أسس الزواج الصالح..



من مقاصد الزواج النكاح والمحفظة على النسل وإعفاف الفتى والفتاة. قال تعالى: «وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم» (النور 32).

ويجب الزواج على من قدر على مؤونته وخاف على نفسه الوقوع في الحرام، ويسن لمن قدر عليه ولم يخف العنت، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. وقوله صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة.

من الناس من لم يعتبر الزواج عبادة وعدّوه مجرد شهوة أو تسلية أو عرف يجب أن يحدث بين البشر. وفي الحقيقة أن الزواج عبادة من أجل العبادات وهو سنة الأنبياء من قبل.

قال تعالى: «ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية». والمصطفى صلوات ربي وسلامه عليه يقول: «من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح».

وللزواج واستمراره ونجاحه شروط يجب توفرها، منها: أن يخلص الزوج لزوجته والزوجة لزوجها حتى يكونا في عبادة حقة وتستقر الأسرة ويسودها الحب والرحمة، فإذا ضعف الإخلاص في التعامل وفي الكلام وفي المشاعر اهتزت الحياة الأسرية وبدأ كل واحد يأتي بأفعال لم تكن موجودة من قبل، فمثلاً تبدأ المرأة تهمل زينتها في البيت لزوجها وإذا خرجت من البيت اهتمت بزينتها وكذلك الزوج إذا كان خارجاً لملاقاة أصدقائه تعطر وتجمل وارتدى أفضل ما عنده وكأنهم في سباق لإرضاء الآخرين خارج البيت، ونسي الاثنان حياتهما بسبب العناد المؤدي إلى عدم الاستقرار.

وهنا لا بد للزوج من أن يتكلم مع زوجته ويبيِّن لها أن الزينة تكون للزوج وقبل ذلك ينصح نفسه ولا يأتي ما ينهى عنه كي يكون قدوة صالحة ولا يتركان مجالاً للأخذ والرد في هذه النقطة، لماذا أنت تتزيّن وأنت خارج ولماذا تتزيّنين وأنت خارجة؟ فكثرة القيل والقال تولّد البغضاء والكراهية.

فالزوجة تتزين لزوجها حتى يجد منها ما يريحه ويجعله لا يخرج من البيت إلا للضرورة وقضاء ما يحتاجه وعلى الزوج أن يقتدي بالسلف الصالح في أمر الزينة.

فهذا ابن عباس رضي الله عنهما يوصي الرجال فيقول: إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى يقول: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف». (البقرة: 228).

فالمرأة المؤمنة الطائعة لربها عليها أن تعلم أن ما تقوم به تجاه زوجها يوضع في ميزان حسناتها، كما أنها يمكنها من خلال تصرفها الذكي مع زوجها أن تجعله لا يفكر في امرأة أخرى غيرها، وكذلك الزوج العاقل هو الذي يفعل ما يساعد زوجته على حبه وتقديره ولا يتركها وشأنها بل له أن يقدم لها رسالة خالصة من خلال تصرفه معها بأنه يحبها وهي كل شيء في حياته، الأمر الذي يجعل كل واحد مطمئنا على سلوكه أو سلوكها في البيت وعندما يخرج أحدهما للعمل أو لقضاء مصلحة من المصالح، فكثير من البيوت امتلأت بالشك الناتج عن فقدان الثقة بين الزوج والزوجة.

وجميل من الزوج والزوجة أن يتعاونا على طاعة الله إن لمس أحدهما كسلا من الجانب الآخر حثه على الطاعة ووفر الظروف المناسبة لأداء ذلك دون منغصات.

وعلى الزوج مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية بحقوق الأهل والصبر على أخلاقهن والسعي في إصلاحهن وإرشادهن إلى طريق الدين والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن والقيام بتربية الأولاد تربية إسلامية كي ينشؤوا على معرفة ما أحله الله وما حرمه ويخالقوا الناس بخلق حسن. يقول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله».

فقد جعل لكل من الزوجين حقوقاً ورتب عليها واجبات ، لن تتحقق السعادة إذا أهمل أحد الطرفين أداء واجبه وراح يطالب الآخر بحقوقه عليه، وإنما ينبغي لكل منهما أن يبادر بتأدية ما عليه من واجبات، رغبة في إسعاد شريكه وإدخال السرور على نفسه، وعلى الآخر مثل ذلك .
فقد تكفل الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين بتحديد تلك الحقوق والواجبات حتى لا يتظالم الشريكان فتتبخر السعادة ، ووفق قاعدة متوازنة دقيقة من صنع العليم الحكيم تقرر الأمر على أساس العدل يقول سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة: من الآية228].


فحقوق الزوجة :

1. أن يكون حسن الخلق في معاملتها : وليس حسن الخلق معناه أن يكف الأذى عنها فحسب ، ولكن معناه أن يتحمل ما قد يبدر منها وأن يكون حليماً عند غضبها ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. المداعبة والمزاح والملاعبة : فإنه بهذا تطيب قلوب النساء ويغشاهن السرور والحبور ويأنسن بالزوج ويسعدن بقربه، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى أنه كان صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة رضي الله عنها فسبقته مرة وسبقها أخرى فقال ".. هذه بتلك " (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه) .
وهو صلى الله عليه وسلم القائل :" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله " . (رواه الترمذي والنسائي والحاكم ).


3. أن يغار عليها : وغيرة الرجل على امرأته من ثمرات الإيمان ومن دلائل المروءة وأمارات الحب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتعجبون من غيرة سعد ؟ أنا والله أغير منه والله أغير مني "( متفق عليه) .
وغيرة الله أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه ، والغيرة المحمودة هي الغيرة المعتدلة ، أما الغيرة المفرطة والتي لا يوجد لها مبرر فهي مذمومة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل ، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة ". (رواه أبو داود والنسائي ابن حبان) .
وحقوق الزوج :

1. الطاعة : فلا يجوز للمرأة عصيان زوجها أو مخالفة أمره إلا فيما حرم الله وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها " رواه الترمذي وابن ماجه.
2. التجمل : على المرأة أن تتجمل لزوجها وأن تتزين له بحيث لا يقع نظره عليها إلا وهي في أحسن حالاتها بهاء .
3. أن تكون بارة بزوجها : ومن البّر به ألا توقعه في الحرج والإثم بعنادها وإصرارها على خلاف ما يطلب، وعمل ما لا يرغب ، خاصة إذا أقسم عليها أن تفعل شيئاً ما أو أقسم عليها ألا تفعل.
والمرأة الصالحة تبر زوجها إذا أقسم ولا تضطره للتكفير عن يمينه بعد الحنث فيها؛ لأنها تخشى الله وترعى حق زوجها ولاتضطره لتحمل المشقات، فضلاً عما يسببه هذا التصرف من انعكاسات تعود على البيت .
4. الرعاية التامة : وتعني أن على المرأة أن ترعى حق زوجها غائباً وحاضراً فيجب ألا تدنس عرضه ولا تبدد ماله، وأن تبتعد عن كل ما يسوءه أو ينال من سمعته، وأن ترحم أبناءه وبناته سواء كانوا أبناءهما معاً أم لا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً له من زوجة صالحة ، إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله " (رواه الإمام أحمد) .
5. القناعة : يجب على الزوجة العاقلة ألا ترهق زوجها بكثرة المطالب وأن تكون قانعة راضية بما قسم الله لها، فإن كثرة مطالب المرأة ربما تدفع زوجها إلى السعي في كسب الحرام وفي ذلك شقاء الأسرة كلها في الدنيا والآخرة، وأيضاً فإن كثرة مطالب الزوجة تجعل الزوج يعيش مهموماً مغموماً عندما لا يستطيع تلبية مطالبها، وهمه وغمه لابد أن ينعكس عليها وعلى البيت كله ، وفي الكتاب العزيز : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) [ الطلاق : 7].


6. الوعظ والتهذيب : قرر الله تبارك وتعالى هذا الحق ليستعان به على حفظ دعائم البيت كيلا تعصف به رياح الغضب أو تدمره عواصف الخلاف .
ولأن الرجل هو المسؤول عن حفظ البيت ورعايته والدفاع عنه ضد الأنواء والأعاصير فقد كلفه الله تبارك وتعالى بذلك في قوله الحكيم : (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء:34].
فإذا ظهرت على المرأة أعراض النشوز ـ وهو التمرد والعصيان ـ فإنه يحق للزوج أن يقوم بنصحها ووعظها حيث يذكرها بالله سبحانه ويخوفها من غضبه وعقابه ، ويذكرها كذلك بحقه عليها ، وبأن الله تعالى فرض عليها طاعته ، على أن يكون ذلك بطريقة حكيمة مؤثرة، وليس له أن يزيد على ذلك، نحو سب أو شتم أو كلام مكروه ، فإن لم ينفع هذا العلاج كان له أن ينتقل إلى ما بعده وهو الهجر بأن يعرض عن كلامها وليس له أن يزيد في ذلك على ثلاثة أيام ، وأن يعتزل فراشها ولا يزيد ذلك على شهر وقوفاً عند حدود ما ورد في ذلك ، فإذا لم ينفع هذا العلاج أيضاً انتقل إلى الأمر الثالث وهو الضرب ، وكان صلى الله عليه وسلم يكرهه وما فعله قط .
وبعد :
فإن البيت السعيد يزهى بالمرأة الصالحة الحافظة لزوجها ، ونفسها ، وبيتها ، القائمة على رعاية ما استرعاها الله ـ سبحانه ـ وهي التي يبارك لها ويتم بها الخير والسعادة.