هل العبرة في الحق بالكثرة أم بالقلة ؟ الشيخ زيد بن محمد المدخلي رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب الشيخ زيد المدخلي رحمه الله
السؤال:
فضيلة الشيخ ، أنا شاب نهجت منهج السلف ولله الحمد بعد ما كنت أكفر وأفسق العلماء والحكام بسبب الغيرة على الدين التي لا يضبطها ضابط العلم ، وعودتي منذ فترة قريبة ولكن لي زملاء يناقشونني ويقولون لي أنتم قلة والسواد لنا فكيف أرد عليهم يا فضيلة الشيخ ؟ وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
أولا : نهنئ صاحب السؤال بهذه النعمة العظيمة ، وهي نعمة التوبة والتخلي عن الخطأ الفاحش ، والعمل الذي لا يجوز أن يعيش في جحيمه الإنسان العاقل وهو تكفير العلماء وتكفير الحكام المسلمين وذمهم إلى غير ذلك مما هو معلوم وصاحبه ملوم ، وهذه نعمة من الله نشكر الله تبارك وتعالى عليها جميعا ، وهذا أنا أعتبره من المحاسن ومن المناقب وذلك أن الإنسان يكون برهة من الزمن في خطأ ثم يتحول من هذا الخطأ إلى الحق والصواب نادما ومغتبطا بتركه لذلك الباطل وقبوله للحق ليعيش في ظله ويعرف لكل ذي حق حقه .
وثانيا : أن بقية الزملاء الذين يجادلونه ويناقشونه أو هو يطمع في دعوتهم ، هؤلاء لا يستطيع أن يقنعهم لأنه حديث عهد بما كان من خطأ فهو لا يستطيع أن يقنع القوم ، ولكن عليه أن يكون حكيما وأن يكون عاقلا فيطلب منهم الذهاب إلى العلماء الموثوق بعلمهم ممن عرفوا بفهم منهج السلف الصالح ، سواء في العقائد أو بقية الأعمال يذهب بإخوانه إلى عالم من العلماء ثم يطرحون السؤال على هذا العالم ويسمعون الجواب ، فإذا سمعوا الجواب المقرون بأدلة الكتاب والسنة فلا تجوز لهم المراوغة بعد ذلك ولا تجوز الحيرة والبقاء على ما كانوا عليه ، هذا هو الجواب على من أشكلت عليه الأمور أو لبّس عليه أو ضلله المضللون ـ وما أكثرهم في هذا الزمان ـ أقول : عليه أن يعمد إلى العلماء فهم المقدمون في حل هذه المسائل .
وأما احتجاج بعض زملائه كما قال بأنهم هم الكثيرون وأن السلف ماهم إلا قلة ، نقول : هكذا أهل الخير على العموم بالنسبة لأهل الشر هم قلة ، والقلة هم الذين يدخلون الجنة والكثرة هم الذين يدخلون النار من هذه الأمة ودليل ذلك ما ثبت : أن الله ـ تبارك وتعالى ـ ينادي آدم يوم القيامة ويقول له :ابعث بعث النار . فيقول : من كم يا رب ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين في النار ، وواحد في الجنة ". وأهل الحق في كل زمان ومكان هم القلة ووثائق التاريخ شاهدة بذلك ، فما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إبّان دعوته إلا قلة بالنسبة للعالم الإنساني العجم والعرب ، وما كان أئمة العلم في الناس إلا قلة ، وما كان أهل السنة في أهل البدع إلا قلة ، وأنتم تعرفون تاريخ محنة الإمام أحمد ( ت 241 هـ ) ـ رحمه الله ـ لما ابتلي من الخليفة المأمون ( ت 218 هـ ) وفتن المأمون من قبل المضللين ولبسوا عليه حتى أجبر الناس أن يقولوا بخلق القرآن وبنفي الصفات ، فمنهم من أجاب مكرها ومنهم من اقتنع كما اقتنع المأمون ، ولكن بقي الإمام أحمد وجماعة معهم يعدون على أصابع الكف بل أقل من ذلك ، صمموا على ما نطق به كتاب الله وجاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من مات في سبيل ذلك ومنهم من عذب وسجن كما حصل للإمام أحمد مدة لا يقل عن ستة عشر عاما ، ومع ذلك فقد كان الإمام أحمد إذا ناظروه في القرآن قال لهم : "أقول في القرآن كلام الله وكفى " فما كان يسب ولا يشتم ولا يغري الناس بنشر مثالب الحكام رغم الضرر الذي حصل من الدولة عليه ، وحينما أتاه بعض الناس وقالوا له : يا إمام قد تفاقم الأمر فلابد من عزله ولابد من خلعه ولابد من كذا ، قال :" يا أيها الناس احقنوا دماءكم ودماء المسلمين وادعوا لهم، هذا خلاف الآثار ".
فينبغي لأهل الدعوة إلى الله أن يتأسوا بمثل هذا الإمام القدوة الذي أعز الله به الإسلام ونصر به السنة أيام المحنة كما نصر السنة بأبي بكر أيام الردة .
والشاهد من هذا أن أهل الحق وأهل الصواب وأهل المنهج السلفي الأصيل هم قلة في كل زمان ومكان فلتكن مع الحق ولو لم يسلك الحق إلا النفر القليل ، وفق الله الجميع لما فيه رضاه .
المصدر
العقد المنضد الجديد [ ص 79 ]
للشيخ زيد بن محمد المدخلي رحمه الله
قال الشيخ ربيع( من عقوبة أهل البدع أن لا يقبل منهم الصدق )