بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الصالحين ، والعاقبة للمتقين الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأصلي وأسلم على سيد الأولين والآخرين ، وإمام المتقين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فهذه بعض الحِكم في صيام شعبان الشهر ذي الفضائل الجمة التي يغفل عنه كثير من النّاس كما أخبر بذلك سيدي وحبيبي رسول رب العالمين ، فهذه الحكم إذا عرفها العبد وحرص عليها كانت سببا من أسباب زيادة الإيمان ، تقربه إلى ربه عز وجل .
1 – التمرن والتدرب على الصيام والاستعداد نفسيا وبدنيا من أجل صيام رمضان .
جرت سنة الله تعالى في خلقه أن الاستعدادالروحيوالبدني، لكل أمر ديني أو دنيوي لا بد منه حتى يكون النجاح والفوز وجني أفضل الثمار والنتائج ، وإن صيام شعبان هو تدريب النفس والجسد على الطاعة ، وذلكبتزكيةالنفس بالصيام وحملها على الصبر على مشاق الجوع والعطش وشهواتها ، فتستشعر التقوى والتوبة، وتسارع إلى الحرص على تفقه العلم النافع، والإكثار من العمل الصالح..
نعم ؛ في هذه الأيام الفاضلة من شهرشعبان يُروض المسلم نفسه على الطاعة، والصبر بأنواعه، بكثرة الصيام، وقراءة القرآن في شهرالقراء، استعدادا لشهر القرآن ، والذكر ، والإنفاق مما يحب، وقراءة سير الصالحين المتقين في هذا الشهر الذي صيامه كالراتبة لصيام فريضة رمضان، وسماع المواعظ، والرقائق لعله يدرك ركبهم فيكون منهم أو ملحقا بهم ..
وإذا كان حال المسلم في شعبان بهذا القدر من الاستعداد فليس من شك أنه يزداد إيمانا وعملا صالحا في حينه وحاله ، وهو يستقبل رمضان فيكون حاله أفضل من حاله في السنة التي خلت ، وإن لم يزيد على ما قام به في غابر ماضيه فلا يفتر وينقص مما كان عليه ، فقد كان صواما قواما ، جواد كريما، لا يفتر عن الذكر ولا يتأخر عن البركة والخير ..
2 – صيام شعبان كالراتبة للرمضان: يعتبر بعض العلماء صيام شعبان كرواتب الصلاة . فيجعلون لرمضان راتبة قبلية ، وراتبة بعدية ، فشعبان راتبته القبلية ، وست من شوال راتبته البعدية .
فالراتبة القبلية تكون للإعداد النفسي والمعنوي وقد مر ذلك قريبا ، والبعدية تكون للحمد والشكر وجبر النقص الذي يحصل للمسلم في صيامه .وكذلك هي الحكمة من راتبة الصلاة .
3- شهر يغفل عنه النّاس . ومعنى غفلة النّاس فيه ، أنهم مشغلون عن العبادة فيه ، يستعدون لاستقبال رمضان بتخزين المؤن جمعا للمال ، فهم غافلون عن فضل اغتنام أوقاته منغمسون في ملذات الدنيا مثل غفلة أهل السوق عن العبادة والذكر فيه ، فقل ما تجد في السوق متيقظا فطنا يذكر الله.
فانفراد العبد بالعبادة في غفلة الناس له أجر أعظم وفضل كبير . ويكفيه أنه لا يكتب من الغافلين ، بل يكتب من الذاكرين الله .
قال رسول الله : (( فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا، يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ» وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» السلسلة الصحيحة( 494)وصحيح الجامع (993).
وعن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: " طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ "، فَقِيلَ: مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ " صحيح الجامع (3921).
وفي صحيح مسلم ( 145) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» وذلك معنى قوله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }(29)الرعد .
وفي هذه النصوص دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة وأن ذلك محبوب لله عز وجل كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة .لطائف المعارف (1/131).
فقد روى الطبراني في الكبير عن الأسود بن يزيد، قال قال عبد الله بن مسعود: نعم ساعة الغفلة، يعني الصلاة فيما بين المغرب والعشاء. قال الهيثمي: فيه جابر الجعفي، وفيه كلام كثير، وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: ساعة ما أتيت عبد الله بن مسعود فيها إلا وجدته يصلي ما بين المغرب والعشاء، فسألت عبد الله. (عن ذلك) فقال: إنها ساعة غفلة. قال الهيثمي: وفيه ليث بن أبي سليم، وفيه كلام.
وفي الزهد للإمام أحمد (1779) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَدْخُلُ السُّوقَ نِصْفَ النَّهَارِ يُكَبِّرُ وَيُسَبِّحُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا بَكْرٍ السَّاعَةُ؟ قَالَ: ((إِنَّهَا سَاعَةُ غَفْلَةٍ)).
وورد في فضل الذكر في الأسواق ما ورد من الحديث المرفوع والآثار الموقوفة حتى قال أبو صالح: إن الله ليضحك ممن يذكره في السوق .لطائف المعارف .
ففي الصحيحة (3139):قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ دَخَلَ سُوقاً من الأسواقِ فقال :"لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلَّ شيءٍ قديرٌ" كَتَبَ الله له ألفَ ألفِ حسنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيئةٍ) .
وهذا أجر عظيم ، وسبب ذلك أنه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ، رَفَعَهُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ، وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللهُ، أَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ: فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ، فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلَّا اللهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ، نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقَوْا الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا، فَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللهُ لَهُ. وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللهُ: الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ ")).(1). قال الحافظ ابن رجب : فهؤلاء الثلاثة انفردوا عن رفقتهم بمعاملة الله سرا بينهم وبينه فأحبهم الله ؛ فكذلك من يذكر الله في غفلة الناس أو من يصوم في أيام غفلة الناس عن الصيام.لطائف المعارف (1/131). ومنها: أن العبادة في غفلة النّاس أشق على النفوس: وأفضل الأعمال أشقها على النفوس ، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس ؛ فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم ؛ فسهلت الطاعات ، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها ، ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( للعامل منهم أجر خمسين منكم ،إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون))(2).لطائف المعارف (1/132). وقال صلى الله عليه وسلم : ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء)) وفي رواية قيل : ومن الغرباء: قال : (( الذين يصلحون إذا فسد الناس)).
وفي هذا دليل على يقظتهم وغفلة النّاس ؛ بل الذي يقرأ سيرهم يرى العجب في يقظتهم ونشاطهم وتقربهم إلى الله بشتى أنواع العبادات ، مما تزيد في إيمانهم .
أخرج قوام السنة في الترغيب والترهيب (1754): عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال :((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهلوا شعبان أكبوا على المصاحف فعرضوها، وأخرج المسلمون زكاة أموالهم يقوون المسكين ، والضعيف على صيام شهر رمضان ...)).
وفي صحيح مسلم باب فضل العبادة في الهرج (2948) من حديث معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( العبادة في الهرج كالهجرة إلي)).
قال :محمد فؤاد عبد الباقي (4/2268): (العبادة في الهرج كهجرة إلي) المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا الأفراد]: عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ، الَّذِينَ يُمْسِكُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ حِينَ يُتْرَكُ ، وَيَعمَلُونَ بِالسُّنَّةِ حِينَ تُطْفَأُ)) البدع لابن وضاح (169).
4- ترفع فيه الأعمال ، وتعرض على رب العالمين : والعرض والرفع يومي في العصر والفجر ، وأسبوعي الاثنين والخميس ، وسنوي في شهر شعبان .وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة .
العرض والرفع اليومي : قال تعالى :{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ..}
أورد ابن جرير (20/445) عن ابن عباس قوله (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله، ومن ذكر الله، ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به. أي وهذا كل يوم . فهو سبحانه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (29)الرحمان.
قال البغوي : (7/446) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْيِيَ وَيُمِيتَ، وَيَرْزُقَ، وَيُعِزَّ قَوْمًا، وَيُذِلَّ قَوْمًا، وَيَشْفِيَ مَرِيضًا، وَيَفُكَّ عَانِيًا وَيُفَرِّجَ مَكْرُوبًا، وَيُجِيبَ دَاعِيًا، وَيُعْطِيَ سَائِلًا وَيَغْفِرَ ذَنْبًا إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَأَحْدَاثِهِ فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ.
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون» متفق عليه .
العرض والرفع الأسبوعي والشهري السنوي: وخرج الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام يسرد حتى نقول لا يفطر ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم إلا يومين من الجمعة إن كانا في صيامه وإلا صامهما ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان فقلت يا رسول الله إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما؟ قال:(( أي يومين ؟))قلت : يوم الاثنين ويوم الخميس قال: (( ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )) قلت : ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال:(( ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )).
ففي هذا الشهر يجتمع فيه أنواع رفع العمل وعرضه على الله ، وهذه مزية وفضيلة لهذا الشهر إذا عرفها العبد الصالح بادر إلى الطاعات وتحسين العمل الصالح وتخليصه من شوائب الشرك والبدعة حتى يكون خالصا صوابا فيرفع إلى ربه ويعرض عليه وهو صائم ، لذلك كان نبينا يحرص على صيام شعبان كله أو أغلبه ، حتى لا يفوته شيء من العرض وهو صائم .
5- شهر تقضى فيه الفوائت من الديون ، والنوافل : لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي فيه الأيام التي لم يكن يصمها من الشهور ، ولذلك كانت عائشة تغتنم هذا الشهر في قضاء صيامها الذي يكن عليها من رمضان أما باقي الشهور فهي مشتغلة به . ففيه دليل على جواز قضاء نوافل الصوم ، ومن باب أولى الواجبات.
6 – أنه شهر القراء ... وقال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن قال الحسن بن سهل: قال شعبان: يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن يا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها.
مضى رجب وما أحسنت فيه .. وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلا .. بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قسرا .. ويخلي الموت كرها منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا .. بتوبة مخلص واجعل مدارك
على طلب السلامة من جحيم .. فخير ذوي الجرائم من تدارك. لطائف المعارف .
أخرج قوام السنة في الترغيب والترهيب (1754): عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال :((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهلوا شعبان أكبوا على المصاحف فعرضوها...)) 7 – سابعا : فضل ليلة النصف من شعبان : إذا كان في هذا الشهر يجتمع في عرض العمل اليومي في كل يوم في صلاة الفجر والعصر ، وفي الأسبوع ، في كل خميس واثنين، والسنوي ، في شعبان ، ليراجع العبد نفسه ، ويحاسبها في هذا الشهر أشد الحساب ، فيحملها على الصيام ليعرض عمله اليومي والأسبوعي والسنوي وهو صائم ، فهو أدعى إلى مغفرة ذنوبه ولكن بشرطين اثنين هما عدم الإشراك بالله ، وعدم مشاحنة الإخوان والخلان من أجل الدنيا ،ففيه ليلة يطلع فيها الله عز وجل على عباده فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن .
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:((يَطَّلِعُ الله إلى خَلْقِ فِي لَيْلَةِ النِّصف مِنْ شَعْبَانَ ، فيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ؛ إلا لُمشْرِكٍ أو مُشَاحِنٍ)).(3).
وقوله : ( لجميع خلقه ) هذا من العام المخصوص والمراد به المسلمين ، أو المؤمنين ؛ فقد جاء مفسرا في الترغيب والترهيب لقوام السنة (1858 ): عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ينزل الله ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل مسلمٍ إلا لمشركٍ أو مشاحن أو قاطع رحمٍ أو امرأة تبغي في فرجها)) .فزاد فيه قاطع الرحم ، والمرأة البغي .
وفي السنة لابن أبي عاصم (511) وهو أصح : ((فيغفر للمؤمنين، ويترك أهل الضغائن، وأهل الحقد بحقدهم)) قال الألباني حديث صحيح. وقال في صحيح الترغيب والترهيب (2771) [صحيح لغيره].
وزاد في مسند أحمد(6642): ((فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ : مُشَاحِنٍ، وَقَاتِلِ نَفْسٍ )).
فتلخص أن الذين لا يغفر الله لهم في هذه الليلة العظيمة التي يطلع الله فيها إلى خلقه : المشرك وتحته الكافر والمنافق فاقا أكبر ، والمشاحن الحاقد على إخوانه من أجل الدنيا، وقاطع الرحم ، والمرأة البغي ، وقاتل النفس ، والمبتدع الذي حجب الله التوبة عنه ، فعمله مردود عليه ؛ فهو ليس أهلا لأن يغفر له ، إلا أن يتوبوا من تلك الأعمال فالله يتوب عليهم ويغفر لهم .
فإذا علم العبد أن الله لا يغفر لهؤلاء وكانت فيه خصلة من تلك الخصال ، وخاصة مشاحنة الإخوان والخلان والحقد عليهم سارع إلى التوبة والأوبة وتدارك ذلك حتى لا يؤخر عن مغفرة الله ، فربما جاءته منيته وهو على تلك الحال فلا يستطيع أن يستدرك المغفرة من ربه فيخسر هذا الفضل ، وذلك اللطف من ربه الغفور الرحيم .
قال بعض علماء السلف - رحمه الله-: ينبغي للناس إذا دنا رمضان أن يفرحوا ويستبشروا بدنوه ويدعوا الله تعالى ويسألوه أن يبلغهم إياه، ويوفقهم لصيام أيامه وقيام لياليه، ويجنبهم فيه الفسوق والعصيان ويوطنوا نفوسهم أن يتشمروا لأداء حقه وأن يتراءوا هلاله ليلة الثلاثين من شعبان فعل من يستعجل لقدوم غائب كريم، ويقولون ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند رؤية الهلال:
((اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والإسلام، ربي وربك الله)) . وروي أنه كان يقول: ((الله أكبر ثم يدعو)) ، وفي رواية ((أسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى)) . الترغيب والترهيب (2/365) لقوام السنة . الهامش :
-----------
(1)- مسند أحمد (21355)وقال محققه :حديث صحيح ، وكذلك قال في تحقيق صحيح ابن حبان (3349)وقال الترمذي (2568): هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهَكَذَا رَوَى شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، نَحْوَ هَذَا، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ. وقال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص ،وقال محقق موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (1602) :إسناده جيد وقال عبد الله الدويش في تنبيه القارئ (1/126): قال في التعليق على صحيح ابن خزيمة (4: 150) : إسناده ضعيف ، وإن صححه بعضهم فإن زيد بن ظبيان ما روى عنه غير ربعي. أقول ( أي الدويش ): هكذا ضعفه هنا، وقد صححه في موضع آخر فقال (حم) عن أبي ذر في صحيح الجامع (3: 74، 75، رقم 3069) صحيح، تخريج المشكاة (1922) ، ت، حب، ك، ابن المبارك ابن أبي شيبة، ابن نصر، الطحاوي. والله أعلم.
(2)- قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1/783): رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه ا.هـ.
(3)- التعليقات الحسان(5636) وقال حسن ـ ((التعليق الرغيب)) (3/ 282 ـ 283) و((الصحيحة)) (1144).وقال حديث صحيح.