الشيخ الألباني: نرى اليوم كثيرا من إخواننا الناشئين في الدعوة أنهم قد أصيبوا بشيء من الغرور
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:

فقد قال العلامة الألباني -رحمه الله- في كتابه [التوسل أنواعه وأحكامه (ص91)]:
((من الأخلاق الأساسية التي يجب أن يتصف بها الداعية المسلم المتواضع، والبعد عن حب الظهور والتفاخر والإدعاء، فإن هذه أدواء قاتلة تجرد الساعي اليها، والحريص عليها من أهلية الدعوة، وتفقده سلاحاً ماضياً للنصرعلى أعدائها، وتجعل عمله هباءً منثوراً، والعياذ بالله، فاللهم عصمتك وهداك)).


وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم(197)]:
((من جملة الأمور التي يجب أن نهتم لها وأن نضع لها حدودا؛ لأنه كنا قبل عشر سنوات نتجادل مع بعض المقلدين وفي مقدمتهم الدكتور البوطي؛ فهو كان يتهم أفرادا من إخواننا السلفيين بأن الواحد منهم لا يعرف يعني مبادئ العلوم ونشوفه يحرم ويحلل على كيفه؛ فكنا نحن يومئذ ندافع ونقول هذا اتهام؛ لكن مع الأسف الشديد أقول بأن هذه التهمة اليوم أصحبت حقيقة واقعة، أصبح كل إنسان من إخواننا السلفيين يشعر أنه تفتح ذهنه شوية وعرف أنه في قرآن وفي سنة، وفي جمود وتقليد وفي اتباع وفي اجتهاد إلى آخره؛ فهو بده يخلص من التقليد، فيركب رأسه ويفتي من جهله ومن عقله، ونسمع فتاوى كل يوم أشكالا وألوانا؛ يا أخي هذه الفتاوى تحتاج إلى علم بعديد من العلوم التي تساعد الإنسان على فهم الحكم الشرعي أولا؛ ثم أن يتمرن على ذلك سنين طويلة ثانيا)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم(198)]:
((نحن اليوم يا مشايخ مصابون في نشئ جديد، فصحيح أنه يحب أن ينطلق على الكتاب والسنة لكنهم لا يقدرون العلم حق قدره، ويتوهمون أن أحدهم يستطيع أن يصبح عالما بمعنى الكلمة بالكتاب والسنة ما بين عشية وضحاها، يتوهمون الأمر هكذا، ثم يصابون بكثير من العلم والغرور، وبحب الظهور؛ وقديما قال بعض الحكماء كما تعلمون: "حب الظهور يقطع الظهور " ولذلك يتكلم بعضهم بما قام في نفسه متوهما أنه هو العالم بعينه، وكثيرا ما ينطلقون في هذا المجال المدعى أنه علم، وهو في الحقيقة جهل ردا لبعض العقائد المنحرفة عن الكتاب والسنة، ولكن تكون النتيجة أنهم يعالجون الأمر على طريقة أبي نواس: وداوني بالتي كانت هي الداء)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم(51)]:
((الآن المجتمع مع الأسف ما هو مجتمع إسلامي من جوانب كثيرة وكثيرة جدا لكن أخطرها من الزواية الإسلامية ما هي إسلامية أيضا، يعني من زاوية الخلاص من التقليد و الذي ران على القلوب المئات من السنين فبزعم الخلاص وقعنا في مشكلة معاكسة وهي أن يفتي كل الإنسان بنفسه نفسه بل وربما غيره، بغير علم، فهو ربما لا يحسن تلاوة آية كما هي مقروءة أو مكتوبة في القرءان الكريم فضلا عن الحديث النبوي ومع ذلك هو يخل بتطبيق هذه الآية: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، ومن أسباب ذلك فساد القلوب وركوب الغرور في نفوس الناس والعجب فأصبح طالب العلم إن كان طالب علم، بمجرد أن يشعر بأن عنده شيء من العلم صار المرء لسان حاله كما يقولون عندنا في سوريا يا أرض اشتدي ما حد عليكِ قدي، وهو لا يكاد يفهم من العلم إلا الشيء القليل جدا، فهؤلاء في واد والمتزمتون الجامدون على التقليد المذهب بل المذاهب في واد آخر والحق وسط بين ذلك، وهو تحكيم فعلي للآية السابقة: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.
ويقولون في الأحاديث التي تذكر كحديث لا أصل له لكن هو حكمة (من عرف نفسه فقد عرف ربه) فأكثر الناس اليوم لا يعرفون أنفسهم لأنهم ركبهم العجب والغرور، الله أكبر حديث يقول: "ثلاث مهلكات ايش هن؟ وإعجاب كل ذي رأي برأيه، الشح المطاع و هوى متبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه" هذا داء من الادواء التي نحن مصابون بهذا الزمان)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم(176)]:
((الشيخ: والرد جاهز سلفا {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فهنا في الحقيقة، يمكن خطأ الآن منتشر في هذا الزمان، يعني طالب علم مجرد ما يشعر، أنه فاق أباه أو جده، لأن أباه وجده أميون ما يعرفون شيئا، هذا صار إيش عالما، ها يتوهم أنه صار عالما، وهو لا يزال في ايش؟ يقولون عندنا في الشام في الرقراق تستعملون أنتم الكلمة هذه؟
السائل: لا
الشيخ: الرقراق المقصود فيه ماء البحر تعرف كما تعلمون الساحل عبارة عن سم، كل ما مشيت بغمق الماء، هو الرقراق هذا أول الماء، فهذا طالب العلم ما زال في الرقراق، يعني ما زال على طرف الساحل، العلم بحر فهو في أول الساحل، مع ذلك يبتلى كثير من طلاب العلم اليوم، بالعجب وبالغرور، يرفعوا رأسهم هكذا ولسان حالهم يقول كما يقال عندنا في دمشق " يا أرض اشتدي ما حد عليك قدي "، هذا غرور عجيب، بمجرد أنه فهم قليلا)).

وسئل -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم(190)]:
((يقول السائل: ضعف القلوب وأدواء النفوس وحب الصدارة أمراض أصابت المسلمين بشكل عام، والدعاة إلى الله بشكل خاص ما هي توجيهاتكم لتدارك هذا الحال المؤسف.؟
الشيخ: والله هذه قضية الحقيقة دقيقة جدا وليس لها مخلص ومنجى إلا تقوى الله تبارك وتعالى , وليس يملك هداية القلوب إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يرسل بعض أصحابه لغزوة أو لدعوة كان يكتفي بأن يأمره بتقوى الله، واجتناب محارم الله , وأن يخالط الناس بخلق حسن، يخالطهم ويخالقهم بخلق حسن؛ فإذا كانت هذه المصائب حلت بجمع كبير من المسلمين وفيهم بعض الدعاة وهذا حقيقة مرة؛ فالأمر ليس له علاج إلا بأن يراقب كل مسلم سواء كان داعية أو مدعوا، أن يراقب الله عزوجل ويتقيه في كل ما يأتي وما يذر؛ القضية تحتاج في الواقع كوسائل إلى مربين، هذا أمر لا ينكر، إلى مربين؛ لكن هؤلاء المربون يجب أن يكونوا أولا: قد تهذبت نفوسهم وخلصت نواياهم لرب العالمين؛ وثانيا: قد أوتوا حضا كبيرا من العلم بالكتاب والسنة حتى يتوجهوا لتوجيه أفراد الأمة كلها إلى التمسك بالأخلاق الإسلامية، الابتعاد مثلا عن العجب وعن الغرور وعن طلب الدنيا بالآخرة، ونحو ذلك مما أصيب به كثير من الناس اليوم)).


وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم(100)]:
((السائل: نريدك يا شيخ أن تنصحنا نصيحة في الدراسة ... لعل الله سبحانه وتعالى يهدينا بها ... ؟
الشيخ: ... والله ما أدري بماذا أنصحكم لأنه نفسي بحاجة إلى من ينصحها، لكن إذا كان لابد من أقدم لكم نصيحة فأنا أنصحكم ونفسي أولًا بتقوى الله، ثم ببعض ما يتفرع من تقوى الله تبارك وتعالى. لذلك أولًا أن تطلبوا العلم خالصًا لوجه الله، لا تريدون من وراء ذلك جزاءً ولا شكورًا ولا منصبًا ولا وظيفة، ولا تصدر المجالس، وإنما هو للوصول إلى الدرجة التي خصها الله للعلماء حين قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
وثانيًا: الابتعاد عن المزالق التي يقع فيها بعض طلاب العلم التي منها أنه سرعان ما يسيطر عليهم العجب والغرور فينطلق أحدهم إلى أن يركب رأسه وأن يكفي نفسه بل غيره مما بدا له دون أن يستعين بأهل العلم خاصة من السلف الصالح الذين مضوا وخلفوا لنا هذا التراث النير لنستعين به على قضاء هذه الظلمات التي تراكمت على مر العصور فعشناها في ظلام دامس الاستعانة بأقوال السلف وآرائهم يساعدنا على تبديد هذه الظلمات حينما نرجع إلى فهم الكتاب والسنة والسنة الصحيحة.
لأني عشت في زمنٍ أدركت أمرين متناقضين:
الأمر الأول: حيث كان المسلمون جميعًا: شيوخًا وطلابًا عامةً وخاصة يعيشون في بؤرة التقليد واتباعهم ليس فقط للمذاهب بل للآباء والأجداد.

عشت هذا الزمن ونحن ندعو إلى الرجوع إلى كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحن هنا وهناك في مختلف البلاد الإسلامية هم دائما وابدا أفراد هم غرباء الذين وصفهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث المعروفة التي منها: "إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء". جاء في بعض الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل من هم الغرباء؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هم ناسٌ قليلون صالحون في ناسٍ كثيرين، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم". وفي رواية أخرى: "هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي"، عشنا ذاك الزمن ثم بدأنا يتبين الأثر الطيب لدعوة الدعاة الغرباء المصلين بين صفوف شباب المسلمين. ورأينا هذا الشباب يستقيم على الجادة في كثير من البلاد الإسلامية ويحرص على تمسك الكتاب والسنة حيثما صحت عنده ولكن ما طال فرحنا بهذه الصحوة التي لمسناها في السنوات الآخرة حتى فوجئنا بانقلاب وقع في بعض هؤلاء الشباب في بعض البلاد كاد أن يقضى على آثار هذه الصحوة الطيبة وما سبب ذلك؟ وهنا العبرة والنصيحة. إما لأنه أصابهم العجب وأصابهم الغرور بسبب ما تبين لهم أنهم أصبحوا على شيء من العلم الصحيح ليس فقط بين جمهرة الشباب المسلم الضائع، بل حتى بين كثير من شيوخ العلم. حيث شعروا بأنهم تفوقوا بهذه الصحوة على أهل المشيخة والعلم المنتشرين في العالم الإسلامي فما شكروا الله - عزَّ وجلّ - حيث وفقهم إلى هذا العلم الصحيح بل اغتروا واشتدوا. وظنوا أنهم على علم فأخذوا يصدرون الفتاوى الفجة الغير قائمة على التفقه في الكتاب والسنة، بل هي إنما آراء غير ناضجة ظهرت لهم أنها هي العلم المأخوذ من الكتاب والسنة.
فضلوا وأضلوا كثيرًا، وليس يخفى عليكم مشاهد من آثار وجود جماعة في بعض البلاد الإسلامية أخذوا يصرحون بتكفير كل الجماعات المسلمة، بفلسفات لا مجال الآن للخوض فيها. ونحن نقول الآن كلمة من باب النصيحة والتذكير، لذلك أنصح إخواننا أهل السنة وأهل الحديث في كل بلاد الإسلام أن يصبروا على طلب العلم وأن لا يغتروا بما جنوا من علم.
إنما يتابعون الطريق ولا يعتمدون على مجرد أفهامهم أو ما يسمونه باجتهادهم، وأنا سمعت الكثير من إخواننا لماذا؟ يقولك بكل بساطة بكل لا مبالاة لكن أجهدت أنا، طيب على ماذا اعتمدت من العلم؟ ما هي الأحاديث التي لجأ إليها؟ ما هي المفاهيم التي فهمتها؟، من العلماء الذين استعنت بهم على فهم هذه الأفهام التي تصرح بها؟
لا شيء سوى هو بدا له هذا الفهم فهو الصواب، هذا سببه في اعتقاده هو العجب والغرور، لذلك أجد في العالم الإسلام اليوم ظاهرة غريبة جدًا ظهرت في بعض المؤلفات، فأصبح من كان عدوًا للحديث يؤلف في علم الحديث، لماذا؟ ليقال: إنه ألف في علم الحديث. ولو رجعت إلى هذا الذي كتبه في علم الحديث لوجدته عبارة عن نقول لملمها وجمعها من هنا وهناك وألف منه كتابًا. هذا ما الباعث عليه؟ حب الظهور، وصدق من قال: حب الظهور يقطع الظهور.
لذلك أنصح إخواننا.
أولًا: كما قلت: بتقوى الله - عزَّ وجلّ -. ثانيًا: الاستمرار في طلب العلم. وثالثا: أن يبتعدوا عن كل خلق ليس إسلامًا ومن ذلك ألا يغتروا بما أوتوا من علم وألا يغلبهم العجب وأن ينصحوا الناس بالتي هي أحسن ويبتعدوا عن الأساليب القاسية والشديدة. لأننا جمعيًا نعتقد أن الله - عزَّ وجلّ - حين قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، إنما ذلك لأن الحق في نفسه ثقيل على الناس، ثقيل على النفوس البشرية، ولذلك هي تستنكف عن قبولها إلا ما شاء الله فإذا انضم إلى ثقل الحق على النفس البشرية فعذر آخر وثقلٍ آخر وهو القسوة في الدعوة كان ذلك تنفيرًا للناس عن الدعوة بدلًا من أن ندعوهم إليها. وقد تعلمون جميعًا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إن منكم لمنفرين إن منكم لمنفرين إن منكم لمنفرين"، وختامًا أسأل الله - عزَّ وجلّ - ألا يجعل منا منفرين وإنما أن يجعلنا حكماء عاملين بالكتاب والسنة ونستغفر الله جميعًا والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم(256)]:
((...هذه كلمة حق ومن الأسف أن نقول إنها تصدق على كثير من يدعي الانتماء إلى السنة، ولاشك أن الحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، أولئك الأولون بسبب بعدهم عن معرفة السنة يعظمون شيوخهم بما يعن أو يخطر في بالهم من وسائل الإكرام والتعظيم دون أن يكونوا على علم بأن بعض هذه الوسائل خلاف السنة وقد يكون بعضها محرما؛ والسبب أن شيوخهم لا علم عندهم فيقع أتباعهم في مثل هذه المخالفات، ثم قد يوجد في أولئك الشيوخ من يطيب له مثل هذا التعظيم ولو كان يعلم أنه خلاف السنة الفريق الآخر يتبع السنة لكن الحقيقة أنه في بعض المسائل يتخذ السنة وسيلة للإخلال بالتأدب مع الشيوخ الذين علموه السنة، وكان لهم الفضل الأول في توجيههم للسنة، وأنا أعتقد أن سبب هذا الإخلال من هؤلاء الناس باحترام شيوخهم وعلماءهم هو هذه النهضة الفكرية العلمية التي أيقظت الناس من ذاك السبات العميق ألا وهو الجمود على التقليد؛ فتفتحت أذهانهم لاتباع الكتاب والسنة فأخذ أحدهم يبحث في حدود ما عنده من علم ووجد أشياء يخالف فيها الجمهور أولا فاتبعها ثم دخله العجب والغرور فظن كما ألمح الأستاذ على أنه على شيء من العلم فاستقل في فهمه للعلم وأظهر بين الناس أنه هو لا ينتمي إلى فلان وعلان فهو له منهج خاص وإن كان يقول هذه الكلمة حتى لا يهاجم فيقول وإن كان له فضل علينا لكن أنا لي خطتي وله خطته، هذا سببه كما ألمح أنا في كثير من المجالس والمواعظ أنه في عندنا اهتمام كبير ويقظة تامة فيما يجب أن يكون عليه المسلم من اتباع الكتاب والسنة والذين دعوا إلى هذا النهج كثيرون وكثيرون والحمد لله في مختلف البلاد الإسلامية؛ لكن مع هذه الصحوة العلمية لم يوجد هناك علماء مربون حقا يكونون على الكتاب والسنة ويتولون تربية الناس على هذا النهج الصحيح في دروسهم العامة ودروسهم الخاصة؛ منذ يوم أو يومين تحدثت مع ابني هذا عبد المصور قلت منذ كنت في دمشق كنت ألحظ أن انتباه الناس لدعوتنا واتباع الكثيرين منهم لها عم يوجد في نفوسهم شيء من الغرور وشيء من العجب وشيء من الاستقلال في الفهم الذي يحملهم مبدئيا على أن لا يهتموا برأي الشيخ، ويكون نهاية المطاف أنه يقول كما قال الأستاذ قرأ بعض الكتب القليلة إذا قيل له أنت عم تخالف هنا، فيقول هذا رأيي وهذا رأيه، وهو لا يفقه أو لا يحسن أن يقرأ آية من كتاب الله أو حديثا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، صار يقول إنه له رأيه وللشيخ رأيه؛ فالذي ينقص الآن المجتمع السلفي رجال جمعوا بين العلم الصحيح والتربية الصحيحة أنا أعتقد أنه يوجد في العالم الإسلامي أفراد ولو أنهم قليلون وضائعون في خضم من المجتمع لكن لهم أثرهم في الواقع، وما هذه الصحوة إلا أثر من آثار هؤلاء الدعاة للكتاب والسنة؛ ولكن لا يوجد هناك مربون بمعنى الكلمة...)).



وقال -رحمه الله- في [سلسلة فتاوى رابغ شريط رقم (2)]:
((يوجد اليوم أفراد قليلون مبثوثون ومنتشرون في العالم الإسلامي، ممكن أن نقول عنهم إنهم يرشدون ويصفون الإسلام مما دخل فيه من كثير من البدع الاعتقادية والفقهية والسلوكية؛ ولكن هؤلاء فضلاً عن غيرهم لم يتح لهم بعد أن يقوموا بواجب تربية ولو جماعة من المسلمين على الأخلاق الإسلامية التي من هذه الأخلاق: أن يعرف المسلم قدر نفسه، وأن يكون بعيدًا عن الاغترار بعلمه، هذه الخصلة الآن نراها غير متحققة في كثير من طلاب العلم الناشئين، فتجد أحدهم مجرد أن يشعر بأنه تعلَّم شيئًا فإذا به يؤلف رسالة، وهذه الرسالة لا شيء فيها من العلم الذي استفاده بطول دراسته وممارسته؛ وإنما هو أراد أن يظهر أمام الناس بأنه مؤلف؛ فوضع كتابين ثلاثة أو أربعة بين يديه، ونقل نصًا من هاهنا ومن هاهنا، وألف رسالة وقال: "تحقيق فلان"، وهو بعد لا يعرف الشيء الكثير عن الإسلام، وخاصة عن الإسلام المصفَّى الذي ندندن حوله؛ ثم هو لم يوجد من يربيه على الأخلاق الإسلامية، فضلاً عن أن يتمكن هو نفسه أن يربِّي نفسه على ما جاء في الكتاب والسنة، هذا ما أردت التذكير به.
فأرجو من إخواننا الناشئين في طلب علم الكتاب والسنة، أن يعرفوا من أين يؤخذ هذا العلم)).

ثم قال -رحمه الله- في [سلسلة فتاوى رابغ شريط رقم (2)]:
((فهل كل من هؤلاء الشباب الذين امتلئت ساحات المكتبات الضخمة التي تبيع الكتب امتلئت بمئات الكتب والرسائل، لأشخاص ليسوا في العير ولا في النفير في هذا العلم، ولا وجد لهم أثر لا في مجتمعهم الأصغر ولا في المجتمع الأكبر، كل ما في الامر أنه خطرت في باله خطرات؛ ففرغ لبعض الكتب فنقل منها وصنَّف فيها آراءه وأفكاره؛ فطبعها للناس؛ إمَّا بتأليف من فعله، أو تأليف غيره وعلق عليه، وصار من جملة من يُطبع اسمه تحت عنوان: (حقَّقه: فلان). هذا حشر نفسه في زمرة القسم الأقل الذين قال الله -عزَّ وجلَّ- فيهم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.
لذلك أنا أنصح إخواننا هؤلاء الناشئين أن يتريثوا في أن يظهروا أنفسهم في مصافِّ العلماء والباحثين والمحققين؛ لأنهم لا يزالون في أول الطريق.
منذ أيام قريبة قدم إليَّ أحدهم رسالة مطبوعة، وكُتِبَ على الوجه الثاني منها: "هذه الطبعة الثانية".
ما هذا الكتاب؟
يقول هو -في المقدمة-: "هذه أحاديث اخترتها من الجامع الصغير للسيوطي ومن أحاديث آل البيت".
كتاب السيوطي: (الجامع الصغير) فيه -كما يعلم الكثير منكم- أحاديث موضوعة فضلاً عن الأحاديث الضعيفة، فماذا صنع هذا الإنسان؟ وضع الجامع الصغير -وليته وضع صحيح الجامع الصغير- وضع الجامع الصغير وانتقى منه نحو ثلاثمائة حديث، ثم أتمها بخمسين أخرى، زعم أنها من أحاديث آل البيت، وفيها الموضوع فضلاً عن الضعيف، ما الذي صنع هذا الإنسان؟ لا شيء؛ لكنه أحب أن يظهر أمام الناس بأنه مؤلف.
في الجامع الصغير سبعة آلاف حديث صحيح، ونحوها حديث ضعيف، فتصوروا إذا كل إنسان بدا له فكرة، ويأتي يأخذ من الجامع الصغير يؤلف رسالة من ثلاثمائة حديث؛ بل من ألف حديث، لو فرضنا ألفت الرسائل من ألف حديث من الجامع الصغير؛ فسيكون لدينا نحو خمسة عشر مؤلف لا شيء فيها سوى تكرار للأحاديث التي هى في الجامع الصغير، هل هذا خدمة للعلم؟ وهل الذي قام بهذه الخدمة هو من أهل العلم؟ الجواب: لا.
الداعي للظهور الآن قد سيطر على كثير من طلاب العلم فضلاً عمن يُعرَفون بأنهم من دعاة الإسلام، فأصاب هؤلاء الغرور، والمعرفة وهم بعيدين كل البعد عنها، وما مثال الشيخ الغزالي المصري عنكم ببعيد؛ حيث تعالى بإدعائه بما لا علم له به؛ فضعف أحاديث كثيرة من صحيح البخاري وصحيح مسلم؛ لأنها خالفت ثقافته، وليتها كانت ثقافة إسلامية؛ إنما هي ثقافة أجنبية غربية.
فالشاهد: لابد من التصفية والتربية فنحن في أول طريق التصفية؛ لكننا بعد ما دخلنا ولا خطوة في طريق التربية، فعلينا أن نلاحظ أنفسنا، وأن نجاهدها، وأن نربيها على كتاب الله وحديث الرسول صلَّى الله عليه وسلم، وأن نكون بعيدين عن اتباع الهوى؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام:"الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ هَوَاهُ فِي اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-")).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 100-101)]:
((وبهذه المناسبة، فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في بعض المجلات السائرة، أو الكتب الذائعة، من البحوث الإسلامية، وخصوصا ماكان منها في علم الحديث، إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا، ثم بعلمه واختصاصه فيه ثانيا، فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر، وخصوصا من يحمل منهم لقب " الدكتور "! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم، وما لاعلم لهم به، وإني لأعرف واحدا من هؤلاء، أخرج حديثا إلى الناس كتابا جله في
الحديث والسيرة، وزعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث والأخبار فيكتب السنة والسيرة! ثم هو أورد فيه من الروايات والأحاديث ما تفرد به الضعفاء والمتروكون والمتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي وغيره، بل أورد فيه حديث: " نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر "، وجزم بنسبته إلىالنبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ، كما نبه عليه حفاظ الحديث كالسخاوي وغيره، فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء.
والله المستعان)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (11/ 698)]:
((والحق والحق أقول: إن من فتن هذا الزمان حب الظهور وحشر النفس في زمرة المؤلفين، وخاصة في علم الحديث الذي عرف الناس قدره أخيراً بعد أن أهملوه قروناً، ولكنهم لم يقدروه حق قدره، وتوهموا أن المرء بمجرد أن يحسن الرجوع إلى بعض المصادر من مصادره والنقل منها؛ صار بإمكانه أن يعلق وأن يؤلف! نسأل الله السلامة من العجب والغرور!!)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (6/ 499)]:
((...والسبب في ذلك يعود إلى الجهل بهذا العلم الشريف وبما اصطلح عليه العلماء في كتب التراجم والأحاديث التي تذكر فيها مما لا مجال الآن لبيانه، مع غلبة العجب والغرور على كثير من دكاترة هذا الزمان، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (13/ 306)]:
((وقال: "وكلامه يدل أن لكل فن رجالاً ". وهذا حق؛ فهل يعني أن الرجل من هؤلاء الرجال حتى استجاز لنفسه أن يرد تضعيف أهل الاختصاص بهذا العلم وتجريحهم، وهو ليس في العير ولا في النفير؟! نعوذ بالله من العجب والغرور...)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم (758)]:
الشيخ: أصبت، مع الأسف فهذا لا يجوز، الله يقول كما ذكر اليوم في الخطبة قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، فمن يفتي بغير علم فليتبوأ مقعده من النار؛ فلا يجوز، فأكثر طلاب العلم هكذا اليوم مع الأسف وهذا من الغرور الذي أصاب طلاب العلم في هذا الزمان؛ لأنهم استسهلوا طريق العلم وظنوه سهلا إنه مجرد الواحد ما يعرف كم حديث أو يقرأ كم كتاب صار علامة الدنيا؛ فهو يفتي ويحلل ويحرم على كيفه؛ هذه مصيبة الدهر؛ ... فالعلماء الكبار كانوا إذا سئل أحدهم عن شيء يحيل على غيره وهو عالم كبير لأنه في مسئولية تبناها الإنسان، إذا سئل يجيب فبده يتحمل عاقبة هذه الإجابة خير أو شر؛ لذلك كانوا يتورعون ولا يتجرؤون على العلم؛ وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في هذا الزمان وبخاصة بالنسبة إلينا نحن معشر من ينتمي إلى السلف أو إلى العمل بالحديث أو إلى الانتصار للسنة حيث نقول:
وكل خير في اتباع من سلف *** وكل شر في ابتداع من خلف
ليس فقط أن يكون اتباع السنة فقط أن هذه سنة هذه بدعة؛ لكن في كل شيء في أخلاقهم في سلوكهم ومن ذلك مما نحن فيه أنهم كانوا يتورعون عن التسرع في الإجابة ويحيلون السؤال إلى غيرهم؛ هكذا ينبغي أن يكون الأمر أيضا في هذا الزمان حتى نحقق فعلا أننا أتباع للسلف؛ واضح؟

السائل: واضح.
سائل آخر: وهذا لا يعد من كتمان العلم؟ ...
الشيخ: لا، ولكن إذا انحصر الأمر وما أحد أجاب وجب عليه أن يجيب)).

وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم (754)]:
((لا ينبغي التسرع في إصدار فتوى التكفير لأننا نرى اليوم كثيرا من إخواننا الناشئين في الدعوة أنهم قد أصيبوا بشيء من الغرور، وشيء من دعوى المعرفة والعلم، فلذلك أنا لا أعتقد أن كل طالب علم، بل لا أعتقد أن كل عالم فضلا عن طالب علم يستطيع أن يقيم الحجة على خصمه...)).


وسئل -رحمه الله في [سلسلة فتاوى رابغ شريط رقم (1)]:
((السائل: [ ... ] فيه رواه مسلم، وأنت ما قلت رواه مسلم؛ قلت: (رواه الحافظ).
الشيخ: هو الحديث نفسه؟
السائل: ايوه.
الشيخ: لا.
السائل: هو الحديث نفسه؛ ولكن ناقص قليل.
الشيخ: طيب، نقص قليل يجوز أن يُقال: (رواه البخاري) وفيه كثير مما ليس في البخاري؟
السائل: اثنان قالوا.
الشيخ: تعرف الاثنان هدول مين؟ تعرفهم؟
السائل: مين؟ ما أعرفهم عندهم كتب.
الشيخ: أنا عارف، أنت تتسرع بالجواب، هل أنتم تظنون أن كل من ألَّف فهو عالم؟
السائل: لا.
الشيخ: فإذن ما فائدة قولك أنه في اثنان قالوا كذا، مادمت أنت لا تعرفهم؟
السائل: لا أعرفهم؛ ولذا سألتك.
الشيخ: ولهذا أجبتك، هناك أمور دقيقة لا يعرفها إلا المتعمقون والمتمرِّسون في هذا العلم؛ مثلاً قد يكون الحديث في صحيح البخاري ومسلم مختصرًا، ثمَّ يأتي بزيادة ولو كانت الزيادة كلمة، فيأتي الحديث بهذه الزيادة خارج الصحيحين، فأنا أهتم بتخريج الحديث بهذه الزيادة؛ لأنَّه كون أصل الحديث في الصحيحين ما يهمّني لأنَّه معروف، فأُخرِّج الحديث بسبب تلك الزيادة التي لم ترد في الصحيحين؛ فيأتي المستعجل ممن لا علم عنده؛ يقول: (هذا وهم من الشيخ، الحديث في البخاري وفي مسلم)؛ وإنما هو الواهم؛ لأن هذا الحديث في البخاري ومسلم ليس بالزيادة أو باللفظ اللي أنا خرجته؛ وإنما هو بلفظ آخر
فلعل من هذه الامثلة التي انتقدها الرجل الذي تشير إليه حديث:"لاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ" أنا خرجت الحديث بالسلسلة بلفظ:"أَكْثِر -أو أَكْثِرُوا- مِنْ لاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ؛ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ" فجاء المتعقب وقال هذا الحديث في صحيح البخاري.
فهو مخطئ، الحديث ليس في صحيح البخاري بهذه الزيادة: "أكثر أو أكثروا" عرفت؟
السائل: نعم.
الشيخ: فلذلك ما ينبغي لطلاب العلم أن يشغلوا أوقاتهم في أن يقرؤا لكل من هبَّ ودبَّ ممن كتب في العصر الحاضر، وضحت لك الصورة؟)).






وقال -رحمه الله- في [سلسلة الهدى والنور شريط رقم (654)]:
((...المهم قيل لي دون الأربعين طيب، هذا وين درس العلم بهذه الأربعين؟ والله أنا بلغت الثمانين أو كدتُ ولا أزال أشعر أني جاهل إيش هذا الكلام واحد يجي يدعي دعوة ماسبق أحدٌ من العالمين هذا منتهى الغرور والعَجِب وآفة الشباب في العصر الحاضر "شح مطاع وهوىً متبع وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه" كما قال عليه الصلاة والسلام)).