بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا يليق بجلاله وجماله وكماله ، أحمده ربي سبحانه كما يحب ويرضى ، وأحمد ربي حتى يرضى وأحمده بعد الرضا ، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له ، أشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وأصلي وأسلم عليه أفضل صلاة وأسنى تسليم وأزكاه ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
إن الفقه في الدين من أشرف العلوم وأفضلها ، كيف لا وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنه من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ويلهمه رشده ..
كيف لا يكون الفقه كذلك وهو الضابط لسلوك المسلم وخلقه ، فهو الذي يهذبه ويربيه ، وهو زاده إلى ربه ، فهو الذي يكشف له الطريق القويم ومعالم الصراط المستقيم ، فيعبد ربه على بصيرة ، وفهم صحيح يورثه الخشية من ربه ، ويرفعه في الدنيا مراتب الشرف وفي والآخرة إلى عليين ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم .
ولما كان لكل زمان لغته ، ومنهجه كان لابد أن يكتب الفقه ويبسط في زماننا هذا على لغة عصرنا بأسلوب يتوافق مع المنهج العلمي من حيث أدواته ووسائله ، مع المحافظة على أصالته وقواعده على منهج السلف الصالح ، لأنه المنهج الأعلم والأحكم والأسلم ، منهج يتوافق مع الفطرة ، منهج خال من الألغاز والتعقيد والمبني على التأصيل والتقعيد .
والملاحظ أن الجيل السلفي اليوم يتطلع إلى دراسة الفقه بوسائل وأدوات عصرية على قواعد وأساسيات أصلية سلفية .
وإن من التأصيل في طلب العلم لطلاب العلم أن يبدءوا بالأهم فالمهم وأن يتدرجوا فيه كما قال الحكمي - رحمه الله- في الوصية بطالب العلم . وبالمهم المهم أبدأ لتدركه - - وقدم النص والآراء فاتهم
ولئن العلم كثير فليحرص على النافع منه كما قال غيره :
ماأكثرالعلم وماأوسعه - - - من ذا الذي يقدرأن يجمعه
إن كنت لابدله طالبا - - - محاولا فالتمس أنفعه
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : العلم كثير، ولن تعيه قلوبكم، ولكن اتبعوا أحسنه ألم تسمعوا قوله تعالى : {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ...} .
قالصالح بن عبد القدوس -رحمه الله -:
إذاطلبت العلم فاعلم أنه حمل - - - فأبصر أي شيء تحمل
وإذاعلمت بأنه متفاضل - - - فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل .
وأن يأخذوه عن أهله ، وأن يأخذوا من كل علم يطلبوه متنا يحفظوه ، وشرحا مختصرا ثم متوسطا ، ثم مطولا، وهكذا يكون البناء فإن المتون هي أصولٌ للعلم وقواعدٌ له ، وحفظها حفظ لأصول العلم ، فالعلم هو الحفظ والفهم.
فمن لم يحفظ الأصول لم يحز الوصول ، ومن لم يحفظ المتون لم يع شيئا من الفنون . ولماكان الفقه في الدين من أجل العبادات وأعظم مايتقرب به العبد إلى الله، وكانت هذه المرتبة عالية شريفة المنال خص الرسول-r- ابن عباس بدعوة فيهاترغيب الغيره وحثا على التنافس فيها فقال: ((اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل))البخاري (143)ومسلم (2477). فإن الطالب لمايقرأمثل هذا الدعاء يعلم يقينا ما للفقه من مزية ومرتبة تدفعه للحرص على الوصول إليها،كيف لا والله تعالى يؤكد ويحث على تحصيل الفقه والرحلة في سبيله والعمل به ونشره وتعلمه وتعليمه،وذلك في قول تعالى جل وعز : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } (122)التوبة .
قال العلامة السعدي في تفسيره ( 1/355): يقول تعالى: -منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم- {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أي: جميعا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهم المشقة بذلك، وتفوت به كثير من المصالح الأخرى، {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ} أي: من البلدان، والقبائل، والأفخاذ {طَائِفَةٌ} تحصل بها الكفاية والمقصود لكان أولى.
ثم نبه على أن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: {لِيَتَفَقَّهُوا} أي: القاعدون {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} أي. ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم. ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصا الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علما، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته وأجره، الذي ينمى له.
وأما اقتصار العالم على نفسه، وعدم دعوته إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ وأي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته أن يموت، فيموت علمه وثمرته، وهذا غاية الحرمان، لمن آتاه الله علما ومنحه فهما.
ولقدوفقاللهكثيرامنعلماءالأمةالعاملين،ومجديهاالمجتهدينإلىحمللواءهذاالعلمفأصلواقواعدوفصلوامسائله،وتصدوالتبيانأحكامماجدمنالحوادثوالوقائععلىمرالعصور والدهور ، ومنهؤلاءالأعلام،الفقيهعبداللهبنعبدالرحمنأبيزيدالنفزاويالقيروانيأبومحمد . فقدألفكثيرامنالكتبومنأحسنهاتأصيلاوتأسيساللمبتدئينكتابهالرسالة .
متن الرسالة :
بسماللهالرحمنالرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (1).
----------------
1 - لقد تكلمت على الافتتاح بالبسملة ، والاقتداء في ذلك بالكتاب العزيز وبالأنبياء قبل نبينا ، وأخذا بسنة نبينا ، وسنة أصحابه من بعده ، في شرح مقدمة الرسالة في العقيدة بما فيه الكفاية - والحمد لله رب العالمين - وهنا ندخل مباشرة في شرح ما أراد المؤلف رحمه الله من أبواب الفقه حيث قال :
( باب ) ما يجب منه الوضوء والغسل .
المؤلف - رحمه الله - بدأ كتاب الطهارة بالوُضوء ( بضم الواو ) وما يجب منه وكذلك الغسل مباشرة ، وأهمل - رحمه الله – بعض الأبواب منه على عادة الفقهاء في كتبهم ومصنفاتهم ، ومتونهم يبدءون دائما بأقسام المياه ، والأعيان الطاهرة ، والأعيان النجسة ، وحكم إزالتها ، وما يعفى منها ، وكيفية التطهر منها ، وقضاء الحاجة ، والاستنجاء ، وآدابهما من آداب التخلي ، منها حكم استقبال القبلة ببول أو غائط ، والاستنجاء بالماء والاستجمار بالحجارة ، وهذه الأمور كلها مهمة للطالب ، وهو ورحمه وإن كان لم يفصل فيها على طريقة الفقهاء ، إلا أنه أشار إليها في أماكن تتعلق بها؛ لأنه يريد أن يختصر ويعتصر الفقه في متن للطلاب المبتدئين ، وقد وفق - رحمه الله – في ذلك إلى حد كبير حيث بيعت هذه الرسالة المباركة في عصر المؤلف بوزنها ذهبا .
لما كان قصدنا هنا شرح هذه الرسالة على طريقة التفصيل بالدليل رأيت أن أعرج في شرحها على طريقة الفقهاء فأبدأ بكتاب الطهارة ، وأسأل الله تعالى التوفيق والإعانة لما توخيت من الإبانة إنه قريب سميع ، مجيب.
كتاب الطهارة :
1 – مشروعية الطهارة ومكانتها في الإسلام .
للطهارة مكانة عظيمة في ديننا لذلك شرعها الله تعالى ورغب فيها أيما ترغيب ، فيكفي دليلا على فضلها ومكانتها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( الطهور شطر الإيمان ..)) فجعلها نصف الإيمان ، أي نصف الصلاة ، والصلاة عمود الدين ؛ إذا هي نصف عمود الدين لمن عقل .
وقبل أن أذكر بالتفصيل عناية الإسلام بالطهارة أعرفها لغة وشرعا حتى نفهم المقصود من مشروعيتها .
الطهارة في اللسان العربي : النظافة والنزاهة ، والتخلص من الأدناس حسية كانت أو معنوية كالعيوب ، يقال : تطهّر بالماء : أي تنظف من الدنس ، قال تعالى :{ وثيابك فطر} [المدثر: 4] . قال ابن زيد، في قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: كان المشركون لا يتطهرون، فأمره أن يتطهر، ويطهِّر ثيابه. تفسير ابن جرير الطبري (23/12).
وتطهر من الحسد : أي خلص قلبك منه وطهره ، وأعظمه الشرك قال تعالى :{ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ }(المدثر :5).
قال ابن جرير (23/13):وبسنده إلى : ابن زيد، قال في قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: الرجز: آلهتهم التي كانوا يعبدون؛ أمره أن يهجرها، فلا يأتيها، ولا يقربها. وكذا قال غير واحد من السلف.
قال القرافي في الدخيرة (1/163): الطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ التَّبْرِئَةُ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَيُقَالُ طَهُرَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا طَهَارَةً فِيهِمَا وَالطُّهْرُ وَهُوَ أَيْضًا ضِدُّ الْحَيْضِ وَالْمَرْأَةُ طَاهِرَةٌ مِنَ الدَّنَسِ وَالْعُيُوبِ وَطَاهِرٌ مِنَ الْحَيْضِ بِالتَّاءِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْمَطْهَرَةُ الْإِدَاوَاتُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَتُسْتَعْمَلُ الطَّهَارَةُ مَجَازًا فِي التَّنَزُّهِ عَنِ الْعُيُوبِ فَيُقَالُ قَلْبٌ طَاهِرٌ وَعِرْضٌ طَاهِرٌ تَشْبِيهًا لِلدَّنَسِ الْمَعْلُومِ بِالدَّنَسِ الْمَحْسُوسِ. وانظر مختار الصحاح (1/193).
والطهارة شرعا: فعل ما تستباح به الصلاة أو ما في حكمها ، كالوضوء لمن كان غير متوضئ ، والغسل لمن وجب عليه الغسل ، وإزالة النجاسة من الثوب ، والبدن والمكان .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : إِنَّهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلاَةِ بِهِ، أَوْ فِيهِ، أَوْ لَهُ. فَالأْوَّلاَنِ يَرْجِعَانِ لِلثَّوْبِ وَالْمَكَانِ، وَالأْخِيرُ لِلشَّخْصِ (الشرح الكبير مع الدسوقي 1 / 30) .
أنواع الطهارة : قال أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد في كتابه "المقدمات الممهدات"(1/66): وهي تنقسم على وجهين: طهارة لإزالة نجاسة، وطهارة لرفع حدث.
فأما الطهارة لإزالة النجاسة فحدها إزالة النجاسة، وهي من العبادات المتوجهة إلى الأبدان دون القلب، إذ لا تفتقر في أدائها إلى نية. واختلف فيها فقيل إنها فرض، وقيل إنها سنة، وقيل إنها استحباب، وليس ذلك بصحيح على ما أصلناه.
وقيل إنها فرض مع القدرة والذكر تسقط مع النسيان، كالكلام في الصلاة، وستر العورة فيها. وهذا غير صحيح على ما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأما الطهارة لرفع الحدث فإنها من العبادات المتوجهة إلى الأبدان والقلوب لافتقارها إلى النية على مذهب مالك والشافعي.
وهي تنقسم على ثلاثة أقسام: غسل، ووضوء، وبدل منهما عند عدم القدرة عليهما وهو التيمم.

ومن النّاس من يذهب إلى أنه لا يصح أن يقال في التيمم على مذهب مالك إنه بدل من الوضوء لأنه لا يرفع الحدث عنده على الإطلاق كما يرفعه الغسل والوضوء، وإن كان يستباح به عنده جميع ما يستباح بالوضوء من الفرائض والنوافل.
والأظهر أنه بدل منه على مذهبه لأنه يستباح به عنده جميع ما يستباح بالغسل والوضوء، وإنما لم يرفع الحدث عنده لأن الأصل كان إيجاب الوضوء.
والتيمم عند عدم الماء لكل صلاة بظاهر قول الله تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[المائدة: 6].
فخرج من هذا الظاهر الوضوء بما ثبت أن رسول الله - r- صلى صلوات بوضوء واحد، وبقي التيمم على الأصل فلم يقس على الوضوء لأن البدل لا يقوى قوة المبدل منه. والله أعلم.انتهى كلامه .
قلت : بل هو بدل منه ، وهو الصحيح ألا ترى أن الكفارات إذا عجز عن نوع منها انتقل إلى البدل عنها ويكون مساويا لها وفي مرتبتها بل ذلك هو الواجب عليه وقد أداه بما أبدله ، وكذلك العبادات إذا عجز عن نوع منها؛ لأن الإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه ، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: " إنَّ اللهَ أَبْدَلَكُمَا بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ " صحيح الجامع (4381) والسلسلة الصحيحة (2021).
قال تعالى : {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50].
وقوله: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 16] .
وقوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59] .
وقوله: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء: 2] .
ومنه الحديث في المقبور فيقال له: «انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به خيرا منه مقعدا في الجنة» ، ويقال للآخر: «انظر إلى مقعدك في الجنة، أبدلك الله به مقعدا من النار» (صحيح البخاري رقم (1374) من فتح الباري (3 / 232)وصحيح مسلم، حديث رقم (2866- 2870) .
وقول عمر رضي الله عنه للبيد (بن ربيعة بن مالك صحابي جليل) " ما فعل شِعرك؟ قال: أبدلني الله به البقرة وآل عمران " (ذكره ابن حجر في الإصابة (3 / 326) . وهذا كثير في الكلام.
فقوله صلى الله عليه وسلم: « إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما» يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما وقوله: «خيرا منهما» يقتضي الاعتياض بما شرع لنا، عما كان في الجاهلية. انظر اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/486-487).
عناية الإسلام بالطهارة والنظافة عادة وعبادة :
لقد اعتنى ديننا الإسلامي بالطهارة عناية عظيمة ، تامة ، شاملة وتنجلي عنايته في نظافة شخصية المسلم في مخبره ومظهره في ثوبه وبدنه ، في قلبه ومسكنه ، في شارعه وسوقه فبالأحرى في مسجده وبيت عبادته ، وكذلك النظافة الاجتماعية :فإن ديننا دين الطهر والنظافة من الرذائل والأوساخ الحسيّة والمعنوية ، فكما اهتم بها اهتم بوسائلها من استجمار ، واستنجاء ، وسواك ، وطيب ، وأشنان ، وكافور ، وريحان وقطيفة وغير ذلك في حياته وعند قبره .
فالإسلام جاء بتزكية القلب بالتوحيد، وبلا إله إلا الله، والكفر بالأوثان التي يشرك بها مع الله سبحانه وتعالى.وذلك نظافته وتنزيه من براثن الشرك والكفر والنفاق والغل والحسد وغير ذلك من أمراض القلوب ..
و جاء بنظافة الجوارح وفي مقدمتها اللسان من قذورات الكلام كالغيبة والنميمية ، والكذب ، ونظافة السلوك والآداب في البيت والمسجد والسوق والمدرسة والإدارة .
النظافة عنوان أهلها في الأسوة والقدوة والتحضر والشرف ، وذلك بمراقبة الله وحده والتجمل والتزين بما يليق بالعنوان في حدود الشرع كما أمر الله تعالى دون إسراف ولا مخيلة فإن الإسراف والتبذير والمخيلة من الوسخ ..
فديننا دين النزاهة والنظافة والتواضع في كل شيء - ولله الحمد والشكر – وذلك أن الله سبحانه جميل يحب الجمال. لذلك شرع لنا شرعا هو شرع الجمال والكمال فما أعظمه من شرع .
عنايته بنظافة القلب من الشرك والكفر والذنوب :
قال تعالى :{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} المدثر.
ذكر ابن جرير بسنده إلى قتادة، قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) يقول: طهرها من المعاصي، فكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دَنِسَ الثياب، وإذا وفى وأصلح قالوا: مطهَّر الثياب.
وعن ابن عباس (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: من الإثم.
وقال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عامر وعطاء قالا من الخطايا.
وعن مجاهد، في قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: عملك فأصلح.
عن أبي رَزِين في قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: عملك فأصلحه، وكان الرجل إذا كان خبيث العمل، قالوا: فلان خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل قالوا: فلان طاهر الثياب.
قلت : وصلاح الأعمال لا يكون إلا بصلاح القلب وتطهيره من كل الآدران بالإيمان الصادق والتوبة والاستغفار .
عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – r-: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".صحيح الجامع(3193) والحديث متفق عليه .
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ، حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] )) صحيح الجامع (1670)وصحيح الترغيب والترهيب وقال حسن . وقال شعيب شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند (7953) إسناده قوي، محمد بن عجلان صدوق قوي الحديث، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح.
وفي صحيح مسلم ( 1847)عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»
فهؤلاء الذين قلوبهم قلوب الشياطين ، أي مدنسة بالمعصية والبدعة قد ران عليها ران الذنوب ، فلا يمكن أن تطهر ، وأن تنقى ، وأن تخلص إما لعنادها ، وإما غفلة من أصحابها حتى هلكوا ، وإما أنهم يرون أنهم على الحق في الزيغ والضلال الذي هم فيه فلا تطهر قلوبهم ..{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}(07) آل عمران.
وقد خلقهم الله تعالى على الفطرة وهي الإسلام والتوحيد وكل ذلك طهارة ، وكذلك يولد الصبي طاهر القلب بريء النفس حتى يدنسه بالشرك والكفر والنفاق والبدعة والخرافة .
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (15/283): وَقَالَ حُذَيْفَةُ: إنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ لمظة بَيْضَاءَ فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ إيمَانًا ازْدَادَ قَلْبُهُ بَيَاضًا فَلَوْ كَشَفْتُمْ عَنْ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ لَرَأَيْتُمُوهُ أَبْيَضَ مُشْرِقًا ، وَإِنَّ النِّفَاقَ يَبْدُو مِنْهُ لمظة سَوْدَاءُ فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ نِفَاقًا ازْدَادَ قَلْبُهُ سَوَادًا فَلَوْ كَشَفْتُمْ عَنْ قَلْبِ الْمُنَافِقِ لَوَجَدْتُمُوهُ أَسْوَدَ مِرْبَدًا.
وذكره – رحمه الله في كتاب الإيمان (1/238) عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه – وهو كذلك في الإبانة (2/ 841 - 842/ 1122)، وأصول الاعتقاد (5/ 1012/1701) والمصنف لابن أبى شيبة (6/ 160/30329) والإيمان له (8) والإيمان لأبي عبيد (ص.18). والسنة" للخلال 2/ 164 (1629) وقد صححه الألباني موقوفًا، في تعليقه على "الإيمان" لابن أبي شيبة (33).
قال البيهقي في شعب الإيمان 0(1/144) قَالَ: " وَاللُّمْظَةُ هِيَ الذَّوْقَةُ، وَهُوَ أَنْ يَلْمُظَ الْإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ شَيْئًا يَسِيرًا: أَيْ يَتَذَوَّقَهُ فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ يَدْخُلُ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، ثُمَّ يَتَّسِعُ فِيهِ فَيَكْثُرُ ".
وقال أبو القاسم قوام السنة الأصبهاني : اللمظة: النُّكْتَة، والنقطة. الحجة في بيان المحجة (2/159).
قال ابن كثير – رحمه الله – (7/93)وَقَوْلُهُ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} أَيْ: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا وَمَنْ هُوَ قَاسِي الْقَلْبِ بِعِيدٌ مِنَ الْحَقِّ؟!
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الْأَنْعَامِ:122] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أَيْ: فَلَا تَلِينُ عِنْدَ ذِكْرِهِ ، وَلَا تَخْشَعُ وَلَا تَعِي وَلَا تَفْهَمُ، {أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. وقال شيخ الإسلام : وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( إنَّ النُّورَ إذَا دَخَلَ الْقَلْبَ انْشَرَحَ وَانْفَسَحَ قِيلَ: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالْإِنَابَةُ إلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ)) .
قلت : الحديث إسناده ضعيف ، أنظر تفسير ابن جرير بتحقيق أحمد شاكر (12/ 98) ففيه بحث جيد في تحقيق الحديث ، ولكن المعنى صحيح، فالقرآن إذا دخل قلب الإنسان تذكر الآخرة فإذا بضيق الدنيا كله يزول عنه، وتنفسح له هذه الدنيا بنظره إلى الآخرة، فيتوب ويصقل قلبه من أدران الذنوب .
وبعكس من ذلك أن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن الكريم فهو كالبيت الخرب ، فكيف إذا ملأه بالشبه ، وحشاه بالزيغ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم} فمرض القلب فزاده الله مرضا على مرضه فماذا يرجى منه من الطهر والصقل؟ قال تعالى {فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم الله مَرضا}.
فكيف إذا كان فيه الكفر ، والشرك وصاحبه جاحد معاند دل على ذلك قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} . وَقَالَ {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة} .
فَالْقَبَائِحُ تُسَوِّدُ الْقَلْبَ، وَتُطْفِئُ نُورَهُ. وَالْإِيمَانُ هُوَ نُورٌ فِي الْقَلْبِ. وَالْقَبَائِحُ تَذْهَبُ بِهِ أَوْ تُقَلِّلُهُ قَطْعًا. فَالْحَسَنَاتُ تَزِيدُ نُورَ الْقَلْبِ والنور يحرق الشبهات ويطهره من الشهوات ، وَالسَّيِّئَاتُ على عكس ذلك تُطْفِئُ نُورَ الْقَلْبِ وتدنسه . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كَسْبَ الْقُلُوبِ سَبَبٌ لِلرَّانِّ الَّذِي يَعْلُوهَا. من كلام ابن القيم بتصرف .
عناية الإسلام بالطهارة من ناحية العبادة :
1 - من ناحية العبادة : فقد أمر بالوضوء ورغب فيه وحث عليه فقال جل في علاه :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة ِفَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا.. }
إلى قوله : {..وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (06) المائدة . وقال تعالى :{ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }(108).
وقد ثبت أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاهم في مسجد قباء، فقال: (( إنّ الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطُهور الذي تطهرون به؟)) ". قالوا: والله يا رسول الله! ما نعلم شيئاً؛ إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط؛ فغسلنا كما غسلوا. قال الألباني في صحيح أبي داود (1/75)وهذا إسناد حسن. رواه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/14/2) .ثم رأيته في "المستدرك " (1/155) ؛ وصححه، ووافقه الذهبي.
وقال عز من قائل :{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ }(11) الأنفال.
وقال جل جلاله وجماله :{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) الفرقان .
فالله هو الذي أنزل من السماء ماء طهورا لنتطهر به في عبادتنا ونرغب في تطهير أبداننا إلى ربنا الذي أنزل هذا الماء الطاهر المطهر فطهر به الأرض من الجراثيم القاتلة وأجراه أنهارا وينابيع لنشرب منه ونسقي أرضنا لتنبت لنا الزروع والثمار والأشجار والأزهار فتحي الأرض في جمال رائع خلاب ، طبيعي طاهر لا تدنسه إلى يد الإنسان ، فأنظر إلى قوله تعالى :{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } (60)النمل . لا والله ،لا إله إلا أنت سبحانك . وأسمع إلى هذه الرنة اللطيفة في هذا الكلام الجليل الذي يبهر عقلك ويهز كيانك حبا وتعظيما وتنزيها له سبحانه وأنت تتصور ذلك على أرض الواقع أو تتلو هذه الآيات وأنت تراها وتعيشها أمامك :{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ }(21) الزمر.
فأي جمال يساوي هذا الجمال ، ولا يمكن للشيء أن يكون جميلا إلا إذا كان طاهرا نظيفا .
أما الأحاديث فكثيرة جدا في الترغيب في الوضوء وفضله ، والحث عليه ، والأمر به وبيان منزلته من الدين . كقوله صلى الله عليه وسلم «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ .. )) مسلم (223).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :(( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ مَا تَقُولُونَ؟ هَلْ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا؟)) قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ، قَالَ : (( ذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِا الْخَطَايَا)).صحيح البخاري (528). وهذا فيه فضل التطهر من الدنس الحسي والمعنوي .
وقوله : (( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ))متفق عليه .
2- الحث والحض على الغسل في كثير من المناسبات ، منها الجنابة قال تعالى :{..وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ..}(06) المائدة . ومنها استحباب الغسل في العيدين والنسك ، والجمعة على خلاف في وجوبه وتأكيد سنيته ، وسيأتي في باب الجمعة .وغير ذلك كثير معلوم ..
عناية الإسلام بالنظافة من ناحية العادة :
1 - أمر بنظافة الأفنية وعلل بأن اليهود لا يفعلون ذلك ، عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( نظفوا أفنيتكم ولاتشبهوا باليهود)) رواه الترمذي ، وفي رواية عند الطبراني (( طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تنظف أفنيتها)) وحسنه الألباني في تخريج المشكاة (4487) والسلسلة الصحيحة (ح236).
وفي سنن أب داود (4089) عن أبي الدرداء قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ ،فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ ،حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَايُحِبُّ الْفُحْشَ، وَلَا التَّفَحُّشَ))،قَالَ أَبُودَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ: أَبُونُعَيْمٍ ،عَنْ هِشَامٍ قَالَ: (( حَتَّى تَكُونُوا كَالشَّامَةِ فِي النَّاسِ)).والحديث طويل ذكرت ما يناسب المقام . وأخرجه الحاكم (4/183) وأحمد (4/180) من طريق هشام بن سعد عن قيس بن بشر وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "ووافقه الذهبي.قال شعيب الأرناؤوط – رحمه الله – يحتمل للتحسين ، وأما الألباني فقد ضعفه أنظر ضعيف الجامع (2039).
عنايته بالطهارة المشتركة بين العبادة والعادة :
والنظافة قد ينوي بها العبد العبادة ، وقد لا ينوي فتكون عادة ، ومما يشترك في ذلك قوله تعالى :{ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } . قال السمعاني في تفسيره (1/225): قيل: مَعْنَاهُ: التوابين من الذُّنُوب. والمتطهرين من الْعُيُوب.
وَالْقَوْل الثَّانِي: معنى التوابين الرجاعين إِلَى الله بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار، وَمعنى المتطهرين: المتبرئين من حول أنفسهم وقوتهم.
وَفِيه قَول ثَالِث: أَن التوابين: من التَّوْبَة، والمتطهرين يَعْنِي: بالاستنجاء بِالْمَاءِ.
وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المتطهرين} يَعْنِي: المتطهرين بالاستنجاء بِالْمَاءِ بعد الْحجر.
وقوله تعالى :{ وثيابك فطهر } قال ابن جرير (23/11)عنقتادة،قوله: (وَثِيَابَكَفَطَهِّرْ) يقول: طهرها من المعاصي، فكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دَنِسَ الثياب ، وإذا وفى وأصلح قالوا: مطهَّر الثياب.
وقال عكرمة وابن عباس - رضي اللهم عنهما- :لا تلبس ثيابك من مكسب غيرطيب ولا تلبسهاعلى معصية أو غدرة .
وقال ابن عباس : :{ وثيابك فطهر } نقي الثياب . ابن كثير(8/263). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله :((ولله على كل مسلم حق أن يغتسل في سبعة أيام )) وفي رواية (( يغسل فيه رأسه وجسده ))البخاري (856) وملسم (849).
3- الأمر بخصال الفطرة :
ما المقصود بسنن الفطرة؟ وما هي؟
«سنن الفطرة» هي: الخصال التي إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها، وحشرهم عليها، واستحبها لهم، ليكونوا على أكمال الصفات، وأشرف صورة.
وهي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه (عمدة القاري للعيني وعنه الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 109). ويتعلق بخصال الفطرة مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبُّع، منها: تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلاً (فيض القدير للمناوي (1/ 38).
وهذه الخصال كلها تدل على الطريقة القديمة وهي الفطرة التي فطر الله عليها الخلق وسنها لأنبيائه وأتباعهم ، فالطهارة والنظافة ، من سنن الفطرة التي عليها الأنبياء والمرسلين ، والمحافظة عليها فيه خير كبير ..
منها : وقاية الجسد من الأمراض والأدواء التي تفتك به ، والوقاية خير من العلاج ..

ومنها والظهور أمام النّاس على أحسن حال .. نظيف الثياب ، نظيف البدن طيب الفم طيب الثياب والبدن ، لا يلقى النّاس منه الروائح الكريهة والأوساخ ، وإذا كان عنوانه كذلك فإن ذلك دليل على طهارة الباطن الذي عليه المؤمن .
قال سبحانه وتعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (2) الروم.
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء)).
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]. البخاري (1358) ومسلم ((2658)).
ويقسم العلماء الفطرة إلى قسمين: قسم يطهر القلب والروح وهو الإيمان بالله وتوابعه من خوفه ورجائه ومحبته والإنابة إليه.
وقسم: يعود إلى تطهير الظاهر ونظافته، ودفع الأوساخ والأقذار منه ، وهو سنن الفطرة العشر الواردة في حديث عَائِشَةَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ)).
قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ (( الْمَضْمَضَةَ)) زَادَ قُتَيْبَةُ،قَالَ وَكِيعٌ: ((انْتِقَاصُ الْمَاءِ )): يَعْنِي "الِاسْتِنْجَاءَ " البخاري ((5550-5553) ومسلم 259-261).
وعن أبي هريرة،: " الفطرة خمس، أوخمس من الفطرة: الختان، والاستحداد،ونتف الإبط،وتقليم الأظفار،وقص الشارب " البخاري (5889)ومسلم (257).
والحاصل من الحديثين أن خصال الفطرة ليست منحصرة في هذه العشر..
قال الشيخ محمد بن علي آدم الأثيوبي في المجتبى (37/397)(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان سنن الفطرة. (ومنها): عناية الشريعة بالنظافة، وأنها منْ الأمور التي اتفقت عليها الشرائع.
(ومنها): أن فيه إشارة إلى أن الفطرة لا تقتصر عَلَى هذه العشر، بل تزيد، حيث عبّر بـ"منْ" وَقَدْ استوفيت البحث فِي ذلك فيما سبق منْ أبواب الطهارة ، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
منها : إكرام الشعر: في كتاب الآداب للبيهقي (1/229): بَابٌ فِي إِكْرَامِ الشَّعْرِ وَتَدْهِينِهِ وَإِصْلَاحِهِ : 560 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» . رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. رواه أبو داود صحيح الجامع (770) وقال صحيح ، والصحيحة (500).
وفيه عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنِ اخْرُجْ فَأَصْلِحْ رَأْسَكَ وَلِحْيَتَكَ. فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ» . هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.شعب الإيمان (8/425). قال الألباني في الصحيحة (1/892) أخرجه مالك في " الموطأ " (2 / 949 / 7) بسند صحيح، ولكنه مرسل.
وفي السلسلة الصحيحة (493) : 493 - " أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟! ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة فقال: أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟! ".
وفي صحيح سنن أبي داود 383 - عن عثَيْمِ بنِ كُلَيْبٍ عن أبيه عن جده: أنه جاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قد أسلمت. فقال له النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آلْقِ عنك شَعْرَ الكُفْرِ "؛ يقول: "احلق ".
قال : وأخبرني آخرُ: أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لآخرَ معه : " آلقِ عنك شَعْرَ الكُفْرِ واخْتَتِنْ ". (قلت: حديث حسن، وقواه شيخ الاسلام ابن تيمية) .
وفي صحيح الجامع 858 - 415 - «اذهب فاغتسل بماء وسدر وألق عنك شعر الكفر».(حسن) ... [طب] عن واثلة. صحيح أبي داود: 383: طص، ك.
الحكمة من تشريع الطهارة : شرع الإسلام الطهارة لحكم كثيرة منها :
1 – إظهار فضل هذا الدين ، الذين جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وليس من شك أن الظلمات فيها الأوساخ والقذرات ، وربما وقع فيها الإنسان من حيث لا يشعر ، على خلاف النور الذي يحرق الأوساخ ويكشف القاذروات أنى كانت وكيفما وجدت .
2 – هذا الدين دين الفطرة ، والطهارة من دواعي الفطرة ، كما رأينا في سنن الفطرة ، والإنسان يميل بفطرته إلى النظافة ، والنزاهة ، وينفر بطبعه من الوساخة والقذارة ، ولما كان الإسلام دين الفطرة كما أسلفت كان طبيعيا أن يأمر بالطهارة والمحافظة عليها في النفس والمحيط . 3 – المحافظة على الصحة ونظافة المحيط : فالنظافة من أهم الأسباب التي تحفظ الصحة وتحفظ الإنسان من الأمراض . فكثير من الأمراض تنتشر بسبب الأوساخ والأقذار .
4 – الوقوف بين يدي الله طاهرا نظيفا ، وقد أمر الله تعالى بالتزين له عند كل صلاة فقال {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَكُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَاتُسْرِفُوا إِنَّهُ لَايُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(31)الأعراف . ولأن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .
5- النظافة والطهارة عنوان أهلها ، فالنظيف يميل إليه النّاس ويرتاحون إليه ، ويحبونه ويحبون الجلوس معه على خلاف الوسخ القذر ، وقد مدح الله تعالى أنا يحبون التطهر بالماء ويحرصون عليه فقال:{لَمَسْجِدٌأُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)(108)التوبة .
6- الطهارة والنظافة فيها الجمال الطبيعي ، ولا أجمل من الطبيعة على حالها التي خلقها الله عز وجل ، ولك أن تقارن بين رجلين أحدهما تطهر في بدنه وثيابه ثم تعطر وخرج وبين رجل ملطخ الثياب ، ملطخ اليدين ، ثائر الرأس متسخ أيهما أجمل في نظرك وأحب إليك مجلسا ؟ 7- الطهارة سبب للمغفرة وتناثر الذنوب ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مَنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً» مسلم في صحيحه (666) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( كُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ، يُكْتَبُ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ، وَيُمْحَى عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةٌ )). مسند أحمد( 7801).
والحمد لله رب العالمين .
يتبع – إن شاء الله -