الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .. أما بعد:بسم الله الرحمن الرحيم
هذه رسالة كنت أرسلتها إلى أحد الأئمة هنا عندنا في مدينة الجزائر تعالج بعض المخالفات التي شاعت وذاعت ليس في الجزائر فحسب ، وإنما في كثير من بلاد المسلمين والدافع لهم هو مجرد التقليد لبعض أئمة الحرمين أو بعض من وجدوه من أبائهم وأجدادهم من أئمة المساجد الجهلة دون دليل ولا مستند ، وإنما هو محض الاستحسان والإحداث لما وقع فيه من قلدوهم ممن يشار إليهم بالبنان ويحسبون على العلم والسنة في بلاد الحرمين ، بلاد العلم ، وشبهة الكثير منهم إذا قيل له هذه مخالفات ومحدثات يقول لك إنها تُعمل في الحرمين ، وجرى عليها العمل هناك ، ولم يدر هؤلاء أن العلماء استنكروا على الإمام مالك أخذه بعمل أهل المدينة فيما دون زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان شهيد الدار رضي الله عنه وأرضاه..
بل إن الإمام مالكا استنكر على أبي جعفر المنصور لما طلب منه أن يحمل النّاس على موطئه ، وقال له إن الصحابة تفرقوا في الأمصار وحملوا معهم علما ليس عندنا منه شيئا فسكن لها أبو جعفر .
فانظر فيها أخي الكريم ؛ وصحح ما فيها من أخطاء فقد كتبتها على عجل ، وأنا الآن على أهبة السفر سأنطلق بعد ساعة من الآن ، ثم إن رأيتم أن الإمام المذكور فيه خير وينصاع للحق فأعطوها له وإلا فلا تتعبوا أنفسكم فكثير من أئمة هذا الزمان قد أُشربت قلوبهم حب البدعة فلا يتبع أكثرهم إلا وهم مبتدعون ، نسأل الله تعالى السلامة .. قلت فيها :
إلى الأخ الفاضل إمام مسجد .... - حفظه الله ورعاه - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيرا وبارك فيك على ما تبذله من جهد طيب في الحرص على نفع إخوانك بتلك القراءة الطيبة ، والصوت الشجي ، وفي الحقيقة لقد منّ الله عليك فأتاك مزمارا من مزامير داود ، فأسأل الله تعالى أن يجعلك من أهل القرآن وخاصته.آمين .
ثانيا: إنه لمن دواعي السرور أن أتواصل معك بهذه الرسالة ، وأنا لا أعرفك معرفة حقيقية – كما لا تعرفني - إلا من خلال الاستماع إلى قراءتك والصلاة وراءك ، وهذا يشرفني أن أصلي وراء سني ظاهره الحرص كل الحرص على تطبيق السنة وتجنب المحدثات ، وهذا يفرح كل سني سلفي يصلي وراءك ، لكن ثمة أمور أحببت أن أنبهك إليها حتى تكتمل الصورة على الوجه المشروع فتكتمل بذلك فرحتنا .
ثالثا : استسمحك أخي عذرا إن رأيت مني نبوة قلم شاذة ، أو نبرة فهم حادة ، فربما طاش اللسان فجرها القلم ، والعذر من شيم أهل الجود والكرم ، فكيف به عند أهل الله وخاصته ممن يحملون كتاب الله بين جنبيهم ويتأسون بسيد الخلق القدوة الحسنة ؟؟
أخي الكريم ، تعلم أن الصلاة عمود الدين وأنها ركنه الثاني العظيم ، وأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مات وهو يوصي بها << الصلاة ، الصلاة وما ملكت إيمانكم >> أخرجاه . لأهميتها في الإسلام ، وأنه لا حظ لمن ضيعها من نور ولا عهد له عند الله أن يدخله الجنة ، وبقدر ما ضيع منها وقصر فيها بقدر ما ضيع منزلته عند الله بعد تحقيق التوحيد الخالص.
وقال - صلى الله عليه وسلم-:<< صلوا كما رأيتموني أصلي>> . رواه البخاري .
ونحن لم نره ، وإنما نقل لنا الثقات الأثبات صلاته كأننا نراها من التكبير إلى التسليم ، وتعلم أخي الفاضل أن جمهور المسلمين أخلوا بهذه الشعيرة العظيمة ، سواء في إقامتها أو أدائها على الوجه المشروع ، نفلا وفرضا ...
وتعلم أخي ما أعده الله تعالى لمن ينوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ دينه ، وإمامته للناس ، وتعليم الناس سنة رسول الله في الدين عموما وفي الصلاة خصوصا ، أعظم شعيرة بعد التوحيد ، وتعلم أخي أيضا أن إرضاء الناس كافة غاية لا تدرك ، وإرضاء الله تعالى غاية تدرك ، ولذلك على من تولى هذا المنصب العظيم أن يُرضي الله سبحانه وتعالى ولا يلتفت إلى الخلق فإنهم لن يغنوا عنه من الله شيئا ، فعليه أن يسدد ويقارب ولا يخل بالصلاة حتى يذهب بجمالها وأركانها وكمالها ، من خشوع وطمأنينة وسنن ولا يفتن النّاس بالإحداث فيها ، وإطالتها حتى يخرجها عن حد العدل والقصد ، ولا الإخلال بها من سرقتها حتى ينقرها نقر الديكة .. فالقصد ، القصد .
ومن خلال صلاتي وراءك في الفريضة والنافلة لاحظت أمورا مخالفة لهديه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العشاء ، وفي التراويح وفي الدعاء في القنوت أرجو أن يتسع صدرك لها والله يعلم أنّ النفع أردت ، والخير قصدت ، وأسأله تعالى أن يتقبلني وإياك في عباده الصالحين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،إن ربي سميع قريب مجيب .
الملاحظة الأولى : عدم العدل فيها (( أي في الصلاة )) ، وهو أنك تطيل القراءة في صلاة العشاء وتقصر الركوع والسجود فيها ، وقد كانت صلاته - صلى الله عليه وسلم -متقاربة متساوية .. وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل القيام ؛ ويطيل الركوع والسجود ويكثر من الدعاء في الركوع والسجود حتى إنه كما في حديث حذيفة قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران ، وكذلك حديث عبد الله بن مسعود ، وكان يقرأ مترسلاً وكان يدعو عند آيات الرحمة ، ويستعيذ بالله عند آيات العذاب ، وإذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبح عليه الصلاة والسلام .. وقد وردت أحاديث كثيرة متنوعة في كيفية صلاته إلا أنها كلها تدل على القصد فيها والعدل بين أركانها وواجباتها .
وكان ركوعه نحوًا من قيامه أي قريبًا من قيامه ، وكان سجوده قريبًا من قيامه ، وما أروع وأحسن ما وصفت به أمنا عائشة الصديقة- رضي الله عنها- صلاته في الليل: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟
فَقَالَتْ: (( مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ طُولِهِنَّ، وَحُسْنِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ، وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا)) البخاري (1147-2013-3569) ومسلم (738).
وكان يقوم حتى تورمت قدماه من القيام ، وكان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها ، فكان يحي كل الليل ولا ينام ، ومع ذلك لا يزيد على إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ، فلو أردنا أن نقسمها على كل الليل لظهر لنا جليا طول صلاته وحسنها حيث يقرأ قراءة متدبر يقف عند آية الرحمة فيسأل ربه ، ويقف عند آية العذاب فيستعيذ بربه ، وهذه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته في الليل عمومًا والتهجد بعد النوم خصوصا، وكان ينوع في كيفية أدائها فمرة يجمع بين الركعات ذوات العدد ومرات يصليها ركعتين ويسلم ، ولم يحدد في قراءة القرآن في الركعة شيئا لا فرضا ولا نفلا ، ولذلك يقال : إن التزام هيئة واحدة وكيفية واحدة ، وحدٌ معين كمن يقرأ الربع أو الثمن في كل ركعة في كل رمضان وكل سنة يتقصد ذلك ويختصر ويقتصر عليه يعد خلاف السنة ..وكذلك من يقتصر دائما في صلاة العشاء على ثلاث آيات أو أربع فهذا مخالف لهديه مخل بالفريضة ..
وكذلك يعد من لا يراوح بين كل ركعتين ولو وقتا يسيرا بل يأت بها سردا يريد أن ينتهي منها ويستريح منها لا يستريح بها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبلال : ((يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا)) سنن أبي داود (4985).أنظر صحيح الجامع (2986).
فما سميت التراويح إلا من اجل الترويح بعد كل أربع ركعات بل من أسمائها الترويحة فإذا قيل صلينا أربع خمس ترويحات معناه عشرين ركعة لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات ..
وكذلك من يسرع في القراءة حتى يختم في ليلة سبع وعشرين ، ويقيم حفل اختتام توزع فيه الحلويات ، والمأكولات والجوائز على الفائزين في مسابقات كثيرة ، هذه مسابقة للآذان وأخرى علمية ثقافية ، وأخرى للتجويد ، ورابعة لحفظ القرآن ، وربما أحضروا فرق أناشيد ، وأدخلوا بعض الجواري إلى المسجد ، وفي قاعة الصلاة التي يصلي فيها الرجال ينشدن ويرتلن القرآن على مرآى ومسمع من الرجال ، وغير ذلك ...
وكل ذلك مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه السلف الصالح بل إن هذا النشاط الحركي الذي ابتلي به المسلمون في شهر الصيام شهر التوبة والإنابة والاستغفار ؛ واغتنام نفحات الله تعالى ، وخاصة لياليه شغلوا به الناس بأمور دنيوية ترويحية ووسائل إلى أمور كإجراء مسابقات رياضية بين المساجد ، أو دورات رياضية يسمونها بأسماء أناس ماتوا حتى يتذكرونهم ويكرمونهم ، أي تكريما وتخليدا لهم ..
ومسابقات ((ثقافية )) علمية إن صح التعبير ، وجمع التبرعات لبدل العوض عليها كلها من عمل الإخوان المسلمين الذين عانت الأمة كثيرا من إحداثهم في الدين وإفسادهم بتمييعه.
فلم يعرف عن السلف إلا أن بيوتهم ومساجدهم كانت عامرة بالإيمان والقرآن ومجتمعاتهم عامرة بالإنفاق والكرم ، والتنافس في القربات والطاعات إلى الله تعالى في حدود المشروع، وإحياء السنن بعيدا عن الإحداث في الدين وشغل الناس بما لم يكلفهم به رب العالمين.
2- تخفيف صلاة العشاء، بحيث يقرأ فيها دائما آية أو آيتين أو ثلاث وكذلك المغرب أو بقصار المفصل يتقصد ذلك طول الشهر ، مع أن السنة أن يقرأ فيها بالمتوسط من المفصل ، وربما زاد النبي على ذلك ، وربما نقص لحاجة ، فليس فيه حد معين كما ذكره ابن عبد البر والنووي - رحمهما الله -..
أما أن يلزم القراءة بقصار المفصل دائما أو بآيتين إلى أربع ولا يزيد في الفريضة من أجل الشروع في التراويح حتى ينتهي منها ويتخلص من عبئها قبل أي مسجد آخر ولكي لا ينصرف الناس عنه ، أو بحجة التخفيف عن النّاس فهذا خلاف لهدي النبي - r- وهدي السلف الصالح فإن قراءة القرآن في الفريضة أعظم قربة وأفضل أجرا منها في النافلة.
3- إقامة الصلاة مباشرة بعد الأذان ، بحجة التخفيف عن النّاس والانتهاء من التراويح مبكرا ، وهذا مخالف لما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان ينتظر حتى يجتمع أهل المسجد ، فإذا حضروا أقام وإذا تأخروا انتظر ، بل لقد انتظر مرة حتى نام القوم وأخفقت رؤوسهم وهم ينتظرون إقامة الصلاة ..
وهذا أيضا فيه تضييق على النّاس الذين اعتادوا أن يصلوا راتبة العشاء قبل التراويح كما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم - فقد فسر طائفة من العلماء قول ابن عباس- رضي الله عنهما - في الصحيحين أنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة أن الركعتين الزائدتين على ما في حديث عائشة الآنف الذكر هي رابتة العشاء ، وبعضهم قال أنه كان إذا أراد قيام الليل افتتحها بركعتين خفيفتين وهذه من السنن المهجورة .
4 -تقصير وتخفيف السجود حيث لا تترك من وراءك أن يدعو ولو بدعاء واحد ، بل في الركعتين الأخيرتين منها لا يكاد المرء ينتهي من التسبيح فضلا عن الدعاء إلا وأنت قد قمت منه ..
وأيضا في التشهد الأخير لا يكاد المصلي ينتهي منه إلا وأنت سلمت ، وكذلك في صلاة التراويح فأنت تكاد تقرأ الربع في الركعة ولكن في الركوع والسجود لا تعطيهما حقهما ..
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : <<إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا>> أخرجه الستة ومالك وأحمد .
ومعناه أنه يجب على المصلي كان إماما أو مأموما أن يطمئن حتى يرجع كل عضو إلى مكانه مستقرا استقرارا تاما وسكينة لا اضطراب معها .وهذا في الفريضة والنافلة على حد سواء.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)) رواه مسلم وأحمد وأبو داود وغيرهم .
وهذا في الفريضة والنافلة بل قد يكون في الفريضة أحب إلى الله لقوله في الحديث القدسي :(( .. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ..)).
والسجود موضع الدعاء ، والإسرار به والتضرع إلى الله ، مع أنك تفعل العكس تماما ففي المكان الذي ينبغي أن ندعو فيه تترك الدعاء ، وفي المكان الذي لا ينبغي أن ندعو فيه أو ندعو ولا نطيل فيه تدعو، وتدعو وتطيل..كما في دعاء القنوت الذي تفعله وسيأتي الكلام عليه.
5- عدم الاستراحة بين كل ركعتين ، فأنتم تسردونها سردا وكأنكم تسابقون الزمان وهذا خلاف ما كان عليه السلف الصالح ، وما سميت بصلاة التراويح إلا من الاسترواح بين كل ركعتين ، أو بين كل أربع ركعات ، وهذا حال السلف ، فقد كان منهم من يطوف سبعا بين الركعتين ، والإمام لم يبدأ في الركعتين التاليتين ..كما ذكره القزويني في كتابه قيام الليل .
وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلونها حتى يدركهم الثلث الأخير من الليل بل جاء في بعض الروايات أنهم ينصرفون منها عند فروع الفجر ..
قال ابن حجر: ( فروع الفجر) أي بدايته ، وقد خاف بعضهم فوات الفلاح أي السحور، أما اليوم فأحسن الأئمة حالا من يصلي ساعة وربع أو ساعة إلا ربع مع الدعاء ، ودون ترويح ، مما يجعل كثيرا من الناس يشق عليهم ، ولا يستطيعون الصلاة .
فلو استرحتم بعض الوقت لخف ذلك على الناس ، وأمكنهم أن يصلوا إلى فروع الفجر أو إلى ما شاء الله حتى لو اعتمدوا على العصي من طول القيام لأنهم يعلمون أنهم سيرتاحون قليلا بين كل ركعتين.
6- القراءة في بعض سورها بالمقامات ، وأقل ما يقال فيه أنه لم يكن من فعل الصحابة ولا التابعين والخير كل الخير في اتباع من سلف وقد ورد النهي في ذلك .وسيأتي مزيد بيان لها .
7 - رفع الصوت في بعض الآيات دون الأخرى أو تخصيص بعض الآيات دون الأخرى برفع الصوت والتجاوز بالمد عن حده المشروع ، وهذا ليس من العدل مع آيات كتاب الله تعالى .. كما أفاده الشيخ فقيه الأمة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -.
8- قراءة القرآن بالهذرمة ، والحدر : بعضهم يسرع في القراءة حتى لا تكاد تسمع الكلمة كاملة ، فلا يلتزم أحكام التجويد ولا مراعاة الوقف والمد فالمهم عنده أن ينتهي من القراءة على أي وجه كانت ، فالكثير من المقرئين ينثرونه نثر الدقل ..
9- تلحين الدعاء وتجويده وترتيله والتغني به في القنوت كالقرآن تماما فالذي يجهل القرآن يقول أنك تقرأ في آيات من كتاب الله ، تغُن حيث الغنة وتمد حيث المد وتراعي فيه أحكام التلاوة. وهذا لم يكن من الأمر الأول ..
قال الشيخ بكر في رسالته دعاء القنوت : إنّ التلحين، والتطريب، والتغني، والتقعر، والتمطيط في أداء الدعاء، منكر عظيم، ينافي الضراعة، والابتهال، والعبودية، وداعية للرياء، والإعجاب، وتكثير جمع المعجبين به وقد أنكر أهل العلم على من يفعل ذلك في القديم والحديث.
فعلى من وفقه الله - تعالى - وصار إمامًا للناس في الصلوات، وقنت في الوتر، أن يجتهد في تصحيح النية، وأن يلقي الدعاء بصوته المعتاد، بضراعة وابتهال متخلصًا مما ذكر، مجتنبًا هذه التكلفات الصارفة لقلبه عن التعلق بربه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى – : ولهذا نرى ونسمع في عصرنا الترنم والتلحين في الدعاء من سيمات الرافضة والطُّرقية، فعلى أهل السنة التنبه للتوقِّي من مشابهتهم.
10- الاعتداء في الدعاء بتجاوز الحد المأثور ، والإطالة فيه ، والتشقيق والتفصيل وأدعية غير مأثورة كقول البعض مثلا : اللهم جمد الدم في عروقهم ، وكقولهم : اللهم زوج شباب المسلمين ، اللهم ارزقنا الحج هذا العام وغير ذلك ..فالدعاء ينبغي أن يكون من الأدعية المأثورة ، أو الجامعة لخيري الدنيا والآخرة ..
11- التخشع فيه ورفع الصوت إلى حد البكاء فنرى كثيرا من المصلين تؤثر فيهم بعض الأدعية وربما هي غير مأثورة بل هي من كلام الإمام الداعي الذي يرتلها ويتخشع فيها ، ولا يتأثرون وهم يسمعون كلام الله ، وأنت أيها الإمام لا شك أنك تتلو عليهم آيات فيها قوارع ومواعظ تهتز لها الجبال ..كما قال تعالى : (( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خشعا متصدعا من خشية الله ..)) ومع ذلك لا تحرك فيهم ساكنا فإذا دعوت بتلك الدعوات وبتلك الطريقة اهتز لها الكثير مما يدل على خلل في القلب الذي يتأثر لكلام البشر ولا يتأثر لكلام رب البشر ..
وقد سئل سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز عن ظاهرة ارتفاع الأصوات بالبكاء؟
فأجاب السائل بقوله :
لقد نصحت كثيرًا ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء وأنه لا ينبغي، لأن هذا يؤذي الناس ويشق عليهم ويشوش على المصلين وعلى القارئ، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن لا يسمع صوته بالبكاء، وليحذر من الرياء فإن الشيطان يجره إلى الرياء، فينبغي له أن لا يؤذي أحدًا بصوته ولا يشوش عليهم، ومعلوم أن بعض الناس ليس ذلك باختياره بل يغلب عليه من غير قصد ، وهذا معفوٌ عنه إذا كان بغير اختياره، و قد ثبت عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه إذا قرأ يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
و جاء في قصة أبي بكر رضي اللّه عنه أنه كان إذا قرأ لا يُسمِع الناس من البكاء و جاء عن عمر رضي اللّه عنه أنه كان يُسمع نشيجه من وراء الصفوف ، ولكن هذا ليس معناه أنه يتعمد رفع صوته بالبكاء و إنما شيء يغلب عليه من خشية اللّه عز و جل فإذا غلبه البكاء من غير قصد فلا حرج عليه في ذلك.
12 – افتتاح البعض الدعاء الذي يدعو به بخطبة الحاجة ويذكر فيها الشهادة بصيغة الجمع فيقول : ونشهد أن لا إله إلا أنت ، ونشهد أن محمدا عبدك ورسولك ونشهد أن الجنة حق ونشهد أن النار حق ..
وهذا خطأ وغلط لأن النيابة في الشهادة بالإيمان لا تجوز أخي ولذلك رسولنا - صلى الله عليه وسلم- في خطبة الحاجة كان يقول في أدعيته بالجمع :<< نحمده ونستعينه، ونستغفره .. >> ولما يأتي إلى الشهادة يفردها ويقول:<< وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ..>> كما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية ونقله عنه الشيخ الألباني في رسالته القيمة خطبة الحاجة .
وأن دعاء القنوت لا يفتتح بخطبة الحاجة وإنما يدعو مباشرة ، نعم إذا أراد أن يدعو خارج الصلاة فله أن يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يصلي ويسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم - ثم إذا أراد أن يختمه ختمه بالصلاة والسلام عليه فإنه أحرى أن يستجاب ، أما دعاء القنوت فيتوقف على ما ورد فيه ..
وأصح ما ورد في دعاء القنوت : هو ما علمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لسبطه الحسن حيث قال :علمني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: << اللهم أهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت >>.
ولا بأس من الزيادة عليه من غير إطالة مفرطة بلعن الكفرة ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان ، لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه ، لكن بالمأثور عنهم فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبيد القاري : "
وكانوا يلعنون الكفرة في النصف : اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ، ويُكذبون رسلك ، ولا يؤمنون بوعدك ، وخالف بين كلمتهم ، وألق في قلوبهم الرعب ، وألق عليهم رجزك وعذابك ، إله الحق ) ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ، ثم يستغفر للمؤمنين.
قال : وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته : ( اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، ونرجو رحمتك ربنا ، ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوي ساجداً " صحيح ابن خزيمة (1100).وقال شيخنا الألباني في قيام رمضان (ص31/32) صحيح.
ومن السنة أن يقول في آخر وتره قبل السلام أو بعده:"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك".وهذه سنة مهجورة .
13- المبالغة في رفع الإمام صوته في الدعاء، حتى يصل أحياناً- إلى حد الصياح والصراخ. هذا يحدث مع أن الله - عز وجل - يقول: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} فسمَّى الله - سبحانه وتعالى - رفع الصوت في الدعاء اعتداء، ويقول - سبحانه -: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيْلاً}.
فالسنة خفض الصوت في الدعاء وفي ((الصحيحين)) عن عائشة، في قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء:110] ، أنها نزلت في الدعاء.وكذا روي عن ابن عباس وأبي هريرة، وعن سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة وعروة ومجاهدٍ ولإبراهيم وغيرهم.
وفي الحديث الذي رواه البخاري (2992-4205- 6384..) ومسلم (2704): عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا..
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ)).
قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري شرح صحيح البخاري(7/402) وقال الإمام أحمد: ينبغي أن يسر دعاءه؛ لهذه الآية. قال: وكان يكره أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء.
وقال الحسن: رفع الصوت بالدعاء بدعةٌ.
وقال سعيد بن المسيب: أحدث الناس الصوت عند الدعاء.وكرهه مجاهدٌ وغيره. وروى وكيعٌ، عن الربيع، عن الحسن - والربيع، عن يزيد بن أبانٍ، عن أنسٍ -، أنهما كرها أن يسمع الرجل جليسه شيئاً من دعائه.
ورفع الصوت بالدعاء بالإضافة إلى مخالفته للسنة، فهو مُذهبٌ للخشوع مجلبٌ للرياء والعياذ بالله.
قال ابن بطال في شرح البخاري (5/152)قال الطبري: في هذا الحديث من الفقه كراهية رفع الصوت بالدعاء وهو قول عامة السلف من الصحابة والتابعين .
وعن قيس بن عبادة قال: (كان أصحاب رسول الله يكرهون رفع الصوت ورفع الأيدي عند القتال، والدعاء) . 14- المبالغة في رفع الصوت بالبكاء : قال سعيد بن أبى عروبة: حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: (ثلاث مما أحدث الناس: رفع الصوت عند الدعاء، ورفع الأيدي، واختصار السجود) وذكر عن مجاهد أنه رأى رجلا يرفع صوته بالدعاء فحصبه. انتهى كلامه .
ينبغي للإمام إذا تأثر بالقرآن أو بالدعاء أن يدافع البكاء، فلم يكن من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبكي في الصلاة بصوت عالٍ ليبكي من خلفه، كما يفعله بعض الأئمة- هداهم الله- اليوم فيستدعون ببكائهم بكاء غيرهم، ناهيك أنهم يبكون بنحيب
وعويل وشهيق، بل كان - صلى الله عليه وسلم - يكتم بكاءه في صدره حتى يصبح له أزيز كأزيز المرجل- أي كغلي القدر -. قال ابن القيم - رحمه الله - عن هديه - صلى الله عليه وسلم - في البكاء: ((وأما بكاؤه - صلى الله عليه وسلم - فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت) .
ولم يشعر ابن مسعود - رضي الله عنه - ببكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ عليه طرفًا من سورة النساء، إلا بعد أن نظر إليه فوجد عينيه تذرفان، والقصة في صحيح البخاري، فمدافعة البكاء إتباعٌ للسنة ومدعاة للإخلاص.
15- الإطالة المفرطة في الدعاء: بعض الأئمة ربما جعل دعاء قنوته أطول من صلاته، وهذا خلاف هديه - صلى الله عليه وسلم - إذ كان يدعو بجوامع الكلم، بخلاف ما عليه كثير من الأئمة في هذه الأيام، فمنهم من يجعل الدعاء موعظة يذكر فيها الجنة وصفاتها، والنار وما فيها من أهوال، وعذاب القبر ، وما فيه من وحشة وظلمة ، في سجع متكَلفٍ يستثير به عواطف الناس ، ويستدعي بكاءهم مما لا تجد معشاره أثناء قراءة القرآن، كل هذا مع أنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعاء القنوت إلا حديث الحسن بن علي - رضي الله عنهما -: ((اللهم أهدنا فيمن هديت... )) على خلاف في صحة ثبوت ذكر الوتر فيه..
وقد ورد الدعاء على الكفرة بعد النصف من رمضان من فعل أبيّ بن كعب في عهد عمر - رضي الله عنهما - ولست بمحرِّج على مَن دعا بغير ذلك لكنّ الكلام هنا في الإطالة المفرطة في الدعاء بصورة تشق على كثير من المصلين مع أن الغالب أن فيهم المريض والكبير والمرأة .
16- الاعتداء في الدعاء وتكلف السجع فيه: من الآثار السيئة لترك السنة و الاكتفاء بالدعاء بالمأثور والعدول عن ذلك باستعمال غرائب الأدعية المسجوعة والمتكلفة، ما يقع فيه بعض الأئمة من عبارات تُعد اعتداء في الدعاء..
فمن ذلك قول بعضهم: ((يا من لا تراه العيون ولا يصفه الواصفون)) وإن كان هذا اللفظ قد ورد عند الطبراني في الأوسط إلا أن إسناده ضعيف وهو مخالف لما أجمعت عليه الأمة من وصف الله - جل وعلا - بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم –
ومن ذلك أيضًا قول بعضهم: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه، فهذا معارِض لما في الحديث الحسن: ((لا يرد القضاء إلا الدعاء)) فكيف لا ندعو الله برد القضاء؟! وهو من القضاء ..
وقولهم ذلك ليس حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا أصل له في كتب السنة النبوية، وإنما هو قولٌ درج على ألسنة بعض الناس، ويعتبر الدعاء به من الأخطاء التي تقع في الدعاء.
بل ورد في السنة النبوية ما يدل على خلاف ذلك ؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح عن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر)) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (1/ 22).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (( لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة)) رواه الحاكم وصححه، وحسنه العلامة الألباني قديما ثم تراجع عن ذلك وضعفه فقال في سلسلة الأحاديث الضعيفة (14/594)(ح6467) ضعيف جدا .
قال العلامة محمد العثيمين في شرح الأربعين نووية (66): [وفي هذا المقام يُنكَرُ على من يقولون: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) فهذا دعاء بدعي باطل، فإذا قال: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) معناه أنه مستغن، أي افعل ما شئت ولكن خفف، وهذا غلط، فالإنسان يسأل الله عزّ وجل رفع البلاء نهائياً فيقول مثلاً: اللهم عافني، اللهم ارزقني، وما أشبه ذلك. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهَمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. فقولك: (لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللّطف فيه) أشد.
واعلم أن الدعاء قد يرد القضاء، كما جاء في الحديث (لاً يَرُدُّ القَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ). وكم من إنسانٍ افتقر غاية الافتقار حتى كاد يهلك، فإذا دعا أجاب الله دعاءه، وكم من إنسان مرض حتى أيس من الحياة، فيدعو فيستجيب الله دعاءه.
قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فذكر حاله يريدُ أنّ اللهَ يكشفُ عنهُ الضُّرَّ، قال الله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ}. انتهى كلامه .
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ((فانظر السجع من الدعاء، فاجتنبه فإني عهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب)). أي يجتنبون السجع في الدعاء ولا يقصدونه .
وقد يدخل التشقيق والتفصيل في الدعاء والذي يفعله كثير من الأئمة في هذه الأيام في هذا الاعتداء ففي سنن أبي داود أن ابناً لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - كان يدعو، فسمعه سعد وهو يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا ..وكذا.. وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها فقال: يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: << سيكون قوم يعتدون في الدعاء فإياك أن تكون منهم، وإنك إن دخلت الجنة نلت ما فيها من الخير، وإن أُعذت من النار نجوت مما فيها من الشر>> حسنه الحافظ ابن حجر والألباني، فسمى التفصيل في الدعاء اعتداءً.
17- المبالغة في التلحين والتطريب والتغني في الدعاء. إن مما يبعث على الأسى والحزن لجوءُ كثيرٍ ممن يُظن أنهم من مقتفي الأثر والسنة إلى المبالغة في الترنيم والتلحين والتطريب بل والتجويد أحياناً حتى كأن أحدهم يقرأ السورة من القرآن، فتجده يطبق أحكام التجويد كالإدغام والإخفاء والمدّ حتى يظن الظان أنه يتلوا آيات من الكتاب العزيز، وما هو من الكتاب، ويزداد الطين بله إذا ضَمّن دعاءه آياتٍ من كلام الله بحيث يعسر على العوام التفريق بينهما، ونتيجة لذلك فإن بعض الناس يتأثر بتلحين الإمام أكثر من تأثره بالدعاء نفسه، ولا يفهم من هذا أن لا يُحسن الداعي صوته، فهذا لا بأس به، لكن الذي نراه اليوم من كثير من الأئمة مبالغة في التلحين والتطريب، والتغني بصورة إذا جمعت معها رفع الصوت وخفضه، والاعتداء المذموم، مع أخطاء قد تكون عقدية، يذكرك ذلك بدعاء بعض أهل البدع في مناسباتهم، والله المستعان .
18- مواظبة بعض الأئمة على دعاء معين في كل قنوت : ومن ذلك تجد أن كثيراً منهم يُلحق دعاء (( اللهم اهدنا فيمن هديت... )) بدعاء ((اللهم اقسم لنا من خشيتك.. )) لا يكاد يترك ذلك ليلة واحدة، و لا يختم دعاءه إلا بقوله: (( اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك.... ))
حتى ظنَّ كثيرٌ من العامة -بل من الأخيار- أن هذا من السنة، وهذا البدء والختم بهذه الطريقة والمواظبة عليها أول من ابتدأه أحد أئمة المسجد الحرام الفضلاء - رحمه الله - فتتابع الناس عليه، فالدعاء الأول سبق الكلام عليه ، والثاني لم يصح مطلقاً أنه من أدعية القنوت، والثالث ثبت من حديث عائشة عند مسلم أنه كان يقوله في سجوده، فقد فقالت أمنا رضي الله عنها : فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان -وعند النسائي وأبي داود والترمذي: وهو ساجد- وهو يقول اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)).
وورد عند أحمد وغيره من أصحاب السنن أنه كان يقوله في آخر وتره ومعلوم أن القنوت في أول الوتر وليس في آخره، وعند النسائي وغيره: إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه، لذلك قال بعض العلماء في آخر وتره أي بعد السلام منه واستبعد شيخ الإسلام ابن تيميه أنه كان يقوله في الوتر فقال في الفتاوى (17/91): ((وروى الترمذي أنه كان يقول ذلك في وتره لكن هذا فيه نظر)).
فإذا كانت المواظبة على القنوت كل ليلة فيها إيهامٌ للعامة أنها السُّنَّة المستقرة، مع أن تركه أحياناً أفضل، فكيف بالمواظبة على دعاء معين في أوله وآخره؟
19- تخصيص بعضهم ليلة السابع أو التاسع والعشرين بدعاء مخصوص ربما سماه البعض دعاء ختم القرآن: وهذا مما أحدثه الناس، وليس عليه في داخل الصلاة سواء في القنوت أو غيره، دليل صحيح لا من فعله - صلى الله عليه وسلم - ولا من فعل أصحابه - رضي الله عنهم - أجمعين، ولعل ذهاب بعض كبار العلماء إلى جوازه دون دليل صحيح فيه اختبار وامتحان لمقتفي الأثر ومتبعي السنة؛ أيتبعون صاحبها أم يقلدون علماءهم؟ أمَّا العوام فحدِّث ولا حرج عن حرصهم على هذا الدعاء فهو يفوق حرصهم على فريضة العشاء نفسها والله المستعان.
20- ومن المخالفات أيضًا: ما يحدث من بعض الأئمة في أثناء دعاء القنوت من تخصيص نفسه لنفسه أو التكلم بضمير المتكلم مثل: "حسبي به كفيلًا" أو"حسبي به وكيلًا" أو يخص نفسه بالدعاء دون الآخرين.
قال الإمام البغوي -رحمه الله تعالى-: " ... وإن كان إمامًا فيذكر بلفظ الجمع: اللهم اهدنا وعافنا وتولنا، وبارك لنا، وقنا، ولا يخص نفسه بالدعاء". اهـ (شرح السنة 3/ 129).
وقال الشيخ ابن باز -حفظه الله تعالى- في جواب له: "يدعو بصيغة الجمع، فيقول: اللهم اهدنا
فيمن دهيت ... إلى آخره ولا يخصص نفسه . انتهى كلامه .
لأن تخصيص الإمام نفسه بالدعاء دون من يصلي وراءه يعد خيانة لهم ، فلا ينبغي وهذا عام في الصلاة أو في القنوت .
21- تخصيص ليلة سبع وعشرين بشيء من الاحتفالات ، بعضهم يخصصها للختان الجماعي ، فيختنون لكثير من الأولاد في المسجد أو يختن لهم في عيادة ويؤتى بهم إلى المسجد حيث تقام لهم حفلة بمناسبة ليلة سبع وعشرين ويعتقدون أن الذي يختن فيها يكون مباركا ومتفوقا وغيرها من الخرافات ...
أما أن ليلة القدر غير مستقرة في يوم بعينه فهي في العشر الأواخر أو في الوتر من العشر الأواخر ، والوتر منها يختلف باختلاف ثبوت رؤية الهلال وعدم ثبوتها ، فإن رؤية هلال رمضان فتكون الليلة سابقة للنهار فنعد للوتر بالليالي المتقدمة للأيام ، وإن أكملنا عدة شعبان فتكون ليلي الوتر متأخرة عن النّهار تابعه له فتختلف ليلة القدر من عام لآخر حسب هذا التفريق فكيف يجعلونها ليلة واحدة دائما هي السابع والعشرين ؟؟؟
أو تخصيصها من أجل إقامة حفلات بالأناشيد توزع فيها الجوائز على النوابغ والمتفوقين في دروسهم أو في المسابقات التي تقام في المساجد بمناسبة شهر رمضان ، وتجمع فيها الأموال من أجل تكريم الأئمة الذين صلوا بهم التراويح ، ويكون فيها التباهي أي مسجد يجمع أكثر مما يدفع بالأئمة إلى البحث عن المسجد الذي يدفع أكثر ويدفع بكثير من النشء إلى حفظ القرآن ليأكلوا به .. لا ليعملوا به ويتدبروه ، ويصبح قصدهم الدنيا ليس إلا ، والله تعالى يقول : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحد }.
22 - ومن المخالفات التي ظهرت في رمضان وهي موجودة في بعض المساجد في كل جمعة من السنة يقوم الخطيب بتنبيهات تفصيلية وتذكير المصلين بأن محسنا تبرع بكذا ومحسنة تبرعت بكذا ولها ابنا مريضا وتطلب منكم الدعاء ، أو أن ابنها سيتقدم إلى امتحان معين تطلب منكم الدعاء لينجح فيه ، وآخر يبحث عن عمل وقد تبرع بكذا من المال يطلب منكم الدعاء ، وآخر يبحث عن زوجة صالحة تبرع بكذا يطلب منكم الدعاء وآخر مريض وهكذا في قائمة طويلة يكررها كل جمعة وفيها قائمة جديدة ممن تبرعوا بشيء من الدراهم المعدودة يطلبون بها الدعاء ..
ثم جروا هذه المخالفة إلى رمضان في كل ليلة قبل صلاة العشاء حيث يقوم الإمام بالإلقاء كلمة أو درس وفي أخره يذكر وينبه على ذلك أن فلان تبرع بكذا يطلب الدعاء وهكذا .. وهذا لم يكن من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من هدي أصحابه بل هو إحداث في دين الله ، ولما ذكّرت به بعضهم استدل علي بالعمومات التي تحثُ على الإحسان وتحث على دعاء المسلم لأخيه المسلم عن ظهر الغيب ، أو تجيز طلب الدعاء من الغير ، فقلت له من هذه أوتيتم ، فإن أحسن من فهم هذه العمومات هو النبي - r- الذي قالها وصحابته أيضا ومع ذلك لم يعهد عنهم مثل هذه الأمور وهي من أمثل مخالفتكم .
23 – عدم جعل فاصل بين العشاء وصلاة التراويح ، فهناك الكثير من المساجد بمجرد ما يؤذن للعشاء ويفرغ من الآذان تقام الصلاة دون انتظار ولو بضع دقائق ، ثم يخفف الإمام صلاة العشاء كثيرا ، ثم يصلها بالتراويح مباشرة ، يقصد أن ينتهي منها بأكبر سرعة ممكنة لأن الوقت في الصيف متأخر نوعا ما ...وقد جاء النبي عن وصل الصلاة بأختها .
24 - اعتقاد الكثير من الناس أنه لابد من ختم القرآن في التراويح وبالذات في ليلة سبع وعشرين ، وإذا ختموا لا يرتحلون إلى القراءة من أول المصحف بل يتوقفون عن القيام والتراويح لأنهم ختموا المصحف وأدوا ما عليهم ؛ فهم يعتقدون أن لكل رمضان ختمة إذا فعلوها قد قاموا كل رمضان .. 25- إقامة جماعة ثانية في المسجد بما يسمى التعقيب ، فالصحيح أن تقسيم القيام إلى قيام أول بعد العشاء ثم يذهبون ويعودون بعد منتصف الليل للقيام الثاني بما يسميه بعضهم التهجد ، وبعضهم التعقيب ، يصلون في الأول عندنا إحدى عشر ركعة ، وفي القيام الثاني كذلك ، ويلتزمون قراءة ربع في كل ركعة والذي يقوم بهم هو نفس الإمام وبعضهم يغيرون الإمام فالذي يصلي التراويح لا يصلي التهجد لكن المصلين هم أنفسهم فهذا خلاف السنة ، ولم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا مرة ، مع أنه كان جمع بهم القيام الأول وكان يطيل القيام وتركه خوفا أن يفرض عليهم فلا يستطيعون ، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم - لم يتقصد القيام بهم إلا في ليلة سبع وعشرين ، ثم توقف وقال لهم :<< فقد علمت مكانكم ، ولكن صلوا في بيوتكم فصلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة >> أو كما قال صلى الله عليه وسلم ..
وكذلك لم يفعله الخلفاء الراشدون وكرهه بعض الصحابة كأنس بن مالك رضي الله عنه وبعض التابعين ، وحكم عليه بعض العلماء بالبدعة منهم الشيخ الألباني - رحمه الله - هذا غير الاجتهاد في العشر الأواخر لمن أحيا ليله فله ذلك ولكن في غير جماعة حتى يكون أبعد عن الرياء وأقرب إلى القبول.
فقد اعتكف النبي - صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر واعتكف معه بعض أصحابه ولم يثبت أنه جمع بهم ولو مرة واحدة الجماعة الثانية ، غاية ما فعل أنه صلى وراءه جماعة في يومين أو ثلاث ثم توقف خوفا من أن تفرض عليهم فلا يستطيعون .
وختاماً أدعو الأئمة الذين - وفقهم الله - فهيأ لهم إمامة صلاة التراويح، والقيام بإمامة الناس في المساجد أن يتقوا الله وأن يقتفوا سنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - حتى نرى المساجد وقد اكتظت بالمصلين على السنة ، فإن إحياء السنة فيه خير عظيم للأمة ، وإن منهج السلف الصالح فيه غنية عما يحدثونه والخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في اتباع من خلف .
وعلى الإمام أن يدعو لهم بدعاء مأثور لا يطيل فيه ولا يعتدي؛ يدعوا بقراءته المعتادة دون تلحين ولا تطريب ولا تجويد كتجويد القرآن، وإن تأثر فبكى وذرفت عيناه كتم بكاءه و أخفاه حتى إذا غلبه خرج منه كأزيز المرجل بلا نحيب ولا شهيق لا يكاد يشعر به إلا القريبون منه، فذلك فوق طاقته وقدرته فلا يلام عليه .
كما أدعوهم أن لا يغفلوا عن الدعاء على الكفرة من أهل الكتاب والمشركين وأن ينصر الله المسلمين عليهم، وخاصة في النصف الأخير من رمضان، كما ثبت عن الصحابة في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - أجمعين. والله أعلم.
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسيالجزائر/ 25 رمضان 1434هـ .أعدت النظر فيها مع زيادات في 2/رمضان 1437هـ