المصابيح على شرعية أكثر من إمام في صلاة التراويح



الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد استنكر البعض أن يكون للمسجد الواحد أكثر من إمام في صلاة التراويح، مستدلين بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ولمثل هذا يقال له كما قال الأول:
وقل لمن يدعي في العلم معرفةً *** عرفْتَ شيئاً وغابتْ عنك أشياء

فهذا الأمر تتابع الناس عليه جيلا بعد جيل، بل جرى العمل عليه في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد جاء عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهما أن يقوما في الليلة الواحدة بالتناوب على إمامة الناس في صلاة التراويح.
فن السائب بن يزيد أنه قال: (أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة قال وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر).
أخرجه مالك في ((الموطأ)) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) وفي ((معرفة السنن والآثار))
والبغوي في ((شرح السنة)) والفريابي في ((الصيام)) وجاء مختصرا عند النسائي في ((السنن الكبرى)) وصححه الألباني في ((تمام المنة)) في ((مشكاة المصابيح)) وقال رحمه الله: في ((صلاة التراويح)): سنده صحيح جدا.
فإذا جاء عن عمر رضي الله عنه هذا الأمر ولا يعلم له معارض، يعتبر هذا اجماعا سكوتيا.

وهذا بعدما جمعهم على قارئ واحد, وأمر بذلك أبي بن كعب رضي الله عنه أن يقوم بهم في رمضان.


وهذان الإمامان بمنزلة الإمام الواحد، فمن صلى خلفهما حتى ينصرفا، يدخل في الحديث الذي صح عن أبى ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)).
أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم وصححه الألباني.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه ورسائله)): ((هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلاً، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟
الذي يظهر الاحتمال الثاني - أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول
)) اهــ.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 3 صفر سنة 1440 هـ
الموافق 12 اكتوبر 2018 ف