الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فالدعوة إلى توحيد الله عز وجل والتحذير من الشرك دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن اتبعهم من العلماء وطلاب العلم والدعاة الصادقين.
الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك ليس لها زمن تتوقف فيه أو مكان تنحصر فيه وهي دعوة في كل زمن وفي كل مكان إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
ولهذا جاء في الحديث المتفق عليه تحذير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الشرك في أيامه الأخيرة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أو خشي أن يتخذ مسجدا)).
وعلى هذا نحيى وعليه نموت.
وتجد إبليس وجنده أحرص ما يكونوا على اضلل العبد المسلم عند احتضاره.
فتجد الشياطين يتمثلون للمسلم عند احتضاره بأبويه ويقولون له مت على اليهودية وبعضهم يقول مت على النصرانية.
أخرج الشبلي في ((آكام المرجان في أحكام الجان)) عن صفوان عن بعض الأشياح قال: (الشيطان أشد بكاء على المؤمن إذا مات من بعض أهله لما فاته من افتتانه إياه في الدنيا).
والشيطان حريص على إضلالك حتى عند ساعة الاحتضار، أخرج الشبلي في ((آكام المرجان في أحكام الجان)) عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: (رأيت أبي عند الموت يلهج بقوله: لا بعد لا بعد.
فقلت: يا أبت رأيتك تقول: لا بعد لا بعد فما هذا.
قال: الشيطان واقف عند رأسي يقول: فتنى يا أحمد وأنا أقول: لا بعد لا بعد).
فخير وسيلة للدفاع الهجوم كما يقال، فاجتهد في الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك ففيها التحصين من الشيطان الرجيم، وكذلك عليك بسلاح المؤمن، فعن أبي اليسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((اللهم إني أعوذ بك من الهدم وأعوذ بك من التردي وأعوذ بك من الغرق والحرق والهرم وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغا)) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الإمام الألباني.
قال الخطابي رحمه الله كما في ((عون المعبود)):((استعاذته عليه السلام من تخبط الشيطان عند الموت هو أن يستولي عليه الشيطان عند مفارقته الدنيا فيضله ويحول بينه وبين التوبة أو يعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله أو يؤسه من رحمة الله تعالى أو يكره الموت ويتأسف على حياة الدنيا فلا يرضى بما قضاه الله من الفناء والنقلة إلى دار الآخرة فيختم له بسوء ويلقى الله وهو ساخط عليه)) اهـ
وقال الشوكاني رحمه الله في ((تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين)): ((واستعاذ صلى الله عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان عند الموت، أي: يفتنه ويغلبه على أمره ويحسن له ما هو قبيح ويقبح له ما هو حسن ويناله بشيء من المس كالصرع والجنون ولما قيده بالتخبط عند الموت كان أظهر المعاني فيه هو أن يغويه ويوسوس له ويلهيه عن التثبت بالشهادة والإقرار بالتوحيد)) اهـ.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)).
قال ابن دقيق رحمه الله كما في ((فتح الباري)): ((العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه)) اهـ.
وقال المغلطاي رحمه الله في ((شرح ابن ماجه)): ((وقوله: ((من فتنة المحيا والممات))، أي: الحياة والموت ويحتمل زمان ذلك، ويحتمل أن يريد بذلك حالة الاحتضار والمسائلة في القبر)) اهـ.
فأنت في حاجة إلى التوحيد والدعوة إليه.
وكم من أناس خذلهم الله عند موتهم وذلك لأنهم لم يرفعوا لهذه الدعوة المباركة رأسا.
والشيطان حريص على أن يوقعك في مستنقع الشرك.
قال الخطابي رحمه الله كما في ((عون المعبود)):((وقد روي أن الشيطان لا يكون في حال أشد على بن ادم منه في حال الموت يقول لأعوانه دونكم هذا فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه بعد اليوم.
نعوذ بالله من شره ونسأله أن يبارك لنا في ذلك المصرع وأن يختم لنا ولكافة المسلمين وأن يجعل خير أيامنا لقائه)) اهـ
هذا، والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الاثنين 20 ربيع الأول سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 19 ديسمبر سنة 2016 م