كيفية العجن في الصلاة :



عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ :
"رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَعْجِنُ فِي الصَّلَاةِ؛ يَعْتَمِدُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا قَامَ، فَقُلْتُ :
مَا هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قَالَ :
( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجِنُ فِي الصَّلَاةِ ) . يَعْنِي : يَعْتَمِدُ .


قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2/392) في حديث الترجمة :
وجدت له شاهداً قوياً موقوفاً ومرفوعاً يرويه حَمَّادُ ابْنُ سَلَمَةَ عَنِ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ :
"رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ اعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ بِيَدَيْهِ .

فَقُلْتُ لِوَلَدِهِ وَلِجُلَسَائِهِ : لَعَلَّهُ يَفْعَلُ هَذَا مِنَ الْكِبَرِ ؟ قَالُوا : لاَ ، وَلَكِنْ هَكَذَا يَكُونُ" أخرجه البيهقي (2/135) .


قلت : وهذا إسناد جيد رجاله ثقات كلهم . فقوله : "هَكَذَا يَكُونُ" صريح في ابْنَ عُمَرَ كان يفعل ذلك اتباعا ًلسنة الصلاة ، وليس لسن أو ضعف .


قلتُ : وذكره في "تمام المنة" والمرفوع أيضاً كما سيأتي .

قال الشيخ في "تمام المنة" (ص 196-207) عن حديث الترجمة هذا :

وقفت له على طريق أخرى عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ :
"رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي الصَّلَاةِ ؛ يَعْتَمِدُ إِذَا قَامَ ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ)" . رواه الطبراني في "الأوسط" (3489 – بترقيمي) .
وهو حديث عزيز لم يذكره أحد من المخرجين المتقدمين منهم والمتأخرين ، ولازم هذه السنة الصحيحة أن يرفع ركبتيه قبل يديه . إذ لا يمكن الاعتماد على الأرض عند القيام إلا على هذه الصفة . وهذا هو المناسب للأحاديث الناهية عن التشبه بالحيوانات في الصلاة ، وبخاصة حديث أبي هريرة في النهي عن البروك كبروك الجمل ؛ فإنه ينهض معتمداً على ركبتيه ؛ كما هو مشاهد ، فينبغي للمصلي أن ينهض معتمداً على يديه مخالفةً له . فتأمل منصفاً .
فهذا هو الإمام الشافعي العربي القرشي يقول في كتابه "الأم" (1/101) {في أخرى (1/117) دار المعرفة ، توزيع المعارف ، تصحيح : النجار} بعد أن ساق الحديث :
"وَبِهَذَا نَأْخُذُ ؛ فَنَأْمُرُ مَنْ قَامَ مِنْ سُجُودٍ ، أَوْ جُلُوسٍ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ مَعاً اتِّبَاعاً لِلسُّنَّةِ" .
بل هذا هو الإمام أحمد الذي يقول بالنهوض على صدور القدمين ، لما ذكر حديث ابن الحويرث في "مسائل ابنه" (ص 81/286) ذكره بلفظ يبطل به الاحتمال الثاني ، وهو :
"... جلس قبل أن يقوم ، ثمَّ قَامَ وَلم ينْهض على صُدُور قَدَمَيْهِ" .



قلت : ما نقله الشيخ الألباني عن الإمام أحمد من المسائل هو في "مسائل ابنه عبد الله" (ص 81/ رقم 287) وليس رقم (286) وهذه ط. المكتب الاسلامي ، تح. الشاويش ، الأولى 1491هـ ، مجلد واحد . وفي ط. الدار ، الأولى 1406هـ ـ تح. المهنا : (1/268/383) ثلاث مجلدات .


قلتُ : وفي معنى (العجن) وكيفيته أقوال :

قال ابن الأثير : "(يَعْجِنُ فِي الصَّلَاةِ ) ؛ أَيْ : يَعْتمِدُ عَلَى يَديه إِذَا قَامَ، كَمَا يَفْعلُ الَّذِي يَعْجِنُ العَجِينَ". "النهاية" (3/188) .

وفي "اللسان" (مادة "عجن") : "اعْتَمَدَ عَلَيْهِ بجُمْعه يَغْمِزُه" . (13/277) .


قال في "المصباح" : "وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : "عَجَنَ" إذَا قَامَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ كِبَرٍ . وَزَادَ ابْنُ فَارِسٍ عَلَى هَذَا : كَأَنَّهُ يَعْجِنُ .

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي وَضْعِ الْيَدِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا لَا فِي ضَمِّ الْأَصَابِعِ .

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ :

وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَظِنَّةٌ لِلْغَالِطِ فَمِنْ غَالِطٍ يَغْلَطُ فِي اللَّفْظِ فَيَقُولُ : "الْعَاجِزُ" بِالزَّايِ ، وَمِنْ غَالِطٍ يَغْلَطُ فِي مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ فَيَقُولُ : "الْعَاجِنُ" بِالنُّونِ لَكِنَّهُ عَاجِنُ عَجِينِ الْخُبْزِ فَيَقْبِضُ أَصَابِعَ كَفَّيْهِ وَيَضُمَّهَا كَمَا يَفْعَلُ عَاجِنُ الْعَجِينِ وَيَتَّكِئُ عَلَيْهَا وَلَا يَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ". (2/395) .

قال ابن رجب الحنبلي : "قال بعضهم : "العاجن"؛، هو الشيخ الكبير الذي يعتمد إذا قام ببطن يديه ، ليس هو عاجن العجين" . "الفتح" (7/293) .



فعلى اختلاف تفسير أهل اللغة والحديث لمعنى "العَجْنُ فِي الصَّلَاةِ" ؛ يظهر لي والله أعلم أنه لا يُشدد في ذلك ولا يُشترط الالتزام والمواضبة على هيئة معينة في النهوض إلى الركعة معتمداً على اليدين سواء النهوض على أليتي الكف – أي : الكفّين منبسطة – أو مقبوضة أصابع كفية ومضمومة ، فالأمر واسع حتى يأتينا نصٌ مرفوع أو في حكم المرفوع يفسر لنا صفة "العجن في الصلاة" . والله أعلم .


ثم وقفت على حديث عزيز في "الصحيحة" (
2966) وإنْ كان في مسألة النزول إلى السجود إلاّ إنه يبين هيئة

الكفين .



عَنِ الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَسْجُدُ عَلَى أَلْيَتَيِ الْكَفِّ ) .



قال ابن الأثير في "النهاية" {(1/64)} : "أَرَادَ أَلْيَةَ الإِبهام وضَرَّة الْخِنْصَرِ فَغُلِّبَ كالعُمَرَين وَالْقَمَرَيْنِ" .




قيده /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي

27 / 2 / 1425هـ .