348 - " إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 616 :

أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 142 ) : حدثنا الربيع بن سليمان
المرادي حدثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الربيع بن سليمان
المرادي و هو ثقة .
و الحديث في " الصحيحين " و غيرهما من طريق أبي الزناد عن الأعرج به بلفظ
" لا يمش أحدكم في نعل واحدة ، لينعلهما جميعا ، أو ليخلعهما جميعا " .
و له شاهد من حديث جابر مرفوعا بلفظ :
" لا تمش في نعل واحدة " .
أخرجه مسلم ( 6 / 154 ) و أحمد ( 3 / 322 ) و غيرهما .
قلت : فالحديث في النهي عن المشي في نعل واحدة صحيح مشهور ، و إنما خرجت حديث
الطحاوي هذا لتضمنه علة النهي ، فهو يرجح قولا واحدا من الأقوال التي قيلت في
تحديدها ، فجاء في " الفتح " ( 10 / 261 ) :
" قال الخطابي : الحكمة في النهي أن النعل شرعت لوقاية الرجل عما يكون في الأرض
من شوك أو نحوه ، فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه
ما لا يتوقى للأخرى فيخرج بذلك عن سجية مشيه ، و لا يأمن مع ذلك من العثار .
و قيل : لأنه لم يعدل بين جوارحه ، و ربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي
أو ضعفه . و قال ابن العربي : قيل : العلة فيها أنها مشية الشيطان ، و قيل :
لأنها خارجة عن الاعتدال . و قال البيهقي : الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار
لمن ترى ذلك منه ، و قد ورد النهي عن الشهرة في اللباس ، فكل شيء صير صاحبه
شهرة فحقه أن يجتنب " .
فأقول : الصحيح من هذه الأقوال ، هو الذي حكاه ابن العربي أنها مشية الشيطان .
و تصديره إياه بقوله : " قيل " مما يشعر بتضعيفه ، و ذلك معناه أنه لم يقف على
هذا الحديث الصحيح المؤيد لهذا " القيل " ، و لو وقف عليه لما وسعه إلا الجزم
به . و كذلك سكوت الحافظ عليه يشعرنا أنه لم يقف عليه أيضا ، و إلا لذكره على
طريقته في جمع الأحاديث و ذكر أطرافها المناسبة للباب ، لاسيما و ليس في تعيين
العلة و تحديدها سواه .
فخذها فائدة نفيسة عزيزة ربما لا تراها في غير هذا المكان ، يعود الفضل فيها
إلى الإمام أبي جعفر الطحاوي ، فهو الذي حفظها لنا بإسناد صحيح في كتابه دون
عشرات الكتب الأخرى لغيره .
( تنبيه ) أما الحديث الذي رواه ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
قالت :
" ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة " .
فهو ضعيف لا يحتج به .
أخرجه الترمذي ( 1 / 329 ) من طريق هريم بن سفيان البجلي الكوفي و الطحاوي من
طريق مندل كلاهما عن ليث به . و ضعفه الطحاوي بقوله :
" مندل ليس من أهل التثبت . و ليث و إن كان من أهل الفضل فإن روايته ليست عند
أهل العلم بالقوية " .
قلت : مندل قد تابعه هريم و هو ثقة من رجال الشيخين ، فبرئت عهدته منه ،
و انحصرت في الليث فهو علة الحديث ، و هو ضعيف .
قال الحافظ في " التقريب " :
" صدوق اختلط أخيرا و لم يتميز حديثه فترك " .
و إذا عرف هذا فلا يجوز معارضة حديث الباب بهذا الحديث الواهي كما فعل بعض أهل
الجهل بالآثار فيما ذكره الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى .