بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، ومن يهده الله فلا مضل له ، ومن يضل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
أقدم للأخ القارئ الكريم هذه الرسالة الجيدة بنصها وفصها التي فيها الإجابة عن عشر أسئلة قدمها مندوب جريدة صوت العرب للعلامة المجدد الألباني- رحمه الله – بعد زيارته إلى مصر ( القاهرة والإسكندرية )بتاريخ (8) ربيع الأول سنة ( 1380 هـ) الموافق 28 من أيلول سنة 1960 م .
ولتعلم أخي المبارك أن هذه الرسالة فيها الكثير من الفوائد والفرائد التي تبين حياة الشيخ العلمية ، ومدى سعة علم الشيخ -رحمه الله – في ذلك الوقت ، ومدى حرصه لخدمة السنة ونشرها ، وأنها كانت مشروع حياته حيث استطاع - بفضل الله - أن يقدم للأمة ما عجز عنه الكثير من العلماء مجتمعين ، بل ما عجزت عنه بعض الجامعات والهيئات الرسمية من تكوين لجان تجمع الأحاديث النبوية وتبين صحيحها من ضعيفها وموضوعها وتقدمها للأمة كما
فعله فضيلته ، وهذه كتبه وما خطته يمينه اليوم بين أيدينا بلغت الآفاق تشهد بذلك ، حتى أصبح الكثير من عوام النّاس في العالم الإسلامي لا يقبلون من الحديث إلا ما صح ، وحتى لا تكاد تجد مؤلفا اليوم إلا وعليه تحقيقات الشيخ وتخريجاته والعزو إلى كتبه . من المؤالفين والمخالفين إلا ويستفيد من كتب الشيخ ، بل حتى من كانوا خصوما للشيخ فبعضهم يصرح بذلك ويثني عليه، والبعض الآخر لا يصرح ، بل يخفي حقده وبغضه للشيخ ، ولكن حتى تروج بضاعته يكتب اسم الشيخ وتخريجاته ويعزو إلى كتبه ، والبعض الآخر يعتمد كلية على الشيخ ، ولا يذكر ذلك ولا يعزو إلى كتبه ؛ بل أصبح الكثير من الطامعين الذين أصابهم الجشع وحب المال من المتلبسين بالعلم وهم ليسوا منه ، ودور النشر الذين نزين لهم الشيطان جمع المال يطبعون كتبا ويكتبون عليها (( بتخريجات وتحقيقات للعلامة الألباني )) يتاجرون باسمه - رحمه الله – وهذا اعتداء غشوم ، وخلق مذموم على حقوق ورثته ، فليتقوا الله وليتوبوا من هذا الظلم والعدوان ، وليؤدوا الحقوق إلى أهلها .
وحتى لا أطيل عليك أتركك تستمتع بهذه الرسالة ، وفقك الله وسددك ونفعنا الله وإياك بما نتعلم ورزقنا الإنصاف في القول والعمل .
================================================== =========================
جريدة صوت العرب تسأل
ومحدث الشام
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني يجيب
================================================== ==========================
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، ومن يهده الله فلا مضل له ، ومن يضل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فقد دعت وزارة أوقاف الإقليم الجنوبي في الجمهورية العربية المتحدة الأستاذ محمد ناصر الدين الألباني للمشاركة في مباحث لجنة الحديث (1) بالقاهرة .
ولما عاد فضيلته إلى دمشق ، سأله مندوب جريدة ( صوت العرب ) عدة أسئلة تتعلق بمهمة لجنة الحديث ، وبحياة الشيخ العلمية ، فأجاب عنها فضيلته ، وقد نشرت ( صوت العرب ) الأسئلة والأجوبة في العدد( 1849 ) المؤرخ بـ ( 8 )من ربيع الآخر سنة ( 1380 هـ) الموافق 28 من أيلول سنة 1960 م .
__________
(1) ألفت اللجنة لجمع الأحاديث الصحيحة كما يأتي في الجواب عن السؤال الثاني .
ونحن الذين عرفنا الشيخ ناصر الدين في مجالسه وندواته وكتبه ومقالاته مدافعا عن السنة أشد الدفاع ، محبا لها عظيم الحب ، ساعيا إلى نشرها ما وسعه الجهد ، حربا على خصومها ألهب الحرب ، كل ذلك في قوة عارضة وسلاسة بيان ، وتطبيق دقيق لما رسمه علماء المصطلح رحمهم الله تعالى (1)، ولما قرره علماء أصول الفقه من القواعد الفقهية ، المستخرجة من أدلة الكتاب والسنة ، نحن الذين عرفناه كذلك ننشر هذه الأسئلة والأجوبة تنويرا للرأي العام ، وكشفا للحقيقة ، وتذكيرا بالسنة وعلومها وبعض كتبها ، وبيانا لبعض علم الشيخ ناصر الدين – رحمه الله - في خدمة السنة الحبيبة .
ولقد ذكرنا الشيخ - جزاه الله خيرا - بمعرفته للحديث وهمته العصامية العالية أعلام المشتغلين بالسنة المطهرة ، الذين طالما انحنوا على كتب الحديث - والناس نيام - يضمونها إليهم ويتفقهون فيها ، ويبينون الصحيح من الضعيف ، وينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وألاعيب المبتدعين !! لا يبتغون من وراء ذلك إلا أداء الأمانة ، والثواب من عند الله تبارك وتعالى .
__________
(1) من قواعد موضوعة ، تسدد خطوات الباحث ، ولا يسع الفكر العلمي إلا التسليم لها ، والأخذ بها .
والسنة اليوم في محنة ، فهي بين جهل الناس بها ، وخصومة المستشرقين وأذنابهم لها ، غير أنها كما ثبتت في الأزمنة الخوالي للأعاصير ، وسلمت من فتنة المتفلسفة والمعتزلة وتأويل الجهمية والمعطلة ودسائس المشبهة ، فستثبت اليوم بإذن الله تبارك وتعالى وتنتصر ، ويتهيأ لها رجال يؤثرونها على كل نفس ونفيس ، { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } ، { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
وإن من مصائب هذا الزمن المليء بالفتن ، أن طلع علينا ناس من جلدتنا ، ويتكلمون بلغتنا ، بإيقاظ بدعة نابية الملامح ، شوهاء الوجه ، ألا وهي المنع من الأخذ بأحاديث الآحاد الصحيحة في العقيدة وأمور الغيب ، أو على الأقل عدم إيحاب الأخذ بهذه الأحاديث فيها ! فكانوا كما قال الشاعر :
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... ... فلم يضرها وأهوى قرنه الوعل
ولم يكتف قوم حرموا عقولهم بالوقوف في هذا المنزلق الخطير ، بل أنكروا السنة جملة واحدة ، وسموا أنفسهم قرآنيين - وما أبعد القرآن عنهم !- وأنحوا باللائمة على أئمة الحديث !(رحمهم الله ): أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم - - - من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا.
وإننا لننتهز هذه الفرصة ، فنذكر السادة العلماء - والذكرى تنفع المؤمنين - أن يضطلعوا بهذه المكرمة العظيمة ، والمأثرة الخالدة ، ويهتموا بالسنة : أسانيدها ومتونها ومخطوطاتها ومطبوعاتها ، وليعتنوا بها ، ويقربوها للناس ، وينشروا بينهم هديها ، بما آتاهم الله تعالى من علم ومعرفة وحكمة ، ويجعلوا الناس والعامة يألفون سماع ما ترتقي إليه مداركهم منها ، ويقربوهم رويدا ؛ رويدا من السنة ليأخذوا منها بحظ وافر ، وإذا فعل العلماء ذلك - وإنهم لفاعلون إن شاء الله تعالى - فعسى أن يسلكوا في عداد أهل الحديث .
أهل الحديث هم أهل النبي وإن - - - لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
وليس شيء أبرد لقلب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأثلج لصدره من انتشار السنة ، وانقماع البدعة .
ونحن إذ نزجي هذه الذكرى لعلمائنا وقادة الرأي فينا ، نرجو أن تتجه قلوبهم إلى خدمة السنة ونشرها ، فإن أحدا من المؤمنين لا يزهد في الأجر العظيم ، والثواب الجزيل الذي كتبه الله لمن فعل ذلك ، وإن كل واحد من العلماء لا بد أن يرغب في أن يكون ممن دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين قال : ( نضر الله امرئ سمع منا حديثا فبلغه غيره .. ) الحديث .
هذا ظننا بعلمائنا ، وهذا هو أملنا ، ومن أولى بهذا الظن وهذا الأمل الذي يداعب القلوب من أتباع محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنصاره ومحبيه ؟
والعمل الطيب هو الذي يخلد ، وغيره يزول ولو ثبت إلى حين ، { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال } .
فإلى السنة أيها المسلمون حتى يرضى الله عنكم ، وتقر عين نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وتسخن عين خصومه وخصومنا ، علموها أهلكم وأبناءكم ، وأحبوا من يحبها ، وعادوا من يعاديها ، وحكموها بينكم ، واجعلوها فيصل قضاياكم ، { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
23 من جمادى الآخرة سنة 1380 هـ ... ... عمر العطار .
مقدمة صوت العرب :
في الجمهورية العربية نهضة عظيمة تشمل سائر جوانب الحياة ، فهنالك نهضة سياسية ، ونهضة اجتماعية ، ونهضة صناعية ، وهنالك أيضا نهضة علمية مباركة لا تقف عند حدود الاهتمام بالعلوم الحديثة ، بل إن هذه النهضة تشمل فيما تشمل بعث ثقافتنا الماضية الجليلة ، وخدمة تراثنا الإسلامي الجليل الذي أحلنا مكان الصدارة بين الأمم ، وجعل لنا القيادة الفكرية والتشريعية والإنسانية حقبة طويلة من الزمن .
ومن أهم مظاهر هذه النهضة المباركة ما تقوم به وزارة الأوقاف في الإقليم الجنوبي ، فقد أنشأت مجلسا إسلاميا من صفوة علماء الجمهورية ، وأصدرت مجلة راقية ، كما أصدرت سلسلة من الكتب المفيدة .. ولعله من أجلّ ما قامت به تأليف لجنة للحديث من كبار علماء الجمهورية ، لتجمع الصحيح من حديث الرسول - وهو المصدر الثاني للإسلام بعد الكتاب الكريم - وترتبه وتشرحه الشرح الذي ييسر الاستفادة منه .
وقد اختار سيادة وزير الأوقاف في الإقليم الجنوبي أحمد(بن) عبد الله طعيمة ، فضيلة العالم المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني من الإقليم الشمالي ليكون عضوا في لجنة الحديث ، ودعاه إلى القاهرة ضيفا على وزارة الأوقاف ليشارك في مداولات اللجنة ، ويبدي رأيه فيما يعرض من الأبحاث ، وقد أحبت ( صوت العرب ) وهي الحريصة على تسجيل كل مظاهر النهضة أن تسجل هذا الجانب العلمي الجليل منها ، فتقدمت بعدد من الأسئلة المهمة إلى فضيلة الأستاذ ناصر الدين الألباني ، فأجاب عليها مشكورا ، وهذه هي الأسئلة والأجوبة. .الأسئلة والأجوبة
س1 - ما هي المهمة التي سافرتم من أجلها إلى القاهرة ؟
ج - كان قد صدر قرار وزاري من قبل سيادة وزير الأوقاف أحمد(بن) عبد الله طعيمة بانتخابي عضوا في " لجنة الحديث " ، وتفضل سيادته فدعاني لزيارة القاهرة كي يتسنى لي لقاء أعضاء اللجنة والتفاهم معهم فيما هم بصدده .
س2 - ما هي الغاية من تأليف لجنة الحديث ؟
ج _ هي كما جاء في المادة الثانية من القرار المشار إليه : جمع الأحاديث الصحيحة ، وتبويبها وشرحها شرحا موجزا.
س3 - ما هي البحوث التي جرت في اجتماعات اللجنة ؟
ج - لم يعقد في أثناء وجودي في القاهرة إلا اجتماعان ، جرى البحث فيهما حول المنهج الذي ينبغي جمع الأحاديث الصحيحة على أساسه ، وبعد تداول الرأي في ذلك ، اتفق على الاعتماد على ما ذكره العلماء النقاد من تصحيح وتضعيف ، كالإمام النووي ، والزيلعي والعسقلاني في كتبهم ، وخاصة كتب التخريج منها .
وأما الأحاديث التي سكت عنها أبو داود ؛ والمنذري ، وكذلك التي صححها الترمذي فيعتمد عليهم فيها ، إلا إذا عارضهم في تصحيحها أحد من العلماء النقاد المذكورين .
س4 - وما هي القرارات التي اتخذت ؟
ج 4- أولا : أن يكون عمل اللجنة جمع مختارات من الأحاديث الواضحة العبارة لتدل على تعاليم الإسلام في كل موضوع من الموضوعات .
ثانيا : الحديث إن كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفي به من جهة الحكم بالصحية وإن كان في جامع الترمذي اكتفي بحكم الترمذي عليه ما لم يوجد ما يعارضه من أقوال الحفاظ وإن كان في سنن أبي داود وسكت عنه هو والمنذري ولم يعارض بأقوال الحافظ ؛ اكتفي به ، وأحاديث النسائي في المجتبى يعتمد عليها ما لم يتعقبها هو أو حافظ آخر ، وأحاديث ابن ماجه يحتاج فيما انفرد به منها إلى مراجعة تلخيص السندي لزوائد البوصيري ، ما لم يعارض بأقوال الحفاظ أيضا .
ثالثا : إذا لم يوجد في الباب إلا الحديث الضعيف ، ذكر مع بيان ضعفه .
رابعا : إذا وجد في الباب أحاديث نص الحفاظ على تحسينها ، ولم توجد في الكتب الستة ؛ تؤخذ مع بيان مصدرها .
خامسا : يرجع عند الجمع إلى الكتب الآتية لمعرفة درجة الحديث : " تلخيص الحبير " لابن حجر العسقلاني ، " نصب الراية " للحافظ الزيلعي ، " تخريج أحاديث الإحياء " للعراقي ، " شرح الإحياء " للزبيدي ، " تخريج أحاديث الكشاف " لابن حجر ، " المجموع " للنووي ، " نيل الأوطار " للإمام الشوكاني ، " فتح الباري " و " الدراية " وكلاهما لابن حجر ، والأخير هو مختصر " نصب الراية " ، " تخريج أحاديث الشفاء " للسيوطي ، وما يتيسر من المراجع .
سادسا : إذا تراءى لبعض اللجان الفرعية رأي في تخريج الحديث خلاف ما نص عليه بعض الحفاظ ، فإنه يُدون هذا الرأي منسوبا إلى قائله ، ثم يعرض على لجنة التنسيق بحضور صاحب الرأي ، لقبوله أو رفضه حسب قواعد علم الحديث .
سابعا : إذا وجد حديث مناسب في غير بابه الخاص به ، كأن يكون في باب الاستئذان مثلا حديث له صلة واضحة بالصلاة أو الجهاد أو المناقب ، فإن اللجنة تدونه في كراسة للانتفاع به في موضعه المناسب ، وإن ناسب البابين ذكر فيهما أو ذكر في أحدهما ونبه عليه في الآخر .
ثامنا : إذا وجد حديث اختلف الحفاظ في درجته ، ذكرت الأقوال المختلفة مع الاختصار والترجيح إن أمكن .
تاسعا : إذا تعارض حديثان وكل منهما صحيح أو حسن ، أو أحدهما صحيح والأخر حسن ، أزيل التعارض بينهما في الشرح بطريق من طرق الجمع .
عاشرا : الحديث يعزى بلفظه إلى من خرجه مع بيان موضعه في الباب والكتاب ولو بالهامش .
التوصية بطبع كتاب البوصيري.
س5 - هل قدمت اقتراحات من قبل اللجنة إلى وزارة الأوقاف ؟
ج - نعم ، جاء في محضر اجتماع اللجنة الأول الذي حضرته ما نصه :
( أوصت اللجنة بأن تقوم الوزارة بطبع كتاب زوائد البوصيري ، والنسخة المخطوطة منه موجودة بمكتبة الأوقاف الإسلامية بحلب )(1).
س6 _ هل هي المرة الأولى التي تسافرون فيها إلى القاهرة ؟
ج _ نعم .
نشاط وزارة الأوقاف في توجيه الشعب إلى الإسلام الصحيح
__________
(1) قلت : ثم وجدت منه نسخة أخرى في دار الكتب المصرية وهي تشبه الأولى تماما بخطها وورقها ، وأعتقد أن الكاتب واحد أيضا .
س 7_ ما هي انطباعاتكم في هذه الرحلة ؟ وإلى من تعرفتم من العلماء ؟
ج _ لم يتيسر لي في المدة القصيرة التي قضيتها في القاهرة وفي الاسكندرية الاتصال إلا بقليل من أهل العلم والفضل ، أذكر منهم على سبيل المثال الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ محب الدين الخطيب ، والأستاذ محمد الغزالي ، والشيخ عبد الرزاق عفيفي ، والشيخ عبد العزيز الراشد ، وبعض شيوخ اللجنة الأفاضل الذين حصل لي شرف التعرف بهم في الجلستين المذكورتين ، ولقد وجدت منهم كل ترحاب وتكريم وتقدير لأسلوبي الخاص في خدمة السنة المطهرة .
والشيء الذي لفت نظري وأخذ بمجامع قلبي ، هو ذاك النشاط الذي لمسته في إدارة الثقافة في وزارة الأوقاف بتوجيه مديرها فضيلة الشيخ السيد سابق ، ومن معه من الأساتذة الأفاضل ، فلقد وجهوا عنايتهم إلى توجيه الشعب عن طريق الخطباء والمدرسين في المساجد ، وتعريف الناس بالإسلام نقيا مما دخل فيه من العقائد الباطلة ، والبدع المشوهة لنضارته ، ولهم في ذلك أنواع من الأساليب ، من ذلك أنهم افتتحوا مكتبات في كل مسجد ، وضعوا فيها مختلف الكتب النافعة ، يستعين بها المصلون على تثقيف أنفسهم وتغذيتها بالعلم الصحيح ، ومن ذلك أيضا أنهم يشرفون على طبع الكتب ، ويمنعون طبع ما كان منها منافيا للإسلام إلا بعد مراجعته وحذف ما يلزم حذفه .
ولقد رأيت بعيني شيخا في الوزارة تقدم إليه الكتب الإسلامية التي طبعت سابقا ، والتي يراد توزيعها على مكتبات المساجد ليبدي رأيه فيها ، حتى إذا ما تبين فيها شيء ينافي الإسلام رُدَّ ولم تشتره الوزارة ، ومن ذلك أنهم يوزعون منشورات دورية فيها توجيه رشيد للناس جميعا ، ولقد وقفت على منشور واحد منها ، فيه تنظيم لحلقات الدروس الدينية في المساجد ، وما ينبغي أن يقرأ المدرس من الكتب على الناس ، ففي التفسير تفسير الحافظ ابن كثير الدمشقي ، وفي الحديث رياض الصالحين ، وفي الفقه كتاب فقه السنة للسيد سابق ، وفي السيرة فقه السيرة للأستاذ الغزالي ، وقد طبع أخيرا مع تخريجي لأحاديثه ، ونور اليقين في سيرة سيد المرسلين وإتمام الوفاء في تاريخ الخلفاء للخضري ، وفي العقائد عقيدة المسلم للأستاذ الغزالي ، وجاء عقبه في النشرة ما نصه : ( ولا يجوز بتاتا عرض مشكلات علم الكلام ، ولا المجادلات النظرية للفلسفات القديمة ) .
ومما جاء فيها أيضا : ( ويستحسن في أثناء هذه الدراسات كلها نقد البدع والخرافات الشائعة ، والتيارات الفكرية الدخيلة ) .
وفي النشرة فوائد أخرى مهمة ، وتوجيهات مباركة ، كنت أود إطلاع الناس عليها في هذا الإقليم عسى أن يهتدوا بهديها ، ولكن ضيق المجال لا يسمح بذلك فإلى مناسبة أخرى إن شاء الله .
ومن ذلك أيضا تأليف كتب نافعة موجهة ، تقوم بطبعها الوزارة وتنشرها على الناس في رسائل متتابعة ، وقد وقفت منها على الرسالة الرابعة ( منكرات المآتم والموالد ) ، وهي الرسالة الثانية من سلسلة رسائل بعنوان : ( تقاليد يجب أن تزول ) .
ولهذه الوزارة مجلة شهرية باسم ( منبر الإسلام ) صدر الجزء الأول ، والثاني منها في محرم وصفر من هذه السنة .
ومن محاسن هذه الوزارة أنها خصصت فندقا للضيوف الوافدين إليها باسم (دار الضيافة الإسلامية)(1)، ولما نزلتها وجدت فيها ضيفين كريمين من مسلمي كوريا الذين أسلموا حديثا على أيدي الجنود الأتراك الذين كانوا في كوريا الجنوبية ، وذلك حين قامت الحرب بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ..
__________
(1) ومما لا شك فيه أن هذه الدار تيسر اللقاء والتعارف بين الشخصيات الإسلامية من مختلف الشعوب والألسنة والألوان ، ولا يخفى ما في هذا من تحقيق التعارف والتعاون اللذين حض الله عليهما : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .
وقد علمت من المترجم في هذه الدار أن عدد الذين أسلموا من الكوريين نحو ستمائة شخص ، وقد أرسلوا من قبلهم الرجلين المشار إليهما _ وأحدهما صحفي _ إلى القاهرة ، طلبا لمعونة الأوقاف في الإقليم الجنوبي لإنشاء مسجد هناك ، وإرسال بعض الأساتذة والخطباء ، وقد وعدوا خيرا ، وقد سافرت من القاهرة وهما لا يزالان في دار الضيافة على حساب الوزارة .
وقد كان إنشاء هذه الدار فيما علمت في عهد وزير الأوقاف الحالي سيادة أحمد عبد الله طعيمة زاده الله توفيقا لخدمة الإسلام والأمة .
دراسة المخطوطات في مكتبتي القاهرة والاسكندرية :
وفي مدة إقامتي في القاهرة كنت أتردد _ كلما سنحت لي الفرصة _ إلى دار الكتب المصرية لدراسة مخطوطات كتب الحديث فيها ، وكذلك فعلت حين سافرت منها إلى الإسكندرية ، فكنت أتردد إلى مكتبتها المعروفة بالمكتبة البلدية ، وقد استفدت من المكتبتين فوائد هامة جمة ، ونسخت بيدي من المكتبة الثانية رسالة للحافظ ابن حجر العسقلاني يحقق القول فيها في الأحاديث التي استخرجها الحافظ القزويني من كتاب " مصابيح السنة " وحكم عليها بالوضع(1).
الجمع بين المهنة وخدمة السنة ك:
س8 _ علمت أنكم مع جهودكم العلمية العظيمة في خدمة السنة تعملون في مهنة تصليح الساعات وبيعها ، فهل هذا صحيح ؟ وكيف توفقون بين العملين ؟
__________
(1) ولهذه الرسالة قيمة علمية كبيرة ، إذ انتهى فيها الحافظ ابن حجر إلى نتائج هامة ، ومن توفيقات الله عز وجل أنني اطلعت عليها في الوقت الذي باشر فيه صديقنا الأستاذ زهير شاويش صاحب المكتب الإسلامي بطبع كتاب " مشكاة المصابيح " ، مما ييسر ظهور الرسالة القيمة مع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
ج _ ذلك صحيح ، ومن توفيق الله تعالى وفضله علي أن وجهني منذ أول شبابي إلى تعلم هذه المهنة ، ذلك لأنها حرة لا تتعارض مع جهودي في علم السنة ، فقد أعطيت لها من وقتي كل يوم ما عدا الثلاثاء والجمعة ثلاث ساعات زمنية فقط ، وهذا القدر يمكنني من الحصول على القوت الضروري لي ولعيالي وأطفالي على طريقة الكفاف طبعا ، فإن من دعائه عليه الصلاة والسلام ( الله اجعل رزق آل محمد قوتا ) رواه الشيخان ، وسائر الوقت أصرفه في سبيل طلب العلم والتأليف ودراسة كتب الحديث ، وخاصة المخطوطات منها في المكتبة الظاهرية ، ولذلك فإنني ألازم هذه المكتبة ملازمة الموظفين فيها لها ! ويتراوح ما أقضيه من الوقت فيها ما بين ست ساعات وثمان ساعات يوميا ، على اختلاف النظام الصيفي والشتوي في الدوام فيها .
جمع أحاديث المخطوطات في أكثر من أربعين مجلدا :
وإن من فضل الله علي أنه يسر لي الاطلاع على ما في المكتبة الظاهرية من نفائس كتب الحديث المخطوطة القيمة ، ودراستها واستخراج ما فيها من الأحاديث النبوية على اختلاف ألفاظها بطرقها وأسانيدها الكثيرة ، وقد جمعتها في مجلدات جاوزت الأربعين مجلدا ، مرتبا لها على حروف المعجم ليسهل علي الرجوع إليها واستخراج ما يلزمني منها عند الحاجة .
ومن هنا يظهر السر لمن وقف من الأفاضل على بعض مؤلفاتي في مختلف الموضوعات العلمية ، حين يرى أن مؤلفا واحدا مثل " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " - على لطافة حجمه - تتجاوز مصادره المخطوطة العشرات من الكتب التي لم يتيسر للأكثرين معرفة أسمائها فقط ، فضلا عن أن يطلعوا عليها ، ويعرفوا ما فيها من الأحاديث والأسانيد والألفاظ والشواهد !
وكذلك يسر الله لي وضع فهرس دقيق شامل لجميع ما في هذه المكتبة العامرة من كتب الحديث على اختلاف أنواعها ، كالمسانيد والمعاجم والمختارات والفوائد والأجزاء والتراجم وغيرها ، منبها فيه على كثير مما لم يذكر في فهارس المكتبة حتى الآن ، ونظمت هذا الفهرس على أسماء المؤلفين ، مرتبا إياهم على حروف المعجم ، وفعلت مثل ذلك في مؤلفاتهم ، فرتبتها على هذا النسق تحت اسم كل واحد منهم ، وترجمت لكل منهم ترجمة مختصرة جدا ، فيها تاريخ الولادة والوفاة وكونه ثقة أو ضعيفا أو نحو ذلك ، ثم وضعت في آخره فهرسا عاما لجميع الكتب مرتبا لها أيضا على حروف المعجم .
السفر إلى حلب كل شهر لدراسة مخطوطات مكتبتها:
ومن عادتي منذ بضع سنين أن أسافر إلى حلب أسبوعا من كل شهر ، أقضيه أو أقضي غالبه في مكتبتها الوحيدة العامرة بالمخطوطات ، وهي ( مكتبة الأوقاف الإسلامية ) ، أقضي فيها ساعات من كل يوم في دراسة مخطوطاتها ، ونسخ ما هو ضروري منها لمشروعاتي العلمية ، وكنت إلى ما قبل سفري إلى القاهرة قد نسخت منها النصف الأول من كتاب " الزوائد " للبوصيري الذي ذكرته سابقا .
وعلاوة على هذا فإني أتدارس السنة وعلومها مع بعض الراغبين في العلم فأقوم بإلقاء عدد من الدروس في كل أسبوع .
بعض المؤلفات المطبوعة:
س9 _ ما هي المؤلفات التي أخرجتموها للناس ؟
ج _ هي :
الأول : صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها .
الثاني : آداب الزفاف في السنة المطهرة .
الثالث : حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر رضي الله عنه .
الرابع : خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه .
الخامس : حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة .
السادس : صلاة التراويح .
السابع : صلاة العيدين في المصلى هي السنة .
الثامن : تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد .
التاسع : الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة ( الجزء الأول ) وهو في عشرة أجزاء أو أكثر ، سنحاول نشرها تباعا إذا يسر الله تبارك وتعالى ذلك .
العاشر : تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق .
ولدي مؤلفات أخرى جاهزة للطبع ، وبعضها في طور الإعداد والتأليف .
مشروع تقريب السنة بين يدي الأمة :
وأهم المشروعات العلمية عندي هو ما أسميته " تقريب السنة بين يدي الأمة " ، قصدت فيه جمع ما أمكن من الأحاديث الصحيحة في كتاب واحد ، على طريقة المحدثين وقواعدهم العلمية في تمييز الصحيح والضعيف ، أسأل الله عز وجل أن ييسر لنا تحقيق ذلك.
النصح للأمة :
س10 _ بم تنصحون للأمة في الفترة الراهنة من حياتها ؟
ج _ أنصح لها أن ترجع إلى التمسك بدينها وكتاب ربها وسنة نبيها الصحيحة ، وأن تعمل بأحكامه في كل ميادين الحياة ، وأن تتحلى بفضائله وأخلاقه ، وأن تعرض كل ما تتخذه دينا على كتاب الله وسنة رسوله ، فتستمسك بما وافقهما ، وتنبذ ما خالفهما ، فإن الأمر كما قال الإمام العظيم مالك بن أنس إمام دار الهجرة :
" من ابتدع في الإسلام بدعة رآها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة ، اقرأ قول الله عز وجل : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " .