السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليكم وبارك
السؤال :
نشرت وأنتشرت مقالة بعنوان : (وقفاتٌ مع الشيخ محمد بن هادي المدخلي -وفَّقه الله لكل خيرٍ-)
كتبه الشيخ نزار بن هاشم السوداني ، نود منكم النظر فيها وبماذا تنصحون ولأن كثر بسببها الكلام لا سيما بين الشباب في المواقع التواصل بين مؤيد وأنه حق وبين من يقول أنه خطأ ودون أدب أي المقال .......تفضل :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن اتبع هداه.
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد؛ فهذه بعض وقفاتٍ مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي -وفقه الله-، كتبتُها وسلَّمْتُها له سرَّاً نُصْحَاً لله العليم بذات الصدور، فردَّ عليها ردَّاً غير علميٍّ ولا مقبولٍ.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
:::::::::::::::::
بسم الله الرحمن الرحيموقفاتٌ مع الشيخ محمد بن هادي المدخلي -وفَّقه الله لكل خيرٍ-الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في حديث تميم الداري رضي الله عنه: «الدين النصيحة»؛ قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وهذا عنوان الصدق ورابطة الإيمان والإخاء بين المسلمين المؤمنين؛ قال الله تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ))، وقال تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَظ°ئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)).
ولما كان دين الله تعالى أمانةً في أعناق أهل العلم وطلابه الذين يَعُونَ ويُدْرِكونَ حقيقته ويسيرون على منهاج السلفية الذي ارتضاه الله وأَمَرَ به عباده. كان أسلافنا -رحمهم الله جميعاً- ومن سار على منوالهم يُعَظِّمون الحق ولا يجاملون فيه كائناً من كان خَالَفَه أو حاد عنه بقصدٍ أو اجتهادٍ خطأ أو شبهة أو لبس ونحو ذلك عملاً بقول الله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ))، وخوفاً من مثل قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَظ°ئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)).
لأجل هذا وغيره، وحفاظاً على دعوة الله السلفية -المحفوظة بحفظ الله- وأهلِها وعدم شَقِّها، وتنزيلاً لكل أمرٍ في محله ونصابه، وحفاظاً على مكانة أهل العلم الواجب حفظها ورعايتها؛ سأقف مع فضيلتكم -وفقكم الله- بعض الوقفات نصحاً وتذكيراً، فأقول مستعيناً بالله:
الوقفة الأولى:
أنكم -وفقكم الله- تسلكون مسلكاً يخالف مسلككم المعروف المعهود عنكم في الساحة الدعوية مؤخراً، وتخالفون به بكل وضوحٍ -من خلال عباراتكم أو مواقفكم أو تبنِّيكم لأشخاصٍ- الضوابطَ الشرعيةَ السلفية المعتبرة ومواقف وتوجيهات علماء السنة الكبار الأكابر الذين كثيراً ما تدندن وتوجِّه الشباب والطلاب بلزوم غرزهم ومحيطهم لأنهم أهل الصدق والخبرة والدراية وشاخوا في بحر العلم والتجربة، حفظ الله حيهم ورحم ميتهم وغفر للجميع..
- فموقفكم من المدعو محمد المعبري (الملقب بالإمام) مع وقوفكم التام على حقيقة منهجه المنحرف تجاه الروافض الحوثة، وقد أرسلت إليكم قديماً -قبل الوثيقة المعبرية الحوثية بمدةٍ- مقالاً لي حول هذا الإمام وتلميذه مقلِّده المدعو بعلي الرازحي سمَّيته (مُخْتَصَرُ المَقَالةِ حَوْلَ بَيَانِ الرَّازِحِيِّ وَمَا فِيهِ مِن الزَّيْفِ وَالرَّوَغَانِ وَالجَهَالَةِ، وَمَع الشَّيْخِ مُحَمَّد الإِمَام -وَفَّقَهُ اللهُ- تَنْبِيهٌ وَوَقْفَةٌ) وقد بيَّنتُ فيه مدى سوء مقال هذا المعبري ناهيك عن كلام علماء السنة الكبار فيه وتضليلهم له وأنت تُقَرِّبُ أتباعه وتسكت عنه وتعذره وتجد له المخارج مع أن الواقع أثبَتَ أنه لا يُعذر، وما نقضه من العهود لأكبر شاهدٍ على ذلك مع أن كبار علماء السنة الخبيرين بحاله وحال اليمن بيَّنوا سوء حاله وضلاله ولا زال وأتباعه باليمن -حرسها الله- يكيلون بكل أنواع الجهل مشايخ السنة باليمن السائرين على ركاب الأكابر.
- موقفكم الذي لا يُحمَد مطلقاً من المدعو أسامة عطايا، الذي قال الكبار فيه كلمتهم كالشيخ الوالد العلامة ربيع المدخلي -حفظه الله- والشيخ الوالد العلامة عبيد الجابري -حفظه الله-. وتعلم تماماً -وفقكم الله- ما أحدثه عطايا من الفتن بألوانها وأشكالها في بلاد المسلمين حتى عندنا في بلاد السودان -حفظها الله وبلاد المسلمين-، مع طعنه الفاضح في هؤلاء العلماء الأكابر وطلابهم المعروفين بسلامة المنهج بل هم من كانوا مِن أقرب الناس إليكم ومحل تزكيتكم واحترامكم، وأنت -وفقك الله- من كنت توبِّخ عطايا وتقول له: كن موجوداً مفقوداً في القضايا الكبار و.. و.. و.. وها أنت الآن في موقفٍ غريبٍ كل الغرابة تسكت عن عطايا وحزبه المُنْحَطِّ علماً وأدباً وفي المقابل تطعن وتُسْقِط بلا حجةٍ وبرهانٍ طلابَ العلماء الأكابر، وتصفهم بأبشع الأوصاف والألفاظ، وتسعى إلى إسقاطهم في كل الأوساط والبلدان بأشنع العبارات وأقبحها: الصعافقة، الفراريج، الأغمار، الأحداث، ملحقون بأهل الأهواء… إلخ.
وكل عاقلٍ فطنٍ يعلم تماماً أن الطعن فيهم طعنٌ فيمن يزكيهم ويقرِّبهم من علمائنا الأكابر، وقد لَمَّحْتَ بل صَرَّحْتَ بمثل هذا للأسف الشديد حين قلتَ في محاضرتك إلى ألبانيا: «وأما هؤلاء الصعافقة فإنهم من ارتمى إليهم في أحضانهم واستمع إلى كلامهم أهلكوه ولو كان كبيراً في السن، نعوذ بالله من ذلك. فتجد آثارهم ظاهرةً حتى في بعض الكبار!». هذه الكلمة يا فضيلة الشيخ -وفقك الله- هي نفس عبارة عطايا في الغمز في الأكابر -حفظهم الله- بالغمز في طلابهم المعروفين عندك وعند العلماء وعند كل السلفيين في الدنيا (الشيخ عرفات المحمدي، والشيخ بندر الخيبري، والشيخ عبد الإله الجهني… إلخ) حفظهم الله جميعاً.
بل -وفقك الله- امتد نَيْلُك وكلامك خارج بلاد التوحيد -حرسها الله- لتحذِّر من الإخوة المشايخ طلاب العلم في بلاد ليبيا -حرسها الله- المعروفين عند مشايخنا الأكابر وهم محل تزكيتهم وثقتهم أعني الإخوة المشايخ طلاب العلم: مجدي ابن حفالة، وطارق بن درمان، وأبا عبيدة المصراتي، وأبا حذيفة المصراتي.
وهذا -وفقك الله- هو مسلك عطايا نفسه في التفريق بين السلفيين في العالم.
قال الشيخ الوالد العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله ورعاه- في رده على فالح:
«إن إصدار الأحكام على أشخاصٍ ينتمون إلى المنهج السلفي وأصواتُهم تدوِّي بأنهم هم السلفيون -بدون بيان أسبابٍ وبدون حججٍ وبراهين- قد سبَّب أضراراً عظيمةً وفُرقةً كبيرةً في كل البلدان، فيجب إطفاء هذه الفتن بإبراز الحجج والبراهين التي تبيِّن للناس وتقنعهم بأحقية تلك الأحكام وصوابها، أو الاعتذار عن هذه الأحكام. ألا ترى أن علماء السلف قد أقاموا الحجج والبراهين على ضلال الفرق من روافض وجهمية ومعتزلة وخوارج وقدرية ومرجئة -وغيرهم- ولم يكتفوا بإصدار الأحكام على الطوائف والأفراد بدون إقامة الحجج والبراهين الكافية والمقنعة» [مجموع الكتب والرسائل (9/158)].
وأنت -وفقك الله- تسكت الآن عن عطايا وغيره مع مناصحتك لهم سابقاً وعِلْمِكَ التام بما هم عليه من أخطاء وملحوظات، بل تكلَّمْتَ في عطايا وحَذَّرْتَ منه، وأنه لا يؤخذ منه العلم، وأنه يكذب في حديث الناس، و…. إلخ بالحجج والبراهين (وكل هذا عليه الشهود الثقات)، ومع ذلك سَكَتَّ عنه الآن وعن أتباعه والذين فرحوا وطاروا كل مطارٍ بطعنك في السلفيين المعروفين بلا أي حجةٍ ولا برهانٍ، ثم تُطالِب في ذات الوقت بالحجج والبراهين تجاه المطعونين والمجروحين بالأدلة الدامغة المعروفة عندك كالشمس!!.
وهذا فيه ما فيه من إسقاط كلام أهل العلم الثقات الناصحين والتهوين له، ومن ثم الدفاع بلا وجه حقٍّ عن المخالفين لهم!! فهذا ميزانٌ غريبٌ عجيبٌ.
ثم هؤلاء الإخوة السلفيون الذين حذَّرْتَ منهم كل تحذيرٍ لأجل عدم عملهم بتوجيهك تجاه الشيخ عرفات والذي كنت تزكيه عدة تزكيات من قبل وأنه من خيار طلاب العلم، واليوم تجرحه دون توضيحٍ لهذا الجرح فما هو الشر الذي عنده وهل يستحق كل هذه الحرب؟!.
ومشايخ السنة -حفظهم الله- يخالفونك ولا يقبلون توجيهك هذا تجاه د.عرفات وتجاه طلاب العلم جميعاً بل يخالفونك ويثنون عليهم خيراً وعندهم كل الأدلة والحجج الدامغة على تعديلهم وتزكيتهم ومخالفة جرحك لهم؛ أتتخذ تجاههم هذا الموقف؟! وتوجِّه الناس أن يتخذوه لأنهم خالفوك؟!!
فضيلة الشيخ -وفقكم الله- هذا تصرُّفٌ ومقامٌ لا يتمشى مع الضوابط الشرعية السلفية في هذا الباب ولا يليق بكم؛ فلم يبق إلا أن يكون الولاء والبراء والمواقف على الشخص وذاته؟!!
أقول فضيلة الشيخ -وفقك الله-؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «كل ابن آدم خطَّاء…» لا يسلم من الخطأ؛ فمن تكلمت فيهم من الإخوة ليسوا بمعصومين عن الخطأ والزلل فإن كانت عندك عليهم مآخذ ببيناتها وحججها فهلا نصحتهم ونبهتهم عليها ليرجعوا عنها لله ثم للحق الواضح وسيكونوا (حتى أنا كاتب هذه السطور) شاكرين لك بالخير داعين هكذا نحسبهم والله حسيبهم.
وبخاصة أنني رأيت كتابةً في النت لبعضهم أنهم حاولوا الجلوس معك عدة مرات وطلبوا منك ذلك هم والمشايخ، فلم تستجب لهم لتبين لهم ما عندهم.
فأين الرفق الذي كنتَ تنادي به والترفق وذاك معروفٌ عنكم -وفقكم الله- لأنه مطلبٌ شرعيٌّ؟!.
ثم لو كانت عليهم فرضاً أخطاء ومآخذ -إن ثبتت فربما يكون بعضها وهماً، أو فهماً -أو نقلاً- خاطئاً- هل هكذا يعاملوا مِن قِبَلِكَ وفقك الله بهذا التشنيع والتحذير والتشهير بلا برهانٍ واضحٍ وتُجريء عليهم من تُجريء وهم كانوا من تلاميذك؛ فها هو الشيخ د.عرفات -وفقه الله- كان محل تزكيتك (الموثقة) وقربك وأرشدت إليه بكل وضوح تشن عليه -وعلى من لا يوافقك- حملةً شعواء بكل صراحة عارية عن أي برهان ظاهر وتعقد على موقفك هذا الولاء والبراء!! حتى تجرأ عليه وعلى إخوانه جماعات من المتهجمة على العلم والمشاغبة والمغرضين الذين يحسنون -وبئست الصنعة صنعتهم- الاصطياد في الماء العكر كأسامة عطايا وأعوانه؛ بل حتى على مشايخنا الكبار -حفظهم الله-؛ بل حتى أنت فضيلة الشيخ -وفقك الله- عَرَّضْتَ بأكابرنا وهم من هم حرصاً وشفقةً عليك وعلى السلفيين ودعوتهم في العالم أجمع -حفظهم الله ورعاهم وأثابهم وأطال أعمارهم في كل خير-.
الوقفة الثانية:
قد بَيَّنَ الله تعالى في كتابه العظيم كيفية التعامل والموقف المُتَّزِن العادل من أصحاب الأخطاء والمخالفات والذنوب -سواء كانت كفراً أو بدعاً أو ذنوباً- إذا أرادوا التوبة الصادقة والرجوع إلى الحق؛ وما ذلك إلا حفاظاً على دين الله وعباده خاصةً الذين يتكلمون باسم الدين والدعوة إلى الله فهؤلاء بمخالفتهم يمثِّلون خطراً عظيماً على الأمة ودينها، فيُحْتَرَزُ كل احترازٍ في رجعتهم ويُتَأَنَّى في شأنهم كل تأنٍّ حيث كانوا غارقين في الحزبية ومخالفاتها -هؤلاء إن كان لهم حظٌّ من علمٍ ودعوةٍ- فكيف بالجهال المتعالِمَة والمتصدِّرة؟!! فهؤلاء كما لا يخفاكم يُسْكَتُون ويُلْزَمُون بالجلوس للطلب والتحصيل وتصحيح المسار حتى تظهر استقامتهم ويبدو صدقهم وترسخ قدمهم في العلم. فكيف إذا كان هذا الصنف بعيداً عن حسن الأدب واللفظ والعبارة مع أسوأ الأساليب وأقحم نفسه في باب الدعوة إلى الله؟!! كيف سيُعَامَلُ هذا فضيلة الشيخ -وفقك الله- على ضوء الضوابط الشرعية السلفية؟؟!!
فأذكرك بقول الله تعالى: ((إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).
وهذا من أقوالكم في هذا الباب؛ قلتم -وفقكم الله-:
«وأما أن يقول: (أنا رجعت)، فهذا لا يكفي… لا بد أن ينقضه جملةً وتفصيلاً، وحتى لو نَقَضَه جملةً وتفصيلاً فإن الرد عليه سائغٌ ولو بعد مماتنا جميعاً ومماته، وسأذكر لكم شيئاً من ذلك؛ فهذا الإمام ابن قدامة -رحمه الله تعالى- في رسالته (تحريم النظر في كتب الكلام)، سأقرأ عليكم مقدمتها؛ يقول ابن قدامة -رحمه الله-؛ هذه ألَّفَهَا في الرد على ابن عقيل الحنبلي بعد توبته وبعد نقض ابن عقيل لنصيحته التي سماها النصيحة، وهي كما يقول ابن قدامة “الفضيحة”، وساق في مقدمتها توبة أبي الوفاء بالسند الصحيح، ومع ذلك لم يمنعه ذلك من أن يرد عليها. وهذا أسلوبٌ (معروفٌ) و(مستقرٌّ) عند علماء السنة، وأبو الحسن لا يريد أن يرد أحدٌ على أحَدٍ بعد أن يقول (أنا رجعت)» [من محاضرة بعنوان (القنبلة)].
فأقول يا فضيلة الشيخ -وفقك الله- بناءً على ما سبق:
إن موقفكم من المدعو مزمل -ومن معه- لغريبٌ كل الغرابة! مع إحاطتي لكم وإرسالي لجملة خطاباتٍ عن طريق الطلاب إلى طرفكم، لكن دون جدوى ودون مراعاةٍ للقواعد الشرعية الآنفة الذكر حول حال أمثال هؤلاء.
- وقد جئتُ المدينة وحاولتُ زيارتكم عدة مراتٍ بلا جدوى..
- واتصلت عليكم عدة مراتٍ بلا جدوى أيضاً..
- وأرسلت لكم عدة رسائل بلا جدوى أيضاً.. والرسائل تصلكم وتعرفون محتواها ولا تردُّون حتى السلام على المسلم!!
وقد بيَّنتُ لك أن هؤلاء شوَّهوا صورة الدعوة السلفية وصاروا سُبَّةً لها بسبب جهلهم وسفههم وسوء لفظهم وغلوهم في التكفير للصوفية وغيرهم؛ كل هذا باسم الدعوة إلى التوحيد والسلفية!! وأنهم يحاضرون في الأسواق والجامعات المختلطة بين الجنسين تحت ما يسمى بأركان النقاش (وهو من منهج وأفعال أحزاب اليسار والسياسة في الجامعات -خاصةً الشيوعيين- في دعوتهم، وسارت عليه جماعات الإخوان المسلمين وجماعة أنصار السنة التي نشأت منها جماعة هؤلاء المتصدرة المتعالمة)، ويمشون على منهج المناظرات والمهاترات والخصومات، والسب والشتم، والتهريج والإضحاك والسخرية، ومحاكاة أصحاب الغناء والفن وكرة القدم و…. إلخ مما يندى له جبين كل سلفيٍّ غيورٍ؛ كل ذلك باسم الدعوة إلى التوحيد والسنة!!
وتعلم تماماً أنهم جاءوا للشيخ الوالد ربيع -حفظه الله- ووجَّههم عدة توجيهاتٍ.
وهي توجيهاتٌ واضحةٌ خالفوها ولم يُلْقُوا لها بالاً، وسُلِّموا جزءاً من أخطائهم مني ومن غيري ولم يلقوا لها بالاً أيضاً..
فإذا أنت بكلمةٍ منك تحاضر عندهم عبر الهاتف وهم على ما هم عليه من سوء المسلك!! وقد راسلتُك حول هذا، وبينت لك ذلك وطلبت منك بناءً عليه عدم المحاضرة عندهم، فلم تستجب.
- وقد صَوَّروا أنفسهم بالفيديو وأنت تخاطبهم فعجباً عجباً!!
وقد قلتم -وفقكم الله- في سؤالٍ وُجِّه لكم قديماً: «ما هو الضابط الشرعي في تصوير العلماء عند إلقاء المحاضرات والندوات؟ الجواب: الضابط الشرعي أن هذا حرام، والناس ماهم بحاجةٍ يتفرَّجون على العلماء، الناس بحاجة إلى أن يسمعوا كلام أهل العلم ويبلغهم كلامهم، ولم يزل الناس يستفيدون من كلام علماء سبقوهم بمئات السنين عن طريق الكتب. والتصوير -معشر الأحبة- من الكبائر…» إلخ جوابكم.
وقلتم -حفظكم الله- في تسجيلٍ لكم أيضاً: «يعلم الله كم ضاق صدري؛ وانقبض فؤادي حينما رأيت هذه الأدوات الَّتي تُصَوِّر في مثل هذه الدَّورة التي يُقال عنها: إنَّها دورةٌ سلفيَّة والمشايخ فيها -ولله الحمد- معروفون سلفيُّون أهلُ اتِّباعٍ وأثر فمثل هؤلاء ومثل هذه الدَّورة ينبغي أن تكون في مضمونها موافقةً لشعارها وإعلانها إذ: علامة أهل الأثر والسَّلف الصَّالح -رضي اللهُ تعالى عنهم وأرضاهم- الاتِّباع، وكم من حديث ورد في التَّصوير وكم من نهيٍ وتحذير جاء عن الرَّسول البشير النَّذير صلوات الله وسلامه عليه.
معشر الإخوة! قد يقول قائل: إنَّ هذا أصبح في هذا العصر ضرورة مُلِحَّة، فأقول: ليس الأمر كذلك فإنَّ دين الله تبارك وتعالى قد انتشر في القرن الأوَّل ووصل إلى تخوم الصِّين وإلى تخوم فرنسا فأخذ ما يُقارب ثُلثي قارَّات العالم في ذلك الحين من غير إعلامٍ بهذا الشَّكل الذي نحن نراه ومن غير إذاعات فضلاً عن (التَّصوير) والبث الذي يُسَمُّونه (البث المُباشر) ولم يزل دين الله على أيدي أولئك الفاتحين الأبطال والعلماء الفحول الأفذاذ من الرجال قوياً؛ عزيزاً؛ ظاهراً؛ على ما كان قبلهم».
- وقد استضافت قناة العربية -المليئة بالمخالفات الشرعية- المدعو مزملاً هذا وحاوَرَتْهُ بالصورة والصوت لِمَ؟!! وقامت إحدى الصحف السعودية بالإشارة إليه لِمَ ياشيخ؟!! هل هذه مرحلة من مراحل اللعبة والسياسة؟!! ومن وراء الكواليس؟!!
إن بلاد العلماء والتوحيد والسنة بَيَّنَ العلماء فيها الحق وكشفوا الباطل بِكُلِّ صُوَرِهِ، وبيَّنوا فكر الإخوان وضلال القرضاوي وانحرافاته وغيره من أهل الأهواء والبدع؛ لِمَ لَمْ تَنْشَطْ مثل هذه الأوساط في نشر كلام الأكابر العلمي في مثل هذه القضايا التي بَتّوها بَتَّاً بفضل الله عليهم وعلى بلاد التوحيد من سنين عدداً لِمَ؟!! أم أنهم يحتاجون في هذه المرحلة لمهرجين متعالِمَة سوقيَّة يقولون ما يوافق الأُطُرَ العامة كما تقوله الساسة لكن ليس على طريقة الكبار!! مع أن الكبار بيَّنوا وأوضحوا ونصحوا كل نصحٍ -أثابهم الله-.
وقد قلتم -وفقكم الله-: «الآن ترون قنواتٍ للصوفية -صح وللا لا؟- فضائية.. قنوات لمن؟ للروافض.. قنوات للإخوان.. انظر في هذه القنوات؛ جيب لي دجاجة واحدة سلفية تطلع فيها وقابِلني!!
دجاجة سلفية -إن كان صح هذا التعبير-. ما تجد سلفيَّاً ولله الحمد يدخل هذه القنوات» [مفرَّغ من محاضرة التمسك بالسنة والدعوة إليها].
- وقد نزل على مزمل هذا بالسودان المدعو يونس الليبي -المفتون بأسامة عطايا ومن خواص طلابه الطعانين في أهل العلم- وظهر معه في حلقته!!
  الوقفة الثالثة:
أنا وكل إخواني السلفيين -فضلاً عن أكابرنا العلماء حفظ الله الجميع- يتمنون لك كل خيرٍ وأن تكون -وفقكم الله- مَن عرفوا وخبروا، لكن أقولها لك فضيلة الشيخ -وفقك الله- بكل صراحة: قد تَغَيَّرْتَ عما عهدنا وعرفنا؛ قَرَّبْتَ البعيدَ الغريبَ.. وأَبْعَدْتَ القريبَ المعروفَ الناصح.. تَهَكَّمْتَ بالكبار والأكابر باسم الذب والثناء على الأكابر!! بل خالفتهم وغمزتهم بالتلميح والتصريح!
فضيلة الشيخ -وفقك الله-، كل السلفيين الصادقين الذين يحبون لك الخير لحظوا ولاحظوا -مع تألمهم- ما أنت عليه الآن من أمورٍ منكرةٍ غريبة أقولها لك بكل صراحةٍ وصدقٍ.. قف ياشيخ -وفقك الله- مع نفسك وقفة تأملٍ وتدبُّر حالٍ، واسمع بكل أذنٍ واعيةٍ كلمات الناصحين الصادقين، واحذر ممن يستخفك وينقل لك الأقاويل للفتنة والإفساد، وأَبْعِدْهم والسفهاء السقطة عن جوارك؛ فكلٌّ ببطانته.
- وأما قولك: «بلِّغوا عني أني لن أقبل جرحاً في شخصٍ أعرفه ولو جرحه عبيد أو البخاري أو مسلم إلا أن يذكر الدليل على جرحه. وأنا أحتكم إلى قواعدهم وإن كنت لا أرتضيها لكن أحتكم إليها، ورَدِّي لكلامهم لا يُعَدُّ طعناً فيهم».
فهذا فيه ما فيه من الحطِّ والتهكم بمشايخ السنة؛ فمن هم الذين جرحوهم بلا علمٍ ولا دليل ولا برهانٍ وإنما يقولون هوى!.
ثم مَن الأكابر الذين دعوتَ وتدعو الشباب للزوم غرزهم وصحبتهم؟!! وهل قواعدهم التي لا ترتضيها وتحتكم إليها قعَّدوها من عند أنفسهم لا أصل لها في دين الله؟!! فإنها لو كانت لا أصل لها لا يجوز أصالةً الاحتكامُ إليها ولا المجاملة فيها؛ لأن الأمر دينٌ. ولو كانت على الأصول قامت -وهي كذلك والحمد لله- لَزِمَ الاحتكام بها وعليها والانطلاق منها والرضى بها ولو سخطت النفس وخَالَفَتْ مسارها لأنها من دين الله أُخِذَتْ ونَبَعَتْ.
ثم قولك -وفقك الله-: «ورَدِّي لكلامهم لا يُعَدُّ طعناً فيهم» فهل هذا من الإلزام لهم حيث تجعل ردهم لقولك إن لم يبن على دليل طعناً فيك؟!.
وهل هناك من جرحوه -ممن لا تعرف دليل جرحه- وطالبتهم بالأدلة فلم يعطوك؟.
مع التنبيه أنك تحاول إلزامهم بالدليل كما طالبوك مع وجود الفرق الواضح لكل منصف.
فأنت تقول -مثلاً- لم تذكروا دليل جرح عطايا -وغيره-، مع أن عطايا أنت وجميع الناس يرون فتنهم في عددٍ من البلدان؛ بل أنت جرحتهم كما سبق بيانه وفتنه لا زالت مستمرة.
بعكس من جرحتهم أنت وطالبوك بالدليل -كالشيخ عرفات- هم أناس أنت زكيتهم وغيرك من العلماء زكوهم ودافعوا عنهم وحثوهم على التدريس وطلبوا منهم الرد على المخالفين ونشر ردودهم إلى هذه الساعة…إلخ فالفرق واضح بارك الله فيكم.
ثم قولك -وفقك الله-: «عبيد أو البخاري أو مسلم…» هذا عين التهكم وعدم مراعاة مقام أهل العلم والتأدب معهم وحفظ حقهم؛ ليس بجميلٍ أن يصدر مثل هذا منك في حقهم وأنت تدندن: الأكابر الأكابر الأكابر .. وتدعو إلى احترامهم ولزومهم! فحين يسمع الطلاب ومن حولك مثل هذه الأساليب والألفاظ فإنهم بسببك يتجرؤون على مقام العلماء ويتجاوزون الحدود كما فَعَلَ ويفعل عطايا وأتباعه وأتباع محمد المعبري (الملقب بالإمام) وغيرهم في عدة بلدان، وكسائر الحدادية والخوارج -حمى الله البلاد والعباد من كل سوءٍ وشر-.
وقولك -وفقك الله-: «أنا محمد بن هادي لا أخاف أحداً»….
نعم يا شيخ -وفقك الله- هذه كلمة حق؛ الرجل السائر على الحق لا يخاف إلا الله وحده لا شريك له كما قال الله واصفاً رسله وأنبياءه -عليهم الصلاة والسلام-: ((وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدَاً إِلا الله)) لكن المقام مقام حججٍ وبراهين وبيناتٍ؛ حين تجرح أناساً معروفين بالسلفية بلا بيناتٍ معتبرة لا يغني مثل هذا القول في مثل هذا المقام، ناهيك عن عدم عهدٍ وأثرٍ عن الكبار بالتصريح والإفصاح بمثل هذه العبارات وهم مَنْ هم مِنْ أهل العلم والتواضع مع قوة حجتهم ورسوخهم -أثابهم الله-.
وهذا المسلك -وفقك الله- يربي الشباب على الجرأة والتعدي ويفرِّق السلفيين ويحطِّم الحدود والآداب ومراتب الناس ودرجاتهم المحفوظة المرعية.
أسأل الله لكم التوفيق لما يرضيه عنكم وعنا وعن سائر علمائنا وطلاب الحق، وأن يختم لنا بحسن ختامٍ، والله المستعان.
كتبه نزار بن هاشم العباسالسودان – الخرطوم5 -ربيع الأول- 1439هـ