بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :
هذا شرح لمقدمة ابن أبي زيد القيرواني في معتقد أهل السنة والجماعة كنت قد شرحته للطلاب ، والآن أعيد شرحه ثانية في مسجد بلال بن رباح بالبليدة ، أنزله هنا في حلقات متتابعة لعل الله أن ينفع به إخواننا وأن يجعله دخرا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من جاء بقليب سليم ،فنسأل الله أن يتقبله منا خالصا لوجهه وأن يسلم قلوبنا من الشرك والعجب إن ربي سميع قريب مجيب .
وهذا الشرح أرجو من الله أن يكون أوسع شرح لهذه المقدمة المباركة التي جعل الله لها القبول فبيعت الرسالة بوزنها ذهبا في عصر المؤلف - رحمه الله – وقد أقبل عليها العلماء شرحا وتدريسا ما بين مختصر ومتوسط ومطول ، ومن أفضل شروحها التي رأيت شرح علامة المدينة الشيخ العباد البدر -حفظه الله ورعاه - وقد استفدت منه شرحه كثيرا وخاصة المقدمة بين يدي الشرح التي فيها عشر قواعد مهمة جدا لطالب العلم .
متن : قال الإمام أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني رضي الله عنه وأرضاه:
الحمد لله (1) ...................
-------------------
1 – قوله : الحمد لله ؛ افتتح المصنف رسالته بالحمدلة اقتداء بكتاب الله تعالى ؛ إذ ليس من مذهبه أن البسملة آية من الفاتحة .. تعريف الحمد :
هو الثناء على المحمود المنعم بالجميل الاختياري محبة وتعظيما ، والألف واللام في الحمد لاستغراق جنس المحامد ، واللام في لفظ الجلالة ( لله ) أي للتمليك والاستحقاق ، فالقائل : الحمد لله كأنه يقول : أحمدك يا رب وأثني عليك محبة وتعظيما بجميع المحامد التي تملكها وحدك وتستحقها وحدك لا شريك لك ، ولذلك كان الحمد من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد لربه .

قال ابن القيم في بدائع الفوائد(2/93- 95) فالحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه .
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى : "الْحَمْدُ ": هُوَ الْإِخْبَارُ بِمَحَاسِنِ الْمَحْمُودِ مَعَ الْمَحَبَّةِ لَهَا. فَلَوْ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ بِمَحَاسِنِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَحَبَّةٍ لَهَا لَمْ يَكُنْ حَامِدًا وَلَوْ أَحَبَّهَا وَلَمْ يُخْبِرْ بِهَا لَمْ يَكُنْ حَامِدًا.
وَالرَّبُّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إذَا حَمِدَ نَفْسَهُ فَذَكَرَ أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ
الْعُلَى وَأَفْعَالَهُ الْجَمِيلَةَ وَأَحَبَّ نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ فَكَانَ هُوَ الْحَامِدَ وَالْمَحْمُودَ وَالْمُثْنِي وَالْمُثْنَى عَلَيْهِ وَالْمُمَجِّدَ وَالْمُمَجَّدَ وَالْمُحِبَّ وَالْمَحْبُوبَ كَانَ هَذَا غَايَةَ الْكَمَالِ؛ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ وَلَا يُوصَفُ بِهِ إلَّا هُوَ.
والألف واللام في قوله "الحمد لله" فيها قولان: قيل : هي للجنس كما ذكره بعض المفسرين من المعتزلة وتبعه عليه بعض المنتسبين إلى السنة. والثاني : وهو الصحيح - أنها للاستغراق، فالحمد كله لله.
ففي صحيح الترغيب والترهيب ( 1576)عن مصعب بن سعد عن أبيه : أَنَّ أعرابيّاً قال للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلّمْني دُعاءً لَعَلَّ الله أنْ ينفعني بِهِ؟ قال : ((قُلْ: اللهُمَّ لَكَ الحمدُ كلُّه، وإليكَ يرجعُ الأَمرُ كُلُّهُ)).قال الشيخ : حسن .
وعن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :
بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلماً. يقول: اللهم! لك الحمد كله، بيدك الخير كله، إليك يرجع الأمر كله؛ علانيته وسره، فأهل أن تحمد، انك على كل شيء قدير. اللهم! ...))(1).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في شرح حديث جابر رضي الله عنه في حجة الوداع (1/22) :
تعريف الحمد: هو وصف المحمود بالكمال محبةً وتعظيماً، ولا يمكن لأحد أن يستحق هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله عز وجل. وقول بعضهم: الحمد هو الثناء بالجميل الاختياري، أي : أن يثني على المحمود بالجميل الاختياري. ويفعله اختياراً من نفسه، تعريف غير صحيح، يبطله الحديث الصحيح: «أن الله قال : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى عليَّ عبدي» (2).
فجعل الله تعالى الثناء غير الحمد لأن الثناء تكرار الصفات الحميدة، وأل في الحمد للاستغراق، أي: جميع أنواع المحامد لله وحده، المحامد على جلب النفع وعلى دفع الضرر، وعلى حصول الخير الخاص والعام، كلها لله على الكمال كله.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه «بدائع الفوائد» (2/ 92-96 ") بحثاً مستفيضاً نفيسا حول الفروق بين (المدح - والحمد) وكلمات أخرى في اللغة العربية تخفى على كثير من الناس .فلتراجع .
والحمد يأتي في حق الله جل وعلا ، ويأتي في حق البشر . فإن كان في حق الله ، فهو الثناء على الله مطلقًا . نقول الحمد في حق الله هو الثناء عليه مطلقًا محبة وتعظيما .
وأما في حق البشر فيكون الحمد هو الثناء على المنعم . ما الفرق هنا بين الثناء مطلقًا في حق الله ، وبين الثناء على المنعم في حق البشر ؟ نقول الفرق هو : أن الله سبحانه وتعالى يُحْمَد على كل حال . سواءٌ أنعم عليك بنعمة أو لم ينعم عليك بنعمة . فإنك تحمده سبحانه وتعالى على كل حال . فتحمده في السراء ، وتحمده في الضراء . لأن الشر لا يكون من الله جل وعلا شرًا محضًا . فما من بلاء أو مصيبة يلقيها على العبد إلا وفيها خير من وجه من الوجوه . بخلاف البلايا التي تقع من البشر ، والمصائب أو الشر الذي ينسب إليهم فقد يكون شرًا محضًا.
وأما الله جل وعلا فالشر ليس إليه كما جاء في الحديث .
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: ((وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ)). رواه مسلم (771) وأبو داود (760) والترمذي (3422)والنسائي (897).
وكما قال الله سبحانه وتعالى :{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا $ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ }(78-79)النساء .
قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا، ولكن نسبة الشر ليست إلى الله عز وجل حقيقة وتأدبا مع الله لأنه لا يرضاه لعباده ، وأما من باب الخلق والإيجاد فهو الله جل وعلا الخالق للخير والشر ، للنفع والضُّر ، للنعمة والمصيبة كلها من إيجاد الله جل وعلا وخلقه ؛ ولكن تأدبًا مع الله لا تُذكر في مقابل النعمة . والشر ليس إليك . فبأي هذا كان الحمد في حق الله على كل حال .
وأما في حق البشر فإنه لا يكون إلا مقابل الإنعام.

مراتب الحمد : مراتبه ثلاثة وأعلاها:
أ – الحمد لله :لما اشتملت عليه من الألف واللام التي تفيد استغراق جميع أنواع المحامد ، ولما فيها من لام التمليك والاستحقاق .
فهذه الصيغة هي أفضل مراتب الحمد وأعلاها لأن الحامد بها يثني على الله بجميع المحامد التي يملكها سبحانه ويستحقها وحده لا شريك له .
كيف لا يكون كذلك وقولها يملأ الميزان كما تملأ ما بين السموات والأرض مع سبحان الله ، وقولها صدقا وحقا يعتبر أكثر من ذكرك أيها المطيع الليل والنّار ، وقد جاء في فضل الحمد لله أحاديث كثيرة منها :
ما في صحيح مسلم (223) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)).
ومنها ما في صحيح الجامع ( 2615- 1206 ) (( ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟ تقول : الحمد لله عدد ما خلق ؛ الحمد لله ملء ما خلق ؛ الحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض ؛ الحمد لله عدد ما أحصى كتابه ؛ والحمد لله على ما أحصى كتابه والحمد لله عدد كل شيء؛ والحمد لله ملء كل شيء ؛ وتسبح الله مثلهن تَعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك)). قال العلامة الألباني (صحيح) ... [طب] عن أبي أمامة. الترغيب (2/252).
وفي التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2/211) (827 ): عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَقَالَ : ((مَاذَا تَقُولُ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟ )) قَالَ: أَذْكُرُ رَبِّي قَالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِنْ ذِكْرِكَ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ وَالنَّهَارَ مَعَ اللَّيْلِ؟ أَنْ تَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ مَا فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ وَتَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذلك)قال الشيخ الألباني - رحمه الله - : حسن صحيح ـ ((التعليق الرغيب)) (2/ 252 ـ 253). والصحيحة (2578).
وفي مسند الإمام أحمد – رحمه الله - ( 22144) عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ حَدَّثَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (( مَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَسُبْحَانَ اللهِ مِثْلَهَا فَأَعْظِمْ ذَلِكَ )) (قال محققه ) حديث صحيح.
وهذه صيغة الحمد التي أنزل الله بها كتابه فقال في سورة الحمد { الحمد لله رب العالمين }
قال ابن القيم في صيغ الحمد(1/23- وَقَوله تَعَالَى فِي حَمده لنَفسِهِ الَّذِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحمده بِهِ {وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا}
فَهَذَا حَمده الَّذِي أنزلهُ على عَبده ارْتَضَاهُ لنَفسِهِ وَأمر رَسُوله أَن يحمده بِهِ ، وَقَالَ تَعَالَى حامدا لنَفسِهِ :{ الْحَمد لله الَّذِي أنزل على عَبده الْكتاب وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا قيمًا لينذر بَأْسا شَدِيدا من لَدنه ويبشر الْمُؤمنِينَ الَّذِي يعْملُونَ الصَّالِحَات أَن لَهُم أجرا حسنا}.
وَقَالَ : {قل الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى}
وَقَالَ : { الْحَمد لله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَله الْحَمد فِي الْآخِرَة وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير}
وَقَالَ : {الْحَمد لله فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا أولي أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء إِن الله على كل شَيْء قدير}
وَقَالَ عَن أهل الْجنَّة {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده وأورثنا الأَرْض نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء فَنعم أجر العاملين}
وَقَالَ {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن إِن رَبنَا لغَفُور شكور}
فَهَذَا حَمده لنَفسِهِ الَّذِي أنزلهُ فِي كِتَابه وَعلمه لِعِبَادِهِ وَأخْبر عَن أهل جنته بِهِ وَهُوَ آكِد من كل حمد وَأفضل وأكمل كَيفَ يبر الْحَالِف فِي يَمِينه بالعدول إِلَى لفظ لم يحمد بِهِ نَفسه وَلَا ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن سَادَات العارفين من أمته.
ب – حمدا لله ، أو أحمد لله :
وهذه هي المرتبة الثانية لما اشتملت عليه من لام التمليك والاستحقاق ، ولكنها خالية من لام الاستغراق لجميع أنواع المحامد ، وكأن الحامد حمد الله وأثنى عليه بحمد معين يملكه الله ويستحقه وحده لا شريك له ، ولم يحمده بجميع أنواع المحامد
.. قَالَ سُفْيَانُ الثوري : دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: «إِذَا كَثُرَتْ هُمُومُكَ فَأَكْثِرْ مِنْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَإِذَا اسْتَبْطَأْتَ الرِّزْقَ فَأَكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، وَإِذَا تَدَارَكَتْ عَلَيْكَ النِّعَمُ فَأَكْثِرْ حَمْدًا لِلَّهِ» الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك( 342) لابن شاهين.
ت – أحمد الله ، أو حمدت الله :
وهذه المرتبة الثالثة ، وهي ثناء العبد على ربه ثناء غير شامل لأنواع المحامد ولا مُعَين لبعضه ، وهذا يمكن أن يشترك معه غيره فيه ، فهل يصح أن يشرك معه غيره في ذلك ، هذا من ناحية الصيغة واللغة جائز لكن من ناحية الشرع فلا بد أن يكون على وجه الترتيب ب ( ثم )وإلا فلا يصح أن تقول حمدت الله وفلان بواو المعية . شرح النظم الحبير بتصرف .
وفي صحيح الأدب المفرد (ث 866) عن أنس بن مالك رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ الرَّجُلَ، كَيْفَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ. فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا الَّذِي أَرَدْتُ منك.صحيح موقوفاً ، وثبت مرفوعاً ـ «الصحيحة» (2952) .
فَالْحَمْد لله ، فالحمد لله ، أحمده بمحامده الَّتِي حمد بهَا نَفسه وحمده بهَا الَّذين اصْطفى من عباده حمدا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يحب رَبنَا ويرضى وَصل اللهم على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وَآله وَصَحبه وَسلم.
الهوامش: (1) أخرجه أحمد (5/395، 396) بإسناد منقطع من حديث حذيفة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلما يقول: اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله بيدك الخير كله إليك يرجع الأمر كله علانيته وسره فأهل أن تحمد، إنك على كل شيء قدير، اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملا زاكيا ترضى به عني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاك ملك أتاك يعلمك تحميد ربك".
وقال الهيثمي في "المجمع" (10/96) : "رواه أحمد وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات". وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/428، 429) من حديث أنس بنحو القصة وقال : "رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الذكر" ولم يسم تابعيه".
وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (6850): ضعيف .
(2) أخرجه مالك في الموطأ (39) والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (71) و (79) ومسلم في كتاب الصلاة / باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (395) عن أبي هريرة رضي الله عنه.وأحمد (7291).