قال القاضي عبد العزيز الجرجاني في قصيدته الشهيرة في شرف العلم وأخلاق العلماء وشمائلهم:

يَقُولُونَ لِي: فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا * رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ * وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا

وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا * بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا
وَمَا زِلْتُ مُنْحَازًا بِعِرْضِيَ جَانِبًا * مِنَ الذُّلِّ أَعْتَدُّ الصِّيَانَةَ مَغْنَمَا
إِذَا قِيلَ: هَذَا مَنْهَلٌ قُلْتُ: قَدْ أَرَى * وَلَكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا

أُنَزِّهُهَا عَنْ بَعْضِ مَا لَا يَشِينُهَا * مَخَافَةَ أَقْوَالِ العِدَا: «فِيمَ» أَوْ «لِمَا»
فَأُصْبِحُ عَنْ عَيْبِ اللَّئِيمِ مُسَلَّمًا * وَقَدْ رُحْتُ فِي نَفْسِ الكَرِيمِ مُعَظَّمَا
وَإِنِّي إِذَا مَا فَاتَنِي الأَمْرُ لَمْ أَبِتْ * أُقَلِّبُ فِكْرِي إِثْرَهُ مُتَنَدِّمَا
وَلَكِنَّهُ إِنْ جَاءَ عَفْوًا قَبِلْتُهُ * وَإِنْ مَالَ لَمْ أُتْبِعْهُ: «هَلَّا» وَ«لَيْتَمَا»
وَأَقْبِضُ خَطْوِي عَنْ حُظُوظٍ كَثِيرَةٍ * إِذَا لَمْ أَنَلْهَا وَافِرَ العِرْضِ مُكْرَمَا
وَأُكْرِمُ نَفْسِي أَنْ أُضَاحِكَ عَابِسًا * وَأَنْ أَتَلَقَّى بِالمَدِيحِ مُذَمَّمَا
وَكَمْ طَالِبٍ رِقِّي بِنُعْمَاهُ لَمْ يَصِلْ * إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الرَّئِيسَ المُعَظَّمَا
وَكَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ عَلَى الحُرِّ نِقْمَةً * وَكَمْ مَغْنَمٍ يَعْتَدُّهُ الحُرُّ مَغْرَمًا
وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ العِلْمِ مُهْجَتِي * لِأَخْدُمَ مَنْ لَاقَيْتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً * إِذًا فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ * وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا * مُحَيَّاهُ بِالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لَاحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي * وَلَا كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
وَلَكِنْ إِذَا مَا اضْطَرَّنِي الضُّرُّ لَمْ أَبِتْ * أُقَلِّبُ فِكْرِي مُنْجِدًا ثُمَّ مُتْهِمَا
إِلَى أَنْ أَرَى مَا لَا أَغَصُّ بِذِكْرِهِ * إِذَا قُلْتُ: قَدْ أَسْدَى إِلَيَّ وَأَنْعَمَا

[«مجلَّة المنار»]