بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمّد و على آله و صحبه و سلم .. أمّا بعد :

فهذه بعض أقوال أهل العلم انتقيتها في معنى القيل و القال وما يسببه من دمار و تشتيت و إضعاف للدعوة السلفية ؛ أسأل الله أن ينفع بها.


قال الإمام مسلم –رحمه الله - في صحيحه [3236] :حدّثني زهير بن حربٍ حدّثنا جَرير عنْ سُهيلٍ عن أَبيهِ عن أَبي هريرةَ قالَ : قال رسول اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلّم:« إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً : يرضى لكم أن تعبدوه ، ولا تشركوه به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، -ويسخط لكم ثلاثاً - قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال »

جاء في بعض معاني الحديث الشريف:
(النهي عن قيل وقال ، وهو الخوض في الباطل وإشاعة الفواحش ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة وكفى بالمرءِ كذباً أن يحدث بكل ما سمع ، وكذلك الإغراق في فرض مسائل لم تقع والإجابات عنها قبل وقوعها فإن هذا يصرف المسلمين عن دراسة الكتاب والسنة ويشغلهم عن حفظ نصوصهما والتفقه فيهما.)
مذكرة الحديث النبوي في العقيدة و الاتباع للشيخ ربيع المدخلي حفظه الله ص 18.

و قال حفظه الله فيما يستفاد من الحديث : تحريم قيل و قال اهـ. المصدر السابق.


معنى (قيل وقال) من أقوال بعض العلماء :

قال الإمام مالك –رحمه الله- :( قِيلَ وَقَالَ ) هو الإكثار من الكلام وَالإِرجاف نحو قول النّاس قال فلان وفعل فلان والخوض فيما لا ينبغي. [المنتقى تحت حديث رقم : 1572]

قال الإمام النووي –رحمه الله- :( قِيلَ وَقَالَ ) فهو الْخوض في أخبار النّاس ، وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرّفاتهمْ .
[النووي في شرحه على مسلم تحت حديث رقم : 3236]

وَ قال كذلك في رياض الصالحين: (قِيلَ وَقَالَ) معناه :
الحديث بكلّ ما يسمعه ، فيقول : قيل كذا ، وقال فلان كذا ممّا لا يعلم صحّته ، ولا يظنها ، وكفى بالمرء كذبا أنْ يحدّث بكلّ ما سمع .[رياض الصالحين : باب رقم : 41]

قال الشيخ العثيمين رحمه الله : (قِيلَ وَقَالَ) يعني نقل الكلام ، و كثرة ما يتكلم الإنسان و يثرثر به ، و أن يكون ليس له هم إلا الكلام في الناس ، قالوا : كذا و قيل كذا ، و لا سيما إذا كان هذا في أعراض أهل العلم و أعراض ولاة الأمور، فإنه سيكون أشد و أشد كراهة عند الله عز وجل.[شرح رياض الصالحين.]

قال الشيخ ربيع – حفظه الله- : (قِيلَ وَقَالَ) الخوض في الباطل وفيما لا يعني.
[مذكرة في الحديث النبوي ص 18].

ماذا يسبب القيل و القال إذا انتشر بين صفوف طلبة العلم وما هي آثاره على الدعوة السلفية و حملتها؟

قال الشيخ العثيمين في شرح صحيح البخاري شريط رقم 4 د 42:06: .. أنه كان ينهى عن (قِيلَ وَقَالَ) ، الله أكبر ، ما أعظم هذه العبارة ، قيل و قال ديدن كثير من الناس اليوم ومع الأسف أنها توجد في طلبة العلم قيل في فلان كذا ، قال فلان في فلان كذا فيُضيِّعون أوقاتهم في غير فائدة و يحمِّلون قلوبهم من الضغائن و الأحقاد ما لا ينبغي أن يكون من طالب العلم فضلا عن العامة بل ما لا ينبغي أن يكون عند العامة فضلا عن طالب العلم و لهذا ينبغي لك أن تعرض إذا رأيت الناس مشتغلين بقيل و قال أعرض عن هذا لأن النبي صلى الله عليه و سلم ينهاك عنها ، و لا يسلم من اتبع قيل و قال لا يسلم من الإثم غالبًا لأنه إما:
أن ينقل كذبًا .
أو ينقل تهمة.
أو يحمل الضغائن.
أو ما أشبه ذلك.


فتجنّب قيل و قال و اجعل قولك مبنيا على قول النبي صلى الله عليه و سلم : (من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت).

لو أننا سلكنا هذا المسلك لسلمنا من مآثم كثيرة ، و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ بن جبل: أفلا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يا رسول الله ! فأخرج بلسانه قال كف عليك هذا ، قال : يا رسول الله و أنّا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال ثكلتك أمّك يا معاذ و هل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم نسأل الله لنا و لكم السلامة ا.هـ.


قال الشيخ ربيع –حفظه الله- في شريط بعنوان إن الله يرضى لكم ثلاثة د 53:10:

.. قيل و قال هذه و الله دمار ، كثرة القيل و القال ..

كثر القيل و القال الآن في صفوف السلفيين ، القيل و القال الضار ماهو ترداد العلم و ترداد النصوص و الفقه في الدين و نقل الأعمال الصالحة و الأخلاق العالية و إنما قيل و قال مما يؤذي و يضر و قد تضررت الدعوة السلفية كثيرًا هنا و هناك بكثرة القيل و القال .
فعليكم بالعلم يا إخوة و عليكم بالعمل و الدعوة إلى الله بحكمة ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بحكمة و علم و لأهداف سامية .

و القيل و القال للانتقام للنفس و الأغراض الشخصية و الأهواء الجامحة هذا شر ينبغي أن نحذره يا إخوة لنرضي ربنا سبحانه و تعالى و نتجنب سخطه ، لأن كثرة القيل و القال يدخلها أغراض نفسية ، و قد يوهم الشيطان الإنسان أنه يتكلم لله و هو يتكلم لنفسه و يدعوا إلى نفسه و يسخط لنفسه و.. إلخ و يوهم الشيطان أن هذه الأعمال لله فليحذر نزغ الشيطان و ليحاسب نفسه و يوطن نفسه على الإخلاص لله و قصد وجه الله تعالى فيما يقول و فيما يفعل في مواقفه و تصرفاته و لا سيما في ميدان الدعوة لأن الله أمرنا أن نخلص له الدين ؛ فالمسلم الصادق الناصح لله و لكتابه و لرسوله يكون مخلصًا لله في كل ما يقول و في كل ما يفعل و هذا يحتاج إلى مراقبة النفس بل إلى تربية النفس و الملاحظة لها و الدقة في الملاحظات فإن الشيطان قد يتدخل و يوهم هذا الإنسان المسكين أنه يعمل لله و هو يعمل لنفسه فليحذر كل الحذر ، و لهذا كان السلف أشد ما كانوا يعانون النية .. النية كانت صعبة عليهم وهم يشعرون بهذه الصعوبة لأن عندهم إحساس قوي و عندهم عزم قوي على الإخلاص لله فالذي لا يشعر بهذه المشقة في الإخلاص يمكن لا يفكر في ذلك كيف يجد مشقة و هو لا يفكر فيه ؟
....
افهموا هذه الأشياء يا إخوتاه ووطنوا أنفسكم على الإخلاص لله و الابتعاد عن القيل و القال التي ترافقه الأغراض و التي لا تحمله إلا الشر و لا تضمر إلا التصدع و التفرق و لا شك أنه كثر القيل و القال في السلفيين فأدى إلى تفرق كثير منهم فاحذروا غاية الحذر من الأقوال الضارة الناتجة عن حب القيل و القال الذي يسخط الله تبارك و تعالى و التزموا آداب الإسلام و آداب السلف الصالح الذين نشر الله بهم الإسلام و حفظ بهم الإسلام و لولا إخلاصهم و صدقهم في نياتهم لما وجدنا هذا الخير العظيم و لما انتشر هذا الخير العريض و لكن بصدقهم و إخلاصهم و بأخلاقهم العالية و انتشر الإسلام و حفظ الإسلام .. و هذا الفرق الشاسع بين طلاب العلم في العهد الذي أدركناه و بين طلاب العلم الآن تجد فرقًا كبيرًا كثرت الخلافات ، كثر الشغب كثر القيل و القال أوهن الدعوة السلفية و أضعفها و أفرح خصومها فلا تشمتوا بأنفسكم ولا بدعوتكم المتربصين، كونوا عقلاء و نبهاء و شرفاء ، بارك الله فيكم ، الدعوة هذه تحتاج إلى رجال يتحلون بهذه التوجيهات و بهذه الأخلاق التي علمنا إياها الرسول صلى الله عليه و سلم (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فهذه شهادة من الله سبحانه و تعالى لهذا الرسول أنه على خلق عظيم و هو أسوتنا : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) فمن كان يرجو الله و اليوم الآخر يتأسى بالرسول في عقيدته و عبادته و أخلاقه.

و الأخلاق يا إخوتاه هذه مهمة جدًا يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فعليكم يا إخوتي بمكارم الأخلاق ومنها ما أشار إليها من الحلم و الصبر و الصفح و طهارة القلوب من الحقد و الغل و حب الانتقام إلى آخر الصفات الذميمة و إلى آخر الصفات الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان و الذميمة التي يجب أن يتخلّى عنها الإنسان و أن يربأ بنفسه عنها.

بهذا يا إخوة تتماسكون و تتآخون و تتحابون و يكون المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر.اهـ

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يُصلح أحوالنا و أن يهدينا إلى سواء السبيل و أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه ؛ إن ربي لسميع الدعاء .
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.