف اليهود الكفار ، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم : ". . . وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ ؛ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ" ، بالإضافة إلى أنهم ليسوا مسلمين أصلاً ، وسرّ هذا أن الكفر قسمان :

    اعتقادي وعملي . فالاعتقادي مقرّه القلب . والعملي محلّه الجوارح .

    فمن كان عمله كفراً لمخالفته للشرع ، وكان مطابقاً لما وقر في قلبه من الكفر به ، فهو الكفر الاعتقادي ، وهو الكفر الذي لا يغفره الله ، ويخلد صاحبه في النار أبداً . وأما إذا كان مخالفاً لما وقر في قلبه ، فهو مؤمن بحكم ربه ، ولكنه يخالفه بعمله ، فكفره كفرٌ عملي فقط ، وليس كفراً اعتقادياً ، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له ، وعلى هذا النوع من الكفر تُحمَلُ الأحاديثُ التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئاً من المعاصي من المسلمين، ولا بأس من ذكر بعضها :

    1- (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ ، الطَّعْنُ فِى النَّسَبِ ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ) .

    2- (الْجِدَالُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ) .

    3- (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) .

    4- (كُفْرٌ بِاللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ) .

    5- (التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ) .

    6- (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) .

    إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها . فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي ، فكفرُه كفر عملي ، أي إنه يعمل عمل الكفار ، إلا أن يستحلّها ، ولا يرى كونَها معصية فهو حينئذ كافرٌ حلال الدم ، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضاً ، والحكم بغير ما أنزل الله ، لا يخرج عن هذه القاعدة أبداً ، وقد جاء عن السلف ما يدعمها ، وهو قولهم في تفسير الآية : "كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ" ، صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم ، ولا بد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضلّ اليوم في هذه المسألة الخطيرة ، ونحا نحو الخوارج الذين يكفِّرون المسلمين بارتكابهم المعاصي ، وإن كانوا يصلون ويصومون !

    1- روى ابن جرير الطبري ( 10/ 355/ 12053 ) {(6/596/12058)} بإسناد صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ قَالَ : "هِيَ بِهِ كُفْرٌ , وَلَيْسَ كُفْراً بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ" .

    2- وفي رواية عنه في هذه الآية : "إِنَّهُ لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ ، إِنَّهُ لَيْسَ كُفْراً يَنْقِلُ عَنِ الْمِلَّةِ ، كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ" .

    (يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ) : كأنه يشير إلى الخوارج الذي خرجوا على علي رضي الله عنه .
    أخرجه الحاكم ( 2/ 313 ) ، وقال : "صحيح الإسناد" . ووافقه الذهبي ، وحقهما أن يقولا : على شرط الشيخين . فإن إسناده كذلك .
    ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في "تفسيره" (6/163) {(6/112) غنيم وصاحبيه} عن الحاكم أنه قال : "صحيح على شرط الشيخين" ، فالظاهر أن في نسخة "المستدرك" المطبوعة سقطاً ، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضاً ببعض اختصار .

    3- وفي أخرى عنه من رواية عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ كَفَرَ , وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ" . أخرجه ابن جرير (12063) {(12068)} .

    قلت : وابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ، لكنّه جيد في الشواهد .

    4- ثم روى (12047-12051) {(12052-12056)} عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَوْلُهُ : (وذكر الآيات الثلاث) : "كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ , وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ , وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٌ" . وإسناده صحيح .

    5- ثم روى (12052) {(12057)} عَنْ سَعِيدٍ الْمَكِّيِّ , عَنْ طَاوُسٍ (وذكر الآية) ، قَالَ : "لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ" . وإسناده صحيح ، وسعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي ، وثقة ابن معين والعجلي وابن حبان وغيرهم ، وروى عنه جمع .

    6- وروى (12025 و 12026) {(12030-12031)} من طريقين عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُدَيْرٍ قَالَ : أَتَى أَبَا مِجْلَزِ - [من كبار ثقات التابعين واسمه لاحق بن حميد البصري] - نَاسٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ سَدُوسٍ , "وفِي الطَّريقِ الآخر : نَفَرٌ مِنَ الْإِبَاضِيَّةِ" - [طائفة من الخوارج] - ، فَقَالُوا : أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ -{المائدة: 44}- أَحَقٌّ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ -{المائدة: 45}- أَحَقٌّ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ -{المائدة: 47}- أَحَقٌّ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَقَالُوا : يَا أَبَا مِجْلَزٍ ! فَيَحْكُمُ هَؤُلَاءِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ؟ قَالَ : هُوَ دِينُهُمُ الَّذِي يَدِينُونَ بِهِ , وَبِهِ يَقُولُونَ , وَإِلَيْهِ يَدْعُونَ - [يعني الأمراء] - , فَإِنْ هُمْ تَرَكُوا شَيْئاً مِنْهُ عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا ذَنْباً . فَقَالُوا : لَا وَاللَّهِ , وَلَكِنَّكَ تَفْرَقُ .

    قَالَ : أَنْتُمْ أَوْلَى بِهَذَا مِنِّي ! لَا أَرَى ، وَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ هَذَا وَلَا تَحَرَّجُونَ , وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَهْلِ الشِّرْكِ , أَوْ نَحْواً مِنْ هَذَا" . وإسناده صحيح .


    وقد اختلف العلماء في تفسير الكفر في الآية الأولى على خمسة أقوال ساقها ابن جرير (10/346-357) {(6/592-597)} بأسانيده إلى قائليها ، ثم ختم ذلك بقوله (10-358) {(6/597) بعد آخر أثر (12068) في المسألة} :


    "وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْلُ مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ , لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ فَفِيهِمْ نَزَلَتْ ، وَهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا , وَهَذِهِ الْآيَاتُ سِيَاقُ الْخَبَرِ عَنْهُمْ ، , فَكَوْنُهَا خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى .
    فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ عَمَّ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ , فَكَيْفَ جَعَلْتَهُ خَاصّاً ؟

    قِيلَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّمَ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ قَوْمٍ كَانُوا بِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ جَاحِدِينَ ، فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ بِتَرْكِهِمُ الْحُكْمَ - عَلَى سَبِيلِ مَا تَرَكُوهُ – كَافِرُونَ . وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِداً بِهِ ؛ هُوَ بِاللَّهِ كَافِرٌ , كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ بِجُحُودِهِ حُكْمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ ؛ نَظِيرَ جُحُودِهِ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ نَبِيُّ" .


    وجملة القول : أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لِما أنزل الله ، فمن شاركهم في الجحد ؛ فهو كافر كفراً اعتقادياً ، ومن لم يشاركهم في الجحد ؛ فكفره عملي لأنه عمل عملهم ، فهو بذلك مجرم آثم ، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة كما تقدم عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا . وقد شرح هذا وزاده بياناً الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب الإيمان" "باب الخروج من الإيمان بالمعـاصي" (ص 84-97 بتحقيقي) ، فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق .

    وبعد كتابه ما سبق ، رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في "مجموع الفتاوى" (3/268) :

    "أَيْ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ لِلْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ" .
    ثم ذكر (7/254) أن الإمام أحمد سئل عن الكفر المذكور فيها ؟ فَقَالَ :

    "كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ، مِثْلَ الْإِيمَانِ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ ، فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ" .
    وقال ( 7/ 312 ) :

    "وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ أنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ أنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ ؛ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ ، قَالُوا : كُفْراً لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ . وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ" .


    وقَالَ شيخُنا الألباني في موضع آخر من "الصحيحة" (6/الأول/457-458) } :

    قلتُ : والحديث دليل صريح في أن المقصود بهذه الآيات الثلاث الكفار من اليهود والنصارى ؛ وأمثالهم الذين ينكرون الشريعة الإسلامية وأحكامها ، ويلحق بهم كل من شاركهم في ذلك ولو كان يتظاهر بالإسلام ، حتى ولو أنكر حكماً واحداً منها . ولكن مما ينبغي التنبه له ، أنه ليس كذلك من لا يحكم بشيء منها مع عدم إنكاره ذلك ، فلا يجوز الحكم على مثله بالكفر وخروجه عن الملة لأنه مؤمن ، غاية ما في الأمر أن يكون كفره كفراً عملياً .

    وهذه نقطة هامة في هذه المسألة يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس لتحكيم الإسلام ، ولذلك فهم في كثير من الأحيان يقومون بالخروج على الحكام الذين لا يحكمون بالإسلام ، فتقع فتن كثيرة ، وسفك دماء بريئة لمجرد الحماس الذي لم تعد له عدته ، والواجب عندي تصفية الإسلام مما ليس منه كالعقائد الباطلة ، والأحكام العاطلة ، والآراء الكاسدة المخالفة للسنة ، وتربية الجيل على هذا الإسلام المصفى . والله المستعان .



    جمعه /
    أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
    20 / محرم / 1425هـ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,287

    افتراضي رد: تفسير وسبب نزول آيات )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ( الآية . وأنها في الكفار .

    جزاك الله خيرا شيخ جمال ونفع الله بعلمك

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  3. #3

    افتراضي رد: تفسير وسبب نزول آيات )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ( الآية . وأنها في الكفار .

    جزاك الله خيرا شيخنا جمال الحارثي ونفع الله بكم الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2015
    المشاركات
    8

    افتراضي رد: تفسير وسبب نزول آيات )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ( الآية . وأنها في الكفار .

    جزاك الله خيرا


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-Dec-2020, 09:02 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-Mar-2015, 11:30 AM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-Nov-2014, 04:52 PM
  4. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}
    بواسطة محبة المنهج السلفي في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 29-Jan-2011, 01:07 PM
  5. تفسير قوله تعالى ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) للإمام ابن باز
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-May-2010, 02:39 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •