الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فالناظر لمن يكيد للدعوة السلفية المباركة بل وحتى بعض أهلها ينسبون تأسيس هذه الدعوة الحق لأحد من أئمة الإسلام أو إلى غيرهم، فيخطأ خطأ فاحشًا في حق الله عز وجل؛ بل يقول الإمام الألباني رحمه الله (هذا إن لم يكن شركاً أكبر، والعياذ بالله).
وبعض الإخوة وفقهم الله ينشرون في بعض مجموعات التواصل الاجتماعي كلام للسعيد الزاهري رحمه الله (عضو إداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين) يقرر أن مؤسس الدعوة السلفية هو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم !!
قال السعيد الزاهري - رحمه الله - في ردِّه على وزير المعارف بالمغرب الأقصى آنذاك: ((بقي شيءٌ واحدٌ وهو قول الوزير: (إنَّ مؤسِّس هذا المذهب هو شيخ الإسلام ابن تيمية، واشتهر به ابن عبد الوهَّاب)، والواقع أنَّ مؤسِّس هذا المذهب ليس هو ابن تيمية ولا ابن عبد الوهَّاب، ولا الإمام أحمد ولا غيره من الأئمَّة والعلماء، وإنما مؤسِّسه هو خاتم النبيِّين سيِّدنا محمَّد بن عبد الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، على أنه في الحقيقة ليس مذهبًا، بل هو دعوةٌ إلى الرجوع إلى السنَّة النبوية الشريفة، وإلى التمسُّك بالقرآن الكريم، وليس هنا شيءٌ آخر غير هذا)) اهـ.
[«مجلَّة الصراط السوي» (العدد: ٥/ ٥)، الصادرة في: ٢٦ جمادى الثانية ١٣٥٢ﻫ/ ١٦ أكتوبر ١٩٣٣م]
فأحببت أن أبين خطأ هذا الكلام وضلال هذا القول، نقلا لكلام أهل العلم والفضل.
قال العلامة الألباني رحمه الله في ((التوسل أنواعه وأحكامه)) (ص 63): ((تنبيه: اطلعنا بعد صف هذه الملزمة على كتاب ((التوصل إلى حقيقة التوسل)) للشيخ محمد نسيب الرفاعي، الذي ذيل اسمه عليه بلقب (مؤسس الدعوة السلفية وخادمها)، وتقتضينا الأمانة العلمية، والنصيحة الدينية وقول كلمة الحق أن نبين حكم الله كما نفهمه، وندين الله تعالى به في هذا اللقب فنقول:
إن من نافلة القول أن نبين ان الدعوة إنما هي دعوة الإسلام الحق كما أنزله الله تعالى على خاتم رسله وأنبيائه محمد (؟؟، فالله وحده سبحانه هو مؤسسها ومشرعها، وليس لأحد من البشر كائناً من كان أن يدعي تأسيسها وتشريعها، وحتى النبي الأكرم محمد صلوات الله وسلامه عليه إنما كان دوره فيها التلقي الواعي الأمين، والتبليغ الكامل الدقيق، ولم يكن مسموحاً له التصرف في شيء من شرع الله تعالى ووحيه، ولهذا فادعاء إنسان مهما علا وسما تأسيس هذه الدعوة الإلهية المباركة إنما هو في الحقيقة خطأ جسيم وجرح بليغ، هذا إن لم يكن شركاً أكبر، والعياذ بالله.
فلا ندري كيف وقع هذا من رجل عاش دهراً طويلاً مع إخوانه في حلب وغيرها من البلاد الشامية في الدعوة السلفية التي هي أخص خصائصها وأهم اهتماماتها محاربة الشركيات والوثنيات اللفظية، فضلاً عن الشركيات الاعتقادية، ثم اعتزلهم جميعاً، هدانا الله تعالى وإياه، وجنبنا الزلل والفتن ومضلات الأهواء)) اهـ.
وقال العلامة عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله في ((مجموعة الرسائل الجابرية)) – المجموعة الثانية – (ص 162-163): ((السلفية لم يؤسسها أحد من البشر، أبدًا لم يكن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وناصره ومعاونه الأمير الإمام محمد بن سعود رحمه الله مؤسسين لها في الجزيرة بل ولا من فوقهم من الأئمة مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذته كابن القيم وابن كثير وابن رجب، ولا من فوقهم من الأئمة، ولا الأئمة الأربعة، ولا من عاصرهم من الأئمة، ولا التابعون، ولا الصحابة، بل ولا محمد صلى الله عليه وآله وسلم النبي الخاتم القرشي الهاشمي المكي ثم لمدني صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن مؤسس لها، بل ولا مؤسسها من سبقه من النبيين والمرسلين – عليهم الصلاة والسلام أجمعين -.
إذن هي دين الله الخالص، وهي من عند الله أنزلها على رسوله وأنبيائه فيما أوحى به إليهم وورثها أصحابهم وأتباعهم والدعاة والمصلحين من أتباع النبيين والمرسلين، هم ورثتهم في الدعوة إلى السلفية)) اهـ.
تنبيه:
وقع في كلام العلامة الألباني رحمه الله قوله: ((فالله وحده سبحانه هو مؤسسها ومشرعها)) وقد سئلت اللجنة الدائمة كما في ((فتاوى اللجنة)) - المجموعة الثانية - (2 / 406) الفتوى رقم ( 17072 ) ( مؤسس الدعوة السلفية هو الله ) هل العبارة السابقة صحيحة ؟
فأجابت: ((إن الدين عند الله الإسلام، فالإسلام هو دين الله وشرعه الذي أنزله على رسوله وعبده محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خاتمة الشرائع والأديان، وأتباعه هم المسلمون الذين لم يميلوا عن صراطه المستقيم ببدعة أو ضلالة أو هوى هم جماعة المسلمين، وفي مقابلة من غير بدل يقال لهم: (أهل السنة) و(أهل السنة والجماعة) و(أهل الحديث) و(السلفيون).
فالسلفية: لقب صالح تعني أنهم على طريق السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم- رضي الله عن الجميع- فهو لقب يتميزون به عن أهل البدعة ممن غير وبدل وحرف، وعليه فهذه العبارة (مؤسس الدعوة السلفية هو الله) بمعنى أن الله هو الذي شرعها، وهي في معناها صحيحة تنزيلا لها على ما ذكر، لكن إطلاق لفظ (مؤسس) على الله- سبحانه وتعالى- لا يجوز؛ لعدم ورود النص به، والقاعدة أنه لا يطلق على الله من الأسماء والصفات إلا ما أثبته - سبحانه - لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا نظير قول بعضهم: (مهندس الكون هو الله) بمعنى خالقه، فهو صحيح المعنى ممنوع من جهة اللفظ، وعليه فلا يجوز إطلاقهما لما ذكر.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)).
وصدرت هذه الفتوى عندما كانت اللجنة بعضوية كل من: بكر أبو زيد وعبد العزيز آل الشيخ وصالح الفوزان وعبد الله بن غديان ورأست عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
ومما سبق يتلخص:
1) خطأ نسبة تأسيس الدعوة السلفية إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فضلا عن أحد من أئمة الإسلام فضلا عن غيرهم.
2) خطأ قول أن مؤسس الدعوة السلفية هو الله عز وجل.
3) الصحيح أن نقول مشرع الدعوة السلفية هو الله عز وجل أو نحوها من العبارات، قال الله تعالى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } [الشورى 13].
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: الثلاثاء 21 جمادى الآخر سنة 1437 هـ
الموافق لـ: 1 مارس سنة 2016 م