بشرى لكل مَن هم بعد الصحابة إلى يوم القيامة : مَن قرأ ما بين اللوحين وآمن وعمل به .. مع أفضلية الصحبة مطلقاً .قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعدِكُمْ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْراً) . "الصحيحة" (3310) .{ مناسبة الحديث }:عَنْ صَالِحِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جُمْعَةَ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ ، وَمَعَنَا رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ يَوْمَئِذٍ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ خَرَجْنَا لِنُشَيِّعَهُ ، فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْصِرَافَ قَالَ :إِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ لَجَائِزَةً ، وَحَقّاً أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْنَا : هَاتِهِ ؛ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ! قَالَ :كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَاشِرَ عَشَرَةٍ ، قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَلْ مِنْ أَحَدٍ أَعْظَمُ مِنَّا أَجْراً ؛ آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ ؟ قَالَ :(وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، يَأْتِيكُمْ بِالْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ؟ بَلْ قَوْمٌ ..) .هذا الحديث واضح المعنى ؛ ففيه تبشير بالخيرية وعِظَم الأجر لكل من يأتي بعد الصحابة ممن لم ير النبي صلى الله عليه شريطة أن يؤمن بما بين اللوحين "القرآن الكريم" ويعمل به ويموت على ذلك .ولا يظن أحد أن الحديث فيه دلالة - من قريبٍ أو بعيد - على أنه قد يأتي مِن بعد الصحابة من يفضُلهم في المنزلة أو العمل أو في الأجر ؛ فمن ظن أو همّ أو شعُر أو حسّ بذلك ؛ فقد أخطأ وأبعد بُعْد ما بين المشرق والمغرب ، فمنزلة الصحبة مزية خاصة بهم وفضيلة لهم دون غيرهم لا يعدلها شيء .نقل ابن حجر في "الفتح" (7 / 7) عن الجمهور فضل الصحابة مطلاقاً ، فقال : "ذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ لِمُشَاهَدَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .وَأمَّا مَنِ اتَّفَقَ لَهُ الذَّبُّ عَنْهُ وَالسَّبْقُ إِلَيْهِ بِالْهِجْرَةِ أَوِ النُّصْرَةِ وَضَبْطِ الشَّرْعِ الْمُتَلَقَّى عَنْهُ وَتَبْلِيغِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْدِلُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَصْلَةٍ مِنَ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا وَلِلَّذِي سَبَقَ بِهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ فَظَهَرَ فَضْلُهُمْ" .ثم أقول : إنّ العامل االمشترك بين الحديث الذي فيه خيرية قرن الصحابة على من بعدهم : (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ..) الحديث . متفق عليه .وحديث : (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ زَمَانَ صَبْرٍ ، للمُتَمَسِّكِ فِيهِ أَجْرُ خَمْسِينَ شَهِيداً ؛ مِنْكُمْ) . "الصحيحة" (494) .قال ابن حجر في "الفتح" (7 / 6) : "وَاحْتج ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ خَيْرَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاءَ فِي إِيمَانِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ وَصَبْرِهِمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ ؛ قَالَ :فَكَذَلِكَ أَوَاخِرُهُمْ ؛ إِذَا أَقَامُوا الدِّينَ وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ حِينَ ظُهُورِ الْمَعَاصِي وَالْفِتَنِ كَانُوا أَيْضًا عِنْدَ ذَلِكَ غُرَبَاءَ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا زَكَتْ أَعْمَالُ أُولَئِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ".كتبه /أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي.15 / 4 / 1425هـ