[ الإخلاص و حب المدح لا يجتمعان ]

لا يجتمع الإخلاص في القلب و محبة المدح و الثناء و الطمع فيما عند الناس ، إلا كما يجتمع الماء و النار و الضبّ و الحوت .
فإذا حدَّثتكَ نفسك بطلب الإخلاص ، فأقبِل على الطمع أولا فاذبحه بسكّين اليأس ، و أقبل على المدح و الثناء فازهد فيهما زهد عشّاق الدنيا في الآخرة . فإذا استقام لك ذبحُ الطمع و الزهد في الثناء و المدح سهُل عليك الإخلاص .

فإن قلت : و ما الذي يسهِّل عليَّ ذبح الطمع و الزهد في الثناء و المدح ؟

قلت : أما ذبح الكمع ، فيسهله عليك علمك يقيناً أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا و بيد الله وحده خزائنه ، لا يملكها غيره ، و لا يؤتى العبد َ منها شيئا سواه . و أما الزهد في الثناء و المدح ، فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحُه و يزين و يضرُّ ذمُّه و يشين إلا الله وحده ، كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه و سلم : إن مدحي زين و ذمِّي شَيْن ، فقال : ذلك الله عز وَ جل (1) .

فازهد في مدح من لا يزينك مدحُه ، و في ذمِّ من لا يشينك ذمُّه ، و ارغب في مدح من كلُّ الزين في مدحه و كل الشين في ذمِّه . و لن يقدر على ذلك إلا بالصبر و اليقين ، فمتى فقدتَ الصبر و اليقين كنتَ كمن أراد السفر في البحر في غير مركب ،

قال تعالى : (( فاصبر إن وعد الله حقٌّ و لا يستخِفَّنَّكَ الذين لا يوقِنون )) '' الروم : 60 " .
و قال تعالى : (( و جعلنا منهم أئِمة يهدون بأمرنا لمَّا صبروا و كانوا بئاياتنا يوقِنون )) " السجدة : 24 " .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

(1) الترمذي : تفسير ، باب : الحجرات (5/388) .

الفوائد : لابن القيّم

<!-- / message --> <!-- controls -->