النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1

    افتراضي [ كلام الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله عن "التليفزيون" ]





    كلام الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله عن "التليفزيون



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ما همع وبل، وومض وبرق.
    وبعد: فقد كثر التساؤل عن حكم هذه الآلة، المعروفة بالتلفزيون، هل يجوز اتخاذها واستعمالها؟ أم أن ذلك ممنوع شرعا؟
    وقد تنوعت الأسئلة في ذلك، إلا أنها ترجع إلى شيء واحد، وهو: أن هذه الآلة، آلة تثقيف وتعليم تارة، وآلة شر وبلاء أخرى، لما يعرض على شاشتها، مما يضعه المخططون لبرامجه، فأقول مستعينا بالله معتمدا عليه:
    لا شك أن هذه الآلة المعروفة بالتلفزيون، التي انتشرت في كثير من البلاد، واستعملها الكثيرون من الناس في بيوتهم، وبين فتيانهم وفتياتهم، حتى عمت الأندية والمجالس العامة.
    وقبل أن نتكلم على حكمها، ونبين مضارها ومفاسدها، لابد من مقدمة قبل ذلك، نبين فيها ما ينبغي للمسلم التنبه له، من بيان حكم اللهو الممنوع، وتقسيم القلوب، وإشراب بعضها بالفتن ومحبتها لها، وإنكار البعض لها، واستنارتها بنور الإيمان.


    المقدمة

    روى أبو داود والترمذي والنسائي، والحاكم، وقالت صحيح الإسناد عن عقبة بن عامر، رضي الله عنه أن رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق" {الترمذي: فضائل الجهاد (1637)}.

    في هذا الحديث دليل، على أن كل لهو يلهوه ابن آدم فهو باطل، أي: محرم ممنوع، ما عدا هذه الثلاثة، التي استثناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها من الحق، أو وسيلة إليه؛ قال الخطابي في معالم السنن، قوله: "ليس من اللهو إلا ثلاث" {النسائي: الخيل (3578) , وأبو داود: الجهاد (2513) , وأحمد (4/146 ,4/148)}يريد ليس من اللهو المباح إلا ثلاث؛ وقد جاء معنى ذلك مفسرا في الحديث من رواية أخرى.

    قلت: وفي هذا بيان أن جميع أنواع اللهو محظورة، وإنما استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخلال، من جملة ما حرم منها، لأن كل واحدة منها، إذا تأملتها وجدتها معينة على حق، أو ذريعة إليه.

    ويدخل في معناها: ما كان من المناقفة بالسلاح، والشد على الأقدام ونحوها، مما يرتاض به الإنسان، فيتوقح بذلك بدنه، ويتقوى به على مجالدة العدو.

    فأما سائر ما يتلهى به البطالون، من أنواع اللهو كالنرد، والشطرنج، والمزاجلة بالحمام، وسائر ضروب اللعب، مما لا يستعان به في حق، ولا يستجم به لدرك واجبه، فمحظور كله.

    وقال الشوكاني، فيه: أن ما صدق عليه مسمى اللهو، داخل في حيز البطلان، إلا تلك الثلاثة الأمور، فإنها وإن كانت في صورة اللهو، فهي طاعات مقربة إلى الله عز وجل، مع الالتفات إلى ما يترتب على ذلك الفعل من النفع الديني...إلخ.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيميه، رحمه الله، في الكلام على حديث عقبة: "كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل..." {أحمد (4/144) , والدارمي: الجهاد (2405)}الحديث، ما معناه: الباطل ضد الحق، فكل ما لم يكن حقا، أو وسيلة إليه، ولم يكن نافعا، فإنه باطل، مشغل للوقت، مفوت على الإنسان ما ينفعه في دينه ودنياه، فيستحيل على الشرع إباحة مثل هذا.

    فهذا كلام العلماء، رحمهم الله، في اللهو الباطل، من أنه محرم، في حين أنه مقصور على صاحبه، ولم يكن بصورة عامة فاتنة، للكثيرين من الناس في قعر بيوتهم، مما يعرض على شاشة التلفزيون، من المناظر الفاتنة، والحفلات الداعرة، والمراقص الماجنة، واختلاط الرجال بالنساء، ومعانقة كل منهم الآخر، بدون حياء ولا خجل.

    وبانتشار فظيع في كل بيت، وفي كل مكان، ينظر إليه البطالون، فيفسد أخلاقهم، ويقتل غيرتهم الدينية، ومروءتهم العربية، أين هذا من اللهو الباطل، المقصور على صاحبه؟ مما لم يكن بهذا الشكل، ولا هذه الكيفية؟ فالله المستعان.

    قال حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير، عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادا، كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض، فلا تضره فتنة، ما دامت السماوات والأرض".

    قال ابن القيم: فشبه عرض الفتن على القلوب شيئا فشيئا، كعرض عيدان الحصير- وهي: طاقاتها- شيئا فشيئا، وقسم القلوب عند عرضها عليها إلى قسمين:

    قلب إذا عرضت عليه فتنة أشربها، كما يشرب الإسفنج الماء، فتنكت فيه نكتة سوداء؛ فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس، وهو معنى قوله: كالكوز مجخيا، أي: منكوسا.

    فإذا اسود وانتكس، عرض له من هاتين الآفتين، خطران متراميان به إلى الهلاك:

    أحدهما: اشتباه المعروف عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا؛ وربما استحكم عليه هذا المرض، حتى يعتقد المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والحق باطلا، والباطل حقا.

    الثاني: تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وانقياده للهوى واتباعه له. وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها، فازداد نوره وإشراقه وقوته.

    والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهي: فتن الشهوات، وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال، فتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل، فالأولى: توجب فساد القصد والإرادة، والثانية: توجب فساد العلم والاعتقاد. انتهى.

    فالقلوب نوعان: قلب إذا عرضت عليه الفتنة، أشربها وحبها، ومال إليها وأيدها، وقلب: ينكرها، ويبغضها، ويحذر منها، فذلك مثل ما يعرض على شاشة التلفزيون، من الفتن المهلكة، والمناظر الضارة، والمراقص والحفلات، والتمثيليات، وغيرها.

    قلب يألفها ويحبها ويدعو إليها، فهذا القلب قد اسود وماتت غيرته، واستحكم مرضه. وقلب ينكرها وينفر منها ويحذر عنها، فذلك القلب الأبيض الذي أشرق بنور الإيمان، وهو معنى ما تقدم في خبر حذيفة.

    وقال أيضا: ومن حيل الشيطان ومكايده: الكلام الباطل، والآراء المتهافتة، والخيالات المتناقضة، التي هي زبالة الأذهان، ونحاتة الأفكار، والزبد الذي يقذف به القلوب المظلمة المتحيرة، التي تعدل الحق بالباطل، والخطأ بالصواب.

    وقد تقاذفت بها أمواج الشبهات، ورانت عليها غيوم الخيالات، فمركبها القيل والقال، والشك والتشكيك، وكثرة الجدال، ليس لها حاصل من اليقين يعول عليه، ولا معتقد مطابق للحق يرجع إليه، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.

    وقد اتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا، وقالوا من عند أنفسهم منكرا من القول وزورا، فهم في شكهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون ، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تلته الشياطين على ألسنة أسلافهم من أهل الضلال، فهم إليه يحاكمون، وبه يتخاصمون، فارقوا الدليل، واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل.

    ولا شك، أن المؤيدين لهذه الآلة: "التلفزيون" من هذا القبيل، قذف الشيطان بزبده في تلك القلوب المظلمة، فرأوا أن التلفزيون أداة تعليم وتثقيف، وبها تتسع مدارك الإنسان، ويتسع أفقه.

    وأن التلفزيون بمنْزلة النافذة، التي يطل معها الإنسان إلى العالم، فيعرف ما كانوا عليه، لما يعرض على شاشته، مما يضعه مخططو برامجه؛ هؤلاء وأمثالهم، فارقوا الدليل، واتبعوا أهواءهم، قوم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل، فلا عبرة بزخرف القول الباطل، والخيالات الفارغة، والتهافتات الساقطة.

    فمن تأمل ما يعرض على شاشة التلفزيون من المضار، وقتل الغيرة الدينية، والميوعة، والانحراف الغريب، الذي طرأ على المسلمين في دينهم، وعقيدتهم، وتقاليدهم الحسنة، ومروءاتهم العربية، لم يشك أن هذا من مكايد الشيطان وحيله، ولم يتوقف في تحريمه، والمنع منه؛ ولا عبرة بمن استحسنه، واستعمله في بيته، واتبع هواه، وأعرض عن الحق وتولى عنه؛ ذلك مبلغهم من العلم.

    فتجد الكثير من هؤلاء لا يرى من المصالح والمفاسد إلا ما عاد لمصلحة المال والبدن، دون المصلحة الحقيقية، وهي: مصلحة الأسر، وتربيتهم التربية الدينية النافعة، وصلاح الدين يتبعه صلاح المال والبدن، دون العكس، والله أعلم.

    تحريمه

    أسلفنا حديث عقبة الذي رواه: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وغيرهم "كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل..." { أحمد (4/144) , والدارمي: الجهاد (2405)} الحديث، والباطل: ضد الحق، فكل ما ألهى عن أداء واجب، ولم يكن ذريعة إلى حق فهو حرام، كما تقدم في قول الإمام الخطابي والشوكاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم.

    وقال ابن القيم رحمه الله: إذا أشكل حكم شيء، هل هو الإباحة، أو التحريم، فلينظر إلى مفسدته، وثمرته وغايته؛ فإن كان مشتملا على مفسدة راجحة ظاهرة، فإنه يستحيل على الشارع الأمر به أو إباحته، بل العلم بتحريمه من شرعه قطعي، ولا سيما إذا كان طريقا مفضيا إلى ما يغضب الله ورسوله، موصلا إليه عن قرب.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: لا يجوز اللعب المعروف بالطابة والمنقلة، وكل ما أفضى كثيره إلى حرمة، وإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، لأنه يكون سببا للشر والفساد، وما ألهى أو شغل عما أمر الله به، فهو منهي عنه، وإن لم يحرم جنسه، كالبيع والتجارة، وسائر ما يلهى به البطالون، من أنواع اللهو، وسائر ضروب اللعب، مما لا يستعان به على حق شرعي، فكله حرام. انتهى.

    فاتضح من كلام هذين الإمامين: أن الشيء إذا أشكل حكمه، ينظر في مفسدته وثمرته وغايته، فإن كانت مصلحته أرجح من مفسدته، فالشرع لا يحرمه، بل تغتفر المفاسد الجزئية، في جانب المصالح الكلية.

    وإن رجحت مفسدته على مصلحته، بأن كانت مفسدته كلية، وإن اشتمل على مصالح جزئية، فيستحيل على الشارع إباحته، بل هو محرم قطعا. وكل ما يلهو به الإنسان من أنواع اللهو، فهو باطل، وإن لم يحرم جنسه، إذا أدى إلى ترك واجب، كالبيع، والزراعة، ونحوهما.

    فهذه وإن كانت أعمالا مطلوبة، ومرغبا فيها، لكنها تكون محرمة إذا أفضت إلى ما يسخط الله ويغضبه، كترك صلاة في جماعة، أو إلى أن يخرج وقتها، وما لم يكن فيه مصلحة راجحة، فهو أيضا ممنوع، لأنه يكون سببا للشر والفساد.

    أين هذا من آلة التلفزيون؟ مع قطع النظر عما يعرض على شاشته، من الخلاعة والدعارة، وتربية الأطفال على الرقص والمجون؛ فإنه مشغل للوقت، مذهب له بدون فائدة، مؤد إلى ترك الصلاة في جماعة، أو إلى خروج وقتها، فهذا أولى بالتحريم.


    مضار التلفزيون، ومفاسده

    نشرت جريدة الشهاب البيروتية، في عددها الثاني، الصادر في 17/11/1387هـ مقالا للأستاذ المحامي: محمد علي ضاوي، نقتطف منه ما يلي: قال: التلفزيون: سرطان في الروح والمجتمع; التلفزيون: سرطان في الجسم والمال؛ التلفزيون: مائدة للشيطان، تعرض عليها المفاسد.

    قال: فالتلفزيون بما هو عليه الآن، وفي أكثر برامجه شر، ومائدة للشيطان، يعرض عليها أنواعا من المفاسد والمجون، وتحريفات في القيم، والأفكار، والعادات، وذلك بمختلف الوسائل الفنية: أغنية، صورة، تمثيلية، حفلة، دعاية.... إلخ.

    وأكثر الناس، وخاصة الأخلاقيين، والمحافظين، والإسلاميين، يعرفون ذلك، ويدركون أنهم بشرائهم للجهاز، يمكنون للانحلال والتميع في عائلاتهم، ويعودون الأهل عليهما؛ ومع هذا فهم يبتاعونه، وربما يستدينون، أو يقطعون عن معداتهم، لأجل الشيطان وجهازه التلفزيون، وقال: اقتله قبل أن يقتلك.

    ثانيا: ولا ريب أن التلفزيون ببرامجه الحالية، عمل ويعمل على تخدير أعصاب الآباء، إن لم تقل: إنه جبههم في عقر ديارهم، وانتزع منهم السلطة الأبوية، وخاصة فيما يتعلق بالتوجيه.

    فرب العائلة الأخلاقي، أو المحافظ، أو الإسلامي، يتردد بادئ ذي بدء في شراء الجهاز وفي اقتنائه، إلا أن ضغط الزوجة، ومن ورائها ضغوط الأولاد، يدفعه إلى الشراء، شريطة التقيد بمواعيد محددة لاستعماله، موطنا نفسه عند ابتياعه، على استخدام نفوذه للحد من مفاسده وإغلاقه في اللحظات المناسبة والحاسمة.

    بيد أنه بعد وقوعه في الفخ، وبعد جلوسه مع زوجته وفتيانه وفتياته، تضعف إرادته، ثم تتراخى، ثم تتخدر؛ ونراه ونرى عائلته يتسابقون في النظر والاستماع، وهم يتبعون الصور والحركات، وينتقلون من برنامج إلى آخر؛ وإذا سألته بعد حين، عن توجيه الأولاد، تأوه، وأطلق زفرات حرى، وتمتم: لا حول ولا قوة إلا بالله.

    لقد أطلق أحد الأخصائيين الاجتماعيين في ألمانيا منذ سنوات، عبارة تلخص بعمق مدى خطورة التلفزيون على النشء، وعلى المجتمع، وذلك بعد دراسة مباشرة أجراها في مدارس ومؤسسات مختلفة، فقال: اقتله قبل أن يقتلك. ولكن عندما يشتد التخدير، يغدو القتل البطيء لذة محببة للنفوس المخدرة.

    ثم لو أراد مخططو البرامج والمشرفون عليها أن تنتشر بين الناس عادة من العادات، أو تتأصل فيهم فكرة من الأفكار في أعلى الدرجات، أو أسلوب في الكلام والزينة في أدناها، لوجدنا أن البرامج تلاحمت في جهد مشترك للوصول إلى الغاية المحددة، سيئة كانت أو حسنة.

    ودسا للدسم في السم، يعمل التلفزيون بين حين وآخر على تجميد غضب المعارضين للبرامج، فينقل عبر محطاته وقنواته التي سبق لها أن نقلت السم الزعاف، ومبيدات الأخلاق والقيم، نماذج من البرامج الدينية والوطنية، وربما الثقافية، فيسكت الغضب عند المغضبين، ويقولون عند هذا: له حسنات، وله سيئات!!

    غير أن الكثيرين أو الأكثر يتعامون عن أضراره ومفاسده، وذلك لانتشاره بين مختلف العائلات والطبقات، واستعباده لقلوبهم، فقد تعامى الناس عما فيه من الأضرار الاجتماعية، والأخلاقية، والدينية والصحية.

    فهم يتثاقلون عن استماع ما يقوله الطب، عن تأثير الأشعة النووية بأجسام الأطفال خاصة، وإذا استمعوها تغافلوا عنها، وربما لم يصدقوها، لأن التلفزة قد استعبدتهم، واستحوذت على قلوبهم، وفتنتهم ببرامجها الخليعة الضارة.

    كالتدخين، يقول الطب والطبيب والناس بضرره، ومع هذا فهم مدمنون على استعماله، لا يستطيعون الانفكاك عنه، وهم يصطرخون فيه.

    قال الأستاذ الضناوي: ولقد قرأت أن العالم الشهير في التصوير الشعاعي: الدكتور "أميل كروب" قد أكد بمرارة، وهو يحتضر في أحد مستشفيات شيكاغو، بأمريكا: أن أجهزة التلفزيون في البيوت، هي عبارة عن عدو لدود، وأخطبوط سرطاني خطير، يمتد إلى أجسام الأطفال.

    وقد كان الدكتور نفسه، أحد ضحايا السرطان، الناتج عن إشعاعات التلفزيون؛ وقد أجريت له قبل وفاته، ست وتسعون عملية جراحية، لاستئصال الدرنات السرطانية دون جدوى، إذ إنه وصل إلى النهاية المؤلمة، بعد أن استؤصل قسم كبير من وجهه، وبترت ذراعه.

    وأضاف الدكتور كروب قبل موته: أن شركات التلفزيون تكذب وتخدع الناس، عندما تزعم بأن هنالك حدا أدنى للطاقة الإشعاعية لا تضر، وتزود بها أجهزتها. فالعلم يقول- بعد التجارب العديدة- أن أية كمية من الإشعاع مضرة بالجسم، على درجات متفاوته، وذلك حسب نسبة التعرض والجلوس أمام التلفزيون؛ كما فند الطبيب المحتضر بالسرطان نفسه، مزاعم الشركة التي تدعي أنها توجه الأشعة في جهازها نحو الأرض، لا إلى المشاهد الذي يجلس بالقرب من جهاز التلفزيون.

    واستغرب الدكتور كروب: كيف لا يهتم هؤلاء بالناس، الذين يقطنون في الطوابق السفلى، علما بأن الإشعاعات الضوئية، والذرية، والنووية، المستعملة في التصوير الشعاعي، والتلفزيون تخترق جميع الحواجز، بما فيها الجدران السميكة؟ !

    وأيد كل من الدكتور "هاسل" والدكتور "لامب" أقوال الدكتور "كروب" الذي يعاني آلام الاحتضار.

    ولقد طالبت مجلة الاقتصاد، التي نقلت هذه المعلومات، والتي تصدر في بيروت، في نهاية مقترحاتها: أن على كل أب، وكل أم، أن يتناولوا مطرقة ضخمة، ويحطموا بها كل ما لديهم من أجهزة تلفزيونية؛ العدد 23 كانون الأول عام 1967 م.

    ولا شك أنها آلة بلاء وشر، داعية إلى كل رذيلة ومجون، داعية إلى كل فساد وخراب للعائلات، مشغلة للوقت، مذهبة له بغير فائدة، بل ربما أدت إلى ترك الواجبات، من صلاة، وقيام بطاعة؛ هذا لو سلمت من الخلاعة والدعارة.

    كيف وقد يعرض على شاشته مناظر مزرية، وصور داعرة لنساء خليعات، ورجال أراذل؟! فيتحدثان بكلمات عشق ووصال، وصد وهجران؛ مما يدعو إلى الفجور، وارتكاب الجريمة، بمشاهدة الخلق الكثير، من الرجال والنساء.

    فتجد الرجل عندما يرى هذه الصورة أمامه، ويسمع ما يقع بينهما، وبجانب الرجل أو الرجال امرأة أو نساء أجنبيات، وهم ينظرون ويسمعون، ما عرض على شاشة التلفزيون، من غرام وحب ومعانقة.

    أليس هذا بأعظم دعوة إلى الفساد، وارتكاب الفاحشة؟! وقد وجد بمجتمعنا اليوم، من يكتب ويدعو إلى التلفزيون، وأنه مصلحة وأداة خير للتثقيف والتعليم؟ !

    فقل للعيون الرمد للشمس أعين وسامح نفوسا أطفأ الله نورها

    سواك تراها في مغيب ومطلع بأهوائها لا تستفيق ولا تعي

    إنها لغفلة مخيفة، لم ينتبه أكثر الناس إلى ما وراء ذلك، من الفسق، والدعارة، وفساد البيوت، وخراب الأسر، واختلاط الحابل بالنابل.

    بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

    وها هو التلفزيون الممنوع بالأمس، أصبح الآن بيننا في حكم المباح، إن لم يكن في حكم المستحب، أو الواجب; وكل ما نقوله أو نعتقده في الماضي، كنا فيه اليوم على غير هدى، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

    كفى حزنا للدين أن حماته متى يسلم الإسلام مما أصابه

    إذا خذلوه قل لنا كيف ينصر إذا كان من يرجى يخاف ويحذر

    أيها المسلم لقد تكانفتنا الشرور من كل حدب وصوب، ونرقب إلى الله الخروج من هذه المآزق، ولا شك أن اجتماع الجنسين، عند هذه الآلة، وما يرونه على الشاشة، من الخلاعة العظيمة، والدعارة الفظيعة، لا شك أن القلوب مع هذا ترقص طربا، وتذهب كل مذهب في هذه المناظرة الهائلة، ولا يعلم إلا عالم الجنسين وقتئذ بالغ منتهاه.

    وإذا كانت المقدمات تدل على النتائج، فإن هذه المقدمات لا تنتج في الحالة، ولا في المآل، إلا بلاء وشقاء. وماذا ينتظر من نساء قطرة من الحياء، وهن كل ليلة ينسلن من كل حدب إلى حيث تمثل روايات الغرام المهيجة، على شاشة الآلة المسماة بالتلفزيون، حيث ترى المرأة بعينها، كيف يعمل العاشق مع معشوقته، وما يقع بينهما من الأنات والكلمات الغرامية، وتبادل كلمات التلاقي، والشوق المبرح، وما إلى ذلك مما لا أعرفه أنا.

    ترى المرأة هذا وتسمعه بأذنها، فتقوم من هذا المجلس في حماس عظيم، وإلهاب هائل، فتكون في مثل هذا المنظر الذي تراه ألذ منظر في الوجود. ولو أنها لا ترى هذا إلا مرة واحدة في حياتها، لكفى في فسادها أبد الدهر؛ ولكنها ترى كل ليلة يتكرر على سمعها وبصرها، وهي امرأة ضعيفة في عقلها ودينها، وفي تفكيرها، ولا يهمها في الوجود شيء أكثر من إرضاء شهوتها البهيمية.

    ليس ذلك فقط الذي تراه المرأة، وترى مع ذلك نساء برعن في الرقص بنوعيه، الخليع والإفرنجي; الخليع الذي تكون فيه المرأة شبه عارية، وبعبارة أخرى عارية البدن كله، إلا مكانا مخصوصا منه.

    ورؤية المرأة- وهي هكذا- شديد على النفس جدا، خصوصا إذا انضم إليه ما تفعله في رقصها من حركات في البطن والخصر، وما إلى ذلك، حركات تطرف الناظرين من الرجال.

    وقد أجنبوا وهم ينظرون، كما يكون ذلك منهم حينما يرون المرأة مع الرجل، يرقصان ذلك الرقص الإفرنجي، الذي يتخاصران فيه، ويتلاصقان، وهو والحق يقال: منظر يثير الجماد، ويحرك من لا يتحرك، يرى النساء هذا المنظر، ويتكرر نظرهن له.

    فما قولك في امرأة هذه حالتها؟! أيبقى فيها شيء من الحياء، أو العفة؟ ولماذا لا تكون هي كهذه التي تخاصر هذا؟ وتتمتع بمثل من تمتع، بالرقص معه، متعة فوق متعتها بآلاف المرات، والنفوس مولعة بالتقليد، خصوصا نفوس النساء.

    أيها المسلمون: مالي أراكم تتحمسون وتقومون من أجل حطام قليل من حطام الدنيا، أو شبر من الأرض يتعدى عليه من بعضكم لبعض، أو من دولة مجاورة، تزأر الحكومة من أجله، وتقوم وتقعد، وتجند كل إمكانياتها حماية لهذا الشبر؟!

    ولا أراكم تتحمسون لدينكم، ولا تغارون من أجل الشرف والعرض ديست كرامته! فأي الشيئين أهم وأقدس: أوامر دينكم والتمسك بتعاليم إسلامكم؟ أم حطام يسير من الدنيا، أو شبر من أرض أحدكم تعدى عليه الآخر؟ !

    نرى منكم في الهين البسيط الحماس والتفاني، ولا نرى منكم نحو الأهم الخطير إلا التهاون والتواني؛ تتقون وتخشون عدوا من العباد، ولا تخشون عدوا في نفوسكم اسمه "الفساد"، يقتل النفوس ويستحي الأجساد؟ !

    ألا ومنه التلفزيون المعروض على شاشته حفلة خليعة، مرقص، تمثيلية، مسرح، أغنية، غرام، التي هي: رقية زنا ؟ !. {وقد جاء ما هو أوسع منه دائرة في الخزي والعار وكثرة اللهو, وهو البث الدولي المباشر في القنوات الفضائية ويروجه عباد المادة العفنة, فالله المستعان وسوف يعلمون}

    وقد شاهد الناس أنه ما غنى الغناء صبي إلا وفسد، ولا امرأة إلا وبغت ولا شاب إلا وإلا... ولا شيخ إلا وإلا...

    ألا فانتبهوا أيها المسلمون، وناصحوا بعضكم بعضا، ممن امتهن أوامر الإسلام، ونبهوا من خرج على الآداب والاحتشام، وحاربوا هذا الداء الوبيل، الذي يفتك ويهتك بالأعراض والأجسام! فلا تعتبروا نفوسا ألفت الفساد، فصارت عميا لا ترى للحق نورا، ولا تعرف للفضيلة جمالا، يظهر أمامها الحق واضحا جليا ساطعا نوره، فتراه باطلا مظلما، وتتجلى بين يديها الفضائل، فتراها رذائل، فهذه النفوس الدنيئة القذرة، هي بالحشرات أشبه، وبالديدان أقرب، يتعذر إقناعها، ويستعصي على الدعاة الناصحين علاجها؛ فمن العنا سياسة الهرم، ومن التعذيب تهذيب الذئب؛ لأن أمثال هؤلاء لا يميلون إلى الرشد، ولا إلى طلب الحق والفضائل.

    وقد تستحسن بعض العقول استعمال هذه الآلة المسماة بالتلفزيون، ظنا منها أنها أداة تثقيف وتعليم، وأداة لنشر الفضائل، ولم تنتبه العقول لخطورتها، وما يعرض على شاشتها، من الخلاعة والدعارة، والمناظر الفاتنة، والحفلات المفسدة للبيوتات، والمخربة للأسر، ولم تعرف قواعد الشريعة الصحيحة.

    بل كلما تجلى أمامها من نور مزيف مآله إلى الظلمة، وكلمات معسولة التي بها السم الزعاف، تلقته بالقبول والاستسلام، ونسيت ما يعرض على تلفزيونات البلاد الأخرى، من الشر والبلاء والفتنة؛ أضف إلى ذلك ضياع الوقت الذي هو من ذهب.

    أيها المسلمون، لا تعتبروا عقولكم وما تستحسن في هذا السبيل اعتبروا بغيركم، وقيسوا الأشباه بالنظائر، وتثبتوا في أموركم حتى تروا الحق واضحا جليا؛ فإن العقول البشرية، لا تستقل بإدراك المصالح الدنيوية، فكيف تستقل بمعرفة المصالح الأخروية؟ !

    ولا تتمكن العقول وحدها إلى تمييز الخير من الشر، ولا إلى معرفة المعروف من المنكر، وليس في إمكانها أن تقف على حقائق الأمور، ولا أن تدير أمورها وحكمها على نظام تام، ومحكم مستقيم، لا خلل فيه ولا جور.

    فإنها وإن وصلت إلى ما وصلت إليه من المعرفة والإدراك، فقد تميل إلى الباطل عن الحق، وتنحرف إلى الفساد عن الصلاح، ويخفى عليها وجه المصلحة، ولا تصل إلى الاهتداء لمغبة الأعمال؛ وكثيرا ما يبدو لها الشر في لباس الخير، فتظنه خيرا وهو شر محض، وبلاء مستطير، فتقع فيه؛ وكثيرا ما ظهر لها الخير فتظنه شرا، لعجزها عن إدراك الحقائق، فتقع فيه {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 216]. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.)أهـ (من الدرر السنية المجلد الخامس عشر)

  2. #2

    افتراضي

    ترجمة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله

    هو العالم الجليل والحبر الفهامة النبيل، المحقق المدقق، الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، ولد بمدينة الرياض سنة 1329 من الهجرة، وفقد بصره في طفولته.
    حفظ القرآن، وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط، فقرأ على الشيخ حمد بن فارس، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، ومحمد بن عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم.
    وكان مشايخه يتفرسون فيه الذكاء والنباهة، ويقولون سيكون لهذا الفتى شأن، فكان على حسن ظنهم، نفع الله به الإسلام والمسلمين، فكان قاضيا ومفتيا، وداعية إلى الله ومصلحا، ومحبوبا.
    تولى مناصب عدة منها: القضاء، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء، ورئاسة الحرم المكي، والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، وعضو في هيئة كبار العلماء مع قيامه بالتعليم في كل مدينة يسكنها، وبعثه الرسائل في الدعوة إلى الله، والرد على من ظهر منه الخطأ في الصحف والمجلات، وإجابته عن الأسئلة في المحاضرات والندوات، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي قلّ من يقوم بمثلها، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله أحسن الجزاء.
    وافته المنية في 20/11/1402 من الهجرة، وقد خلف أولادا وتلامذة فيهم خير وبركة، فلله الحمد والمنة، ونسأله تعالى أن يجعلهم خير خلف لخير سلف، ورثاه ثلة من العلماء منهم الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل، وأحمد الغنام، كما في روضة الناظرين. ولمزيد من المعرفة عنه انظر ترجمته في "علماء نجد خلال ثمانية قرون" ج 4.

    المصدر:
    الدرر السنية (المجلد السادس عشر)



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. كبار العلماء": أفعال "داعش" و"الحوثيين" و"الاحتلال الإسرائيلي" كلها محرّمة ومجرمة
    بواسطة أبو الوليد خالد الصبحي في المنتدى الـردود على مناهج الـرافـضة الحوثيين الأنـجـاس
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-Sep-2019, 11:04 PM
  2. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-Jun-2015, 07:02 PM
  3. " قاصمة لأهل التمييع من كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى " للشيخ الفاضل أبي حازم القاهري
    بواسطة عبدالله بن العيد عدونة في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-Dec-2014, 02:17 AM
  4. تعليق على " ويل للإسلام من أهله " للعلامة بن حميد -رحمه الله تعالى-
    بواسطة أبو عبد المحسن زهير التلمساني في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-Aug-2013, 07:38 PM
  5. تعليق على " ويل للإسلام من أهله " للعلامة بن حميد -رحمه الله تعالى-
    بواسطة أبو عبد المحسن زهير التلمساني في المنتدى مقالات ورسائل الشيخ أبو بكر يوسف لعويسي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 18-Feb-2013, 11:31 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •