{وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}.

فرحُ المؤمن بتطبيق وإقامة حكم الله في الأرض؛ عبادة.


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:

فكيف لا يفرح المؤمن بتطبيق حكم الله وإقامة حدوده؛ وفي ذلك حياةٌ للبشرية وعِظة، وحَجْز وردع، وأمان؛ قَالَ تعالى:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}. [البقرة: 179].

قَالَ قَتَادَةُ – وغيره – في تفسير الآية:
"جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْقِصَاصَ حَيَاةً، وَنَكَالاً، وَعِظَةً لِأَهْلِ السَّفَهِ وَالْجَهْلِ مِنَ النَّاسِ.
وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ؛ لَوْلَا مَخَافَةُ الْقِصَاصِ لَوَقَعَ بِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَجَزَ بِالْقِصَاصِ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ قَطُّ؛ إِلَّا وَهُوَ أَمْرُ صَلَاحٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا نَهَى اللَّهُ عَنْ أَمْرٍ قَطُّ؛ إِلَّا وَهُوَ أَمْرُ فَسَادٍ فِي الدُّنْيَا وَالدَّيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالَّذِي يُصْلِحُ خَلْقَهُ". "تفسير الطبري".
كيف لا يفرح المؤمن بتطبيق شرع الله في أرض الله تعالى، وفي ذلك الخيرية لأهل الأرض من المطر الذي يُحيي الله به البلاد؟

ففي الحديث بألفاظٍ ورواياتٍ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِقَامَةُ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي بِلَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).

و (إقامَةُ حَد بأَرْضٍ؛ خَيْرٌ لأَهلِها مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً).

وَ (حَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ؛ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً).

وَ (حَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ بِحَقِّهِ أَزْكَى مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً).

أخرجه أحمد (2 / 362، 402)، وابن ماجه (2537)، والنسائي (4904)، وفي "الكبرى" (4 / 335 / 7391).
وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1139) وفي "المشكاة" (3588) قال: "جيد"، وتعليقات ابن حبان، قال: "حسن لغيره" وكذلك في "صحيح الترغيب" (2350، 2351).


وجاء موقوفاً على أبي هريرة أيضاً؛ بلفظ:
(إِقَامَةُ حَدٍّ يُعْمَلُ بِأَرْضٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ مَطَرٍ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً).

أخرجه النسائي (4905)، وفي "الكبرى" (4 / 335 / 7392). وقال الألباني في تحقيقه له: "حسن موقوف في حكم المرفوع".

قَالَ الطِّيبي في "شرح المشكاة" (8 / 2529 / 3590):
"وَذلِكَ أَنَّ فِي إِقَامَتِهَا زَجْراً لِلْخَلْقِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَسَبَباً لِفَتْحِ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، وَفِي الْقُعُودِ عَنْهَا وَالتَّهَاوُنِ بِهَا إِنْهِمَاكٌ لهُمْ فِي الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِأَخْذِهِمْ بِالسِّنِينَ وَالْجَدْبِ وَإِهْلَاكِ الْخَلْقِ".
وانظر: "مرقاة المفاتيح" (7 / 170 / 3588)، و"فيض القدير" (2/56)، و"حاشية السندي على ابن ماجه" (2 / 111 / 2537).

وقال ابن تيمية: "إِذَا أُقِيمَتْ الْحُدُودُ ظَهَرَتْ طَاعَةُ اللَّهِ وَنَقَصَتْ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَحَصَلَ الرِّزْقُ وَالنَّصْرُ".
"مجموع الفتاوى" (28 / 301)، و"السياسة الشرعية" (ص 72) تع. السمان، ط. 1951.

وقال الشّوكاني: "فِيهِ – أيْ: الحديث -: التَّرْغِيبُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَدَمِ الرَّأْفَةِ بِالْعُصَاةِ، وَرَدْعِهِمْ عَنْ هَتْكِ حُرُمِ الْمُسْلِمِينَ". "نيل الأوطار" (7 / 107) ط. أولى 1403.

كيف لا نفرح ويفرح كل مؤمن؛ وقد رزقنا الله تعالى ومنَّ علينا في "السعودية" بحُكَّامٍ يحكُمون بشرع الله تعالى وبه يعْدِلون، وهذا خيرٌ لنا من عبادة عُمُرٍ.

إذْ به تُصان الحُرُمات، وتُأمَّن السُّبُل، ويُرْدع الظالم، وتُردُّ الحقوق، ، ويُزجر المجرم، ويُقام القِصاص.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يَوْمٌ مِنْ إِمَامٍ عَادِلٍ [عَدْلٍ] خَيْرٌ [أَفْضَلُ] مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً).

أخرجه الطبراني في "الكبير" (11 /337 / 11932)، و"الأوسط" (5 / 92 / 4765).
وجعله الألباني شاهداً للأحاديث السابقة، وقال: "قال المنذري والعراقي: "حسن". وفيه نظر، ولكنه لا بأس به في الشواهد". "الصحيحة" (1/ 463-464).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين وآله وصحبه الغُر الميامين.




كتبه/
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
السبت 22 / 3 / 1437هـ