بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، الحمد لله الذي عفانا مما ابتلى به كثير من النّاس وهدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : الصحة تاج من الذهب والماس على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المبتلين من النّاس.
الصحة نعمة عظيمة جليلة ..نعم والله إنها لمن خير النعم وأعظمها وأجلها.. تحتاج إلى الشكر والدوام عليه حتى تدوم نعمة الصحة والعافية .
فهل تعجب من هذا أيها المبتلي ، أيها الصحيح الشحيح ، ولم العجب ؟! والمؤمن في كل أحواله على خير وفي خير ، {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }(34)إبراهيم .
ولقد كشف النبي- صلى الله عليه وسلم – عن ذلك العجب بذكر السب ،فإذا ذكر السبب بطل العجب .
فعن أبي يحي صهيب بن سنان - رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)) رواه مسلم (2999)انظر صحيح الجامع (3980).
أليس ذلك الخير الذي يحياه في كل أحواله نعمة ؟؟؟؟ بلى
فما أجملها وأجلها وأعظمها حقا من نعمة تحتاج للشكر والصبر وخاصة عندما تحسن الظن بالله وتعترف بها أنها نعمة ..
عندما توقن بأن الله يحبك ..لذلك أسبغ عليك تلك النعم .. يحبك ليبتليك ويطهرك ..ويرفع درجتك... وكلها نعم ، ويا لها من نعم ، أرأيت لم يبتليك وتركك لذنوبك ومعاصيك كيف يكون الحال يوم تلقاء .إذا الصحة نعمة والبلاء نعمة ، والشكر نعمة والصبر نعمة وأن تعدو نعمة الله لا تحصوها .
نعم لا يبتلي الله العبد إلا إذا أحبه ، وإن الله لا يبتليك ليعذبك و إنما ليطهرك ويقربك ، ليرى مدى صبرك واحتسابك .فإن صبرت رفع منزلتك وغفر ذنبك وكنت من الفائزين . إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه .
ألم تقرأ يوما أو تسمع بقول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم حين قال : (( إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)) (صحيح الجامع (2110) والصحيحة 146 .
فكن - أخي المبتلى - مؤمنا قويا صابرا رضيا حتى تسعد في الدارين ، وتفوز برضوان أرحم الراحمين .
أيها المبتلي ؛ أتريد أن تعرف منزلتك عند الله ؟ فانظر إلى قدر الابتلاء ومدى صبرك عليه !!!
قال صلى الله عليه وسلم : (( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس ما عليه خطيئة)) صحيح الجامع (486) .
وأعلم – علمني الله وإياك – أن الله تعالى خلق الدنيا وجعلها دار ممر وليست بدار مقر ، وحفها بالمحن والابتلاء ، وغمرها بالمصائب والفتن ... لحكمة جليلة ذكرها عز وجل في قوله :{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(2) الملك .
فالدنيا هي دار التكليف والعمل ، وليست بدار النعيم والأمل ...و مع ذلك فقد غفل كثير من المسلمين عن تلك الحقيقة ! فجعلوها دار تسويف وأمل وخلود.
واعلم أخي المبتلي – فتح الله علي وعليك بالعافية والصبر - إذا أقبلت المصائب والابتلاءات ( والدنيا لا تخلو منها) ترى الناس لا يفزعون إلى الله ، و يتسخطون على قدر الله ، وذلك لأنهم لم يتحصنوا بالإيمان عامة ، والرضا بالقضاء والقدر خاصة الذي هو أصل من أصول الإيمان .
ومن تأمل في أحوال الخلائق علم ، علم اليقين أنه ما من مخلوق إلا ويبتلى في حياته ، وكان له نصيب من آلام الدنيا وأحزانها وأتراحها ...
ولكن المؤمن يعلم أن الدنيا مزرعة للآخرة ، وأن ما يزرعه هنا سوف يجنيه موفى بتمامه هناك ...
والمؤمن عندما يصل إلى تلك الحقيقة ، ويوقن أنه واقف بين يدي الله جل وعلا في يوم مقداره خمسون ألف سنة ، يفزع إلى الله ويتضرع إليه ويلجأ إليه فهو ملاذه وملجأه ، وإن الدنيا لو أقبلت عليه مسرورة ، وسجدت بين يديه خاضعة مغمورة لركلها برجليه طامعا في ساعة واحدة يناجي فيها ربه ، ويشتكي ذنوبه وألامه وأحزانه ، لعل الله يكتب له بها النجاة من تلك النار التي أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، وألف عام حتى احمرت ، وألف عام حتى اسودت ، فهي الآن سوداء قاتمة ... فيعلم المؤمن أن كل نعيم دون الجنة سراب ، وكل عذاب دون النار عافية .
هنا تهون المصائب كلها على المؤمن مهما كانت ... بل إن المؤمن لمّا
يعرف الخير الذي ادخره الله لأهل الصبر على البلاء ، الراضين بقضائه جل وعلا ؛ فإنه يشتهي بل و يتمنى البلاء لينال الأجر العظيم من الوهاب الكريم ...
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ» صحيح الجامع (5484)(3251).
وفيه برقم (995 ) قال صلى الله عليه وسلم : (( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها فيلبسها ويبتلى بالقمل حتى يقتله ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء)).
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ)) صحيح الجامع (308)والسلسلة الصحيحة (1220).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» صحيح الجامع (5815 - 1908 ) وقال : صحيح ، السلسلة الصحيحة( 2280).
بل إن الصبر على البلاء لا يعلم عظم أجره وجزائه إلا الله ، يوفي الله الصابر يوم القيامة أجره بغير حساب قال تعالى :{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (10) الزمر.
والصبر على البلاء يجعل العبد المبتلى يرتقي في المنازل حتى يبلغ المنازل العليا التي لولا البلاء والصبر عليه ما كان ليبلغها .
قال أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الرَّجُلَ لِتَكُونَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ، فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا)). صحيح الجامع (1625 – 730) وقال حسن ، وقال في صحيح الترغيب والترهيب (3408) حسن صحيح . أنظر الصحيحة (2599).
يا الله ؟؟؟ كل هذا الأجر العظيم الذي لا يعلم مقدار إلا الله في النعيم المقيم حقا للمبتلين الصابرين ؟؟ فما ذاك إلى لأن الله يحب العبد المبتلي ، ويحب العبد الصابر على البلاء.قال تعالى : { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }(146)آل عمران.وقال النبي إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم .
فلتصبر أيها المبتلي وتيقن أنك عن قريب تحصل على هذا الفضل والجزاء العظيم من رب كريم .
والآن نكرمك بمعنى الصبر حتى تكون على بصيرة من أمرك في بلائك ، فتصبر وترضى كما يحب ربنا ويرضى .
الصبر في اللغة هو : وَقَالَ اللَّيْث: الصبْرُ: نقيضُ الجَزَع . قَالَ أَبُو عُبَيد: وأصلُ الصَّبر الحَبْس . تهذيب اللغة (12/121).
قال ابن القيم في مدارج السالكين (2/155) وَالصَّبْرُ فِي اللُّغَةِ: الْحَبْسُ وَالْكَفُّ. وَمِنْهُ: قُتِلَ فُلَانٌ صَبْرًا. إِذَا أُمْسِكَ وَحُبِسَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28] ؛ أَيِ احْبِسْ نَفْسَكَ مَعَهُمْ.
وفي الشرع هو : هو حبس النفس عن الجزع ، واللسان عن التشكي ، والجوارح عن شق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية .
وقريب منه ما قاله ابن القيم : فَالصَّبْرُ: حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ الْجَزَعِ وَالتَّسَخُّطِ. وَحَبْسُ اللِّسَانِ عَنِ الشَّكْوَى. وَحَبْسُ الْجَوَارِحِ عَنِ التَّشْوِيشِ.
وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: صَبْرٌ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. وَصَبْرٌ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَصَبْرٌ عَلَى امْتِحَانِ اللَّهِ.وأقداره .
وقيل هو : الغنى مع البلوى بلا ظهور الشكوى ، والشكوى للخلق تنافي الصبر.
وقيل هو : حبس النفس على طاعة الله ، وعن معصية الله ، وعلى أقدار الله جل وعلا.
فمن لم يحبس نفسه عن التشكي للخلق هذا لم يصبر ويذكر عن أحد الصالحين أنه وجد رجلا يشتكي بلواء للنّاس فقال له كلمات تكتب بماء الذهب لما تحمل في طياتها من حكم وعظات لقد قال : يا هذا ما زدت أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك وإذا شكوت إلى ابن آدم فإنما تشكي الرحيم إلى الذي لا يرحم .
تنبيه : هذا لا يدخل فيه إخبار الطبيب بالعلة التي يشتكي منها المريض .
ولا يتعارض هذا بحال من الأحوال مع الشكوى للعزيز الجبار ، فقد اخبرنا الله في القرآن عن بعض الأنبياء أنهم اشتكوا إلى ربهم ما وجدوه من البلاء ، ولاشك أن ذلك صفة كمال ومدح في حقهم إذ لم يشتكوا الخالق إلى المخلوق ، والشكوى إلى الله من تمام التوكل ، وإفراده سبحانه بالتوحيد ، فلقد قال أيوب عليه السلام كما أخبرنا تعالى :{ وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أحم الراحمين } (83) الأنبياء .
اشتكى إلى ربه ما به من ضر ، فكشف ما به وفرج عنه .
وكذلك نبي الله يعقوب إذ قال كما أخبرنا تعالى : { قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (86) يوسف. فأعاد الله له ابنيه سالمين .
وقال تعالى عن يونس عليه السلام :{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (88) الأنبياء.
فلا تعارض بين الصبر على المصاب والبلاء وبين الشكوى إلى الله ؛ بل ترك الشكوى إلى الله مع ترك العزيمة منفصة في حق المبتلين .. إن هذا من أعظم الفوائد التي تعود على العبد في البلوى والمصيبة بالخير ، فإذا علم العبد ذلك كان سببا من أعظم الأسباب التي تقربه إلى ربه وتدفعه إلى دعاء ربه ليفرج عنه ما فيه، وقد أمر الله بالدعاء ووعد بالإجابة ، ومن الدعوات المستجابة دعوة المريض المبتلي .
ولتعلم أن الله هو من يهب للعبد نعمة الصبر قال صلى الله عليه وسلم : (( .. ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر» متفق عليه ، أنظر صحيح الجامع (1812).
فاسأل الله دائما أن يرزقك الصبر والثبات عليه بحوله وقوته إنه سميع رحيم فريب مجيب يحب الإلحاح والتضرع في الدعاء .
وهناك أمور أحببت أن أتحفك بها من شأنها أن تخفف عنك البلاء وتسكن حزنك وترفع همك وغمك وتربط على قلبك .
أولها : أن تعلم أن كل شيء مقدر من عند الله ، فالغنى والفقر ، والصحة والعافية والمرض والجوع ونقص الأموال والأولاد كل من عند الله امتحانا لينظر كيف تعملون . أتشكر أم تكفر أتصبر أم تضجر..قال تعالى :{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) القمر.
وقال جل في علاه : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }(2) الملك.
ثانيا : أن الصبر إنما يكون عند الصدمة الأولى أو؛ في أول الصدمة هذا هو الصابر الذي يتلاقاها بقوله تعالى إن لله وإنا إليه راجعون ، فهذه لا يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم. كما قال تعالى :{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }(35)فصلت .
قال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ }(80) القصص .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: (( اتقي الله واصبري )) قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده
بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: (( إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) البخاري (1283).ومسلم (926).
ثالثا: لزوم الاستغفار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه حدثه قال: قال رسول الله r : (( من لزِم الاستغفار؛ جعل الله له من كل ضِيْقٍ مخْرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب )). إسناده ضعيف وأخرجه أبو داود (1518) ، وابن ماجه (3819) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (456)أنظر الضعيفة (705).
رابعا : تذكر مصيبة النبي r فيك ، وتدبر قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب» .صحيح الجامع (347).
هذا الحديث النبوي فيه تسلية لأهل المصائب بأن يتذكروا مصابه فيهم فيصبروا على ما أصابهم فإنه تهين كل بلية ومصيبة مقارنة مع مصيبة وفاته صلى الله عليه وسلم فيهم .
فإذا علم العبد عظم المصيبة التي أصيب بها في وفاة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو أحب إليه من نفسه هانت عليه كل مصيبة ، وتلقى ذلك بالرضا والصبر {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ }(80) القصص.
خامسا : تلقي المصيبة والبلاء بالاسترجاع والتبرؤ من الحول والقوة قال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (157)البقرة .
عن أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول الله -r-يقول: (( ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها ))رواه مسلم (918)صحيح الجامع (1871).
سادسا : الصلاة ، الصلاة فإنها من أعظم الأسباب التي تريح القلب وتطمئن النفس ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة .
وقال جل في علاه :{ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (45) البقرة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((يا بلال! أقم الصلاة أرحنا بها)) صحيح الجامع ( 2986 ).
وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه – قال: ((كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا حَزَبَهُ أمْز صلَى..))صحيح الجامع ( 4703 ).وصحيح أبي داود (1192).
سابعا : الدعاء ، قال تعالى : {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) آل عمران .أي من الصابرين الذين يدعون بذلك .
وقال جل وعز في علاه { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }(62) النحل.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (8/196): (( فالدعاء سَبَب يدْفع الْبلَاء فَإِذا كَانَ أقوى مِنْهُ دَفعه وَإِن كَانَ سَبَب الْبلَاء أقوى لم يَدْفَعهُ لَكِن يخففه ويضعفه وَلِهَذَا أَمر عِنْد الْكُسُوف والآيات بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار وَالصَّدَََقَة وَالْعِتْق ) وَالله أعلم.
ثامنا : الصدقة بنية الشفاء ، نعم الصدقة بنية العلاج ولو شيئا قليلا ، فلها شأن عظيم وعجيب في آن واحد قال تعالى :{ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }(104) التوبة .
وقال عز من قائل : {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }(271)البقرة .
وعن الحسن قال : قال - r-: ((داووا مرضاكم بالصدقة)). صحيح الجامع (3358) .
تاسعا : تلاوة القرآن بقصد الشفاء ، والاستغناء .
قال تعالى :{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }(82) الإسراء.
وقال جل جلاله :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }(57)يونس .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قال الله تعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته قبل أن يسألني )). حسنه الألباني في الضعيفة (1335).
عاشرا : أن يكون المبتلي من أهل التواصي بالرحمة والرفق فالله أرحم بالعبد من نفسه قال تعالى : {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ }(17) البلد.
وقال سبحانه وتعالى :{وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (106)النساء .
الحادي عشر : والتواصي بالحق والعمل به والثبات عليه قال تعالى : {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر .
فالمؤمن إذا حقق هذه الخصال الثلاث مع الإيمان الصحيح كان من المفلحين ، والمبتلى إذا حقق هذه الخصال كان الله معه يخصه بالعناية واللطف والرحمة والمحبة ، ويطهره حتى يخرج من الدنيا ولا خطيئة عليه ، ثم يوفيه يوم القيامة أجره بغير حساب بشرط واحد أن يكون من الصابرين على البلاء في الضراء والشاكرين في السراء .
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }(153) البقرة . وقال سبحانه :{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }(146)آل عمران. قال تعالى :{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(10) الزمر.
الثاني عشر : التوكل على الله في كل مصيبة واحتساب البلاء عند الله .. قال تعالى :{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }(12)الزمر .
فالمطلوب من المؤمن أن يتوكل على الله في كل أموره وشؤونه وأحواله ، في حله وترحاله ، وفي مرضه وعافيته ، في فقره وغناه ، في قوته وضعفه ، والسراء والضراء يعيش بين الشكر والصبر وليس ذلك إلا للمؤمن الذي رضي بالله رب وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا .
عَنْ صُهَيْبٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)) صحيح مسلم (2999).
فيا من ابتليت في نفسك بمرض أو في ولدك بفقد أو غياب ، أو عقوق ، أو أهلك ، أو مالك بنقص ، أو دينك بامتحان وأذى فاصبر وتوكل على الحي القيوم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين فإن العاقبة للمتقين الصابرين .
والحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم وسلم على عبد ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم .