حول حادثة الغدر برجل الأمن رحمه الله
الشيخ الدكتور علي بن يحي الحدادي

أما بعد:فقد آلمنا نبأ العدوان الغاشم الغادر على أحد رجال الأمن من قبل قرابته إذ استدرجوه بالكذب والخيانة ثم قتلوه ظلماً وعدواناً.ثم نشر المجرمون تصويراً للعملية الآثمة مع بيان يوضح ما هم عليه من العقيدة الفاسدة المنحرفة القائمة على الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل وسفك الدماء المعصومة والله لا يحب الفساد.إن هذا العمل الآثم يرفضه كل مسلم وكل عاقل وكل ذي فطرة سوية ولايقدم عليه ولا يرتضيه ولا يقره إلا من انحرفت عقيدته واختل فكره وانتكست فطرته، وانعدمت مروءته.إن القرآن والسنة فيهما من النصوص المحذرة من العدوان على الدماء بغير حق ما يشيب له الولدان ومن ذلك قوله تعالى(ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً). وقرنه بالشرك فقال تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) وقال صلى الله عليه وسلم (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو مؤمن قتل مؤمنا متعمداً) رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي الدرداء.وقال صلى الله عليه وسلم (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن البراء بن عازب.وقال صلى الله عليه وسلم (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) رواه الترمذي عن ابي هريرة وأبي سعيد، والطبراني عن أبي بكرة.وقتل مُحَلِّم بن جثامة رجلاً مسلما وقبل ورثته الدية فجاء مُحَلِّم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال له (أقتلته بسلاحك في غُرّة الإسلام _ أي أول الإسلام_ اللهم لا تغفر لمحلّم، فقام وهو يتلقى دموعه بطرف ردائه) رواه أبو داود وحسنه ابن حجر، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه بذلك حتى يقرر في النفوس خطرَ العدوان على دماء المسلمين، والجواب الثاني أن الحديث في إسناده ضعف.ولعظم شأن الدماء عند الله تكون البداءة في الفصل بين العباد بشأنها يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) متفق عليه. وبين النبي صلى الله عليه وسلم كيف يجتمع القاتل والمقتول يوم القيامة فقال عليه الصلاة والسلام (ثكلته أمه رجل قتل رجلا متعمدا يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره وآخذا رأسه بيمينه أو شماله تَشْخَبُ أوداجه دما في قُبُل العرش يقول يا رب سل عبدك فيم قتلني) رواه أحمد عن ابن عباس.فما أعظم شأن الدماء عند الله تعالى وما أهون شأنها عند الخوارج المارقين المفسدين، وما أقسى قلوبهم حيث لم تردعهم هذه الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة وأمثالها عن الولوغ في الدماء المعصومة بغير حجة ولا برهان ولا كتاب منير.ثم إن الإسلام يحرم الخيانة حتى مع العدو الصريح في أرض المعركة الشرعية فليس لك أن تؤمن كافراً محارباً ثم تقتله وهؤلاء يستدرجون أخاهم وابن خالتهم ممن بينه وبينهم أواصر القربى والرحم فآتاهم أمناً مطمئناً فقتلوه والعياذ بالله قال الله تعالى في شأن المشركين الصرحاء (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) يعني إن خفت من المشركين الذين بينك وبينهم عهد أن يخونوا فلا تبدأهم بالخيانة فلا خيانة في الإسلام ولكن أعلمهم أن العهد الذي بينك وبينهم قد انتهى بسبب سوء افعالهم.إن الغدر والخيانة صفة من أخس الصفات لذا كانت من أبرز صفات المنافقين كما قال صلى الله عليه وسلم ” أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ”وهذا التابعي الجليل رفاعة بن شداد كان يتولى حراسة المختار بن أبي عبيد قبل أن يُظهر ادعاء النبوة، فلما تبين له أمره هم أن يقتله فلم يفعل مع تمكنه من قتله لأنه يقف عنده حارساً حتى لا يكون غادراً يقول رحمه الله : كنت أقوم على رأس المختار فلما تبينت كذبه هممت وأيمُ الله ان أسل سيفي فأضربَ عنقه حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحَمِق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أمّنَ رجلاً على نفسه فقتله أُعطي لواءَ الغدر يوم القيامة” رواه أحمد.فهذا التابعي الجليل يمنعه النهي عن الغدر أن يغدر بمدع كذاب يدعي النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم فكيف بهؤلاء الذين لا تردعهم الآيات والأحاديث عن دم المسلم القريب ذي الرحم.وفي هذا العمل الإجرامي القبيح قطع الرحم وأي قطع أعظم واشد من قتلها غدراً وخيانة والله تعالى يقول في كتابه {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} أي بل على قلوب أقفالها.وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة قاطع رحم) متفق عليه واللفظ لمسلم.وفي الحديث القدسي ” قَالَ اللَّهُ: أَنَا اللَّهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنْ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ” أي قطعته. رواه الترمذي وأحمد.ومن قبائح هذا العمل ومساوئه وما أكثرها أنه ينطلق من منطلق نزع اليد من الطاعة وخلع البيعة التي في أعناقهم لولاة أمر هذه البلاد أعزهم الله بطاعته وأعز بهم الإسلام وأهله، وفي الحديث الصحيح «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أخرجه مسلم.ومن قبائح هذا العمل أنه يأتي انطلاقاً من تكفير المسلم بغير حق والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من التكفير بغير حق فقال صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» متفق عليه. إن التكفير حكم لله تعالى فلا يُكفَّر إلا من كفّره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء يُكفّرون بغير دليل صحيح إنما يكفرون حسب أهوائهم يكفرون بالمحرمات ويكفرون بالمباحات ويكفرون بالجنسية ويكفرون بالوظيفة والعياذ بالله.وإذا كان التكفير مرجعه أهل الفتوى وأهل القضاء وتنفيذ حد الردة فيمن وجب عليه يكون إلى ولاة الأمور فإن الواحد من هؤلاء السفهاء يجعل من نفسه مفتياً وقاضياً وحاكماً _ وهو لعله لا يحسن تلاوة آية أو لا يفقه أحكام وضوئه وصلاته_ ومع ذلك يكفر ويفتي بحل الدم وينفذ الحكم بيده فأي فوضى يريدون جر البلاد إليها كفى الله المسلمين شرهم. اللهم إنا ندرأ بك في نحور الخوارج وكل فاسد مفسد ونعوذ بك اللهم من شرورهم . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية:أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه مهما فعل الخوارج ومن وراءهم ومهما نفذوا من جرائمهم فإنهم بحمد الله مقهورون مغلوبون مخزيون كما قال صلى الله عليه وسلم (كلما ظهر منهم قرن قطعه الله) ومن حكمة الله أنهم كلما تمادوا في إجرامهم كلما ازداد انفضاحهم وانكشافهم للعام والخاص فإنه ما من أحد سليم من التعصب والهوى يرى أفعالهم إلا ابغضهم وعلم براءة الإسلام من مسالكهم وأخلاقهم وصفاتهم. ومن فضل الله أن الشعب لا يزداد إلا تلاحماً وتعاوناً مع ولاة أمره في كشفهم والتبليغ عنهم والسعي في قطع دابر فسادهم.أيها المسلمون:إننا على شدة ما نحزن للدماء التي تراق ظلماً وعدواناً على أيدي الخوارج إلا أننا في الوقت نفسه نسلي أنفسنا بما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم من قتل على ايديهم فقد قال صلى الله عليه وسلم عن الخوارج (كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه) رواه الترمذي وابن ماجه.فإذا كانوا هم شر القتلى على وجه الأرض فإن خير القتلى من يقتل على أيديهم وقد اختار الله لعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أن يقتلا على أيدي الخوارج. وفي هذا تعزية وتسلية لمن فجعه الخوارج في قريب أو حبيب.نسأل الله أن يكف بأسهم وأن يعجل بهلاكهم وخلاص المسلمين من شرورهم وتطهير البلاد من رجسهم إنه سميع مجيب الدعاء.معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين…