أخرج البخاري تحت رقم (2475) ومسلم تحت رقم (57) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ".

ومعنى نفي الإيمان في الحديث أنه ينقص منه إيمانه بسبب هذه المعصية، بل يخرج منه إيمانه ثم يعود كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود تحت رقم (4690) عن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ"، صححه الألباني والأرنؤوط.
وهذا الحديث خطير جداً ، يوضح ذلك ما أخرجه مسلم تحت رقم (144) عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ".
ومعنى هذا الحديث : أن الأعمال الصالحة وغير الصالحة تترك أثرها على القلب، كما يترك الحصير أثره على الجلد إذا نام الإنسان عليه، فيظهر أثر الحصير عوداً عوداً على بدن الإنسان، وكذا أثر الأعمال؛
فالعمل الصالح يترك على القلب نقطة بيضاء حتى يصير القلب بالأعمال الصالحة كالصفا، أي كالحجر الأبيض الأملس الذي لا يعلق عليه شيء من الأذى بإذن الله.
ويصير القلب الذي افتتن وتأثر بالسوء كالقدر الذي حرقت النار ظاهره فصار عليه الرباد الأسود من الاحتراق، ويصير القلب كالكوز المائل الذي لا يستقر فيه الماء، فهذا القلب لا يستقر فيه الخير كالكوز المائل لا يستقر فيه الماء، وصاحب هذا القلب لا يعرف إلا ما أشربه من الهوى، كما قال تعالى: ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14].
والخطورة هنا أن الذي يستغرق في الذنوب والمعاصي ، ما الذي يدريه إذا زنى أو سرق أو انتهب نهبة أو شرب الخمر أن الإيمان بعد أن يخرج عن قلبه حتى يصير على رأسه كالظلة ؛ ما الذي يدريه أن الإيمان إذا يرجع إلى قلبه يجد طريقه إليه، فقد يغلفه الران فلا يعود للإيمان إلى قلبه مساغا؟!
وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (6/ 1110، تحت رقم 1919) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنِ الْكَبَائِرِ، أَسَبْعٌ هِيَ؟ قَالَ: " هِيَ إِلَى السَّبْعِ مِائَةِ أَقْرَبُ إِلَّا إِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ".
ومعنى ذلك أن الذنوب الصغيرة تترك أثرها على القلب ، ويستهين بها صاحبها ولا يستغفر، و لا يستحضر أنها من المعاصي، حتى تغلف القلب، فتكون على القلب كالمعاصي الكبيرة، لأنه يصر عليها.
وكيف يسلم المسلم من الإصرار على الذنوب؟
تكون غير مصر على الذنب بأمرين :
أحدهما : استحضار إنكار المنكر الذي تفعله بقلبك، فهذا أدنى ما تبرأ به ذمتك في شرع الله تعالى. (الإنكار القلبي)، فتستحضر دائما عند فعلك المعصية أنك ترتكب معصية وأنك مخطيء، وأن ما تفعله منكر، وأنه لا يجوز أن تفعله في حق الله!
ثانيهما : المداومة على ذكر الله، والاستغفار والتوبة. فإنه ورد : "أنَّ لِلْقُلُوبِ صَدَأً، وأن جَلاءها الِاسْتِغْفَارُ"، وجاء أن جلاءها : "ذِكْرُ الْمَوْتِ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ".
بهذين الأمرين تسلم بإذن الله من أن تكون مصراً على معصية.
فلا تستهن رعاك الله بالمعاصي والذنوب.
وداوم في كل حال على ذكر الله تعالى واستغفاره.
وداوم على الإنكار القلبي للمعصية وإن غلبك هواك وشهوتك على فعلها!
وفقني الله وإياكم لطاعته ورضاه.

للشيخ بازمول من موقعه