بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلاله وكماله وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده شريك له ، شهادة أدخرها إلى يوم لقائه ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، أرسله الله بالهدى ودين الحق ، رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد : قال تعالى : { ..فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }(43)الأنبياء .
قال الشيخ السعدي رحمه الله – (1/441): وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.انتهى كلامه .
وفي الآية الكريمة أن الله تعالى قسم النّاس إلى أهل ذكر وهم العلماء ، وأهل سؤال وهم كل من جهل شيئا واحتاج إلى معرفة حكمه فعليه أن يسأل أهل العلم عنه ويعرف حكمه في شرع الله تعالى .طالبا الحق ، تاركا تتبع الرخص المذمومة من أجل هواه وحظوظ نفسه .
وإذا كان الأمر بالنسبة للمستفتي كذلك فإنّ على المفتي أن يتجنب التساهل في الفتوى ، والتلفيق المذموم بحجة سماحة الشريعة ويسرها ، قال ابن مفلح : يحرم التساهل في الفتيا واستفتاء من عرف بذلك . المبدع (10/25).
كما ينبغي له أن يتجنب الرأي الباطل الذي لا يعضده دليل ، أو يقوم على وهم وتقليد مخالف للنصوص الشرعية .
قال ابن القيم رحمه الله : الرأي الباطل أنواع ؛ أحدها : الرأي المخالف للنص ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه ، ولا تحل الفتيا به ، ولا القضاء ، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد . إعلام الموقعين (1/87).
فعلى المفتي أن يبتغي الحق ، ويفتي به ، مقدما رضا الله تعالى على إرضاء الخلق ، وعليه أن يبين للمستفتي المسألة بوضوح لا لبس فيها حتى لا يوقعه في الحيرة والاضطراب ، وإذا رأى أنه لم يفهم أو لم يهضم الفتوى أن يوضح له أكثر أو يرشده إلى من هو أعلم منه علما وتفهيما للناس .
كما ينبغي على المفتي والمستفتي اجتناب تتبع الترخص المذموم فقد نقل الإجماع على تحريم ذلك غير واحد من أهل العلم منهم ابن حزم ، وابن عبد البر المالكي ، والباجي الشافعي ، وابن الصلاح ، وابن النجار وغيرهم .. انظر غير مأمور مراتب الإجماع (ص58)وجامع بيان العلم وفضله (2/91)وشرح الكوكب المنير (4/578) وأد الفتي والمستفتي (ص125).
وهذه بعض أقوال العلماء :
قال الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ( ثلاث يهدمن الدين ، زلة العالم ، وجدال المنافق ، وأئمة مضلون ) سنن الدارمي (1/71)، وجامع بيان العلم وفضله (2/135).
وقال الإمام الأوزاعي – رحمه الله - : ( من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام ) نوادر العلماء هي شواذهم . سير أعلام النبلاء (7/126).
وقال إبراهيم بن عليه – رحمه الله - : من تتبع شواذ العلم ضل .ذيل مذكرة الحفاظ (ص187).
وقال سليمان التيمي – رحمه الله - : ( لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله )جامع بيا العلم وفضله .(2/122).
وقال الإمام أبو محمد بن حزم – رحمه الله - : وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل ، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى وعن رسوله . الإحكام في أصول الأحكام (ص645).
فكما أنه لا يجوز للسائل أن يتتبع الرخص من أجل هواه وحظوظ نفسه كذلك لا ينبغي للمفتي أن يترخص بالرخص المذمومة من أجل كسب رضا النّاس ومن أجل التكتل والتجميع .
ومسألة سؤال أكثر من شيخ أو عالم في مسألة واحدة لا تذم إلا إذا كان قصد السائل المستفتي اتباع الهوى ، وحظوظ النفس بالحث والتقصي لشواذ العلماء ونوادرهم في تلك المسألة .
أما إذا كان قصد السائل المستفتي طلب الحق ، ولو كان ثقيلا ، ولو كان عليه لا له فهذا لا بأس به ، وليس هو من قبيل تتبع الرخص المذموم ، وله أن يسأل ولو أكثر من عالم ، وكذلك طالب العلم الذي يبحث ويريد أن يحرر المسألة ويخرج بالراجح فيها دون تعصب ولا انتصار للباطل ، و لا ميل النفس للهوى ، وخاصة في مسألة التثبت من ألفاظ الحديث وصحته في الرواية وهذا كثير ، وكذلك في مسائل الرجال وتراجمهم وسؤالات أبن أبي حاتم لأبي زرعة ثم لأبيه خير دليل ، وكذلك في القضاء والحدود فهذا جائز بدليل ما جاء في البخاري برقم ( 2695 )- حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما، قالا: جاء أعرابي، فقال: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، فقام خصمه فقال: صدق، اقض بيننا بكتاب الله، فقال الأعرابي: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، فقالوا لي: على ابنك الرجم، ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم، فقالوا: إنما على ابنك جلد مائة، وتغريب عام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة، وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس لرجل فاغد على امرأة هذا، فارجمها))، فغدا عليها أنيس فرجمها. البخاري (14) ومسلم (1697)
وفي موطأ مالك برقم(6) - َنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. وَائْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ: «تَكَلَّمْ» فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا. فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ. فَأَخْبَرَنِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ. فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي. ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي: أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ» وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً. وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ. فَإِنِ اعْتَرَفَتْ، رَجَمَهَا. فَاعْتَرَفَتْ. فَرَجَمَهَا قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ وبرقم (1760) برواية أبي مصعب الزهري .
للفائدة : قال ابن عبد البر في التمهيد (9/76) وَمِنْهَا أَنَّ لِلْعَالِمِ أَنْ يُفْتِيَ فِي مِصْرٍ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ إِذَا أَفْتَى بِعِلْمٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار(7/476) وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دُرُوبٌ مِنَ الْعِلْمِ ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِمَ يُفْتِي فِي مِصْرٍ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ منه ؛أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قال ابن بطال (8/449) وفيه: أن العالم قد يُفتي في مصر فيه من هو أعلم منه، ألا ترى أنه سأل أهل العلم ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أظهرهم، وكذلك كان الصحابة يفتون في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) . وفى سؤاله أهل العلم ورجوعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) دليل على أنه يجوز للرجل ألا يقتصر على قول واحد من العلماء.
وهذا كثير في الصحابة والتابعين ، أن الواحد منهم كان يسأل عن المسألة فيجيبه في ذلك ، فإذا التقى عالما آخر من الصحابة سأله عن ذلك فإما صدقه ، وإما قال كذب بمعنى أخطأ وإما قال لا علم لي بذلك وأخبره بما يعلم في المسألة .سأنقل طائفة من ذلك .
وفي هذا الحديث بيان أن الرجل استفتى أكثر من واحد واختلفت فتواهم مما دفعه أن يذهب للنبي صلى الله عليه ، ويستفتيه ويطلب منه أن يحكم بينهم ويفتيهم بكتاب الله وسلم ليرفع الخلاف ويحل الإشكال.
قال أبو محمد بن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام (6/100) : وهذا أعظم حجة عليهم في إبطال التقليد؛ لأن المفتين اختلفوا في تلك المسألة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي ، فأفتى بعضهم على الزاني غير المحصن بالرجم ، وأفتى بعضهم عليه بجلد مائة وتغريب عام ، فكان هذا التنازع لما وقع قد وجب فيه الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فرد الأمر إليه فحكم بالحق وأبطل الباطل .
وكذلك ينبغي لأي سائل أو طالب علم إذا رأى الاختلاف في مسألة معينة بين العلماء فعليه أن يبحث عن الحق بدليله ، ولا يختار الأخف والأسهل والشاذ والنادر وما يوافق هواه وحظوظ نفسه ومذهبه فيقول به ويفتي به .
وفي الاستذكار لابن عبد البر (5/283)(1025 ) قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعْدٍ الْجَارِي مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْحِيتَانِ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ تَمُوتُ صَرَدًا فَقَالَ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ . قَالَ سَعْدٌ ثُمَّ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وفيه (6/249) وفي التمهيد (8/269).
- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: «كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ» قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ، ثُمَّ سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: مِثْلَ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ .
وفي التمهيد (16/93) حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ تَسْأَلُهُ فَلَمْ يُفْتِهَا وَقَالَ لَهَا سَلِي. قَالَ فَأَتَتِ ابْنَ عُمَرَ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ لَهَا لَا تُصَلِّي مَا رَأَيْتِ الدَّمَ فَرَجَعَتْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ كَادَ لَيُكَفِّرُكِ قَالَ ثُمَّ سَأَلَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ تِلْكَ رِكْزَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ أَوْ قُرْحَةٌ فِي الرَّحِمِ اغْتَسِلِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مَرَّةً وَصَلِّي . قَالَ فَلَقِيَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ بَعْدُ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ مَا أَجِدُ لَكِ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ.
وفي صحيح البخاري (425) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَفْعَلُ إِنْ -[93]- شَاءَ اللَّهُ....)) الحديث وخرجه مسلم أيضا من وجهين .
قال ابن شهاب: ثم سألت بعد ذلك الحصين بن محمد الأنصاري - وهو أحد بني سالم، وهو من سراتهم - عن حديث محمود بن الربيع، فصدقه بذلك.فتح الباري لابن رجب (3/176).
وفي فتح الباري لابن حجر (9/382): وَأَمَّا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَجَاءَ فِي أَثَرٍ وَاحِدٍ مَجْمُوعًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدَهُ وَزِيَادَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدِ بْنِ الْهَادِ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ أَن بن أَخِيهِ خَطَبَ بِنْتَ عَمِّهِ فَتَشَاجَرُوا فِي بَعْضِ الْأَمْرِ فَقَالَ الْفَتَى هِيَ طَالِقٌ إِنْ نَكَحْتُهَا حَتَّى آكُلَ الْغَضِيضَ قَالَ وَالْغَضِيضُ طَلْعُ النَّخْلِ الذَّكَرِ ثُمَّ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْأَمْرِ فَقَالَ الْمُنْذِرُ أَنَا آتِيكُمْ بِالْبَيَانِ مِنْ ذَلِكَ فَانْطَلَقَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَذَكَرَ لَهُ فَقَالَ بن الْمُسَيَّبِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ طَلَّقَ مَا لَمْ يَمْلِكْ قَالَ ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَأَلْتُ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَأَلْتُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ هَلْ سَأَلْتَ أَحَدًا قُلْتُ نَعَمْ فَسَمَّاهُمْ قَالَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْقَوْمِ فَأَخْبَرْتُهُمْ.
وفي التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (25/261) ومن طريق الحجاج بن منهال: ثنا أبو عوانة، عن محمد بن قيس المرهبي قال: سألت النخعي عن رجل قال في امرأة: إن تزوجتها فهي طالق. فذكر إبراهيم، عن علقمة أو الأسود، أن ابن مسعود قال: هي كما قال، ثم سألت الشعبي، وذكر له قول إبراهيم، فقال: صدق.
وقال أبو عبد الله القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن: ( 4/ 272 )وهذه المسألة نزلت عندنا بقرطبة- أعادها الله- أغار العدوِّ- قَصَمَهُ الله- صبيحة الثّالث من رمضان المعظم من سبع وعشرين وستمئة، والنّاس في أجرانهم على غفلة، فَقَتَل وأسرّ، وكان من جملة من قُتِلَ والدي - رحمه الله -, فسألت شيخنا المقرئ الأستاذ أبا جعفر أحمد المعروف بأبي حجة، فقال: غسِّله وصلّ عليه، فإن أباك لم يُقْتَل في معترك بين الصّفين: ثّم سألت شيخنا ربيع بن عبد الرّحمن بن أحمد بن ربيع بن أبىّ فقال: إنَّ حكمه حكم القتلَى في المعترك، ثمّ سألت قاضي الجماعة عليّ ابن قطرال وحوله جماعة من الفقهاء، فقالوا: غسِّله وكفِّنه وصلَّ عليه, ففعلتُ. ثمّ بعد ذلك وقفتُ على المسألة في التبصرة لأبي الحسن اللّخمي وغيرها، ولو كان ذلك قبل ذلك ما غسّلتُه، وكنت دفنته بدمه في ثيابه".
والقصة هي: قال عبد الوارث: دخلت الكوفة فوجدت ثلاثة من فقهائها وهم؛ أبو حنيفة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة عن بيع وشرط فقال: يبطلان. ثم سألت ابن أبي ليلى عن ذلك فقال: يصح العقد ويبطل الشرط. ثم سألت ابن شُبرمة فقال: يصحان. فعدت إلى أبي حنيفة فأخبرته بما قالا فقال: لا علم لي بما قالا، ولكنه نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وشرط. ثم دخلت على ابن أبي ليلى فأخبرته بما قالا فقال: لا علم لي بما قالا، ولكنه أجاز العقد وأبطل الشرط في خبر بَريرة. ثم دخلت على ابن شبرمة فأخبرته بما قالا فقال: لا علم لي بما قالا، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - اشترى من جابر بعيرًا واشترط ظهره إلى المدينة ، فصح البيع والشرط .فقلت سبحان الله ثلاثة من فقهاء الكوفة يختلفون ؟!
هذا وقد أفتى في هذا العصر سماحة الوالد العلامة الشيخ ابن باز في المسألة فأجاز للمستفتي أن يسأل أكثر من عالم حتى يطمئن قلبه ويعلم الحق في ذلك بشرط أن يكون قصده اتباع الهوى والترخص وتتبع الشواذ من أقوال العلماء .راجع فتواه في مواقعه بصوته - رحمه الله -.
والخلاصة ، أن استفتاء أكثر من عالم أو شيخ علم في مسألة واحدة ليس مذموما على الإطلاق ، وإنما المذموم منه ما كان من باب تتبع الرخص وشواذ العلم وزلات العلماء ونوادرهم قصد الانتصار للنفس والمذهب ، والطائفة ، والتشهي واتباع الهوى ، وإيقاع الحسد والشحناء بين العلماء ، فإذا كان قصده غير ذلك مثل رفع الحيرة والإشكال الذي حصل له من فتوى العالم أو الشيخ كما حصل لأب الفتى الذي زني بامرأة ذلكم الرجل واختلفت الفتاوى في حقه ، وهكذا إذا كان قصده معرفة الحق بدليله ليتعبد الله على بصيرة ، وليصحح به خطأ قد يجر إلى اعتقاد فاسد فالأمر جائز ولا حرج في ذلك .
والمسألة تحتاج إلى تحرير أكثر وتأصيل وتقسيم نسأل الله تعالى أن يوفق طالب علم مجد أن يقوم بها .
اللهم فقهنا في ديننا وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .