الحمد لله مُنزل الكتاب ومُشرع القنوت لأسباب، والصلاة والسلام على خير من قنت وأناب، وعلى آله وصحبه الأحباب.
أما بعدُ:
فقد بوب الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله في كتاب ((قيام الليل)): (باب ترك القنوت في الوتر إلا في النصف الآخر من رمضان).
وقال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله في ((الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية)) (ص 6): ((من السُّنة للإمام إذا صلى بالناس جماعة الوتر في رمضان أن لا يقنت في النصف الأول من رمضان)) اهـ.
وذلك لأن الآثار الوارد في صلاة الترويح في جماعة جاء فيها القنوت في النصف الأخير من رمضان، ولم أقف على أثر واحد خلاف ذلك.
وهذه جملة الآثار التي جاء فيها أن القنوت كان في النصف الآخر.
أخرج ابن خزيمة في ((صحيحه)) أن عبد الرحمن بن عبد القاري - وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال - أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون - يريد آخر الليل - فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق ثم يكبر ويهوى ساجدا.
قال الإمام الألباني رحمه الله: إسناده صحيح.
وعن قتادة عن الحسن: (إن أبيا أم الناس في خلافة عمر فصلى بهم النصف من رمضان لا يقنت فلما مضى النصف قنت بعد الركوع فلما دخل العشر أبق وخلى عنهم فصلى بهم العشر معاذ القارئ في خلافة عمر).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) ومن طريقه ابن المنذر في ((الأوسط)).
قال الشيخ بازمول حفظه الله: أثر حسن لغيره.
وعَنْ الْحَسَنِ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبي بن كعب فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِذَا كَانَتْ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: أَبَقَ أُبَيٌّ).
أخرجه أبو داود في ((السنن)) ومن طريقه البيهقي في ((الكبرى)) و((الصغرى)).
هذا الأثر ضعفه الألباني.
وقال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله: أثر حسن لغيره.
والشيخ محمد حسنه لشواهده، قال حفظه الله: ((والحسن البصري لم يدرك عمر بن الخطاب ولا أُبي بن كعب رضي الله عنهما. لكن يشهد له)) اهـ.
وعَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ: (أَنَّ أُبي بن كعب أَمَّهُمْ يَعْنِي فِي رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ).
أخرجه أبو داود في ((السنن)) ومن طريقه البيهقي في ((الكبرى)) وذكره في ((الصغرى)) ومحمد هو: ابن سيرين.
هذا الأثر أيضا ضعفه الألباني وقال الشيخ بازمول حفظه الله: حسن لغيره.
ثم قال حفظه الله: ((وفي السند مبهم فالسند ضعيف. لكن يشهد لمتنه)).
وعن المهلب بن أبي حبيبة قال: سألت سعيد بن أبي الحسن عن القنوت فقال: (في النصف من رمضان كذلك علمنا).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) ومن طريقه ابن المنذر في ((الأوسط)) وأخرجه البيهقي في ((الكبرى)) كلهم من طريق سفيان عن أبي إسحاق به.
قال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله: إسناده صحيح.
وعن أبي عبد الله العتكي، عن عثمان بن سراقة (أنه كان يقنت في النصف الثاني من رمضان، وكان يقنت بعد الركوع)
وكان عثمان بن عبد الله بن سراقة هو ابن المعتمر العدوي، أبو عبد الله المدني، سبط عمر ابن الخطاب، أمه زينب بنت عمر وكانت أصغر ولد عمر وكان أميرا على مكة.
أخرجه الفاكهي في ((أخبار مكة)) رجاله ثقات غير العتكي وهو: عبيد الله بن عبد الله أبو منيب.
قال البخاري في ((الضعفاء الصغير)): عنده مناكير.
ووثقه ابن معين كما في ((تاريخه)).
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)): ((سمعت أبي يقول: هو صالح الحديث - وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء وقال: يحول)) اهـ.
وقال ابن حجر في ((التقريب)): صدوق يخطئ.
وقال الألباني في ((صحيح أبي داود)): ((أما أبو المنيب؛ فقد عرفت أن القال الذي فيه لا يضر)).
وبهذا يكون السند حسن إن شاء الله.
ويشهد له ما أخرجه الفاكهي في ((أخبار مكة)) عن عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: (أَمَّنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَكَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَكَانَ يَقْرَأُ بِنَا فِي الْوِتْرِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، يَعْنِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ).
وهذا الأثر حسن فيه أحمد بن جعفر المعقري نزيل مكة مقبول كما في ((التقريب)) والنضر بن محمد هو ابن موسى الجرشي أبو محمد اليمامي مولى بني أمية ثقة كما في ((التقريب)).
وجاءت آثار أخرى في بعضها ضعف غير أنه لم يأت فيها التصريح بأنها في جماعة.
وعن نافع عن ابن عمر: (أنه كان لا يقنت إلا في النصف يعني من رمضان).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) ومن طريقه ابن المنذر في ((الأوسط)).
وفي رواية عند البيهقي في ((الكبرى)) و((معرفة السنن والآثار)): (كان لا يقنت في الوتر إلا في النصف من رمضان).
قال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله: إسناده صحيح.
وقال الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)): ((وروى محمد بن نصر بإسناد صحيح أن ابن عمر كان لا يقنت في الصبح ولا في الوتر إلا في النصف الآخر من رمضان)) اهـ.
وعن الحارث عن علي: (أنه كان يقنت في النصف من رمضان).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) ومن طريقه ابن المنذر في ((الأوسط)) وأخرجه البيهقي في ((الكبرى)) كلهم من طريق سفيان عن أبي إسحاق به.
قال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله: ((إسناده ضعيف.
ثم قال: وفي السند الحارث بن عبدالله الأعور. في حديثه ضعف كما في التقريب)) اهـ.
وعن أنس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في النصف من رمضان إلى آخره).
أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) ومن طريقه البيهقي في ((الكبرى)) من طريق أبي عاتكة به.
قال البيهقي رحمه الله: ((وقد روي فيه حديث مسند إلا أنه ضعيف لا يصح إسناده.
ثم قال: أبو عاتكة طريف بن سلمان ويقال: بن سليمان منكر الحديث سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري)) اهـ.
وقال الشيخ بازمول حفظه الله: إسناده ضعيف.
قال المروزي رحمه الله في ((مختصر قيام الليل)): ((وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ إِذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ لَعَنَ الْكَفَرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْوِتْرِ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو: (كُنَّا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ نَقْنُتُ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ) وَكَانَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ، وَقَتَادَةُ يَقُولُونَ: (الْقُنُوتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ: أَمَرَنِي أَبُو مِجْلَزٍ، أَنْ أَقْنُتَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ: (إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَاقْنُتْ) وَسُئِلَ الْحَسَنُ: هَلْ فِي الْفَجْرِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ، قَالَ: (دُعَاءُ اللَّهِ كَثِيرٌ مَعْلُومٌ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ الْمُوَقَّتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ) وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: (كَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ، وَفِي رِوَايَةٍ،: لَا قُنُوتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَعَنِ الْحَارِثِ: (أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، وَكَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا فِي خَمْسَ عَشْرَةَ يَبْقَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ) وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ سُرَاقَةَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: كَانَ أَبِي، يَقْنُتُ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ)) اهـ.
وقال ابن المنذر رحمه الله في ((الأوسط)): ((كان مالك بن أنس يقول: (يقنت في النصف من رمضان يعني الإمام، ويلعن الكفرة، ويؤمن من خلفه)) اهـ.
وقال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله في ((الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية)) (ص 86): ((ويتأكد المداومة عليه في النصف الأخير من رمضان من الليلة السادسة عشرة، ويشرع ترك القنوت في النصف الأول من رمضان إذا صُلي بالناس، وهذا من السنن المهجورة، بل المجهولة. فإن قنت في أوله وآخره جاز)) اهـ.
ومما يسبق يكون المفهوم ترك الإمام القنوت في النصف الأول من رمضان هو سنة تركية.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 12 رمضان سنة 1437 هـ
الموافق لـ: 17 يونيو سنة 2016 م