تحقير عباد الله الصالحين صناعة إبليس


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وعمل بسنته.
أما بعد:
فمن سمات إبليس التحقير، وفي الغالب ينتج عن كبر، فلما تكبر إبليس حقر أبينا آدم عليه الصلاة ولسلام.
قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61].
قال العلامة صديق حسن خان رحمه الله في ((فتح البيان في مقاصد القرآن)): ((وقال في سورة ص: {أن تسجد لما خلقت بيدي}، واختلاف العبارات عند الحكاية يدل على أن اللعين قد أدرج في معصية واحدة ثلاث معاص: مخالفة الأمر ومفارقة الجماعة والاستكبار مع تحقير آدم، وقد وبخ على كل واحدة منها لكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه اكتفاء بما ذكر في موطن آخر، وقد تركت حكاية التوبيخ رأساً في سورة البقرة والإسراء والكهف وطه)) اهـ.
وقال العلامة الألوسي رحمه الله في ((روح المعاني)): (({ أَءسْجُدُ } على معنى أأسجد له وهو طين أي أصله طين، قال في الكشف : وهو أبلغ لأنه مؤيد لمعنى الإنكار وفيه تحقير له عليه السلام وحاشاه بجعله نفس ما كان عليه لم تزل عنه تلك الذلة وليس في جعله حالاً من العائد هذه المبالغة، وأنت تعلم أن الحالية على كل حال خلاف الظاهر لكون الطين جامداً ولذا أوله بعضهم بمتأصلاً، وجوز الزجاج أيضاً وتبعه ابن عطية كونه تمييزاً ولا يظهر ذلك، وذكر الخلق مع أنه يكفي في المقصود أن يقال: لمن كان من طين أدخل في المقصود مع أنه فيه على ما فيل إيماء إلى علة أخرى وهي أنه مخلوق والسجود إنما هو للخالق تعالى مجده)) اهـ.
وقال العلامة حقي رحمه الله في ((روح البيان)): ((وفي التأويلات النجمية : يشير إلى أنه لا عبرة بظاهر الخلق فلا تنظر إلى أحد بنظر الإزراء والاستهانة والاستخفاف والاستحقار لأن في استحقار أخيك عجب نفسك مودع كما نظر ابليس بنظر الحقارة الى آدم عليه السلام فأعجبته نفسه فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فلعن إلى الأبد لهذا المعنى فمن حقر أخاه المسلم وظن أنه خير منه يكون إبليس وقته وأخوه آدم وقته ولهذا قال تعالى: { عسى أن يكونوا خيرا منهم })) اهـ.
فمن حقر عباد الله الصالحين وتنقص العلماء الربانيين ورثة الأنبياء والمرسلين ففيه شبه بأبي الشياطين.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الأربعاء 19 ربيع الثاني سنة 1440 هـ
الموافق 26 ديسمبر 2018 ف