بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البربهاري رحمه الله : وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، هكذا روي لنا عن ابن عمر ، قال : كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ـ إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ، ويسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره " .
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء : علي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد ابن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة عامربن الجراح ، وكلهم يصلح للخلافة ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الأول الذي بعث فيهم ، المهاجرون الأولون والأنصار ، وهم من صلى القبلتين ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ، نترحم عليهم ، ونذكر فضلهم ، ونكف عن زللهم ، ولا نذكر أحدا منهم إلا بالخير ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ".
الشرح للشيخ ربيع بن هادي حفظه الله
1 ـ ذكر المؤلف أفضل الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ، بناء على ما قاله ابن عمر رضي الله عنهما في هذا السياق ، وهو حديث صحيح رواه البخاري وسيأتي .
والمشهور ذكر علي رضي الله عنه مع هؤلاء ، فهو رابع الخلفاء الراشدين المهديين والدليل ما رواه سعيد بن جهمان عن سفينة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الخلافة ثلاثون عاما ، ثم يكون بعد ذلك الملك "
2 ـ ثم ذكر المؤلف بقية العشرة المشهود لهم بالجنة ، وبين رحمه الله أن كل واحد من العشرة المشهود لهم بالجنة يصلح للخلافة ، والأمر كما ذكر .
3 ـ ثم قال المؤلف رحمه الله : ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الأول الذي بعث فيهم ، المهاجرون الأولون والأنصار ، وهم من صلى القبلتين ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ، نترحم عليهم ، ونذكر فضلهم ، ونكف عن زللهم ، ولا نذكر أحدا منهم إلا بالخير ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ".
فجعل الصحابة من حيث الفضل أربع طبقات كما ترى ، وجعلهم ابن سعد في طبقاته خمس طبقات .
وقسمهم الحاكم في ـ معرفة علوم الحديث ـ إلى اثنتي عشرة طبقة :
فأولهم : قوم أسلموا بمكة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم ولا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاما وإنما اختلفوا في بلوغه ،والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال البالغين بحديث عمرو بن عبسة أنه قال : يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر ؟ قال : حر وعبد ، وإذا معه أبو بكر وبلال رضي الله عنهما .
والطبقة الثانية من الصحابة : أصحاب دار الندوة ، وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أسلم وأظهر إسلامه حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الندوة فبايعه جماعة من أهل مكة .
والطبقة الثالثة من الصحابة : المهاجرة إلى الحبشة.
والطبقة الرابعة من الصحابة : الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة ، يقال : فلان عقبي وفلان عقبي .
والطبقة الخامسة من الصحابة : أصحاب العقبة الثانية ، وأكثرهم من الأنصار .
والطبقة السادسة : أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء قبل أن يدخلوا المدينة ويبني المسجد .
والطبقة السابعة : أهل بدر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم :" لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
والطبقة الثامنة : المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية .
والطبقة التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله ـ تعالى ـ فيهم : (( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة )) [ سورة الفتح 18 ] وكانت بيعة الرضوان بالحديبية لما صدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة وصالح كفار قريش على أن يعتمر من العام المقبل ، والحديبية بئر ، وكانت الشجرة بالقرب من البئر ، ثم إن الشجرة فقدت بعد ذلك فلم توجد ، وقالوا إن السيول ذهبت بها .
قال سعيد بن المسيب : سمعت أبي ـ وكان من أصحاب الشجرة ـ يقول : قد طلبناها غير مرة فلم نجدها .
فأما ما يذكره عوام الحجيج أنها شجرة بين منى ومكة فإنه خطأ فاحش .
والطبقة العاشرة من الصحابة : المهاجرة بين الحديبية والفتح ، منهم : خالد ابن الوليد ،عمرو بن العاص وأبو هريرة وغيرهم ، وفيهم كثرة ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غنم خيبر قصدوه من كل ناحية مهاجرين فكان يعطيهم .
والطبقة الحادية عشرة : فهم الذين أسلموا يوم الفتح ، وهم جماعة من قريش ، منهم من أسلم طائعا ، ومنهم من اتقى السيف ثم تغير ، والله أعلم بما أضمروا واعتقدوا .
قال الشيخ ربيع :
[ هذا كلام غير سليم ، لقد حسن إسلامهم ، وكانوا من خيار المجاهدين في الفتوحات الإسلامية رضي الله عنهم ]
ثم الطبقة الثانية عشرة : صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها وعدادهم في الصحابة .
ولخص هذه الطبقات العلامة أحمد محمد شاكر .
4 ـ وعرّف المؤلف الصحابي من هو بقوله : ( من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر )
وقال الحافظ في تعريف الصحابي :
" وأصح ما وقفت عليه من ذلك : أن الصحابي من لقي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مؤمنا به ومات على الإسلام .
5 ـ ثم ذكر المؤلف حقهم على المسلمين : وهو أن يترحمواعليهم ، ويذكروا فضلهم ، وأن يكفوا ألسنتهم عن زلة من زل منهم ، لأنهم مجتهدون ، بعيدون عن الأهواء ، وأن لا يذكرهم المسلمون إلا بالخير ، واستدل على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا ذكر أصحابي فامسكوا " .
قال المؤلف الإمام البربهاري رحمه الله :
وقال سفيان بن عيينة " من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى "
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "
الشرح للشيخ ربيع بن هادي حفظه الله
والأمر كما قال سفيان رحمه الله ، بل قال أبو زراعة الرازي:" إذا رأيت الرجل يتنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة .
ومن حق الصحابة علينا أن نذكر بعض فضائلهم :
فإن لهم ـ والله ـ لمكانة ومنزلة عظيمة عند الله تبارك وتعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم .
وعند المؤمنين الصادقين ، والقرآن ملئ بمخاطباتهم ، والإشادة بهم ، وذكر صفاتهم الجميلة ، فيصفهم بالمتقين ، ويصفهم بالمحسنين ، وبالصابرين ، والقانتين ، كل ذلك في القرآن ، والسنة مليئة ببيان هذه المنزلة للصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وقد دوّن أهل العلم الأحاديث النبوية التي تتعلق بفضائلهم ومزاياهم ، دوّنت في الكتب الصحاح والمسانيد والمجامع ، وفي كتب خاصة بفضائل الصحابة رضي الله عنهم ، ومن حقهم علينا أن ندرس ما يتعلق بهم من القرآن دراسة خاصة ، وما يتعلق بهم من السنة كذلك ، وأن نفديهم بأموالنا وأنفسنا ، وأن نذب عن أعراضهم هجمات الضالين من المستشرقين والروافض والباطنية وغيرهم من فرق الضلال ، يجب أن نذب عنهم أكثر من أن نذب عن آبائنا وأبنائنا وأنفسنا رضي الله عنهم .
من فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في كتاب الله عزّوجلّ .
يقول الله تعالى : (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )) [ سورة الفتح 29 ] .
رضوان الله عليهم .
ويقول الله تبارك وتعالى مخاطبا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وواصفا لهم : (( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ـ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )) [ الحج 77 ـ 78 ] .
وقال تعالى : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ـ وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم )) [ التوبة 71 ـ 72 ] .
هذه ـ والله ـ صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ،وهذا الوعد لهم ولغيرهم من المؤمنين بالتبع .
وقال تعالى : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )) [ سورة التوبة 100 ]
وقال تعالى : (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير )) [ الحديد 10 ]
وقال تعالى : (( والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) [ الحشر 9 ] .
من فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في سنته صلى الله عليه وسلم
قال صلى الله عليه وسلم :" النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون "
وعن أبي سعيد الخذري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم : فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس ، فيقال لهم : فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيُفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم : هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيُفتح لهم ."
منقبة وبشرى للعشرة رضي الله عنهم :
ومما خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم به العشرة وهم أفضل الصحابة رضي الله عنهم :
عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد ابن عمر بن نفيل في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ".
المصدر
عون الباري ببيان ما تضمنه شرح السنة للامام البربهاري رحمه الله
للشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله [ ص 209 ج 1 ]