583 - " يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن و مؤمنة و يبقى من كان يسجد في الدنيا
رياء و سمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا " .


قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 124 :
أخرجه البخاري ( 8 / 538 - فتح ) : حدثنا آدم حدثنا الليث عن خالد ابن يزيد عن
سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
قلت : هكذا ساقه البخاري في " التفسير " و هو قطعة من حديث أبي سعيد الطويل في
رؤية الله في الآخرة ساقه بتمامه في " التوحيد " ( 13 / 362 - 364 ) : حدثنا
يحيى بن بكير : حدثنا الليث به ، بلفظ :" فيقول - يعني الرب تبارك و تعالى
للمؤمنين - هل بينكم و بينه آية تعرفونه ؟ فيقولون : الساق فيكشف عن ساقه فيسجد
... " و أخرجه البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( ص 344 ) بسنده عن يحيى بن
بكير به و قال : " رواه البخاري في " الصحيح " عن ابن بكير و رواه عن آدم ابن
أبي إياس عن الليث مختصرا و قال في هذا الحديث : يكشف ربنا عن ساقه . و رواه
مسلم عن عيسى بن حماد عن الليث كما رواه ابن بكير . و روي ذلك أيضا عن عبد الله
بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " .
قلت : أخرجه مسلم في " الإيمان " من " صحيحه " ( 1 / 114 - 117 ) : حدثني سويد
ابن سعيد قال : حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم به . إلا أنه قال : " ...
فيقولون نعم ، فكشف عن ساق ... " ثم ساقه عن عيسى بن حماد عن الليث به نحوه لم
يسق لفظه . و من طريق هشام بن سعد : حدثنا زيد بن أسلم به نحوه لم يسق لفظه
أيضا و إنما أحال فيهما على لفظ حديث حفص . و قد أخرج حديث هشام ابن خزيمة في
" التوحيد " ( ص 113 ) و كذا الحاكم ( 4 / 582 - 584 ) و قال : " صحيح الإسناد
" . و وافقه الذهبي و فيه عنده : " نعم ، الساق ، فيكشف عن ساق " . و أخرجه ابن
خزيمة و أحمد أيضا ( 3 / 16 - 17 ) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا زيد بن
أسلم به بلفظ " قال : فيكشف عن ساق " . و لفظ ابن بكير عند البخاري " هل بينكم
و بينه آية تعرفونه ؟ فيقولون : الساق " . و هو لفظ مسلم عن سعيد بن سويد إلا
أنه قال : " نعم " مكان " الساق " . و جمع بينهما هشام بن سعد عند الحاكم كما
رأيت و هي عند مسلم و لكنه لم يسق لفظه كما سبق .
و جملة القول : أن الحديث صحيح مستفيض عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
سعيد . و قد غمزه الكوثري - كما هي عادته في أحاديث الصفات - فقال في تعليقه
على " الأسماء " ( ص 345 ) : " ففي سند البخاري ابن بكير و ابن أبي هلال و في
سند مسلم سويد بن سعيد " . قلت : و إذا أنت ألقيت نظرة منصفة على التخريج
السابق تعلم ما في كلام الكوثري هذا من البعد عن النقد العلم النزيه ، فإن ابن
بكير لم يتفرد به عن الليث بل تابعه آدم عند البخاري كما رأيت في تخريجنا و في
كلام البيهقي الذي تجاهله الكوثري لغاية في نفسه و تابعه أيضا عيسى ابن حماد
عند مسلم على أن ابن بكير و إن تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه ، فذلك في غير
روايته عن الليث ، فقال ابن عدي : " كان جار الليث بن سعد و هو أثبت الناس فيه
" . و أما سويد بن سعيد ، فهو و إن كان فيه ضعف من قبل حفظه فلا يضره ذلك هنا
لأنه متابع من طرق أخرى عن زيد كما سمعت و رأيت . و مثل ذلك يقال عن سعيد بن
أبي هلال ، فقد تابعه حفص بن ميسرة و هشام بن سعد و عبد الرحمن بن إسحاق ،
فاتفاق هؤلاء الثلاثة على الحديث يجعله في منجاة من النقد عند من ينصف . نعم
لقد اختلف في حرف منه ، فقال الأول : " عن ساقه " و قال الآخرون : " عن ساق " .
و النفس إلى رواية هؤلاء أميل و لذلك قال الحافظ في " الفتح " ( 8 / 539 ) بعد
أن ذكره باللفظ الأول : " فأخرجها الإسماعيلي كذلك . ثم قال : في قوله " عن
ساقه " نكرة . ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ : يكشف عن
ساق . قال الإسماعيلي : هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة لا يظن أن الله
ذو أعضاء و جوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين ، تعالى الله عن ذلك ليس
كمثله شيء " .
قلت : نعم ليس كمثله شيء و لكن لا يلزم من إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات
شيء من التشبيه أصلا كما لا يلزم من إثبات ذاته تعالى التشبيه ، فكما أن ذاته
تعالى لا تشبه الذوات و هي حق ثابت ، فكذلك صفاته تعالى لا تشبه الصفات و هي
أيضا حقائق ثابتة تتناسب مع جلال الله و عظمته و تنزيهه ، فلا محذور من نسبة
الساق إلى الله تعالى إذا ثبت ذلك في الشرع و أنا و إن كنت أرى من حيث الرواية
أن لفظ " ساق " أصح من لفظ " ساقه " فإنه لا فرق بينهما عندي من حيث الدراية
لأن سياق الحديث يدل على أن المعنى هو ساق الله تبارك و تعالى و أصرح الروايات
في ذلك رواية هشام عند الحاكم بلفظ : " هل بينكم و بين الله من آية تعرفونها ؟
فيقولون : نعم الساق ، فيكشف عن ساق ... " .
قلت : فهذا صريح أو كالصريح بأن المعنى إنما هو ساق ذي الجلالة تبارك و تعالى .
فالظاهر أن سعيد بن أبي هلال كان يرويه تارة بالمعنى حين كان يقول : " عن ساقه
" . و لا بأس عليه من ذلك ما دام أنه أصاب الحق . و أن مما يؤكد صحة الحديث في
الجملة ذلك الشاهد عن ابن مسعود الذي ذكره البيهقي مرفوعا و إن لم أكن وقفت
عليه الآن مرفوعا و قد أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " ( ص 115 ) من طريق أبي
الزعراء قال : " ذكروا الدجال عند عبد الله ، قال : تقترفون أيها الناس عند
خروجه ثلاث فرق ... فذكر الحديث بطوله : و قال : ثم يتمثل الله للخلق ، فيقول :
هل تعرفون ربكم ؟ فيقولون : سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه فعند ذلك يكشف عن ساق
، فلا يبقى مؤمن و لا مؤمنة إلا خر لله ساجدا " .
قلت : و رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الزعراء و اسمه عبد الله ابن هانىء
الأزدي و قد وثقه ابن سعد و ابن حبان و العجلي و لم يرو عنه غير ابن أخته سلمة
ابن كهيل . و وجدت للحديث شاهدا آخر مرفوعا و هو نص في الخلاف السابق في
" الساق " و إسناده قوي ، فأحببت أن أسوقه إلى القراء لعزته و صراحته و هو :
" إذا جمع الله العباد بصعيد واحد نادى مناد : يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون
و يبقى الناس على حالهم ، فيأتيهم فيقول : ما بال الناس ذهبوا و أنتم ههنا ؟
فيقولون : ننتظر إلهنا ، فيقول : هل تعرفونه ؟ فيقولون : إذا تعرف إلينا عرفناه
فيكشف لهم عن ساقه ، فيقعون سجدا و ذلك قول الله تعالى : *( يوم يكشف عن ساق
و يدعون إلى السجود فلا يستطيعون )* و يبقى كل منافق ، فلا يستطيع أن يسجد ،
ثم يقودهم إلى الجنة ) " .