ما لم يرد فيه دليل بخصوصه فلا نثبت لفظه ولا ننفيه ونستفصل في معناه

وسنتكلم في هذا الأمر في عدة نقاط.



1_ الألفاظ على نوعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ومن الأصول الكلية أن يعلم أن الألفاظ نوعان:
نوع جاء به الكتاب والسنة فيجب على كل مؤمن أن يقر بموجب ذلك، فيثبت ما أثبته الله ورسوله وينفي ما نفاه الله ورسوله.....

وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره اهـ (جامع الرسائل لابن تيمية:1/195)
ومن هذه الألفاظ المجملة لفظ : الجسم.
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله:

هو من الألفاظ المجملة التي تحتاج إلى تفصيل. فإن أريد بالجسم الشيءُ المُحْدَثُ المركَّب المفتقرُ كلُّ جزء منه إلى الآخر، فهذا ممتنع على الرب الحي القيوم. وإن أريد بالجسم ما يقوم بنفسه ويَتَّصِف بما يليق به، فهذا غير ممتنع على الله تعالى، فإن الله قائم بنفسه متصف بالصفات الكاملة التي تليق به. لكن لما كان لفظ الجسم يحتمل ما هو حقّ وباطل بالنسبة إلى الله صار إطلاقُ لفظِه نفياً أو إثباتاً ممتنعاً على الله.(فتح رب البرية بتلخيص الحموية)



2_ سبب إطلاق أهل البدع للألفاظ المجملة
والأسباب قد تكون كثيرة إلا أننا نذكر هنا ما ذكره أهل العلم.
فقد استعمل بعض الجهمية ألفاظا مجملة , لماذا ؟

لأنه لا يستطيع أن يأتي إلى الناس رأسا ويقول لهم : ليس لله يد، فجاء بألفاظ مجملة ونزه الله عنها، وجعل تنزيه الله عنها أصولا كلية عند هؤلاء، ثم توصل إلى إنكار الصفات من خلال ذلك، حيث جاء بلفظ الجسم والحيز والجهة، فقال مثلا: هل الله جسم؟ فاخذ يقرر أن الله ليس بجسم ولا يوصف بالجسمية، فلما قرر ذلك ومكنه من نفوسهم اخذ يقرر فيهم ما يريد فقال: لو أثبتنا لله اليد أثبتنا له الجسمية ولو أثبتنا له الجسمية شبهناه بخلقه ومن ثم غرس فيهم تعطيل الصفات. اهـ (راجع: التحفة السنية في شرح الحائية)




3_ خطورة إطلاق الألفاظ المجملة في العقيدة
· بسبب الألفاظ المجملة حصل الاختلاف بين الناس حتى أحدهم لا يفهم ما يقول
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فإن كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلاً عن أن يعرف دليله، ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئاً بل يكون في قوله نوع من الصواب، وقد يكون هذا مصيباً من وجه، وقد يكون الصواب في قول ثالث. اهـ (جامع الرسائل"1/195)
· هذا من عمل أهل البدع لإبطال الحق كما سبق معنا في النقطة الثانية.
ونزيد على ما سبق
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:

فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنِ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا ، لِئَلَّا يَثْبُتَ مَعْنًى فَاسِدٌ ، أَوْ يُنْفَى مَعْنًى صَحِيحٌ . اهـ (شرح ابن أبي العز الحنفي على العقيدة الطحاوية)
· أن الأصل المتقرر عند أهل السنة والجماعة عدم تجاوز الكتاب والسنة وهذا تجاوز واضح.
· إطلاق الألفاظ المجملة إيهام لمعاني فاسدة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومنشأ هذا أن لفظ الغير يراد به المغاير للشيء، ويراد به ما ليس هو إياه، وكان في إطلاق الألفاظ المجملة إيهام لمعاني فاسدة. ويراد به ما ليس هو إياه (جامع الرسائل لابن تيمية:1/31





4_ متى نستعمل هذه الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة
قال ابن أبي العز رحمه الله:
وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَمْ يَرِدْ نَفْيُهَا وَلَا إِثْبَاتُهَا فَلَا تُطْلَقُ حَتَّى يُنْظَرَ فِي مَقْصُودِ قَائِلِهَا : فَإِنْ كَانَ مَعْنًى صَحِيحًا قُبِلَ ، لَكِنْ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِأَلْفَاظِ النُّصُوصِ ، دُونَ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ

· إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ
· مَعَ قَرَائِنَ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ
وَالْحَاجَةَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ مَنْ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ مَعَهُ إِنْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا ، وَنَحْوُ ذَلِكَ اهـ (شرح الطحاوية لابن أبي العز)

جمعه :
أبو سهيلة حسين بن علي البلوشي عفا الله عنه