بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد :
لقد كثر التذرع والاحتجاج عند أهل الهواء والبدع من مميعة غلاة في التمييع ومن غلاة جفاة في التعصب المقيت ، والتقليد البليد بل حتى عند كثير ممن ينتسب للسنة والوسطية ، بشبهة (( أن الصحابة اختلفوا )) جعلوها حجة كلما خالفوا نصا أو دليلا أو أثرا سلفيا ليبرروا لاختلافهم وشقاقهم حتى لو كان ذلك الاختلاف يؤدي إلى التقاطع والتدابر والتخاصم والاقتتال ..
فإذا حصل خلاف بين أخوين وأنكر على أحدهما بالحجة والبرهان تحجج بقوله ، الصحابة اختلفوا فما بالك بغيرهم ؟
ومادام أن الصحابة اختلفوا فلا يضر أن نختلف اليوم كما اختلفوا ، ولا يضر أن ينهج كل واحد أو جماعة أو طائفة ما شاء من المناهج والسبل الموصلة إلى الحق – زعموا - فكثرة المناهج والسبل مسألة إيجابية وليست سلبية مادات في إطار الإسلام فاختلاف الأمة رحمة عندهم وما دام القصد من المخالف من ذلك الوصول إلى الحق ..
وتجاهلوا النصوص الكثيرة التي تحذر من الاختلاف والافتراق ، وكلام أئمة السلف أن الخلاف كله شر ، إلا ما كان ضرورة لا اختيارا ،لأن الصحابة ما كانوا يريدون الخلاف لذاته أو لأهوائهم كما حصل ويحصل عند هؤلاء اليوم .
كما تجاهلوا أن الافتراق من أعظم أسباب الضعف والهوان والهزيمة ، وذهاب الريح ، وهذا من أكبر الشر الذي يسببه الخلاف ، والذي ينبغي أن يسعوا في إزالته وأن يجاوزوه خضعانا للحق وجمعا للكلمة حتى تعلو كلمة الحق وليس كلمتهم ، ويظهر الحق لاصيتهم ، ولكن ما ترك التقليد للبليد بابا ، والتعصب للغير للبيب منفذا إلى تركه والرجوع عما هو عليه ، فقد أغلق على عقولهم حتى أصبحوا يرون الاختلاف والحرص عليه هو الحق الذي لا مرية فيه ولا ينبغي تجاوزه .
كما تجاهلوا النصوص التي تحث وترغب وتأمر بالاعتصام بحبل الله ، وترهب أشد ترهيب من الاختلاف عليه والتفرق بسببه . فقد توعد الله تعالى على ذلك بأشد العقاب ،ولكن قست قلوبهم فهي كالحجارة أو شد قسوة ..
كما تجاهلوا الاستقامة على الصراط المستقيم ،وابتاعه والسير عليه في اتجاه واحد بفهم واحد فهم العزة والتمكين ، وإظهار الحق في العالمين ، والمجد والنصر المبين الذي كان عليه السلف الصالح ، وعدم الالتفات يمنة ويسرة إلى سبل الشياطين .
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كثرة السبل المضروبة على جنبتي الصراط كلها معوجة مذمومة تؤدي إلى جهنم – والعياذ- ومع ذلك اختاروا لهم هذه السبل وتذرعوا بهذه الشبهة ، اختيارا وحرصامنهم ، مع عدم السعي للقضاء أو التقليل من الخلاف والافتراق .
فهل اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم كاختلافكم وافتراقكم اليوم ؟؟؟
والجواب عليه أن يقال : اللهم لا ، ومن قال نعم يقال له اثبت العرش ثم انقش ، فأين اختلف الصحابة في مسائل الإيمان والتوحيد والأسماء والصفات ؟؟ اللهم إلا في بعض الجزئيات كالإسراء والمعراج هل كان بجسده وروحه يقظة أو مناما ، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه يقظة أو مناما أم بقلبه ، مع أنه هذه المسألة لم تعد من الخلاف لإمكانية الجمع بين هذه الأقوال ..
وأين اختلف الصحابة في سيرهم إلى الله فخالفوا المنهج الواضح القويم ؛ والصراط المستقيم ؛ واختلفوا عليه فذم بعضهم بعضا وكفر بعضهم بعضا وفسق بعضهم بعضا ؟؟
أما في مسألة الفروع فنعم لقد اختلف الصحابة في مسائل اجتهادية لو أنها وجدت عند غيرهم من المتعصبة والمقلدة وأهل الهواء والجهلة بالخلاف وآدابه لأريقت في بعضها الدماء، ولكن الصحابة - رضي الله عنهم حاشاهم - ما كانوا يريدون الخلاف لذاته أو لأهوائهم كما حصل فيما بعد عند غيرهم على مر التاريخ وخاصة في عصرنا حيث يتهاجر ويتدابر ويتقاطع ويتخخاصم الكثير لأسباب اجتهادية بل على مصالح شخصية دينية ودنيوية .
ولكن وجدنا ان الصحابة اختلفوا في مسألة أو مسائل فرعية اجتهادية هل يجوز أن نجعل اختلافهم حجة نتعذر به ، حتى في مسائل الأصول ومسائل المنهج ، والله يأمر بالاجتماع والعتصام بالكتاب والسنة ، وينهى عن الاختلاف والافتراق ؟.
الجواب لا يجوز ، لماذا ؟ لأن الاختلاف والافتراق كله شر ، يوهن قوة الأمة ويضعفها ويذهب بريحها ويسلط عليها أعداءها ..ويجعلها تعيش الهوان والذل والضغيفة والحقد والحسد مما يشغلها في نفسها وما كان الصحابة كذلك .
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفرون أشد الفرار من الاختلاف خوفا من الوقوع في الفتن ، وكان الكثير منهم يترك قوله ورأيه للجماعة خوفا من الاختلاف والنزاع .ومما ورد في كره الصحابة للخلاف، ورجوع بعضهم عنه في مسائل الاجتهاد خوفاً من تفرق الكلمة ما جاء في صحيح البخاري (ج7/71): عن علي رضي الله عنه قال: ((اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي)) . وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه ما يفيد رجوعه عن خلافه خوفاً من قيام فتنة))وورد عن غيرهما ما يبين أن الخلاف في حياتهم لا يراد به إلا الوصول إلى الحق والتمسك به هذا فيما فيه اجتهاد ولا دليل عليه ؛ أما ما فيه دليل فلا حجة لأحدهم على الآخر .وإن جلّ خلافهم إنما كان حول فهم نص من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهي أمور أكثرها اجتهادية شبيهة بما كان يحصى أحياناً في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كما حصل في أمر صلاة العصر حينما توجهوا إلى بني قريضة، وميراث الجدة ، والاستئذان وغير ذلك ..
بل كان أحدهم إذا تبين له صحة وجهة نظر أخيه ترك خلافه، ورجع إلى الحق، بل وربما يرجع عن خلافه في مثل المسائل الاجتهادية؛ حرصاً على جمع الكلمة، وسداً لمنافذ الاختلاف أو فتح الثغرات التي يأوي إليها المتربصون بهم لإيقاع الشر فيهم .
ولأن اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم كان ضروريا ، لا عن اختيار ، وكان طلبا للحق لا اتباع الهوى ، وهناك أسباب طبيعية جعلتهم يختلفون في ذلك ، ثم لما زالت تلك الأسباب انتهى الخلاف ، يبين هذا مجدد العصر العلامة الألباني - رحمه الله - في رده على هذه الشبة في كتابه صفة الصلاة بقوله :
وقال آخرون:" إذا كان الاختلاف في الدين منهيّاً عنه؛ فماذا تقولون في اختلاف الصحابة، والأئمة من بعدهم؟ وهل ثمة فرق بين اختلافهم، واختلاف غيرهم من المتأخرين؟ ".
فالجواب: نعم؛ هناك فرق كبير بين الاختلافين، ويظهر ذلك في شيئين:
الأول: سببه.
والآخر: أثره.
فأما اختلاف الصحابة؛ فإنما كان عن ضرورة واختلاف طبيعي منهم في الفهم؛ لا اختياراً منهم للخلاف، يضاف إلى ذلك أمور أخرى كانت في زمنهم، استلزمت اختلافهم، ثم زالت من بعدهم (1) ، ومثل هذا الاختلاف لا يمكن الخلاص منه كليّاً، ولا يلحق أهلَه الذمُّ الواردُ في الآيات السابقة (2) وما في معناها؛ لعدم تحقق شرط المؤاخذة، وهو القصد، أو الإصرار عليه.
وأما الاختلاف القائم بين المقلدة؛ فلا عذر لهم فيه غالباً؛ فإن بعضهم قد تتبين له الحجة من الكتاب والسنة، وأنها تؤيد المذهب الآخر الذي لا يتمذهب به عادة، فيدعها لا لشيء؛ إلا لأنها خلاف مذهبه، فكأن المذهب عنده هو الأصل، أو هو الدين الذي جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمذهب الآخر هو دين آخر منسوخ!وآخرون منهم على النقيض من ذلك؛ فإنهم يرون هذه المذاهب - على مابينها من اختلاف واسع - كشرائع متعددة؛ كما صرح بذلك بعض متأخريهم (3) :" لا حرج على المسلم أن يأخذ من أيها ما شاء، ويدع ما شاء، إذ الكل شرع "!وقد يحتج هؤلاء، وهؤلاء على بقائهم في الاختلاف بذلك الحديث الباطل: " اختلافُ أمتي رحمة ".
وكثيراً ما سمعناهم يستدلون به على ذلك!ويعلل بعضهم هذا الحديث، ويوجهونه بقولهم: " إن الاختلاف إنما كان رحمة؛ لأن فيه توسعة على الأمة "!ومع أن هذا التعليل مخالف لصريح الآيات المتقدمة، وفحوى كلمات الأئمة السابقة؛ فقد جاء النص عن بعضهم برده، قال ابن القاسم: " سمعت مالكاً والليث يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:ليس كما قال ناس: " فيه توسعة "؛ ليس كذلك، إنما هو خطأ وصواب " (4) .
وقال أشهب:" سئل مالك عمن أخذ بحديث حدثه ثقة عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أتراه من ذلك في سعة؟ فقال: لا والله! حتى يصيب الحق، ما الحق إلا واحد، قولان مختلفان يكونان صواباً جميعاً؟! ما الحق والصواب إلا واحد " (5) .
وقال المُزني صاحب الإمام الشافعي:" وقد اختلف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فخطَّأ بعضهم بعضاً، ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتعقَّبها، ولو كان قولهم كله صواباً عندهم؛ لما فعلوا ذلك،وغضب عمر بن الخطاب من اختلاف أُبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد؛ إذ قال أُبي:إن الصلاة في الثوب الواحد حسن جميل. وقال ابن مسعود: إنما كان ذلك والثياب قليلة. فخرج عمر مغضباً، فقال: اختلف رجلان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن ينظر إليه، ويؤخذ عنه!وقد صدق أُبَيّ، ولم يَأْلُ ابن مسْعود، ولكني لا أسمع أحداً يختلف فيه بعد مقامي هذا؛ إلا فعلت به كذا وكذا " (6) .
وقال الإمام المُزَني أيضاً:" يقال لمن جوَّز الاختلاف، وزعم أن العالِمَيْن إذا اجتهدا في الحادثة؛ فقال أحدهما: حلال. والآخر: حرام. أن كل واحد منهما في اجتهاده مصيب الحق: أَبِأَصْلٍ قلتَ هذا، أم بقياس؟ فإن قال: بأصل. قيل له: كيف يكون أصلاً، والكتاب ينفي الاختلاف؟! وإن قلت: بقياس. قيل:كيف تكون الأصول تنفي الخلاف، ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟! هذا ما لا يجوّزه عاقل؛ فضلاً عن عالم " (7) .
فإن قال قائل: يخالف ما ذكرتَه عن الإمام مالك أن الحق واحد لا يتعدد ما جاء في كتاب " المدخل الفقهي " للأستاذ الزرقا (1/89) :" ولقد هم أبو جعفر المنصور، ثم الرشيد من بعده أن يختارا مذهب الإمام مالك وكتابه " الموطأ " قانوناً قضائيّاً للدولة العباسية، فنهاهما مالك عن ذلك وقال: إن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان، وكل مصيب ".
وأقول: إن هذه القصة معروفة مشهورة عن الإمام مالك رحمه الله، لكن قوله في آخرها: " وكل مصيب ". مما لا أعلم له أصلاً في شيء من الروايات، والمصادر التي وقفت عليها (8) ، اللهم! إلا رواية واحدة أخرجها أبو نُعيم في " الحلية "(6/332) بإسناد فيه المقدام بن داود، وهو: ممن أوردهم الذهبي في " الضعفاء "،ومع ذلك فإن لفظها:" وكلّ عند نفسه مصيب ". فقوله:" عند نفسه ". يدل على أن رواية " المدخل " مدخولة، وكيف لا تكون كذلك؛ وهي مخالفة لما رواه الثقات عن الإمام مالك أن الحق واحد لا يتعدد؛ كما سبق بيانه؟! وعلى هذا كل الأئمة من الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة المجتهدين وغيرهم.قال ابن عبد البر (2/88) :" ولو كان الصواب في وجهين متدافعين؛ ما خطَّأ السلف بعضهم بعضاً في اجتهادهم، وقضائهم، وفتواهم، والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صواباً. للحافظ ابن عساكر، و " تذكرة الحفاظ " للذهبي (1/195) .
ولقد أحسن من قال:إثبات ضدين معاً في حال ... أقبح ما يأتي من المحال ".
فإن قيل: إذا ثبت أن هذه الرواية باطلة عن الإمام؛ فلماذا أبى الإمام على المنصور أن يجمع الناس على كتابه " الموطأ "، ولم يُجِبهُ إلى ذلك؟فأقول: أحسن ما وقفت عليه من الرواية ما ذكره الحافظ ابن كثير في " شرح اختصار علوم الحديث " (ص 31) ، وهو أن الإمام مالكاً قال: " إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها ".
وذلك من تمام علمه وإنصافه؛ كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى. فثبت أن الخلاف شرٌّ كلُّه، وليس رحمة، ولكن منه ما يؤاخذ عليه الإنسان؛ كخلاف المتعصبة للمذاهب، ومنه ما لا يؤاخذ عليه؛ كخلاف الصحابة ومن تابعهم من الأئمة؛ حشرنا الله في زمرتهم ووفقنا لاتباعهم.
فظهر أن اختلاف الصحابة هو غير اختلاف المقلدة.وخلاصته:إن الصحابة اختلفوا اضطراراً، ولكنهم كانوا ينكرون الاختلاف، ويفرون منه ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.وأما المقلدة - فمع إمكانهم الخلاص منه، ولو في قسم كبير منه -؛ فلا يتفقون، ولا يسعون إليه؛ بل يقرونه، فشتان إذن بين الاختلافين. ذلك هو الفرق من جهة السبب.
وأما الفرق من جهة الأثر؛ فهو أوضح؛ وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم - مع اختلافهم المعروف في الفروع - كانوا محافظين أشد المحافظة على مظهر الوحدة، بعيدين كل البعد عما يفرق الكلمة، ويصدع الصفوف؛ فقد كان فيهم - مثلاً - من يرى مشروعية الجهر بالبسملة، ومن يرى عدم مشروعيته، وكان فيهم من يرى استحباب رفع اليدين، ومن لا يراه، وفيهم من يرى نقض الوضوء بمس المرأة، ومن لا يراه؛ ومع ذلك؛ فقد كانوا يصلون جميعاً وراء إمام واحد، ولا يستنكف أحد منهم عن الصلاة وراء الإمام لخلافٍ مذهبي.
وأما المقلدون؛ فاختلافهم على النقيض من ذلك تماماً؛ فقد كان من آثاره أن تفرق المسلمون في أعظم ركن بعد الشهادتين؛ ألا وهو الصلاة، فهم يأبون أن يصلوا جميعاً وراء إمام واحد؛ بحجة أن صلاة الإمام باطلة، أو مكروهة على الأقل بالنسبة إلى المخالف له في مذهبه، وقد سمعنا ذلك، ورأيناه كما رآه غيرنا (9) ، كيف لا؛ وقد نصت كتب بعض المذاهب المشهورة اليوم على الكراهة، أو البطلان؟! وكان من نتيجة ذلك أن تجد أربعة محاريب في المسجد الجامع، يصلي فيها أئمةٌ أربعةٌ متعاقبين، وتجد أناساً ينتظرون إمامهم بينما الإمام الآخر قائم يصلي!بل لقد وصل الخلاف إلى ما هو أشد من ذلك عند بعض المقلدين؛ مثاله منع التزاوج بين الحنفي والشافعية، ثم صدرت فتوى من بعض المشهورين عند الحنفية - وهو الملقب بـ: (مفتي الثقلين) -؛ فأجاز تزوج الحنفي بالشافعية، وعلل ذلك بقوله:" تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب " (10) !
ومفهوم ذلك - ومفاهيم الكتب معتبرة عندهم - أنه لا يجوز العكس، وهو تزوج الشافعي بالحنفية؛ كما لا يجوز تزوج الكتابي بالمسلمة!!هذان مثالان من أمثلة كثيرة، توضح للعاقل الأثر السيِّئ الذي كان نتيجة اختلاف المتأخرين وإصرارهم عليه؛ بخلاف السلف، فلم يكن له أي أثر سيِّئ في الأمة؛ ولذلك فَهُمْ في منجاة من أن تشملهم آيات النهي عن التفرق في الدين؛ بخلاف المتأخرين. هدانا الله جميعاً إلى صراطه المستقيم. لأنهم هم أنفسهم في حيرة " (11) .

----------------------
الهوامش :
(1) راجع " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم، و " حجة الله البالغة " للدهلوي، أورسالته الخاصة بهذا البحث " عِقد الجِيد في أحكام الاجتهاد والتقليد ".
2 – ويقصد بالآيات هي قوله تعالى تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46) . وقال: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم: 31 - 32) . وقال: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (هود: 118 - 119) .فقد ذكرها قبل ذلك .
(3) انظر: " فيض القدير " للمناوي (1/209) ، أو " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (1/76 و 77) .
(4) ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2/81 و 82) .
(5) المصدر السابق (2/82 و 88 و 89) .
(6) المصدر السابق (2/83 - 84) .
(7) المصدر نفسه (2/89) .
(8) راجع " الانتقاء " لابن عبد البر (41) ، و " كشف المغطا في فضل الموطا " (ص 6 - 7).
(9) راجع (الفصل الثامن) من كتاب " ما لا يجوز فيه الخلاف " (ص 65 - 72) ؛ تجدأمثلة عديدة مما أشرنا إليه؛ وقعت بعضها من بعض علماء الأزهر!
(10) " البحر الرائق ".
(11) وأقول الآن: لقد كشفت كتابات الغزالي الكثيرة في أيامه الأخيرة - مثل كتابه الذي صدر أخيراً بعنوان: " السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث " - أنه هو نفسه من أولئك الدعاة الذين " هم أنفسهم في حيرة "! ولقد كنا نلمس منه قبل ذلك من بعض أحاديثه ومناقشاتنا له في بعض المسائل الفقهية ومن بعض كتاباته في بعض مؤلفاته ما ينم عن مثل هذه الحيرة، وعن انحرافه عن السنة، وتحكيمه لعقله في تصحيح الأحاديث وتضعيفها؛ فهو في ذلك لا يرجع إلى علم الحديث وقواعده، ولا إلى العارفين به، والمتخصصين فيه؛ بل ما أعجبه منه؛ صححه، ولو كان ضعيفاً! وما لم يعجبه منه؛ ضعفه، ولو كان صحيحاً متفقاً عليه! ...وقد قام كثير من أهل العلم والفضل - جزاهم الله خيراً- بالرد عليه، وفصلوا القول في حيرته وانحرافه. ومن أحسن ما وقفت عليه رد صاحبنا الدكتور ربيع بن هادي المدخلي في مجلة (المجاهد) الأفغانية (العدد 9 - 11) .. ورسالة الأخ الفاضل صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، المسمى: " المعيار لعلم الغزالي " .انظر التعليق كاملاً في " صفة الصلاة " (طبعة المعارف /ص 66 - 68) ، وراجع إن شئت السلسلة الصحيحة " (7/833) .

كتبه الشيخ لعويسي -حفظه الله-
https://www.sahab.net/forums/index.php?app=forums&module=forums&controller=topi c&id=147032#comment-745339