2799 - " لما نزلت هذه الآية التي في *( الفرقان )* : *( و الذين لا يدعون مع الله
إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق )* عجبنا للينها ، فلبثنا
ستة أشهر ، ثم نزلت التي في *( النساء )* : *( و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه )* حتى فرغ " .

قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 708 :
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 5 / 150 / 4869 ) من طريق سعيد بن أبي
هلال عن جهم بن أبي الجهم أن أبا الزناد أخبرهم أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره
عن زيد بن ثابت قال : فذكره . قلت : و هذا إسناد حسن في المتابعات و
الشواهد ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير جهم بن أبي الجهم ، و يقال له : ابن
الجهم ، مولى الحارث بن حاطب القرشي الجمحي ، ذكره ابن أبي حاتم ( 1 / 1 / 521
) برواية اثنين عنه ، و ابن حبان في " الثقات " ( 4 / 113 ) برواية أحدهما ، و
يستدرك سعيد بن أبي هلال ، فهو ثالث . و تابعه موسى بن عقبة عن أبي الزناد به .
أخرجه النسائي ( رقم 4007 ) و ابن جرير الطبري في " التفسير " ( 4 / 139 ) و
الطبراني أيضا ( 4870 ) من طريق محمد بن عمرو عنه به . قلت : و هذا إسناد حسن .
و في رواية للنسائي : عن محمد بن عمرو عن أبي الزناد .. به . لم يذكر بينهما
موسى بن عقبة ، و قال النسائي : " أدخل أبو الزناد بينه و بين خارجة مجالد بن
عوف " ثم ساقه من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن مجالد بن عوف قال
: سمعت خارجة بن زيد به نحوه . و من هذا الوجه أخرجه أبو داود ( 4272 ) . قلت :
و هذا إسناد حسن أيضا لولا أن مجالدا هذا لم يوثقه غير ابن حبان ( 7 / 296 ) و
سماه " عوف بن مجالد " على القلب ، لكن قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق " .
( انظر تعليقي على هذه الترجمة من كتابي الجديد " تيسير انتفاع الخلان بكتاب
ثقات ابن حبان " ) . و الظاهر أن مجالدا هذا هو الرجل الذي جاء ذكره في رواية
ابن عيينة عن أبي الزناد قال : سمعت رجلا يحدث خارجة بن زيد بن ثابت قال : سمعت
أباك في هذا المكان بمنى يقول : فذكره نحوه . و من الظاهر أيضا أن أبا الزناد
بعد أن سمع الحديث من الرجل سمعه من خارجة مباشرة كما تدل عليه رواية الطبراني
الأولى . و للحديث شاهد من حديث ابن عباس . أخرجه ابن جرير ( 5 / 138 - 139 )
من طريقين عنه يقوي أحدهما الآخر ، فيرتقي الحديث بهما إلى مرتبة الصحيح . و
يشهد له حديث القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : هل لمن
قتل مؤمنا متعمدا من توبة ؟ قال : لا ، و قرأت عليه الآية التي في ( الفرقان )
.. و قال : " هذه آية مكية نسختها آية مدنية : *( و من يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم )* " أخرجه البخاري ( 4764 ) و النسائي ( 4001 ) و السياق له . (
تنبيهان ) : الأول : كل هذه الروايات المتقدمة صريحة في تأخر نزول آية ( النساء
) عن آية ( الفرقان ) ، إلا رواية مجالد بن عوف عند النسائي فإنها بلفظ : "
نزلت *( و من يقتل مؤمنا متعمدا .. )* أشفقنا منها ، فنزلت الآية التي في (
الفرقان ) : *( و الذين لا يدعون .. )* " الآية . فهي رواية منكرة ، لا أدري
الخطأ ممن ، فإنها عند النسائي كما عند أبي داود من طريق واحد : عن مسلم بن
إبراهيم قال : حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن إسحاق به ، و لولا ذلك لكان
من الواضح القول بأن الخطأ من مجالد بن عوف لما عرفت من جهالته . و الله أعلم .
الثاني : في رواية البخاري المتقدمة عن ابن عباس أنه قال : لا توبة للقاتل عمدا
، و هذا مشهور عنه ، له طرق كثيرة كما قال ابن كثير و ابن حجر ، و الجمهور على
خلافه ، و هو الصواب الذي لا ريب فيه ، و آية ( الفرقان ) صريحة في ذلك ، و لا
تخالفها آية ( النساء ) لأن هذه في عقوبة القاتل و ليست في توبته ، و هذا ظاهر
جدا ، و كأنه لذلك رجع إليه كما وقفت عليه في بعض الروايات عنه ، رأيت أنه لابد
من ذكرها لعزتها ، و إغفال الحافظين لها : الأولى : ما رواه عطاء بن يسار عنه :
أنه أتاه رجل ، فقال : إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني ، و خطبها غيري فأحبت أن
تنكحه ، فغرت عليها فقتلتها ، فهل لي من توبة ؟ قال : أمك حية ؟ قال : لا . قال
: " تب إلى الله عز وجل ، و تقرب إليه ما استطعت " . فذهبت فسألت ابن عباس : لم
سألته عن حياة أمه ؟ فقال : " إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر
الوالدة " . أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 4 ) بسند صحيح على شرط "
الصحيحين " . الثانية : ما رواه سعيد عن ابن عباس في قوله : *( و من يقتل مؤمنا
متعمدا )* ، قال : ليس لقاتل توبة ، إلا أن يستغفر الله . أخرجه ابن جرير ( 5 /
138 ) بسند جيد ، و لعله يعني أنه لا يغفر له ، على قوله الأول ، ثم استدرك على
نفسه فقال : " إلا أن يستغفر الله " . و الله أعلم .