تقوى الله سبب في قوة الفهم


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فتقوى الله عز وجل سبب للسعادة في الدنيا والآخرة، جالبة للرزق والزيادة في الخير، وهي من أسباب زيادة قوة الفهم.
قال الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 2-3].
وقال الله عز وجل: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} [الأعراف: 96].
وقال الله سبحانه تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأنفال: 53].
وقال الله جل جلاله: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} [المائدة: 66].


وأجمع تعريف للتقوى قول طلقُ بن حبيب رحمه الله[1]: (التقوى أنْ تعملَ بطاعةِ الله، على نورٍ من الله، ترجو ثوابَ الله ، وأنْ تتركَ معصيةَ الله على نورٍ من الله تخافُ عقابَ الله) [2].


فتقوى الله عز وجل سبب أساسي في زيادة قوة الفهم.
قال الإمام ابن القيم رحمة الله في ((إعلام الموقعين)): ((وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد والحق والباطل والهدى والضلال والغي والرشاد ويمده حسن القصد وتحري الحق وتقوى الرب في السر والعلانية ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا وطلب محمدة الخلق وترك التقوى)) اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمة الله في ((تفسير سورة الحديد)): (({ويجعل لكم نوراً تمشون به}، أي: أنكم إذا آمنتم وحققتم الإيمان مع التقوى يثبكم ثوابين {ويجعل لكم نوراً تمشون به} أي: علماً تسيرون به إلى الله - عز وجل - على بصيرة، وفي هذا دليل على أن التقوى من أسباب حصول العلم، وما أكثر الذين ينشدون العلم، وينشدون الحفظ، ويطلبون الفهم، فنقول: إن تحصيله يسير، وذلك بتقوى الله - عز وجل - وتحقيق الإيمان)) اهـ.
وقال رحمة الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((الفائدة الأولى: { يجعل لكم فرقانا } أي: يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وهذا يدخل فيه العلم بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتحها لغيره فإن التقوى يحصل بها زيادة الهدى وزيادة العلم وزيادة الحفظ ولهذا يذكر عن الشافعي ـ رحمه الله ـ أنه قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور *** ونور الله لا يؤتاه عاصي

ولاشك أن الإنسان كلما ازداد علما ازداد معرفة وفرقانا بين الحق والباطل والضار والنافع وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم لأن التقوى سبب لقوة الفهم وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم فإنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام ويستطيع الآخر أن يستخرج أكثر من هذا بحسب ما آتاه الله من الفهم فالتقوى سبب لزيادة الفهم
)) اهـ.


وحسن الفهم وصحة التصور من أعظم نِعم الله عز وجل على عبده.
قال الإمام ابن القيم رحمة الله في ((إعلام الموقعين)): ((صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة)) اهـ.
فمن رزقه الله صحة الفهم {فقد أوتي خيرا كثيرا}.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
[1] قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله في ((منهاج السنة النبوية)): سعيد بن جبير ينسبه إلى الإرجاء.
[2] أخرجه : ابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا ، وابن أبي حاتم كما في ((الدر المنثور)).


كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 23 صفر سنة 1440 هـ
الموافق 1 نوفمبر 2018 ف