خلاصة فضل الصيام في شهر محرم ، وصيام عاشوراء ، والحال إن وافق عاشوراء يوم السبت


1) فضل الصيام في شهر الله الحرم :

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ ) .

حديث صحيح . أخرجه : أحمد (2/344) ، ومسلم (1163) وغيرهما .


2) وجوب صوم يوم عاشوراء في ابتداء الإسلام ، ثمّ مرحلة استحباب صومه :

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : "أَنَّ قُرَيْشاً كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ ) . رواه البخاري (1794) ، ومسلم (1125) .


3) قصة صوم يوم عاشوراء بالمدينة :

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :

"لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ ؛ وَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالُوا : هَذَا اليَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ [أَظْهَرَ] اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيماً لَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ) ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ" . رواه البخاري (3727) ، ومسلم (1130) .


4) فضل صيام عاشوراء – العاشر من شهر محرم - :

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ؛ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ) . حديث صحيح . رواه مسلم (1162) وغيره .


5) استحباب صيام التاسع مع العاشر من المحرم مخالفة لليهود :

1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) . حديث صحيح . أخرجه : أحمد (1/236) ، ومسلم (1134) واللفظ له .

قال الطحاوي :

"وَقَوْلُهُ : (لَأَصُومَنَّ يَوْمَ التَّاسِعِ) : لَأَصُومَنَّ يَوْمَ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ ؛ أَيْ لِئَلَّا أَقْصِدَ بِصَوْمِي إِلَى يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِعَيْنِهِ , كَمَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ , وَلَكِنْ أَخْلِطُهُ بِغَيْرِهِ , فَأَكُونُ قَدْ صُمْتُهُ , بِخِلَافِ مَا تَصُومُهُ يَهُودُ . أَرَادَ بِصَوْمِ يَوْمِ التَّاسِعِ أَنْ يَدْخُلَ صَوْمُهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الصِّيَامِ , حَتَّى لَا يَكُونَ مَقْصُوداً إِلَى صَوْمِهِ بِعَيْنِهِ . كَمَا جَاءَ عَنْهُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ" . "شرح معاني الآثار" (2/77-78) .


2- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ : "خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ" . صحيح موقف . أخرجه : عبد الرزاق في "المصنف" (4/287/7839) ، والترمذي (755) ، وَقَالَ (3/129) : "وَبِهَذَا الحَدِيثِ : يَقُولُ الشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ" .

والبيهقي في "الكبرى" (4/287) ؛ وَقَالَ : "وَرَوَاهُ أَيْضاً عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ مَوْقُوفاً" .


6) مَن فاته صيام يوم التاسع مع العاشر ؛ يُشرع له صيام الحادي عشر مع العاشر مخالفة لليهود :

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْماً ، أَوْ بَعْدَهُ يَوْماً" . صححه الألباني موقوفاً .

فقال في "صحيح ابن خزيمة" تحت هذا حديث المرفوع برقم (2095) : "إسناده ضعيف ؛ لسوء حفظ ابن أبي ليلى ، وخالفه عطاء وغيره ؛ فرواه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ موقوفاً ، وسنده صحيح عند الطحاوي والبيهقي" .


7) إذا وافق عاشوراء يوم السبت مع ما في صيام السبت من لغطٍ بين أهل العلم بسبب حديث :

( لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ ) .


فالجواب باختصار – بعيداً عن التوسع ؛ ومن أراده فعليه بكتب أهل الفقه والحديث – في نقاط :

· أنكر بعض أهل العلم حديث "الصّمّاء" هذا ؛ منهم الزهري .

· كره بعضهم صوم السبت تطوعاً مطلقاً .

· جوّزَ بعض أهل العلم صومه مطلقاً ن ولم يروا بذلك بأساً .

· وجمعٌ من أهل العلم ؛ جمعوا بين حديث النهي هذا وأحاديث الإباحة في صومه – والتي سنشير إلى بعضها - ؛ فحملوا النهي عن صيام السبت عن إفراده دون ما قبله أو ما بعده ؛ ومن قصَده تعظيماً وتخصيصاً له بالصيام .

وأحاديث إباحة صوم السبت تتمثل في الروايات المروية في صيام التطوع مطلقاً الآتية :

حديث : ( أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ : صِيَامُ دَاوُدَ ، كَانَ يَصُومُ يَوْماً ، وَيُفْطِرُ يَوْماً ) . رواه البخاري (1079) ، ومسلم (1159) .

حديث : الحث على صيام ستٍ من شوال .

حديث : الحث على صيام يوم عرفة . ويوم عاشوراء .

وحديث : الحث على صيام أيام البيض ، وثلاثة أيام من كل شهر .

ولا شك أن من يصوم هذا الصيام أو بعضه ؛ فسوق يقابل يوم السبت في صيامه في أي وقت وأي زمن ولا ريب ، ومعلوم بالضرورة قطعاً أنَّ ذلك لم يخف على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يستثن يوم السبت بقوله مثلاً : "إلاَّ أن يوافق يوم السبت" . هذا أولاً .


ثانياً : يضاف إلى ذلك ثلاثة أحاديث صحاح وهي تعتبر قاطعة للنزاع دام أنها صحيحة :

(1) عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ ، فَقَالَ : ( أَصُمْتِ أَمْسِ ؟) . قَالَتْ : لاَ . قَالَ : ( تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَداً ؟) قَالَتْ : لاَ . قَالَ : ( فَأَفْطِرِي ) . رواه البخاري (1885) .


(2) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أنَّها سُئِلَتْ عَنْ أَيِّ الْأَيَّامِ كَانَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ لَهَا صِيَاما ؟ فَقَالَتْ :

"أَكْثَرَ مَا كَانَ يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ : يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ ، وَكَانَ يَقُولُ :

( إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ ؛ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ ) .

حديث حسن . رواه أحمد (6/424) ، والطبراني في "الكبير" (23/283/616، ص 402/964) ، والبيهقي في "الكبرى" (4/303) ، والحاكم في "المستدرك" (1/436) ، وصححه ووافقه الذهبي . وابن حبان في صحيحه" (الإحسان 3607) ، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/198) : "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ" . وحسنه الألباني في "صحيح ابن خزيمة" (2167) قديماً .


(3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

"سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ ؛ إِلَّا يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ) . رواه البخاري (1884) ، ومسلم (1144) .

قال الطحاوي عقبه : "فَالْيَوْمُ الَّذِي بَعْدَهُ ؛ هُوَ يَوْمُ السَّبْتِ ، فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هَذَا إِبَاحَةُ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ تَطَوُّعاً , وَهِيَ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ فِي أَيْدِي الْعُلَمَاءِ , مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الشَّاذِّ – {يعني حديث "الصّمّاء" (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا ..)} - الَّذِي قَدْ خَالَفَهَا ، وَقَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَحَضَّ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَقُلْ : إِنْ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ فَلَا تَصُومُوهُ . فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ كُلِّ الْأَيَّامِ فِيهِ .


وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ..) ، فَفِي ذَلِكَ أَيْضاً : التَّسْوِيَةُ بَيْنَ يَوْمِ السَّبْتِ , وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَيَّامِ . وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضاً بِصِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ" . "شرح معاني الآثار" (2/80) .



قلتُ : في هذا العام 1437هـ أعلنت المحكمة العليا وهي الجهة الشرعية المُخَوّلة من ولي الأمر في"السعودية" أن دخول شهر محرم يوم الخميس ويوم عاشوراء يكون يوم السبت.

قلتُ : فعلى ذلك المسلم أن يقع في المخالفة ؛ فيصوم السبت فقط ، فينبغي صوم الجمعة مع عاشوراء وهو المستحب عند جميع أهل العلم للأدلة التي ذُكِرت .

وإن تعذر صيام الجُمعة على المرء فليصم الحادي عشر مع العاشر حتى يخرج من مخالفة النهي الذي في حديث "الصّمّاء" على أن النهي عند أغلب أهل العلم أنه عن إفراد السبت بالصوم .

ومن لم يستطع صوم يوم قبل العاشر أو بعده ، فإن ترك صيام عاشوراء امتثالاً لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم يوم السبت على تفسير أهل العلم أن النهي هو عن إفراده ؛ فإن الظن بالله تعالى - وواجب على كل مسلم "إحسان الظن بالله" - : أن لا يحرمه تعالى الأجر دام أنه صادق في نيته الصيام ولكن منعه الاستجابة لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إفراد السبت بالصوم .

لا سيما أن صيام عاشوراء مستحب ، والنهي عن إفراد السبت بالصيام محظور ، فلا يُقدم المباح على الحاظر . فتنبه .





تنبيه : للأمانة العلمي : استفدتُ بعض النقاط من بحث طويل في هذه المسألة يقع في نحو "ثلاثين صفحة" للشيخ / أسامة بن عطايا العتيبي . قديماً لا أعلم كيف وصلني .







هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .



كتبه /

أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي

1 / 1 / 1437هـ .