2351 - " من صلى على جنازة في المسجد ، فليس له شيء " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 462 :
أخرجه أبو داود ( 2 / 66 ) و ابن ماجة ( 1 / 462 ) و اللفظ له و الطحاوي في "
شرح المعاني " ( 1 / 284 ) و ابن عدي ( 198 / 2 ) و البيهقي ( 4 / 52 ) و عبد
الرزاق في " المصنف " ( 6579 ) و ابن أبي شيبة ( 3 / 364 - 365 ) و كذا
الطيالسي ( 1 / 165 ) و أحمد ( 2 / 444 و 455 ) من طرق ( عن ابن أبي ذئب عن
صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا به . و لفظ الآخرين : " فلا شيء له

" ، إلا رواية لأحمد ، فهي باللفظ الأول ، و شذ عنهم جميعا أبو داود في روايته
، فلفظها : " فلا شيء عليه " . و مما يؤكد شذوذها ، و يؤيد أن المحفوظ رواية
الجماعة ، زيادة الطيالسي و ابن أبي شيبة عقب الحديث : " قال صالح : و أدركت
رجالا ممن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم و أبا بكر إذا جاؤا فلم يجدوا إلا
أن يصلوا في المسجد رجعوا فلم يصلوا " <1> . فهذا صريح في أن صالحا كان يروي
الحديث بلفظ الجماعة ، فإنه هو الذي يناسب ما حكاه عمن أدركهم من الصحابة من
تركهم الصلاة على الجنازة في المسجد بخلاف رواية أبي داود : " فلا شيء عليه " ،
فإنها تباينه و تنافيه ، و يدل ذلك أيضا على بطلان تأويل رواية الجماعة إلى
رواية أبي داود : أي فلا شيء عليه ! قالوا : ليتحد معنى اللفظين و لا يتناقضان
. و أقول : التأويل فرع التصحيح ، فبعد أن بينا شذوذ رواية أبي داود بما لا ريب
فيه ، فلا مبرر للتأويل ، و قد جاء في " نصب الراية " ( 2 / 275 ) : " قال
الخطيب : المحفوظ : " فلا شيء له " ، و روي : " فلا شيء عليه " ، و روي : " فلا
أجر له " ، انتهى . قال ابن عبد البر : رواية : " فلا أجر له " خطأ فاحش ، و
الصحيح : " فلا شيء له " . و صالح مولى التوأمة من أهل العلم ، منهم من لا يحتج
به لضعفه ، و منهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصة ، انتهى " .
قلت : و السبب في ذلك أنه كان اختلط ، فمنهم من سمع منه قبل الاختلاط - كابن
أبي ذئب - فهو حجة ، و منهم من سمع منه بعد الاختلاط فليس بحجة ، و هذا التفصيل
هو الذي استقر عليه رأى أهل العلم قديما و حديثا ، فروى ابن أبي حاتم ( 2 / 1 /
417 ) عن عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه قال : " كان مالك قد أدرك صالحا ، و قد
اختلط و هو كبير ، من سمع منه قديما فذاك ، و قد روى عنه أكابر أهل المدينة ، و
هو صالح الحديث ، ما أعلم به بأسا " . ثم روى عن ابن معين نحوه ، فقال عنه : "
ثقة ، و قد كان خرف قبل أن يموت ، فمن سمع منه قبل أن يختلط ، فهو ثبت ، و هو
صالح بن نبهان " . إذا عرفت هذا التفصيل ، و أن الحديث من رواية ابن أبي ذئب
عنه ، تبينت أنه ثابت ، فلا تعويل على من ذهب إلى تضعيفه متمسكا بالطعن المجمل
فيه كما فعل البيهقي ، و نحوه عن الإمام أحمد ، فقال ابنه عبد الله في " مسائله
" ( ص 125 ) : " سألت أبي عن حديث أبي هريرة هذا ؟ فقال : حديث عائشة : " أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل ابن بيضاء في المسجد " . ثم قال : حتى
يثبت حديث صالح مولى التوأمة . كأنه عنده ليس بثبت ، أو ليس بصحيح " .
قلت : و لعل الإمام أحمد رحمه الله توقف عن تصحيح هذا الحديث لأنه لم يكن يومئذ
تبين له التفصيل الذي نقلته عنه آنفا ، أو أنه ظن أنه معارض لحديث عائشة
المذكور ، و هو دونه في الصحة بلا ريب . و الذي أراه أنه لا ينبغي عند نقد
الحديث أن يلاحظ الناقد أمورا فقهية يتوهم أنها تعارض الحديث ، فيتخذ ذلك حجة
للطعن في الحديث ، فإن هذا - مع كونه ليس من قواعد علم الحديث - لو اعتمد عليه
في النقد للزم منه رد كثير من الأحاديث الصحيحة التي وردت بالطرق القوية . و
على هذا فكون حديث صالح مخالفا لحديث عائشة ، فلا ينبغي الطعن فيه بسبب ذلك ،
بل ينبغي التوفيق بينهما بعد ثبوت كل منهما من الوجهة الحديثية ، كما قرره
الحافظ في " شرح النخبة " و غيره في غيره ، و لذلك قال الإمام ابن قيم الجوزية
في " زاد المعاد " ( 1 / 198 - 199 ) بعد أن ذكر بعض ما قيل في صالح هذا : " و
هذا الحديث حسن ، فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه و سماعه منه قديم قبل اختلاطه
، فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الاختلاط " . هذا ، و أحسن ما يمكن
أن يقال في سبيل التوفيق المشار إليه آنفا هو أن حديث عائشة غاية ما يدلي عليه
إنما هو جواز صلاة الجنازة في المسجد ، و حديث صالح لا ينافي ذلك ، لأنه لا
ينفي أجر الصلاة على الجنازة مطلقا ، و إنما ينفي أجرا خاصا بصلاتها في المسجد
، قال أبو الحسن السندي رحمه الله تعالى : " فالحديث لبيان أن صلاة الجنازة في
المسجد ليس لها أجر لأجل كونها في المسجد كما في المكتوبات ، فأجر أصل الصلاة
باق ، و إنما الحديث لإفادة سلب الأجر بواسطة ما يتوهم من أنها في المسجد ،
فيكون الحديث مفيدا لإباحة الصلاة في المسجد من غير أن يكون لها بذلك فضيلة
زائدة على كونها خارجة . و ينبغي أن يتعين هذا الاحتمال دفعا للتعارض و توفيقا
بين الأدلة بحسب الإمكان . و على هذا ، فالقول بكراهة الصلاة في المسجد مشكل ،
نعم ينبغي أن يكون الأفضل خارج المسجد بناء على أن الغالب أنه صلى الله عليه
وسلم كان يصلي خارج المسجد ، و فعله في المسجد كان مرة أو مرتين . و الله أعلم
" . قلت : و بهذا الجمع ، التقى حديث الترجمة مع حديث عائشة من حيث دلالة كل
منهما على إباحة الصلاة في المسجد ، و أما كون الأفضل الصلاة خارج المسجد ،
فهذا أمر لا يشك فيه من تجرد عن الهوى و التعصب المذهبي ، لثبوت كون ذلك هو
الغالب على هديه صلى الله عليه وسلم كما بينته في " أحكام الجنائز " ( ص 106 -
107 ) ، فلا التفات بعد هذا البيان إلى قول ابن حبان في " الضعفاء " ( 1 / 366
) : " و هذا خبر باطل ، كيف يخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن المصلي في
الجنازة لا شيء له من الأجر ، ثم يصلي هو صلى الله عليه وسلم على سهيل ابن
البيضاء في المسجد ؟ " !! ( تنبيه ) : ذكر الزيلعي أن ابن أبي شيبة روى الحديث
في " مصنفه " بلفظ : " فلا صلاة له " ! و لم أر هذا اللفظ عنده ، و إنما رواه
بلفظ : " فلا شيء له " ، كما سبقت الإشارة إليه في صدر هذا التخريج ، فاقتضى
التنبيه .
---------------------------------------------
[1] و رواه البيهقي أيضا ، إلا أنه قال : فرأيت أبا هريرة إذا لم يجد ... إلخ .
. اهـ .